تمشي دعاء أحمد (20 عاماً) مسرعةً في الشارع، بخطوات جادة، ترتدي بلوزة عليها نقشات عسكرية على جيبه. تقول دعاء: "أنا أصلاً كنت أود أن ألبس بدلة جيش، وبحثت عنها كثيراً ولم أجدها، وأعشق مجموعة الألوان هذه، وأشعر بالفخر أثناء ارتداء الملابس العسكرية".
فما هو ذلك الشعور الذي ينتابنا حين نرتدي ملابس عسكرية؟ هل هي ثقة أكبر بالنفس وتحدٍ للمجتمع، أو مجرد موضة تذهب وتعود من حقبة لأخرى؟
هل موضة لباس الجيش مرتبطة بالأحداث السياسية؟
استوقفتني على فيسبوك صور استعراضية تتباهى بالطفل عبد الرحمن أشرف (5 سنوات ونصف)، بطقم لباس الجيش في إيطاليا، تنشرها والدته ميرفت عزت على حسابها الخاص. وقالت عزت إنها اشترت هذا الطقم من مصر، وهو موضة حديثة جداً في إيطاليا، واشترت لنفسها أيضاً بلوزة بنقشة عسكرية.
تواصلت مع الولد عبد الرحمن في إيطاليا وسألته عن شعوره لدى ارتداء لباس الجيش، فأجاب: "بحب اللبس ده علشان عايز لما أكبر أروح الجيش أو البوليس، وكمان أكون زي السيسي رئيس مصر"، معللاً ذلك بأن الجيوش هي من تضرب الأعداء، عدا أن شكل الملابس رائع جداً.
عبد الرحمن يشعر بالاختلاف وهو يرتدي هذه الملابس في أي مكان، ويعبر له الإيطاليون عن إعجابهم الشديد به.
[caption id="attachment_114980" align="alignnone" width="700"]
عبد الرحمن أشر[/caption]
"الجيش هو مصنع الرجال"، هذا ما قاله السيسي لطفل مريض أثناء رفقته، وكان يرتدي بذلة الجيش في افتتاح قناة السويس.
منذ عام قلت صاحب متجر "بينما الموضة تظهر فترة وتختفي أجد موضة الجيش تنتشر في كل فصول السنة وكل سنة، وفي مختلف مظاهر الأناقة، فأجابني بثقة أنها ستستمر وتزداد: "الجيش فرض سيطرته خلاص".
جملة أوحت بالكثير، وبالفعل تحققت مقولته، فأصبحنا، أثناء التسوق، نشعر كأننا في عرض عسكري بمناسبة قومية.
دفيليهات عسكرية
خلال بحثي عن تاريخ ارتداء الناس للملابس العسكرية، وجدت أن النساء كانت تعيد تدوير الملابس الرجالية التي تركها الجنود أيام الحرب العالمية الثانية، وملصقات تنصحهم بالاستفادة منها، وتغيير مقاساتها لتناسب أجسامهن. كما تأثرت النساء بسترات عسكرية خاصة بالقائد الفرنسي نابليون، فاقتبسن شكل الأزرار منه. وفي أمريكا انتشرت تصاميم بنقشة عسكرية مواكبة لفترة الحرب على العراق، إلا أنها لم تستمر كثيراً بعد أن بدأت تتصاعد الأصوات الرافضة للحرب في العالم. وختمت رحلة آلة الزمن في مصر، فوجدتها منتشرة جداً بعد حرب 73، وقد ارتدت هذه الملابس عدة فنانات، منهن سهير رمزي. وأرجعت مصممة الأزياء ماجدة داغر تاريخ الموضة العسكرية إلى السبعينات، تزامناً مع انتصار أكتوبر 73. وقالت داغر لرصيف 22: "تستخدم موضة الجيش في حفلات المناسبات الوطنية، وهي موضة غير تقليدية في الملابس، انتشرت في مصر وخارجها، ولا ترتبط بالسياسة نهائياً". وترجع داغر اختيار المصمم لهذا النوع من النقشات إلى ارتباط عاطفي بين الشعوب وجيوشها.متأثرون بالموضة أو متلقون بامتياز
ترى الدكتورة رشا حجازي، أستاذة العلاقات العامة وسكرتيرة تحرير سابقة لصحيفة تابعة للجيش، أن هذه الموضة استمرت لفترة طويلة منفصلة عن السياسة. وقالت: "يفرض علينا المصممون أزياء معينة من خيالهم، كانت وليدة الارتباط بالشخصية، فلا السياسة تتأثر بالموضة، ولا الموضة تتأثر بالسياسة". واعتبرت أننا متلقون فقط لما يفرضه علينا مصممو الأزياء العالميون، ولسنا مصدر وحي بالنسبة إلى هؤلاء المصممين. وفي حين أن الموضة لا تؤثر على السياسة، تؤكد حجازي أنها تؤثر على المجتمع بشكل كبير، فتنشر قيماً وأفكاراً معينة، يتمسك بها الشباب، باعتبارها نوعاً مغايراً. فغالبية الشباب يميلون إلى التغيير والبعد عن النمطية، من باب الاختلاف عن المجتمع، لذا الموضة تؤثر على المجتمع وتتأثر به. وتشير حجازي إلى أن اختيار المصممين للنقوش العسكرية في تصاميمهم، ربما يكون نتيجة انطباع صورة ذهنية لدى الشعوب عن الشخصيات العسكرية أنهم عظماء.موجة الشراء أو طوع الاقتصاد
"بعد ارتفاع الأسعار اختلفت أولويات الزبون في الاختيار، فأصبحت أولوياته السعر المناسب ثم الموضة"، يقول مايكل راتب (27 عاماً)، صاحب متجر للملابس. أما وائل جرجس (35 عاماً) صاحب متجر للملابس أيضاً، فيرى أن موضة الجيش عليها إقبال معقول، ولكن ليس بحجم الإقبال الذي حدث بعد 30 يونيو، على الرغم من أنها كانت أقل شيوعاً من الآن. ويرجع جرجس ذلك لارتفاع الأسعار بشكل كبير، واختيار المصممين لها بهدف الربح، بغض النظر عن سياستهم أو عقيدتهم. فالاقتصاد هو المتحكم في تطويع ميول الناس العاطفية تجاه الجيش، إلى وسيلة للكسب. تماماً كما تصنّع الصين فوانيس رمضان، بينما هي لا تستهلك ذلك المنتج إلا نادراً. ويضيف جرجس: "من زبائن هذه الموضة، الفتيات المراهقات اللواتي يردن الظهور بمظهر المتمردة والمختلفة وسط جيلها لإبراز معالم شخصيتها. تلك الأزياء والنقشات تجذب الناس، لذلك نضع الأزياء العسكرية في واجهات المحال بحرية".قوة وغموض
توضح حجازي أن الخبراء يؤكدون أن هذه النوعية من الملابس تدل على القوة والغموض، وبصرف النظر عن كونها موضة أو لا، فهي تلقى قبولاً كبيراً من الجميع، خصوصاً في مصر، وعلى اختلاف مستويات الناس الاقتصادية. ففي مناطق الريف المصري، كثيراً ما نجد الأطفال يرتدون البذلات العسكرية، سواء للجيش أو الشرطة. ولدى سؤالهم عن المهن التي يودون امتهانها عندما يكبرون، تكون الإجابة "ضابط". وذلك يعود إلى الصورة الذهنية الجيدة المرسومة في أذهان الجميع عن رجل الجيش أو الشرطة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع