شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عن زواج المغتصِب من الضحية وقوانين أخرى ورثناها من الاستعمار

عن زواج المغتصِب من الضحية وقوانين أخرى ورثناها من الاستعمار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 5 أغسطس 201705:52 م
"وقد رأينا أن الاستراتيجية الاستعمارية لتفتيت المجتمع الجزائري قد خصَّت، على مستوى الأفراد، المرأة الجزائرية بمكانة من الدرجة الأولى. وسوف يحدث السعي المستميت الذي يبذله المستعمِر وطرق كفاحه بصورة طبيعية، ألواناً من السلوك، لدى المستعمَر متسمة بردود الفعل. وهكذا يجد المستعمَر نفسه وهو يواجه عنف المحتل، مدفوعاً إلى تحديد موقف مبدئي من عنصر، كان فيما مضى عديم الأثر، في شكل الثقافة المحليّة الظاهري". (فرانز فانون في كتاب "العام الخامس للثورة الجزائرية"/ ترجمة "جدلية"). يمكن اعتبار المفكر والمناضل والمحلل النفسي المارتينيكي فرانز فانون أكثر من أوفى عقيدة المستعمِر السياسية حقها في المقاربة الاجتماعية والثقافية والنفسية للشعوب التي استعمرها. في الفصل المعنون "الجزائر تلقي حجابها"، الذي افتتح به كتابه "العام الخامس للثورة الجزائرية"، يقارب فانون الحجاب باعتباره من آثار سياسة التدمير الثقافي التي اتّبعها الاستعمار في الجزائر لتفكيك المجتمع وتفتيته. المرأة الجزائرية، وبسبب دورها الأساسي الذي لعبته إلى جانب الرجل ضد الاستعمار، قد حظيت بحصة كبيرة من سياسات الاستهداف الفرنسي لكسر إرادة الشعب الجزائري. يشرح فانون أن استماتة المستعمِر في تصميمه على نزع الحجاب عن المرأة الجزائرية، والذي كان عنصراً ميتاً في المخزون الثقافي الجزائري، قد بث الحياة فيه وجعل التمسك به فعل نضال وتعبير عن إرادة البقاء. في جانب متصل، ناقشت الباحثة الجزائرية سليمة الملاح في مقال لها بعنوان "الجزائريات والحداثة الجامحة من دون مقدمات" مسألة استغلال الاستعمار لقانون الأحوال الشخصية كي يحقق مبتغاه بالتفكيك الدائم للمجتمع الجزائري. بحسب الملاح "عمدت سلطات الاستعمار إلى تطوير قانون إسلامي جزائري ثم قامت بتبسيطه وفرضه لاحقاً، ما أدى إلى تشوه عميق في القانون الإسلامي الفعلي وبالتالي في ممارساته". في مناقشة الملاح للسعي الفرنسي لتفريغ المجتمع الجزائري من قيمه عبر قانون الأحوال الشخصية، رأت أن المستعمِر قد دفع الحركات التحررية إلى تبني خطاب مزدوج. بينما حاول الأخير التأكيد على تقدميته، سعى للتميز عن الخطاب الاستعماري فأنتج نظرة ضيقة عن الإسلام ومشوهة. وهذا ما فعلته سلطات ما بعد الاستقلال، إذ انخرطت في موجة التطور الجامحة في ظل الإبقاء على قانون الأحوال الشخصية (الإسلامي المشوّه) الساري منذ العهد الاستعماري السابق، فأصبحت النساء أمام حالة من الانفصام بين القانون والممارسات الشائعة وديناميات المجتمع.
تزويج المغتصِب من ضحيته وقوانين أخرى مجحفة للمرأة هي مخلفات الحقبة الاستعمارية التي أرادت تفتيت المجتمع
بعض القوانين العربية المجحفة بحق المرأة ليست سوى صناعة استعمارية...

بين النوستالجيا العربية والتباهي الغربي

سببان أساسيان يوجبان العودة دائماً إلى دور المستعمِر في هذا الإطار. السبب الأول يتمثل في تلك النوستالجيا التي تنتاب العديد من مثقفي ومنظري البلدان العربية المستعمَرة سابقاً تجاه المستعمِر (فرنسا، بريطانيا...) باعتبار أن حقبته أفضل من الوضع القائم اليوم، متجاهلين مسؤوليته التأسيسية المباشرة لما نعيشه وننتقده من مشكلات في مرحلة ما بعد الاستعمار. السبب الثاني هو في نظرة شرائح واسعة من المجتمع الغربي، وتحديداً الاستعماري، إلى العالم العربي بقوانينه وممارساته على أنه رجعي في ما يخص النساء. تستمر هذه الفئات بالعودة إلى قوانين الأحوال الشخصية كزواج المغتصب من ضحيته وجرائم الشرف وغيرها باعتبارها مضبطة اتهام لـ"العربي الرجعي"، متجاهلة كذلك مسؤولية السياسات الاستعمارية المباشرة عن هذه القوانين والانفصام الذي نعيشه.
تزويج المغتصِب من ضحيته وقوانين أخرى مجحفة للمرأة هي مخلفات الحقبة الاستعمارية التي أرادت تفتيت المجتمع
بعض القوانين العربية المجحفة بحق المرأة ليست سوى صناعة استعمارية...
على ضوء ما شهدته الأردن، وقبلها بفترة قصيرة تونس، من انتصارات حقيقية في مجال تغيير بعض القوانين المجحفة بحق المرأة، نشرت صحيفة "الإندبندنت" مقالاً أعاد التذكير بمخلفات الحقبة الاستعمارية في القوانين العربية، معتبراً الإنجازات المحققة في تعديل بعض موادها خطوات إضافية نحو إزالة مخلفات الاستعمار. أكثر من ذلك، يُعتبر هذا التغيير نصراً مستحقاً لأصحابه وللمتضررين من القوانين فقط، لا للغرب الذي يحاول تبني التغيير بينما يوحي عدد من مسؤوليه ومثقفيه بأنه الملهم والراعي. قبل الدخول في تفاصيل المقال لا بد من الإشارة إلى ما يُذكر دائماً في معرض انتقاد القوانين المجحفة بحق النساء، فيُشار إلى وجود حاضنة اجتماعية وثقافية لهذه القوانين. صحيح ذلك، وصحيح أيضاً تحميل المسؤولية لفساد الأنظمة السياسية التي حكمت في فترة ما بعد الاستقلال، وليست بريئة كذلك من هذا الواقع حركات المعارضة (العلمانية والإسلامية) التي تخطت تضادها الجوهري واجتمعت على استخدام المرأة كمساحة تنافس أيديولوجية، تسعى لتسجيل نقاط سياسية من خلالها. ومع ذلك، يبقى للاستعمار وسياساته التفتيتية الأثر الأكبر على مرحلة ما بعد الاستقلال.

"مجتمعاتنا ليست كذلك"

ترى كاتبة مقال "الإندبندنت"، وهي الناشطة النسوية ومؤسسة شبكة "كرامة" هباق عثمان، أن التغييرات التي شهدناها أخيراً في الموقف العام من بعض القوانين في الشرق الأوسط تظهر أن التمييز تجاه المرأة بهذا الشكل ليس متأصلاً في مجتمعاتنا. في الأردن، تنص المادة 308 من قانون العقوبات على التالي "يُعفى مغتصب الأنثى من العقوبة في حال زواجه من ضحيته بحسب المادة 308 من قانون العقوبات"، وهكذا كان يمكن للمغتصِب التهرب من العقاب بزواجه من التي اغتصبها، شرط أن يدوم الزواج لثلاث سنوات أقلها، وقد شهدت الفترة بين 2010 و2013 زواج 159 مغتصِب بضحيته وفق هذا القانون. مؤخراً تم التوافق نيابياً على إلغاء المادة، بعد حملات مكثفة من ناشطين وجمعيات نسوية ضد هذه المادة.

طوّر الاستعمار قانوناً إسلامياً تبسيطياً وفرضه فأدى إلى تشوه عميق في القانون الإسلامي الفعلي وفي ممارساته

ما يشبه هذه المادة كان قد سقط من القوانين المصرية والمغربية، ومؤخراً كذلك من القانون التونسي، في حين ينتظر اللبنانيون إقرار هذا المطلب برلمانياً. وتعتبر هذه القوانين من موروثات الحكم الاستعماري، إذ ضمنت القوى الأجنبية السكوت عن سيطرتها على الدولة، في مقابل عرضها على الرجال المحليين السيطرة الكاملة على منازلهم. هكذا غذّى الاستعمار القيود على النساء بين الشعوب المستعمَرة وأضفى الشرعية عليها مستخدماً السلطة الأبوية كأداة للقمع. ثمة بعض القوانين الاستعمارية الموروثة التي لا تزال موجودة إلا أنها غير مطبقة، بل أن غالبية الأشخاص لا يعرفون بوجودها أصلاً. مثال على ذلك، القانون اللبناني الساري منذ عهد الانتداب الفرنسي، وفيه منع النساء من ارتداء "الشورت" على جميع الأراضي الواقعة تحت الانتداب واشتراط أن تستر الملابس مجمل الصدر من النحر حتى الساقين، تحت طائلة فرض غرامة. إلا أن المشكلة الجدية تتمثل في القوانين التي تترك تأثيراً قوياً على حياة المرأة العربية. تذكّر عثمان بحادثة زواج فتاة في الثالثة عشر من عمرها من أخيها غير الشقيق الذي اغتصبها وهو في العشرين من عمره. الأهل حضروا الزواج رغم محاولتهم إيقافه سابقاً، في حين قال الناطق باسم المحكمة إن الأخيرة وجدت الفتاة مؤهلة للزواج وما حصل لم يكن اغتصاباً، إذ لا يوجد أي دليل على حصول عنف. تكشف هذه الحالة المروعة وهن الحجج التي يستخدمها المجتمع ويقع ضحيتها فتيات يافعات ونساء ترى عائلتهن أن الاغتصاب يأتي عليهن بالعار، ومن الضروري تزويجهن حتى لو بمغتصبهن. الأسوأ من ذلك هو أن تجد العائلات لأفكارهن قوانين تبررها وتؤصلها. تقول عثمان "... قد يكون مستغرباً أن تلك القوانين ليست نتاجاً محلياً"، لافتة إلى المادة 308 التي تعتبر من مخلفات النظام الاستعماري الفرنسي، كما الحال في لبنان وتونس. من هنا فإن السعي لإسقاطها واكتساب هذا السعي شرعية مضاعفة مع تقدم الوقت، يساعد على إحياء الأمل بالقضاء على مخلفات الحقبة الاستعمارية، التي قبل كل شيء، ينبغي الوعي والتذكير الدائم بعمق التشويه الذي تركته في المجتمعات المستعمرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image