"إن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين عبر باتجاه العراق، حيث دخل نحو 15 ألفاً منذ الخميس الماضي، وهو عدد غير مسبوق". هذا ما أوضحته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. أكراد سوريا يقفون على خط النار والأزمة السورية تتعقّد أكثر فأكثر.
لم يعد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني مضطراً إلى انتظار نتائج التحقيق الخاص الذي دعا إلى إجرائه بهدف التأكد من "الأنباء" التي تحدثت عن تهديد "الإرهاب" للمواطنين الأكراد الأبرياء. الفرار من "غرب كردستان" أبلغ من أي تحقيق، ولم يعد ممكنا اعتبار الوقائع مجرد "أنباء". فهل ينفذ البرزاني إذاً تهديده بالتدخل و"تسخير كل إمكانياته" للدفاع عن أكراد سوريا؟
تهديدات البرزاني لم تأتِ من منطلق إنساني، بل من منطلق سياسي بحت. تتصدّر المشهد السياسي الكردي السوري "الهيئة الكردية العليا" وهي هيئة تشكلت في مؤتمر أربيل، في يوليو 2012، وتضم أقوى أحزاب الكرد السوريين، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (ب.ي.د)، و16 حزباً كردياً معارضاً يشكلون المجلس الوطني الكردي. النفوذ في الهيئة مقسّم مناصفة بين الـ"ب.ي.د" وبين الباقين. ولكن "قوات الحماية الشعبية"، أي القوات العسكرية المكلفة حماية المناطق الكردية، تنتمي في معظمها إلى الـ"ب.ي.د"، المتهم بالتقارب مع النظام السوري. من هنا يأتي إعلان البرزاني نيّته إرسال ثلاثة آلاف مقاتل من البشمركة إلى سوريا. في ظل التفاهم التركي مع أكراد العراق، يحاول الأتراك موازنة نفوذ الـ"ب.ي.د" بنفوذ البشمركة لكي لا يفلت المسار السياسي لأكراد سوريا عن سيطرتهم. ولكن الدعم الآتي من كردستان العراق يلقى معارضة من الـ"ب.ي.د" ومن النظام السوري. يشترط الحزب الكردي السوري القوي وضع البشمركة تحت قيادة وحدات الحماية الشعبية التي يهيمن عليها.
التوتر العربي – الكردي في سوريا ليس أمراً مستجداً. يسجّل أكراد سوريا في ذاكرتهم مقارنة برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني، بينهم وبين المغاربة في فرنسا نازعاً عنهم الأصالة في الانتماء إلى الوطن. ويسجّلون رفض المجلس الوطني السوري تسمية سوريا بالجمهورية السورية وخضوعه لاقتراح "عتاة عشائر العرب" تسميتها بالجمهورية العربية السورية. ويسجّلون تصريحات تدعي بأن عددهم في سوريا لا يتجاوز الـ 500 ألف فيما هم 4 ملايين. يعود أول اشتباك مسلّح بين المعارضة السورية والأكراد السوريين إلى 26 أكتوبر 2012 حين اشتبك عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطي مع مقاتلين من الجيش السوري الحر اقتحموا حي الأشرفية في حلب. حينها هدد حزب العمال الكردستاني بتدخل "القوات الشعبية" (ذراعه العسكرية) ضد "أعداء" الشعب الكردي. وحينها افتتحت مرحلة الصراع الإقليمي على أرض الأكراد وعلى سياساتهم.
لا يستسلم الـ"ب.ي.د" لقدرية تطوّر الأحداث. يتنقّل زعيمه صالح مسلم دورياً بين طهران واسطمبول. يطالبه الأتراك بقطع صلة حزبه تماماً مع النظام السوري وبالتعاون الكامل مع المعارضة السورية، ويطالبونه بالتزام الحياد في المسار السياسي الذي أطلقوه مع حزب العمال الكردستاني. يخشى الأتراك من ولادة حكم ذاتي كردي على حدودهم، ويحاول مسلم تطمينهم بأن خيار أكراد سوريا الاستراتيجي هو البقاء ضمن الوحدة السورية، ويطالبهم في المقابل بوقف دعم المقاتلين الإسلاميين الذين افتتحوا جبهة واسعة ضد كل المناطق الكردية.
يفضل الـ"ب.ي.د" إدامة سيطرته عسكرياً على أرض "غرب كردستان" وعدم اتخاذ موقف عملي من الصراع الدائر في سوريا. حين عملية "تحرير" مطار منغ في حلب، انسحبت عناصر حماية المطار باتجاه قرى منطقة عفرين الكردية تحت غطاء كردي. وفي شباط الماضي، وافق الأكراد، بعد أشهر من الكرّ والفرّ، على إزالة المظاهر المسلحة من مدينة رأس العين (سري كانيه) وعلى إدارة مشتركة للمعبر الحدودي تؤمن للمعارضة السورية خط إمداد يصل بين مناطقها وبين الداخل التركي. بهذه الطريقة يسعى الأكراد إلى تجنّب نيران الحرب في سوريا. فهم ينظرون بعين الريبة إلى العرب. لم ينسوا أن الأخيرين وقفوا يتفرّجون على قمع النظام السوري لهم حين انتفضوا في القامشلي، عام 2004، ضد النظام السوري.
لكن هذه الإزدواجية التي أدارها الأكراد بدقه لم تعد ممكنة. لم تستطع الكتائب الإسلامية المقاتلة احتمال التفاهم مع الأكراد. افتتحت معركة واسعة ضدهم تبدأ في ريف حلب وتمتد إلى عفرين وكوباني في الشمال الشرقي، وتصل إلى تل أبيض ورأس العين، ومنها إلى القامشلي حتى شمال شرقي سوريا حيث تقع حقول نفط السويدية والرميلان. العنوان الاستراتيجي لهذه المعركة المفتوحة هو تل أبيض التي تعتبرها الكتائب الإسلامية بوابتها لتصدير النفط السوري المستخرج من حقول دير الزور، عبر الرقة، نحو تركيا. إنه اقتصاد الحرب! وفي المقابل، أعلنت "وحدات الحماية الشعبية" التعبئة المسلحة وأطلقت "النفير العام" في المدن والقرى الكردية السورية.
هي حرب عربية ـ كردية مفتوحة، وهي حرب بين الكتائب الإسلامية وعلى رأسها جماعتا النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام وبين الأكراد، وهي صراع إقليمي على مناطق الأكراد. أعلن سالم المسلط، زعيم عشيرة الجبور كبرى عشائر الشرق السوري، ونائب رئيس "الائتلاف الوطني السوري" أنه "لن يصبح شرق سوريا غرب كردستان، ولو بقي منا رضيع واحد". وأعلن الأكراد أنهم سيوجهون ضربات لأعدائهم خلف خطوطهم. والنتيجة: مزيد من العقد تُضاف على الأزمة السورية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...