شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
علاقات بين ممارسة الحميمية دون جنس وممارسة الجنس دون حميمية

علاقات بين ممارسة الحميمية دون جنس وممارسة الجنس دون حميمية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 17 سبتمبر 201701:23 م

لطالما غنى الفنانون، وكتب الشعراء عن العشق المتبادل، ولطالما حلمنا في بدايات مراهقتنا بأن نكون أبطال قصص حب قرأناها وتخيلنا أنفسنا فيها. وامتدح كثيراً أطباء نفسيون حالة الحميمية تلك، ورأوا أنها تسمو بالغريزة الجنسية إلى مستويات روحانية عليا. ولكن بعيداً عن الشعر والغناء كيف نبدو أمام مثل هذه علاقة بيننا وبين شركائنا؟ تستخدم تقارير عدة مفرد "حميمية" بدلاً من الجنس، وبعض من التقينا بهم لم يفهموا كلمة الحميمية من المرة الأولى، وبدا أن لكل شخص مفهوماً خاصاً به نابعاً من تجربته وثقافته.

تقول ليزا توماس، معالجة جنسية في قرية غرينوود بولاية كولورادو الأمريكية، شارحة الفرق بين ممارسة الجنس العادي والحميمية: فكر في الحميمية الجنسية على أنها سلسلة مترابطة، في طرفها الأول نفسك المنغلقة، وفي طرفها الآخر نفسك المنفتحة. تشرح ليزا: "في الجنس بلا حميمية أنت منغلق، غير متصل، عيناك موصدتان، وتأخذ نفساً عميقاً أثناء الممارسة، لا تتنفس رائحة شريكك، وقد تفكر فيه بشكل سلبي، عقلك موجه في مكان آخر وليس في هذه اللحظة التي أمامك، متوتر، ومضغوط، ومنفصل".

وتضيف: "في الطرف الآخر من السلسلة نفسك منفتحة، متصل بالآخر، عقلك متفتح، عينك تنظر إلى روح الشخص الآخر، تتنفس رائحته، تتذوق عطره، تفكر بإيجابية، ولست قلقًا بشأن كيف تبدو رائحته أو شعوره أو مذاقه، أنت مسترخِ، ودافئ، ومنفتح، ومتصل". ما تتبناه ليزا هو أن الحميمية طريقة يمكن أن يتعلمها المرء أثناء الممارسة الجنسية أياً كان الشخص الذي أمامه، ولكن يرى آخرون أن الحميمية أبعد من مجرد طريقة، إنها انفتاح نفسي ووجداني بين شخصين مقربين للغاية.

الجانب المظلم من الحميمية

"الجنس يزودنا بطريقة للتواصل مع الآخر نختبر فيها لحظة النشوة الحسية في جسد آخر، والحميمية تجربة التقارب الحقيقي مع الآخر، المعرفة الحقيقية، وأن يعرفك الآخر أيضاً، إنه يسمو بالجنس إلى شيء روحاني". هكذا يُعرّفها مارك بانشيك الخبير في العلاقات الزوجية بمقال له عن الحميمية على موقع "سايكولوجي توداي".

ولكن بانشيك يلفت النظر إلى الجانب المظلم من الحميمية، يقول: "العقدة الكبيرة في الحميمية يمكن أن تجعل الشركاء مرتبكين، لا يمكن لأحد أن يؤذيكم مثل الشخص الذي تعيشون معه حميمية جنسية. أنت فعلًا تحبها، ولكن انتقادها يؤذيك كثيراً، ربما فعلاً تحبينه، ولكن كيف ستمارسين الجنس مع رجل يترك الحمام فوضوياً كل يوم؟ ربما يكون الأمر تافهاً، ولكن عندما تشعرين بالحميمية أنت منفتحة على الاستياء، والعصبية، والتهيج، والاحتياج، والاستقامة، والانغماس".

بالإضافة إلى أن مجال الحميمية اجتماعياً، بحسب بانشيك، يتضمن مخاطرة كبيرة في العلاقات الإنسانية، إذ توجد غالباً مشاكل مع الوالدين، أو مع حبيب سابق، وفي السرير أيضاً، يتساءل: "هل يمكن أن تستمتع بالجنس مع الشخص الذي يجعلك غير مستقر؟". يوضح بانشيك: "عندما نكون حميميين، نخلق القصص معاً. نتذكر أوقات القرب، ولكننا نتذكر أيضاً رسالة لم يُرد عليها، ملاحظة مهينة، رفضاً. إذا حملنا هذه المشاعر إلى اللحظة الجنسية، قد تستمر الحميمية في انتصارها مع التقارب الشديد، ولكنها أيضاً قد تنتكس إلى عدم الرغبة في الاستمرار". ويوجز بانشيك فكرته قائلاً: "قوة الحميمية مع الجنس تُخرج انعدام الأمن الكامن منذ سنوات، ربما حان الوقت أن تتخذوا خطوة صعبة لتكبروا وتصبحوا بالغين".

دفء الأسرة ونشوة الحبيب

ربما يفضل البعض أن يحيا حياتين، إحداهما آمنة ومستقرة ومريحة مع الزوج، وأخرى مثيرة ومجنونة وحميمية مع حبيب، فللحياة الاجتماعية الهادئة ميزاتها، وللعلاقات الحميمية توهجها. تحكي امرأة متزوجة، في مقال بصحيفة "الغارديان" عن علاقة جنسية تجمعها بزوجها وعشيقها صديق زوجها، ولكنها أبقت العلاقة الأخيرة سراً، بعيدًا عن عائلتها لأنها تحب الحياة العائلية، الخروج لتناول العشاء، الذهاب بالأطفال إلى المدرسة، تنظيم الحفلات، مثل الكثير من الأمهات العاملات، وفي الوقت نفسه "الحب والسعادة مهمان جداً" لحياتها. علاقتها بزوجها ستيفن استمرت عشرين عاماً، وعشيقها مايكل تسع سنوات.

في بداية قربها من مايكل صدمها شعورها، وأحست باضطراب، وبدأ الأمر بمغازلة عندما كانا ثملين أحد الأيام، عندها اكتشفا أنهما مختلفين تماماً عندما يكونان منعزلين عن الناس، وبدآ يمارسان الجنس مرتين كل شهر مع أخذ احتياطات مشددة بعدم ترك أثر خلفهما.

تقول موجزة تلك العلاقة: "لدي رجلان، وأنا لا أؤذي أياً منهما، وليس لدي نية لأفعل ذلك، أعرف أننا جشعون ولكن هذا الجشع لا يؤثر على أحد، ولكنه يعزز حياتي الجنسية مع زوجي ستيفن، وأن يراك رجلان عارية سيبقيك بالتأكيد في حالة ملائمة، وأريد للأمور أن تسير كما هي". وفي النهاية لا يقلقها سوى أمر واحد: أن يموت عشيقها مايكل ولا تحزن عليه بطريقة تليق بعلاقتهما.

وتطرح مقالة "الغارديان" تساؤلاً هاماً: ماذا نفعل إذا كانت الحميمية منفصلة عن الاستقرار الاجتماعي والدفء العائلي، هل نُضحي بالأولى أم الثانية؟ أم نفعل مثل زوجة ستيفن ونربح الاثنتين. يرى بانشيك أن "التخلي عن الحميمية ليس حلاً جيداً أو مثالياً ولكنه فعال". وشبهه بـ"المساومة على أن تعيش بأقل مما تعرضه لك الحياة لأنه أفضل ما تستطيع أن تفعله"، ويضيف أن معظمنا ربما يختار زوجاً وحبيبة، مثل الكثير من أمور الحياة "علينا التعامل والتوازن بينهما".

ويخلص بانشيك إلى أن الحميمية هدية رائعة وتحدٍ حقيقي، إنها تتطلب العمل على السماح بالتقارب بينما تتمسك أنت بهويتك بمن تكون، وإذ تطور الثقة في شريكك، وفي نفسك، يمكن أن تستريح وتعرف أنه مهما حدث اليوم أو غداً فأنت آمن، إنها مهمة نبيلة. ولكن ماذا عن الأشخاص الذين لم يختاروا الزواج بشركائهم أو الذين يرفضون الزواج كإطار للعلاقات الحميمية، وهؤلاء الذين يفضلون التعددية في العلاقات الجنسية الحميمة؟

الحميمية خارج إطار الزواج

يرى المتصوف الهندي أوشو أن الحميمية أمر يختلف عن الزواج. الزواج، بحسب أوشو، حيلة لتجنب الحميمية، هو اختيار سالم وآمن، ويعكس عدم النضج وتوقف النمو في من يختاره، على عكس الحميمية حيث "السعي إلى الحب".

ويشدد على أن الزواج في حالة حدوثه لا بد أن يسبقه شهر العسل. "يجب أن يعيشا الليالي السوداء، والأيام الجميلة، واللحظات الحزينة، واللحظات السعيدة معاً، يجب أن ينظر أحدهما إلى عيني الآخر بعمق ينفذ إلى كينونته".

سامر 43 عاماً، مخرج مساعد، لا يؤثر السلامة في علاقاته الجنسية المتعددة، فهو يعرف شريكاته المتعددات بعضهن على بعض، ويدفعهن إلى تقبل حالته. يقول سامر إنه لم يكن ليمارس الجنس مع فتاة دون أن يشعر معها بـ"الحميمية"، ولكنه لاحظ أن الأمر مختلف بالنسبة للفتيات اللواتي اختبر معهن حميميته، فبعضهن يبقين منغلقات، والأمر بحسب سامر يرجع إلى عوامل مثل الفقر والثقافة العامة، ففتاة أمريكية، وأخرى مكسيكية كانتا منفتحتين للغاية معه، وتشاركن الأسرار والسرير، بينما الفتيات ذوات الوضع المادي والثقافي المتواضع، يكون الأمر صعباً بالنسبة لهن.

محمد عمر، 37 عاماً، موسيقي وكاتب صحفي تزوج عن حب وأنجب طفلة، ولكن بسبب مسائل اجتماعية وعملية وخلافات انفصل عن زوجته. يقول إنه كان يظن أنه اختبر الحميمية مع زوجته، ولكنه اكتشفها صدفة في علاقة عابرة غيرت وجهة نظره عن الجنس. تعرف على صديقة له وأحبها جداً، وأراد أن يشعرها بالمتعة، وبادلته الرغبة نفسها، ومارس معها الحب بدافع إمتاعها هي فقط. اكتشف أن النشوة الوجدانية والنفسية في الممارسة الجنسية تأتي عندما يصبح الطرفان غير أنانيين، واهتمام كل طرف بالآخر أكثر من نفسه. بعد تلك العلاقة، يقول محمد إنه لم يعد يشعر بإلحاح في إشباع رغباته الجنسية، فالنشوة التي تأتي بها الحميمية في نظره تأتي في ظروف خاصة يكون فيها كلا الطرفين مشبعاً جنسياً، ويريد أن يمتع الآخر بجسمه، وليس عبر التفكير في إشباع رغبته هو.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image