لماذا لا يريد بعض الناس التحدث في السياسة والدين والجنس؟
يجيب حساب "ماتريكس سبيس بروجرام" عن سؤال طُرح على موقع التواصل المعرفي "ريديت"، أن هنالك ثلاثة أمور من المفترض أن لا تناقشها مع أحد: الجنس والدين والسياسة.
لماذا يا ماتريكس؟ يجيب: "أولاً، لكل شخص في هذه الأمور الثلاثة رأي متماسك وصلب. فلن يغيّر مسيحي دينه للإلحاد بسبب كلمة، ولن يمارس مثليّ الجنس مع امرأة من أجل حديثك عن حرمانية هذا الفعل.
ثانياً، الحديث عن هذه الأمور يؤدي إلى "محادثات عقيمة"، قد تهاجم وتؤذي نفسياً شخصاً ما بسبب رأيه.
ثالثاً، يعتبر الكثيرون الدين والجنس والسياسة خصوصيةً تشبه نظامي الغذائي، والطرق الجنسية التي أحب أن أمارس بها الحب، والمرتب الذي أتقاضاه".
التابوهات شأن خاص
لدى الكاتبة الاجتماعية كاس دوهيرتي رأي آخر أوردته في مقال عنوانه: "لماذا نحتاج إلى الحديث عن السياسة؟"، وفحواه أن الذين يتحدثون في السياسية يميلون إلى أن يكونوا ذوي اقتناعات قوية، ما يجعل المناقشة صعبة، ولكن ذلك لا يعني أن نتجنب الحديث في الموضوع تماماً. في رأيها أن السياسة موضوع حيوي، يبرز في عشاء الأسرة وأمسيات الأحد، وتقول إن الأمر تحول أخيراً وكأنه تابو، إذا عرفنا أن شخصاً حماسياً جداً في حديثه عن السياسة، لن نود الجلوس معه، وإجراء مناقشة مدنية، ولكن السؤال لماذا؟ لماذا لا نريد ذلك؟ لماذا الحديث عن السياسة يدفعنا للجري والاختباء؟ ربما تفادي النقاش في السياسة ينبع من حقيقة أننا لا نريد أن نرى عالمنا مهدداً، ولا نريد لشخص ما أن يهده، أو يحاول فعل ذلك، ولكن إذا كنا مطمئنين في الأصل لقناعاتنا ووجهات نظرنا، كما يدعي الكثير منا، فلماذا نقلق؟ ربما السبب نفسي، نكون أسعد في مواضيع أخف مثل الحديث بشأن الألبوم الأخير لأحد المغنين. ربما لا نريد أن نعترف أن من نؤيدهم ليسوا مثاليين، أو لسنا مستعدين لهجوم المعارضين، وفضح عيوب من ندعم، لذا من الصعب أن تستمع لشخص يعارضك سياسياً. تقول الكاتبة، بعد سردها للمبررات المحتملة حول تحاشينا للنقاش في السياسة، إن السياسة أصبحت جزءاً مهماً من حياتنا الاجتماعية، وتؤثر فينا جميعاً، سواء اعتقدنا بذلك أم لا، والحديث بشأنها مهم لأنه يوسع الآفاق، ويدعم الآراء، ويجعلنا نتفهم منطق الآخرين، إنها مهمة جداً لمعرفة ما يحدث في العالم، هناك دائماً حدث يمكن أن يغيّر بشكل جيد حياتنا. وإذا كانت السياسة "دراسة العملية الحكومية"، فإنها تمثل أيضاً سلوكيات إنسانية، وهي مهمة لأنها تجبرنا على التحليل والتفكير الانتقادي في العوامل التي تؤثر في مجتمعنا. ويتفق معها دانيال لاتيه، وهو أكاديمي متخصص في العقائد المسيحية، ويؤكد في مقال له أن ظاهرة عدم الحديث في السياسة تقول شيئاً عن هؤلاء الأشخاص أكثر مما تقول المواضيع السياسية نفسها. يستشهد لاتيه بمقولة تعرّف التعليم بأنه "القدرة على الاستماع تقريباً لأي شخص من دون أن تفقد أعصابك أو ثقتك في نفسك"، حسناً إذا كنتم متعلمين، ينبغي أن تناقشوا شؤوناً سياسيةً، ولكن لسوء الحظ معظم المتعلمين لا يفعلون ذلك، فغالبية المدارس لم تعلمنا "كيف نصيغ مواقفنا بوضوح وثقة"، وكيف نعرف مبادئنا المشتركة مع الآخرين، وكيف نكون كرماء ولطفاء اتجاه الذين يختلفون معنا. via GIPHY غياب هذه القدرات تُشعر الناس بأنهم غير محميين حيال مواقفهم السياسية وغيرها، ويشعرون بتهديد إذا تحدى أحد معتقداتهم. الخوف وعدم الإحساس بالأمان يظهران غالباً في الغضب.الكلام ليس مهماً
نضيف إلى مبررات لاتيه أن عدم الحديث في السياسة أو الدين أو الجنس يكشف عن آلية عقلية في التعامل مع الأمور المزعجة، ما يزعجنا نتجاهله، ولا نهتم بأمره. إذا كان التفكير في الدين يزعجكم فلا نفكر فيه ولا نتحدث عنه. ويكشف أيضاً موقفاً سلبياً مسبقاً، لقد أخذنا قراراً بأن لا يكون لكم موقف في هذا الأمر، وسيصب ذلك في خدمة رجال الدين والسلطة؟ ففي النهاية، مهما كانت الأفكار السفيهة التي يقولونها ويرتكبونها فستمر، وستتحول آراؤهم، وإن كانت تافهة، إلى "رؤية وطنية ودينية"، حتى لو كفرتم بهم. رأيكم غير مؤثر اجتماعياً ولا سياسياً، لأنكم لن تفصحوا عنه، ولن تدعوا الناس إليه، لأن الناس لا تريد الحديث في السياسة والدين.معظم الناس مصابون بـ"مركزية الأنا"، وهي انحياز إدراكي لما تراه أنتأما الحديث عن الجنس فهو أكثر تعقيداً، لأنه حل التفاخر والخزي. لن تتحدث امرأة في جلسة مختلطة عن أنها لم تبلغ الرعشة (الأورغازم)، أو أنها تشعر بالألم الفظيع أثناء العملية الجنسية، ولن يتحدث شاب أن عضوه معوج وأن ذلك يؤلمه كلما أراد مضاجعة فتاته. إنها منطقة يجب على الجميع أن يبتسم فيها ويشعر الآخر أنه بخير. نحن أيضاً عنصريون تجاه من يمارسون الأنشطة الجنسية غير الشرعية، وذلك يظهر في المواقف الجادة، لا نميل بالإجمال إلى أن يكون شركاؤنا متعددي العلاقات، أو أن تكون زوجة مستقبلك اختبرت الجنس الجماعي، بل إن مجرد الحديث عن ذلك يثير حفيظتنا، ويجعلنا نتحدث قلباً وقالباً باسم النظام الاجتماعي والسياسي. نعرف أن هناك حلالاً واضحاً وحراماً واضحاً، وقانوناً ينظم علاقتنا الجنسية، ولكن أليس من حق كل فرد أن يختار الالتزام أو لا، أن يستمتع جنسياً بالطريقة التي تعجبه، ولو بالطريقة الخطأ؟
الكلام في التابوهات يغيّرنا؟
بعد كل ذلك، هل إذا تحدث بعضنا مع بعض في السياسة والدين والجنس يمكن أن نتغير؟ أو على الأقل يمكن أن نتفهم تجربة الآخرين وآراءهم؟ في مقال لها في "سايكولوجي توداي"، كتبت سوزان كراوس، أستاذة العلوم النفسية والدماغ في جامعة ماساتشوستس أمهرست، أن هذا لن يحدث إلا قليلاً، لأن معظم الناس مصابون بـ"مركزية الأنا"، وهي انحياز إدراكي لما تراه أنت. بحسب تعريف المقال إنه "يشير إلى قيد طبيعي على إدراكنا بسبب حقيقة بسيطة هي أننا نرى العالم فقط من وجهة نظرنا". ويحتاج الأمر إلى مجهود لتروا العالم من أي وجهة نظر أخرى بعيداً عن وجهة نظركم. via GIPHY هذه النزعة المركزية للأنا باتت جزءاً مهماً من نظرية عالم النفس السويسري جان بياجيه حول نمو الطفل، فمنذ 8 أعوام يعجز الأطفال الصغار عن إدراك العالم من وجهة نظر الآخرين، وعلى هذا الأساس جاءت لعبة الشطرنج، التي تعتمد على متعة عدم معرفة الشخص الآخر بطريقة تفكيرك. على الرغم من أننا نكبر ونتعلم، فإن معظمنا لا يستطيع تجاوز النمط الإدراكي الخاص به، طريقة نظرته للعالم واستجابته الخاصة، هل تشكّون في ذلك؟ جربوا واحكوا لصديقكم مثلاً تجربة ولو تافهة في العمل أو مهارة معينة أتقنتموها، شرط أن لا يعرف شيئاً عنها حتى البديهيات، بحسب الباحثة، فإن معظم الناس لن يفهموا أو يدركوا ما تقولون لهم. ليس ذلك فقط، فهناك عقبة أخرى تتمثل في "الجمهور الوهمي"، هو مصطلح صكه عالم نفس الأطفال ديفيد إلكيند، ويعكس ميل المراهقين إلى تصور كيف يستجيب بعض أصدقائهم لبعض، حتى في الأفكار، ووصف هذه التجربة بـ"يوتيوبينج" لأفعالهم ومواقفهم، أي أنهم يتعاملون كما لو كانوا شريط فيديو على يوتيوب، يستعرضون أنفسهم وينتظرون بحماس رد فعل الناس. وبحسب الكاتب، يجعلنا ذلك نشعر بالحرج، عندما نحاول تعلم مهارةً جديدةً كالرقص أو السباحة، إذ نخجل من ردود أفعال الناس على ما نفعله ولا نتقنه. مركزية الأنا تجعلنا نفترض افتراضات خاطئة حول توقع ما يفترضه الناس عنا وعن مشاعرنا، تثير هذه الحالة كثيراً من المناقشات خصوصاً في نطاق الأسرة والأصدقاء، أو مع شريككم، إلى أن تكتموا رؤيتكم أو فكرتكم، على الأقل لتتفادوا نظرة اشمئزاز أو نفور ممن تحبونهم، وتجعلكم مهتمين لا شعورياً على الأقل بتقدير الآخرين لأفكاركم ومواقفكم أكثر من اهتمامهم بكم، برؤيتكم ومواقفكم وكلماتكم، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بتابوهات مثل الدين والجنس والسياسة.السلطة هي السبب
via GIPHY وثمة سبب آخر يمنع الناس من التحدث عن أمور كهذه أو تفهم مواقف الآخرين أثناء المناقشات، هو عدم وجود الحاجة العملية للحديث عنها، فيصعب تحويل المناقشات إلى واقع فعلي في وسط أنظمة سياسية رسمت كل شيء مسبقاً، بدءاً بطريقة ممارستكم الجنسية القانونية، وانتمائكم الديني، إلى احتمالات تحويل الأفكار السياسية إلى واقع، تلم الأنظمة تكاد تكون بعيدةً حتى في أكثر الأنظمة ديمقراطيةً. فالتقاء الناس للتباحث بشؤون دنياهم، خصوصاً المتعلقة بالمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الملحة والخروج بقرارات، يهدد الديمقراطية الغربية بحسب الدبلوماسي السابق في الأمم المتحدة والباحث كارن روس في كتابه "الثورة بلا قادة"، فما بالكم بالأنظمة القمعية الفاسدة التي لا تحترم حرية التعبير؟ يستعرض روس تجربة جيمز فيشكين، الذي استخدم مصطلح "الديمقراطية التداولية" ويقصد به أن يلتقي الناس ويناقشوا مشاكلهم لحلها، ولاحظ أن هذه الطريقة أكثر كفاءةً من الديمقراطية الانتخابية المعروفة في الغرب، إذ يقتصر دور الناس على الاقتراع لأشخاص يثقون بهم. ولاحظ أيضاً أن الناس في مناقشاتهم لحل مشكلة ما، يولون أهميةً أكبر لآرائهم المتبادلة، وتستند الأفكار إلى معطيات الواقع، وليس إلى نقاش فكري أو أيديولوجي، ويزداد النزوع إلى التوافق في الآراء، وتشعر الجماعة المشاركة بقدر أكبر من الالتزام بالقرارات المتخذة بالإجماع. ولكن بحسب كارن روس، فإن شرط اتخاذ "القرار التداولي"، وتمتع المواطنين بفوائده الكاملة والواضحة، متوقف على شرط يجب تنفيذه: ضرورة عدم وجود أي سلطة على الإطلاق. وهذا ما حدث خلال فترة تاريخية وجيزة في إقليم كاتالونيا شمال أسبانيا بين عامي 1936 و1938. فوفقاً لكارن روس، كان الفوضويون ممسكين بالنظام ولم تكن هنالك سلطة، والقرارات يتخذها المعنيون بها، وهم أصحاب المحالّ، والفلاحون، والعمال، وأهل الحي. علماً أن مناقشات نظرية في أجواء كهذه ستحول القناعات إلى واقع مباشر وفوري، وتحدث عن تلك التجربة الكاتب الإنجليزي المعروف جورج أورويل في كتابه "ولاء لكاتالونيا". ماذا كانت نتيجة مقابلات الناس الحرة لمناقشة واقعهم وتغييره بدون بيروقراطية الأجهزة الحكومية، وبدون خبراء ومحللين ينوبون عن العامة في تحليل الأفكار وتقديم المقترحات، يقول أورويل: "مهما شتم المرء ذلك الوقت، فإنه لا يلبث أن يدرك لاحقاً أنه كان على اتصال بشيء غريب وثمين، كان المرء في أسرة متآلفة، فظل الأمل أكثر حضوراً من النفور والنزعة إلى الشك، إذ كانت كلمة "رفيق" تعني الرفقة، لا الدجل والخداع، كما في أكثر البلدان، حيث المرء استنشق هواء المساواة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا