ملحد أو لا أدري أو مفكرّ حرّ أو لا ديني، تختلف التسميات إلا أن الفكرة نفسها: عدم الإيمان بوجود إله بسبب غياب الأدلة أو البراهين. ليس هنالك مدرسة واحدة للإلحاد، بل العديد من النظريات والمدارس كالوجودية والوضعية والداروينية.
خلال السنوات الأخيرة، انكسر جدار الصمت في المنطقة العربية وبدأت أصوات الذين يعتبرون أنفسهم من فئة الملحدين، تعلو وتجذب أنظار العالم. إلا أن الإلحاد ليس بجديد في المنطقة، إذ ثمة أدلّة على وجود ملحدين ق الإسلام عُرفوا بالدهريين الذين لا يؤمنون بوجود الخالق ويعتقدون بقدم العالم، وقد ذكرهم القرآن في سورة الجاثية، الآية :24 "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنّونَ".كما أنّ في المنطقة مفكّرين "ملحدين" معروفين من أبرزهم ابن الواندي وأبو بكر الرازي.
برغم كون فكرة إنكار الخالق كانت مستبعدة في كل العصور، إلا أن الإلحاد شقّ طريقه بصعوبة أكبر في العالم العربي والإسلامي لأسباب عدة كطبيعة المجتمع الشرقي حيث ينتمي الفرد إلى مجتمع ويتّخذ قرارته مراعياً المجموعة، بالإضافة إلى ظهور الحركات الإسلامية التجديدية التي تسعى إلى جذب المعتدلين.
ما زال المجتمع العربي المحافظ بأغلبيته لا يتقبّل الأشخاص الذين يعبرون عن أنفسهم كملحدين علناً برغم أنه يتقبّل عدم ممارسة الأفراد للتعاليم الدينية. في بعض الدول العربية (كلبنان ومصر وتونس)، لا يعتبر الإلحاد غير شرعياً بحدّ ذاته إلا أنه غالباً ما تحرّم القوانين إهانة الدين.
صعوبة إحصاء الملحدين في المنطقة العربي
يصعب تحديد عدد الملحدين في المنطقة العربية لغياب الدراسات وللسرية التي تحيط بهم، لكنهم يبقون أقليّة في هذه البقعة من العالم. كشفت دراسة أجراها "منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة" Pew Forum، مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات، في أكثر من 230 دولة طوال عام 2010 وصدرت نتائجها عام 2012 أن "الإلحاد" أصبح "الديانة" الثالثة من حيث العدد في العالم بعد المسيحية والاسلام.
وكشفت الخارطة أن أقل نسبة ملحدين موجودة في الشرق الأوسط حيث لا يزيدون على 2% (مليونان ومئة ألف) من مجموع مليار ومئة مليون ملحد في العالم، لاسيمّا أن أكبر عدد مؤمنين ما زال في الشرق الأوسط.
أما البحث الذي أجراه معهد غالوب الدولي WIN-Gallup International عام 2012 في 57 دولة وشمل 50 ألف شخص بعنوان "مؤشر عام حول الدين والإلحاد"، فكشف أن 59% من المستجوبين مؤمنون مقابل 23% غير دينيين و13% ملحدين. وأظهر البحث أن أعلى نسبة إلحاد توجد في الصين وأن النسبة مرتفعة في الدول الشيوعية السابقة ودول إفريقيا جنوب الصحراء على غرار جنوب إفريقيا. الا أن المفاجأة كانت المملكة العربية السعودية حيث بلغت نسبة الملحدين 6% على الرغم من أن المملكة تعتبر واحدة من أكثر البلدان الإسلامية حرصاً على تطبيق الشريعة.
تختلف الأرقام من بلد إلى آخر ويصعب التأكّد من صحتها في الكثير من الأحيان لاسيما أن كثيرين يخشون الإفصاح عن معتقداتهم (10 آلاف تقريباً في المغرب، على سبيل المثال). وذكر باحثٌ أمريكي على موقعه أن نسبة الذين لا يؤمنون بوجود الله أو يشككون فيه قد بلغت 32% في العراق. في حين أفاد "تحالف الإلحاد الدولي" أن عدد أعضائه العرب تزايد بعد الثورات العربية (333 مصرياً و221 تونسياً). لكن مهما اختلفتالأرقام، يبقى أن الإلحاد جذب انتباه العديد من الحكومات العربية.
الملحدون إرهابيون في السعودية
استقبلت السعودية دراسة معهد غالوب الدولي بالكثير من الشكّ وبانتقادات لاذعة. لا تكتفي المملكة برفض الإلحاد، لا بل أصدرت مراسيم ملكية وتشريعات جديدة هذا العام، خاصة بالإرهاب، تدرج فيها الملحدين. وقالت منظمة "هيومان رايتس واتش" إن نص تعريف الإرهاب طبقاً للمادة الأولى من القوانين الجديدة في السعودية شمل الدعوة للفكر الملحد بأي شكل من الأشكال أو التشكيك في ثوابت الدين الاسلامي التي يستند إليها هذا البلد.
الحرب على الملحدين
على الرغم من أن قانون العقوبات المصري يشوبه الغموض في ما يتعلّق بقضية الكفر، إذ يجرّم فقط استخدام الأفكار الدينية المتطرفة، وأن المادة 64 من الدستور المصري الجديد تنص على "حرية المعتقد المطلقة"، فإن وزير الأوقاف ووزير الشباب والرياضة قد أعلنا، بداية هذا الشهر، إطلاق حملة قومية لمكافحة ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب والاستعانة بعلماء النفس والاجتماع والسياسة. تعتمد هذه الحملة على أنشطة الوزارة كالمعسكرات والرحلات لتوعية الشباب.
لا تقتصر الحرب على الملحدين على إصدار القوانين الجديدة أو استغلالها، لا بل أيضاً تترجم على أرض الواقع بحملات اعتقال في عدد من الدول. في مصر، على سبيل المثال، ضجّت قضية المدوّن والناشط ألبير صابر الذي اعتقل وحكم بالسجن ثلاث سنوات في ديسمبر 2012 لاهانته وتشهيره بالدين، وهذا ما اضطره إلى الفرار من البلاد خلال حكم الاستئناف. كما اضطرّ رفعت عواد، الفلطسيني الأصل والمقيم في الامارات العربية المتحدة، إلى مواجهة انتقادات عائلته التي أحضرت رجال الدين لاقناعه بالارتداد للدين قبل أن تستستلم للواقع. في السعودية، ضجّت تغريدات حمزة كاشغري التي اعتبرت مسيئة للنبي واعتقل إثرها بتهمة الردّة. أما وليد الحسيني، الملحد الفلسطيني، فاُعتقل عام 2010 في الضفة الغربية في مدينة قلقيلية بتهمة السخرية من الإسلام على الإنترنت. سُجن من دون توجيه التهم إليه لأشهر عدة وهاجر إلى فرنسا بعد إطلاق سراحه.
ليست موريتانيا باستثناء إذ أصدرت مجموعة من علماء الدين الفتاوى للتكفير ببعض النشطاء. وتفجّر الوضع مع مقال للكاتب الموريتاني محمد الشيخ ولد محمد بعنوان "الدين والتديّن والمعلمين" الذي اعتبر إساءة للرسول. وعلت الأصوات المطالبة باعتقاله وقتله، فقامت السلطات باعتقاله وتبرّأت منه عائلته.
الإلحاد ناشط على شبكات التواصل الاجتماعي
لا شكّ أن خروج الملحدين في المنطقة العربية من الظلّ وتزايد الحديث عنهم يُعزى إلى ظهور مجموعات عدّة على شبكات التواصل الاجتماعي في منتصف أعوام 2000. وما زال الوجود الإلكتروني إلى تزايد إذ يمكن إحصاء أكثر من ستين صفحة على فيسبوك، من بينها "فجر الإلحاد في العالم العربي" و"اتحاد الملحدين العرب" و"احصاء الملحدين العرب". بالإضافة إلى أن الكثير من الصفحات الخاصة بكل بلد قد ظهرت على فيسبوك على غرار لبنان وسوريا والجزائر وتونس ( تضم أكثر من 10.000 شخص) والمغرب والسودان واليمن (أدنى نسبة: 12 شخصاً) والأردن ومصر والعراق. قد تكون بعض هذه الصفحات ناشطة وأخرى "نائمة" حتى أن بعضها يتطلّب موافقة صاحب الصفحة على عضويتك لتتمكّن من تصفّحها.
على "تويتر" نجد أيضاً العديد من الناشطين لا سيما الخليجيين الذين يتكتّمون بمعظمهم عن هوياتهم الحقيقية، بالاضافة إلى وجود العديد من المدوّنين كالملحد الإماراتي أحمد بن كريشان أو المدوّن البحريني الشهير محمود اليوسف وغيرهم.
ذهب البعض أبعد من شبكات التواصل الاجتماعي وأسس قناة الملحدين بالعربي التي تهدف، بحسب ما جاء على موقعها، إلى نشر الوعي العلمي والثقافي والتفكير النقدي وتعتمد على جهود فردية من مجموعة ناشرين ومحررين ومشاركين.
نشر هذا الموضوع على الموقع بتاريخ 13.08.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.