تزويج المغتصِب من ضحيته وقوانين أخرى مجحفة للمرأة هي مخلفات الحقبة الاستعمارية التي أرادت تفتيت المجتمع
بعض القوانين العربية المجحفة بحق المرأة ليست سوى صناعة استعمارية...
بين النوستالجيا العربية والتباهي الغربي
سببان أساسيان يوجبان العودة دائماً إلى دور المستعمِر في هذا الإطار. السبب الأول يتمثل في تلك النوستالجيا التي تنتاب العديد من مثقفي ومنظري البلدان العربية المستعمَرة سابقاً تجاه المستعمِر (فرنسا، بريطانيا...) باعتبار أن حقبته أفضل من الوضع القائم اليوم، متجاهلين مسؤوليته التأسيسية المباشرة لما نعيشه وننتقده من مشكلات في مرحلة ما بعد الاستعمار. السبب الثاني هو في نظرة شرائح واسعة من المجتمع الغربي، وتحديداً الاستعماري، إلى العالم العربي بقوانينه وممارساته على أنه رجعي في ما يخص النساء. تستمر هذه الفئات بالعودة إلى قوانين الأحوال الشخصية كزواج المغتصب من ضحيته وجرائم الشرف وغيرها باعتبارها مضبطة اتهام لـ"العربي الرجعي"، متجاهلة كذلك مسؤولية السياسات الاستعمارية المباشرة عن هذه القوانين والانفصام الذي نعيشه.تزويج المغتصِب من ضحيته وقوانين أخرى مجحفة للمرأة هي مخلفات الحقبة الاستعمارية التي أرادت تفتيت المجتمع
بعض القوانين العربية المجحفة بحق المرأة ليست سوى صناعة استعمارية...
"مجتمعاتنا ليست كذلك"
ترى كاتبة مقال "الإندبندنت"، وهي الناشطة النسوية ومؤسسة شبكة "كرامة" هباق عثمان، أن التغييرات التي شهدناها أخيراً في الموقف العام من بعض القوانين في الشرق الأوسط تظهر أن التمييز تجاه المرأة بهذا الشكل ليس متأصلاً في مجتمعاتنا. في الأردن، تنص المادة 308 من قانون العقوبات على التالي "يُعفى مغتصب الأنثى من العقوبة في حال زواجه من ضحيته بحسب المادة 308 من قانون العقوبات"، وهكذا كان يمكن للمغتصِب التهرب من العقاب بزواجه من التي اغتصبها، شرط أن يدوم الزواج لثلاث سنوات أقلها، وقد شهدت الفترة بين 2010 و2013 زواج 159 مغتصِب بضحيته وفق هذا القانون. مؤخراً تم التوافق نيابياً على إلغاء المادة، بعد حملات مكثفة من ناشطين وجمعيات نسوية ضد هذه المادة.ما يشبه هذه المادة كان قد سقط من القوانين المصرية والمغربية، ومؤخراً كذلك من القانون التونسي، في حين ينتظر اللبنانيون إقرار هذا المطلب برلمانياً. وتعتبر هذه القوانين من موروثات الحكم الاستعماري، إذ ضمنت القوى الأجنبية السكوت عن سيطرتها على الدولة، في مقابل عرضها على الرجال المحليين السيطرة الكاملة على منازلهم. هكذا غذّى الاستعمار القيود على النساء بين الشعوب المستعمَرة وأضفى الشرعية عليها مستخدماً السلطة الأبوية كأداة للقمع. ثمة بعض القوانين الاستعمارية الموروثة التي لا تزال موجودة إلا أنها غير مطبقة، بل أن غالبية الأشخاص لا يعرفون بوجودها أصلاً. مثال على ذلك، القانون اللبناني الساري منذ عهد الانتداب الفرنسي، وفيه منع النساء من ارتداء "الشورت" على جميع الأراضي الواقعة تحت الانتداب واشتراط أن تستر الملابس مجمل الصدر من النحر حتى الساقين، تحت طائلة فرض غرامة. إلا أن المشكلة الجدية تتمثل في القوانين التي تترك تأثيراً قوياً على حياة المرأة العربية. تذكّر عثمان بحادثة زواج فتاة في الثالثة عشر من عمرها من أخيها غير الشقيق الذي اغتصبها وهو في العشرين من عمره. الأهل حضروا الزواج رغم محاولتهم إيقافه سابقاً، في حين قال الناطق باسم المحكمة إن الأخيرة وجدت الفتاة مؤهلة للزواج وما حصل لم يكن اغتصاباً، إذ لا يوجد أي دليل على حصول عنف. تكشف هذه الحالة المروعة وهن الحجج التي يستخدمها المجتمع ويقع ضحيتها فتيات يافعات ونساء ترى عائلتهن أن الاغتصاب يأتي عليهن بالعار، ومن الضروري تزويجهن حتى لو بمغتصبهن. الأسوأ من ذلك هو أن تجد العائلات لأفكارهن قوانين تبررها وتؤصلها. تقول عثمان "... قد يكون مستغرباً أن تلك القوانين ليست نتاجاً محلياً"، لافتة إلى المادة 308 التي تعتبر من مخلفات النظام الاستعماري الفرنسي، كما الحال في لبنان وتونس. من هنا فإن السعي لإسقاطها واكتساب هذا السعي شرعية مضاعفة مع تقدم الوقت، يساعد على إحياء الأمل بالقضاء على مخلفات الحقبة الاستعمارية، التي قبل كل شيء، ينبغي الوعي والتذكير الدائم بعمق التشويه الذي تركته في المجتمعات المستعمرة.طوّر الاستعمار قانوناً إسلامياً تبسيطياً وفرضه فأدى إلى تشوه عميق في القانون الإسلامي الفعلي وفي ممارساته
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
mahmoud fahmy -
منذ 7 ساعاتمادة قوية، والأسلوب ممتاز
Karami Meriam -
منذ 15 ساعةنيتمءتحءنخوماك الامام الخامنئي, ب58
Karami Meriam -
منذ 15 ساعةنيتمءتحءنخوماك الامام الخامنئي, ب58
Apple User -
منذ 3 أياماتمنى الرد يا استاذ ?
Apple User -
منذ 3 أيامهل هناك مواقف كهذه لعلي بن ابي طالب ؟
Assad Abdo -
منذ 5 أيامشخصية جدلية