بعد اجتماع موسّع عقدته أحزاب وقوى كردية وبعض ممثلي القوميات والأديان الأخرى، في مدينة الرميلان في الحسكة، شمال سوريا، جرى إقرار "النظام الفدرالي" في "إقليم روج آفا (غرب كردستان)". يقدّم رصيف22 إليك المعلومات الضرورية لفهم الخطوة الكردية وخلفياتها وإمكانات تنفيذها على أرض الواقع.
جغرافيا أكراد سوريا
يقدّر عدد أكراد سوريا بنحو ثلاثة ملايين ويشكلون قرابة 15% من الشعب السوري. وعندما يتحدث أكراد سوريا عن مناطقهم فهم يقصدون بشكل أساسي ما يسمّونه بالإدارات الذاتية الثلاث وهي كوباني (عين العرب) في ريف حلب الشمالي وعفرين في ريف حلب الغربي والجزيرة (الحسكة). وكذلك، يحاولون أن تكون ضمن مناطقهم المناطق التي سيطروا عليها أخيراً في محافظتي الحسكة وحلب. وبالمجمل يسيطر أكراد سوريا على مناطق تشكّل أكثر من 10% من أراضي سوريا. كما يسيطرون على شريط حدودي طوله 400 كيلومتر على الحدود السورية التركية، من الحدود العراقية حتى نهر الفرات، بما يشكّل 75% من الحدود السورية التركية.رفض دولي ومحلّي
لا تحظى الخطوة الكردية لا بدعم محلّي ولا إقليمي ولا دولي. محلياً، نقلت "وكالة الأنباء السورية" (سانا) عن مصدر في وزارة الخارجية السورية قوله إن "طرح موضوع الاتحاد أو الفيدرالية يشكل مساساً بوحدة الأراضي السورية، الأمر الذي يتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية". كما حذّر الائتلاف الوطني السوري، أبرز قوى المعارضة السورية، "من أيّة محاولة لتشكيل كيانات أو مناطق أو إدارات تصادر إرادة الشعب السوري"، معتبراً أن تحديد شكل الدولة السورية، سواءً أكانت مركزية أو اتحادية، لا يتم إلا "بعد وصول المفاوضات إلى مرحلة عقد المؤتمر التأسيسي السوري الذي يتولى وضع دستور جديد للبلاد". وإقليمياً، عارضت تركيا أيّة خطوات منفردة لإقامة كيانات جديدة في سوريا على أساس عرقي. أما دولياً، فقال نائب المبعوث الأممي إلى سوريا رمزي عز الدين رمزي أن "موقف الأمم المتحدة واضح، وموقف مجلس الأمن واضح، وكل السوريين الذين استمعنا إليهم هم مع وحدة سوريا، وهذا أمر واضح وقاطع ولا نقاش فيه". كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي: "لا نؤيد قيام مناطق ذات حكم ذاتي أو شبه مستقلة داخل سوريا"، وتابع أنّ "ما نريده هو... سوريا موحّدة غير طائفية".ماذا تعني "فدرالية الأكراد"؟
المواقف تجاه الخطوة الكردية تنطلق من خوفها من مصطلح الفدرالية لا أكثر. ولكن ما هي حقيقة هذه الخطوة؟ منذ منتصف عام 2012، استفاد أكراد سوريا من انسحاب القوات الحكومية من مناطقهم واستغلوا ذلك لتوطيد سيطرتهم ذاتياً عليها. وفي 12 نوفمبر 2013، انشأ حزب الاتحاد الديموقراطي، ممثلهم السياسي الرئيسي، إدارة انتقالية للحكم الذاتي. ما أعلنه الأكراد حالياً ليس فيه عملياً أيّة خطوة إضافية كبيرة. لا يعدو الأمر كونه إجراءً تنظيمياً جديداً لتوسيع صيغة الإدارة الذاتية المشكّلة سابقاً. فهم أعلنوا النظام الاتحادي في مناطق سيطرتهم في شمال سوريا التي يسمّونها روج آفا. ولكن في السابق لم يكن الأمر مختلفاً كثيراً إذ كانوا قد شكّلوا ثلاثة كانتونات (كوباني والجزيرة وعفرين) لكلّ منها له نوع من إدارة خاصة. وجاء في "وثيقة النظام الاتحادي" أن "تأسيس الاتحاد الديموقراطي لروج آفا - شمال سوريا هو ضرورة للتنسيق بين مناطق الإدارة الذاتية، وضمان لوحدة الأراضي السورية". ويمكن ردّ السجال الحاصل حالياً إلى استخدام الأكراد مصطلح الفدرالية والمطالبة به كنظام مستقبلي لسوريا. ففي وثيقتهم الجديدة جاء أن "الحل الواقعي في سوريا هو نموذج الديموقراطية والفدرالية الديموقراطية". وهنالك نقطة أخرى تخيف خصوم الأكراد. فهم لم يحدّدوا حدود المناطق التي ستشكّل "فدرالية روج آفا"، ولن يقبل خصومهم بأي شكل في أن تستمر سيطرتهم في المستقبل على الكثير من الأراضي التي يسيطرون عليها حالياً.هل يتحوّل الأكراد إلى ضحية؟
من التصريحات اللافتة بعد الخطوة الكردية ما قاله مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا، قال إنّ الخلاف بين الحكومة السورية والمعارضة ما يزال "كبيراً" لكنهما اتفقا على الحاجة للحفاظ على وحدة أراضي البلاد ورفض النظام الاتحادي. بتحدّيهم لباقي المكوّنات السورية مجتمعةً، قد ينتج عن قرار الأكراد تقارب بين النظام والمعارضة السورية في مفاوضات السلام. فبما أن الأخيرين لا يتفقان تقريباً على أي شيء، وبما أن كل مفاوضات تتطلّب الاتفاق على بعض الأمور، قد يؤجّلان بعض المسائل الحساسة إلى المستقبل ويبدآن بالاتفاق ضد الأكراد. والأكراد هم إحدى القوميات القليلة التي يعيش أبناؤها في مناطق متصلة جغرافياً ويُمنعون برغم ذلك من تأسيس دولة، لأن الدول الأربع التي يعيشون فيها (تركيا، إيران، العراق، سوريا) متفقة على ذلك، وهي لطالما دعمت أطرافاً كردية ضد أخرى لاستثمارها في الصراعات بينها ولكن في لحظة الجد، حين تقترب إمكانية استقلال الأكراد، تنسى خلافاتها وتتفق عليهم. ولا تزال ذكرى تجربة جمهورية مهاباد التي تأسست في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي، شمال غرب إيران، حاضرة. فهي لم تدم أكثر من 11 شهراً، وسقطت بعد أن التقت المصالح الإقليمية والدولية حول ذلك. والتجربة الوحيدة الناجحة كانت تجربة أكراد العراق، إذ نجحوا في نيل حكم ذاتي لإقليم كردستان العراق وكرّس ذلك الدستور العراقي الصادر عام 2005. ولكن حالياً يتفق باقي العراقيين ضد محاولتهم توسيع إقليمهم وضد إعلانهم الاستقلال. قد يُغري أكراد سوريا أن الأميركيين يعتبرونهم الشريك الأساسي الموثوق به لمحاربة الإرهاب. ولكن إذا كان التخلّي عنهم سيقرّب بين النظام السوري ومعارضته وتركيا وأطراف أخرى، فإن أميركا بالتأكيد ستفضّل ذلك.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...