"لماذا حظيت النساء بحياة جنسية أفضل تحت الحكم الشيوعي؟"، هذا هو المدخل الذي سلّطت عبره الضوء أستاذة دراسات النوع الأمريكية كريستين غوديس على طبيعة العلاقة بين النشاط الجنسي لسكان بلد معين في ظل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي المعمول به، مركزة على الشيوعية كنموذج.
في النص، الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، حاولت الكاتبة مقاربة المسألة بعيداً عن النظرة الأمريكية النمطية للمناطق الشيوعية باعتبارها مناطق إسمنتية رمادية بائسة، كما بعيداً عن النظرة المكرّسة عن الشيوعية باعتبارها المسؤولة عن كل موبقات العالم الأخلاقية.
تبدأ غوديس بالقول إن نظرة الأمريكيين إلى سكان أوروبا الشرقية مثالاً، تنحصر بمخيلتهم بشأن القيود المفروضة على سفرهم والمناظر القاتمة في الخرسانة الرمادية والرجال والنساء البائسين الذين يقفون في خطوط طويلة للتسوق في أسواق فارغة، فضلاً عن أجهزة الأمن التي تتطفل على حياة الناس الخاصة.
بحسب الكاتبة، فإن في القوالب نمطية الجماعية السابقة للحياة الشيوعية الكثير من الصحة، لكن ينقصه أن يعكس الصورة الكاملة.
تُذكّر الكاتبة بما يعرفه البعض عن نساء الكتلة الشرقية اللواتي تمتعن بعدد كبير من الحقوق والامتيازات غير المألوفة في الديمقراطيات الليبرالية آنذاك، بما في ذلك استثمار الدولة الضخم في تعليمهن وتدريبهن وإدماجهن في دورة العمل، تُضاف إليها إعانات إجازة الأمومة السخية وضمان رعاية الأطفال مجاناً.
وبين هذا الجانب وذاك، ثمة ميزة حظيت بها النساء لم تظفر باهتمام يُذكر: تمتع النساء في ظل الشيوعية بمزيد من المتعة الجنسية.
المتعة الجنسية مضاعفة
في دراسة تعود للعام 1990، يظهر أن نساء ألمانيا الشرقية كن يتمتعن بحياة جنسية نشطة وناجحة مقارنة بنساء ألمانيا الغربية الرأسمالية والحرة آنذاك. واستدلت الدراسة على نتائجها بالتأكيد أن نساء ألمانيا الديموقراطية الشعبية كنّ يحصلن على عدد من هزات الجماع يعادل ضعف ما كانت تحصل عليه نساء ألمانيا الغربية. هذه النتيجة فاجأت حينذاك الباحثين، فالتفاوت في الرضى الجنسي حسب النتائج لم يكن يتناسب مع واقع أن النساء الألمانيات الشرقيات عانين من العبء المزدوج للعمالة الرسمية والأعمال المنزلية. وفي ذلك، كن على النقيض من الغربيات اللواتي لازمن في مرحلة ما بعد الحرب منازلهن وتمتعن بجميع الإمكانات التي أنتجها الاقتصاد الرأسمالي الهائل، ولكن رغم هذه المعطيات، مارسن الجنس بوتيرة أقل، وسجلن نسبة رضى أقل مقارنة بنساء كن مضطرات للوقوف في الطابور للحصول على ورق للمرحاض. من هنا تسأل غوديس عن كيفية قراءة هذا الواقع خلف الستار الحديدي للأنظمة الشيوعية؟ تسوق الكاتبة قصة آنا دورشيفا من بلغاريا، التي كانت تبلغ من العمر 65 عاماً حين التقتها في العام 2011، باعتبار أن آنا عاشت 43 عاماً تحت الحكم الشيوعي، فقد اشتكت أثناء لقائها من التأثير السيىء للأسواق الحرة الجديدة على البلغاريين في بناء علاقات طبيعية وصحية. تعترف آنا أن حياتها السابقة تخللتها أمور سيئة، لكنها تقول في المقابل إنها كانت تفيض بالرومانسية. تقول "بعد طلاقي، حصلت على عمل، وبفضل راتبي لم أكن بحاجة إلى رجل لمساندتي. كان بإمكاني القيام بما يعجبني"، وتضيف "حياتي السابقة قبل العام 1989 كانت أكثر سعادة من حياة ابنتي التي ولدت في العام 1970، فكل ما تفعله ابنتي الآن هو العمل والعمل... لا شيء آخر". تشتكي آنا، التي التقتها الكاتبة مرة أخرى في العام 2013، من أن ابنتها تعود ليلاً إلى المنزل في حالة إرهاق شديد، لتجد زوجها في الحالة نفسها. لا يفعلان شيئاً سوى الجلوس أمام التلفاز مثل الزومبي، "عندما كنا في هذا العمر، كان حياتنا شديدة المتعة". وفي مثال آخر، تحكي غوديس عن قصة لقائها بدانييلا غروبر التي تبلغ من العمر 30 عاماً. دانييلا ولدت لأم عاشت في ألمانيا الشرقية قبل سقوط الجدار، واشتكت للكاتبة من الضغط الذي تمارسه أمها عليها طوال الوقت كي تنجب طفلاً. لكنها تشرح "في زمن أمي كان من السهل الحصول على طفل، بوجود رياض الأطفال المجانية وإجازات الأمومة الطويلة التي يحصلن عليها بينما يحتفظن بوظائفهن، في حين أن اليوم بات إنجاب طفل في غاية الصعوبة. فأنا أعمل بالتعاقد، وليس لدي وقت للحمل". هذه الفجوة بين البنات والأمهات اللواتي تدعم فكرة أن المرأة قد حققت حياة أكثر إشباعاً خلال الحقبة الشيوعية.ثمة ميزة حظيت بها النساء في ظل الشيوعية لم تظفر باهتمام يُذكر: تمتعهن بمزيد من المتعة الجنسية
نساء ألمانيا الشرقية كن يتمتعن بحياة جنسية نشطة وناجحة مقارنة بنساء ألمانيا الغربية الرأسمالية والحرةأما نوعية الحياة تلك فقد تحققت، ولو جزئياً، بفضل الأنظمة التي رأت تحرر المرأة مركز "مشروعها العلمي" للمجتمعات الاشتراكية.
استثمار في الأسرار الجنسية للنساء
لفتت الكاتبة إلى أن قضية المساواة بين النساء والرجال كانت قد لقيت اهتماماً خاصاً من بعض القيادات الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية، مثل أوغست بيبل وفريدريك إنجلز في القرن التاسع عشر. وبعد الثورة البولشفية، أطلق كل من لينين وألكساندرا كولونتاي (وهي من أبرز نساء الحركة الشيوعية الروسية وأول سفيرة في العصر الحديث) ثورة جنسية في السنوات الأولى للاتحاد السوفياتي، وقد ركزت كولونتاي خلالها على ضرورة تحرير الحب من الاعتبارات الاقتصادية. وتلفت غوديس كذلك إلى أن النساء السوفياتيات حصلن على حق التصويت في العام 1917، أي قبل النساء الأمريكيات بثلاث سنوات، في وقت سعت الأنظمة الشيوعية لتحريرهن من قوانين الطلاق المجحفة كي لا يبقين أسيرات الأعمال المنزلية التي تحولت بدورها إلى أشبه بأعمال مجتمعية، كالعمل في المغاسل العامة والمقاصف الشعبية. كما ضمنت الأنظمة للنساء حقوقهن الإنجابية، وعملت على استثمارهن في دورة العمل مما أتاح استقلاليتهن عن الرجال. علماً أن سعي جوزف ستالين لحظر الإجهاض وتعزيز الأسرة في الثلاثينات من القرن العشرين انعكس على حقوق النساء، لكنه أفضى في المقابل إلى الدفع باتجاه تحرير المرأة من خلال البحوث العلمية التي رعتها الدولة لسبر أسرار الحياة الجنسية للنساء. "بدأ علماء الجنس في تشيكوسلوفاكيا منذ العام 1952 في إجراء بحوث حول النشوة الجنسية، وفي العام 1961 عقدوا مؤتمراً محوره هذا الموضوع، وقد شدد على ضرورة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة باعتبار ذلك أمراً محورياً في المتعة النسائية، بحسب ما نقلت غوديس عن الأستاذة في جامعة "ماساريك" التشيكية كاترينا ليسكوفا التي شرحت كيف "ذهب البعض للدفاع عن الفكرة التي تدعو الرجل إلى تقاسم الأعمال المنزلية وتعليم الأطفال، وإلا فسيوثر تقصيره على نوعية العلاقة الجنسية". وبحسب أستاذة الأنثروبولوجيا أنيسكا كوسسيانسكا، فقد سعى علماء الجنس البولنديون قبل العام 1989 إلى عدم حد ممارسة الجنس بالتجارب الجسدية بل شددوا على أهمية السياقات الاجتماعية والثقافية للمتعة الجنسية". وقد ضمنت الدولة التوازن بين العمل والحياة، فالمتعة لن تتحقق إذا كانت المرأة قلقة على مستقبلها واستقرارها المالي. وفي جميع بلدان حلف وارسو، حسب غوديس، فرض حكم الحزب الواحد إجراء إصلاح شامل للقوانين المتعلقة بالأسرة. وقد استثمر الشيوعيون موارد ضخمة في تعليم النساء وتدريبهن، وفي ضمان توظيفهن. كما سعت اللجان النسائية، التي تديرها الدولة، إلى إعادة تثقيف الأولاد لقبول الفتيات كرفيقات متكاملات، من أجل إقناعهم أن شوفينية الذكور هي تركة قديمة تعود إلى ما قبل الزمن الاشتراكي.التحرر من فوق
وعلى الرغم من استمرار التفاوت في الأجور بين الجنسين والفصل في العمل، وعلى الرغم كذلك من أن الشيوعيين لم يجروا إصلاحات كاملة في النظام الأبوي المحلي، فإن النساء الشيوعيات تمتعن بدرجة من الاكتفاء الذاتي والحرية الجنسية لا يمكن أن يتخيلها سوى عدد قليل من النساء الغربيات. هكذا، تكمل الكاتبة، لم تكن النساء في الكتلة الشرقية بحاجة إلى الزواج أو ممارسة الجنس مقابل المال. وقد خصصت دول مثل بلغاريا وبولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية موارد إضافية لدعم الأمهات العازبات والمطلقات والأرامل. وباستثناء رومانيا وألبانيا و"اتحاد ستالين السوفياتي"، فإن معظم بلدان أوروبا الشرقية ضمنت الحصول على التثقيف الجنسي والإجهاض، وقد ساعد ذلك على خفض التكاليف الاجتماعية للحمل عن طريق الخطأ أو أن تصبح المرأة أُمّاً عكس إرادتها. تنتقد نساء عدة اليوم ما كان عليه حال النساء الشيوعيات حينذاك، ويرين في ذلك حرية وهمية (تقييد السفر إلى الغرب وقمع حرية التعبير... ) لم تأت نتيجة نضال النساء أنفسهن، بل بدت كـ"اتفاق" ضمني عقدتها الأنظمة مع نسائها، ويرى البعض كذلك أن ما سبق هو مجرد دعاية رخيصة لأنظمة شمولية ديكتاتورية، اشترت انصياع شعوبها بحرية شكلية ومتعة جنسية. ترى الكاتبة أن النساء اللواتي يصارعن اليوم لتحقيق المساواة والحصول على بعض ما حصلت عليه نساء أوروبا الشرقية، يتحسسن من شكل الحرية الآتي من فوق بالنسبة لهؤلاء النساء، مع ذلك تلفت إلى أن الوضع الحالي الذي لا يدعو للتفاؤل في أحيان كثيرة، فضلاً عن المطلوب من تغيير اجتماعي بات أكثر من ضروري، قد يحتاجان إلى القبول بإعلان تحرر من فوق.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...