قبل أسابيع قليلة، فُجع سكان مدينة غزة بفلسطين، عند سماعهم عن حادثة اغتصاب شاب لفتاة قاصر تبلغ من العمر 8 سنوات، أثناء عودتها من المدرسة. كان ذلك في وضح النهار، بعد أن اقتاد الجاني ضحيته إلى منزل مهجور.
نقلت الفتاة فور وقوع الحادث إلى المستشفى لتلقي العلاج في العناية المركزة، إثر إصابتها بنزيف حاد.
هزت جريمة الاغتصاب هذه المجتمع الفلسطيني واستفزت مشاعر جميع المواطنين، ليطالبوا بإنزال أقصى العقوبات بالفاعل.
وفي ظل تحفظ قوى الأمن على تفاصيل القضية والجاني، لم يتوفر للناس معلومات أكيدة عن الشاب وخلفيته. فقد قالت بعض وسائل الإعلام أنه في السادسة عشرة من عمره، فيما أكد عارفوه أنه أكبر من ذلك.
هل تشجع القوانين على الاغتصاب؟
تتفق معظم القوانين العربية في تعريف جريمة الاغتصاب، التي يُفترض، عند حدوثها، انعدام الرضا والإرادة عند الضحية، أثناء ممارسة الفعل، بعكس الزنا الذي يكون برضا الطرفين. أما اغتصاب القاصر، فهو فعل اغتصاب لضحية لم تبلغ سن الرشد القانونية، بحسب كل دولة. غالباً، لا تأخذ القوانين العربية بموافقة القاصر، كونها لا تعي ما تقوم بفعله. وتشدد غالبية القوانين عقوباتها على مرتكب هذه الجريمة، في حال كان أحد أصولها أو المتولين تربيتها أو رجل دين. ويمكن للمغتصب في معظم البلدان العربية الإفلات من العقاب، إذا تزوج بضحيته، فيسقط عنه الحكم وتكف السلطات عن ملاحقته، وهذا ما تشجع عليه بعض المجتمعات المحافظة، رغبةً في درء ما يجلبه الاغتصاب من عار على أسرة الفتاة. "بهذه الطريقة نكافئ المغتصب ونشجع على عملية الاغتصاب"، تقول المحامية الفلسطينية والناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، فاطمة عاشور. وتضيف: "لا يكتفي المجتمع بما حدث مع الضحية من جريمة، بل يحملها عبء ثمن الجريمة. وتجنباً لكلام الناس يرى الأهل أن تزويج ابنتهم للمغتصب أفضل". لكن الأمر أكثر صعوبة عند اغتصاب القاصر، إذ إن القانون يمنع تزويج من لم تبلغ السن القانونية، ويعتبره اغتصاباً. توضح عاشور: "حسب قانون العقوبات الفلسطيني، فإن كل من تزوج فتاة لم تتم الـ15 سنة وواقعها، يعاقب، وبالتالي تزويج القاصرات والزواج المبكر هو اغتصاب". يعتبر اغتصاب الرجل للولد القاصر حالة مختلفة، فهذا وضع في خانة اللواط في بعض البلدان، بينما لم تفرق بلدان عربية أخرى في اغتصاب القاصر بين الضحية الولد أو الفتاة. فما هي العقوبات التي تقررها قوانين العالم العربي على مرتكبي هذه الجريمة؟في السودان صعوبة في إثبات جريمة الاغتصاب
عرف قانون العقوبات السوداني الاغتصاب في المادة 149 بأنه "مواقعة شخص زنا أو لواط دون رضاه". وحدد القانون عقوبة مرتكب جريمة الاغتصاب دون تحديد عمر الضحية. فأقر القانون معاقبة الجاني بالجلد مئة جلدة، والسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات.تكافئ بعض القوانين العربية المغتصب إذا تزوج بضحيته فيفلت من العقاب. هل ينطبق ذلك على مغتصب القاصر؟
أسقط المغرب المادة التي تعفو عن المغتصب إذا تزوج ضحيته بعد انتحار فتاة عمرها 16 عام هربا من زواج مغتصبهالكن المرأة أو الفتاة السودانية، تواجه صعوبة في تقديم بلاغ ضد مغتصبها، لأنها قد تعرض نفسها للملاحقة القضائية. فالضحية ملزمة أن تثبت عدم موافقتها على ما حدث معها، وفي حال فشلت تكون عرضت نفسها لتهمة الزنا، التي تعاقب عليها بالجلد مئة جلدة في حال لم تكن متزوجة، والإعدام رجماً بالحجارة في حال كانت متزوجة.
في تونس كلما قل سن الضحية شددت العقوبة
يحدد قانون العقوبات التونسي، عقوبة اغتصاب القاصر بحسب سن الضحية. إذا كانت دون الـ10 أعوام، يحكم على الجاني بالإعدام. أما إذا كانت دون الـ13 عاماً، فيعاقب بالسجن بقية عمره، فيعتبر رضى المجني عليها مفقوداً بالنسبة لسنها، علماً أن القانون يقرر وقف محاكمة الجاني في حال زواجه من الضحية.في فلسطين شقان من القوانين القديمة
ينشق قانون العقوبات الفلسطيني إلى شقين. تخضع مناطق الضفة الغربية لقانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، الذي ينص على معاقبة كل من يرتكب جريمة الاغتصاب بحق قاصر لم تتم الـ15 من عمرها، بالسجن المؤبد أو المؤقت. وإذا تزوج الجاني بالضحية، تسقط الدعوى. وتناضل حقوقيات فلسطينيات منذ سنوات لتوحيد وتعديل القوانين، لتحسين أوضاع المرأة الفلسطينية وحمايتها. لكن الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، وتعطيل دور المجلس التشريعي "البرلمان" منذ عشر سنوات، لا يأتيان بأي ثمار لنضالهن.في المغرب والجزائر عقوبات قد تصل 30 عاماً
أقر قانون الجزاء المغربي عقوبة السجن من 10 إلى 20 سنة لكل من ارتكب جريمة الاغتصاب بحق أنثى، لم تتجاوز الـ18 من عمرها. وذكر أنه في حال كان الجاني من أصول الضحية، أو خادماً بالأجرة عندها، أو موظفاً دينياً، أو رئيساً دينياً، تصبح العقوبة السجن من 20 إلى 30 سنة. وفي حال كان الجاني في عداد الحالات السابقة، وحدث تمزيق لغشاء بكارة الضحية، تكون العقوبة السجن 30 سنة. وأقر البرلمان حذف المادة التي كانت تنص على إسقاط الشكاوي المقدمة ضد الجاني، في حال زواجه من ضحيته عام 2014، بعد انتحار الفتاة المغربية أمينة الفيلالي (16 عاماً)، هرباً من العيش تحت مظلة الزواج من مغتصِبها. قانون العقوبات الجزائري مقارب جداً في حكمه للمغربي، فقد أقر عقوبة مرتكب جريمة الاغتصاب السجن من 10 إلى 20 سنة في حال كانت سن الضحية دون الـ18. وفي حال كان الجاني من أصول المجني عليها، أو له سلطة عليها، أو استعان في ارتكاب جنايته بشخص أو أكثر، تكون العقوبة السجن المؤبد. لكن القانون الجزائري يتيح للمغتصب الإفلات من العقاب في حال تزوج ضحيته، حتى إن كانت دون سن الـ18."السجن المؤبد" إذا كان الجاني أحد أصول الضحية في مصر
يعتبر قانون العقوبات المصري الواقعة ظرفاً مشدداً، في حال كانت الضحية لم تتم الـ16 من عمرها. وتكون العقوبة الأشغال الشاقة لـ7 سنوات. لكن في حال كان الجاني من أصول المجني عليها إلى جانب الحالة السابقة، تكون العقوبة السجن المؤبد. وكان القانون المصري سبّاقاً إلى إلغاء المادة 291، المتعلقة بإسقاط العقوبة عن الجاني في حال تزوج ضحيته، منذ عام 1999. لكن على الرغم من إلغاء هذه المادة، ما زالت تتم كعرف خوفاً من الفضيحة."القتل تعزيراً" هي عقوبة الجاني في السعودية
تختلف السعودية في قوانينها عن قوانين بقية الدول العربية جميعاً، فيعاقب مرتكب جريمة الاغتصاب في المملكة بعقوبة تعزيرية. والتعزير في الشريعة الإسلامية يعني "التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود" أو "التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة". وبحسب المحامي السعودي وائل العيسي، فإن القاصر في المملكة هي الأنثى التي لم تبلغ الـ18 من عمرها، وتم تعديل هذا حديثاً، بعدما كان 15 عاماً. لكن العقوبة لا تحدد بحسب سن الضحية، إنما بحجم الجريمة. وقال العيسي: "يصدر الحكم إذا ثبت الاغتصاب، خصوصاً بحق قاصر بعد التأكد من التحاليل المنوية والكشف الطبي على الضحية، والتأكد من اعتراف الجاني من عدمه، فالاعتراف جزء مهم لتثبيت الجريمة". وتابع: "بعد الإجراءات السابقة، يتم الطلب من المدعي العام عقاب الجاني بالقتل تعزيراً، لكون الفعل الجنائي شنيعاً، من الاغتصاب والخطف والنظر في كون الجاني محصناً أو غير محصن"، والمحصن هو الرجل المتزوج.يتم بعد ذلك تعيين لجنة قضائية مكونة من ثلاثة قضاة للنظر في القضية وتكييفها شرعاً لكي يتقرر الحكم. "يصدر الحكم وتبقى محكمة الاستئناف تدقق في القرار والنظر في طعن الجاني أو محاميه"، يقول العيسي. بعد أن تنتهي جميع المراحل السابقة من التحقيقات والمحاكمة والاستئناف، ينطق القاضي بالعقوبة وغالباً ما تكون القتل تعزيراً أو السجن مدة طويلة، بحسب معطيات القضية والضرر الواقع على الضحية. والقتل تعزيراً يعني قطع رأس الجاني بواسطة "سيف" في وسط ساحة عامة، أمام المواطنين، وتحت اشراف وزارة الداخلية، ليكون عبرة لغيره من المجرمين. ويرى العيسي أن هذا العقاب هو الذي يجب أن يقع على الجاني لبشاعة جريمته.اغتصب امرأة وتزوجها لتفلت من العقاب... إحزروا ما هي الدول العربية التي تسمح بذلك؟
العقوبة بحسب القرابة في الأردن وسوريا
تنص المادة 292 من قانون العقوبات الأردني على أن عقاب من واقع أنثى لم تتم الـ15 من عمرها هو السجن لـمدة لا تقل عن 7 سنوات. وتضيف المادة 294 الأشغال الشاقة للعقوبة، ثم تقول أن الفترة التي يمضيها مُغتصب الضحية التي لم تتم الـ12 من عمرها في السجن لا تقل 5 عن سنوات، وهي مدة أقصر من تلك التي تم تحديدها سابقاً. ويضاعف القانون العقوبة إذا كان الجاني من أحد أصول الضحية أو موكلاً بتربيتها، أو رجل دين، أو مدير مكتب استخدام، أو عاملاً فيه. قانون العقوبات السوري، تحديداً في الفقرة الأولى من المادة 491، أقر عقوبة الأشغال الشاقة 9 سنوات لكل من جامع قاصراً لم تتم الـ15 من عمرها. وشدد العقوبة بالفقرة الثانية لتصبح الأشغال الشاقة 15 سنة، إذا كانت الضحية لم تتم الـ12 من عمرها. وكما هو الحال مع القانون الأردني، تضاعف عقوبة الجاني من الأصول والأقارب. لكن المشترع السوري كغالبية المشترعين في الدول العربية، أعفى الجاني من العقوبة المقررة له حسب القانون، في حال تم عقد زواجه على ضحيته.في لبنان، حبس من شهرين إلى سنتين فقط إذا لم تتم الضحية الـ18
المادة 505 في قانون العقوبات اللبناني، تتحدث صراحةً عن عقوبة مرتكب جريمة الاغتصاب بحق القاصر، ففي حال كانت الضحية لم تتم الـ15 من عمرها، عوقب الجاني بالسجن مع الأعمال الشاقة لمدة لا تقل عن 7 سنوات. وكما الحال في القانون الأردني، تحدد مادة ثانية عقوبة مغتصب الضحية التي لم تتم الـ12 من عمرها بأن لا تقل عن السجن لـ5 سنوات، وهي مدة أقصر من تلك التي تم تحديدها في المادة السابقة. وفي حال أتمت الـ15 ولم تتم ال18 من عمرها، عوقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين فقط. وإذا كان الجاني أحد أصول المجني عليها، شرعياً كان أو غير شرعي، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة. وقبل شهور، نجحت مطالبات متظاهرات نسويات لبنانيات، بتعديل المادة 522، التي تسمح للمغتصب بالزواج من ضحيته للإفلات من العقاب."الحبس المؤبد" لمغتصب القاصر في العراق
في قانون العقوبات العراقي يسجن مؤبداً أو مؤقتاً كل من واقع أنثى بغير رضاها. وإذا لم تتم الـ18 من عمرها، أو في حال كان الجاني من أصول المجني عليها، أقرت عقوبة السجن المؤبد. لكن المادة 398 من القانون أقرت وقف كل الإجراءات العقابية في حال تزوج الجاني ضحيته. واستئناف الدعوى في حال تم الطلاق قبل انقضاء ثلاث سنوات على وقف الإجراءات.الإمارات العقوبة الأكثر صرامة عربياً
الإعدام هو العقوبة التي حددها قانون العقوبات الإماراتي لكل شخص استخدم الإكراه أو الإجبار في مواقعة أنثى، ولم يحدد سناً معينة للضحية أو صلة قرابة لإقرار العقوبة السابقة. لكن القانون اعتبر الإكراه قائماً في حال كانت الضحية لم تتم الـ14 من عمرها. وأكدت المادة 355 من القانون على عقوبة السجن المؤبد لمجرد الشروع في ارتكاب جريمة الاغتصاب بحق الأنثى."الإعدام أو السجن المؤبد" في الكويت وقطر
أقر قانون العقوبات الكويتي والقطري عقوبة الإعدام لمرتكب جريمة الاغتصاب بشكلٍ عام دون تحديد سن الضحية. كما وأقر القانون عقوبة السجن المؤبد في حال تمت مواقعة أنثى بموافقتها وبدون إكراه، لكنها لم تتم الـ15 من عمرها في الكويت، بينما يحدد القانون القطري سن الـ16 لحكم الجاني مؤبداً. أما في حال كان الجاني أحد أصول الضحية أو المتولين تربيتها في كلا البلدين، فالعقوبة هي الإعدام.في البحرين، موت الضحية يؤدي إلى "إعدام" الجاني
قانون العقوبات البحريني أكد على فرض عقوبة السجن المؤبد على كل من يجامع أنثى لم تتم الـ16 من عمرها، مشترطاً عدم رضا الضحية، وأكد القانون أن كل أنثى لم تبلغ الـ14 من عمرها يُفترض عدم رضاها بكل الأحوال. أما في حال أدت الجريمة إلى موت الضحية، تكون العقوبة الإعدام. وفي حال كانت الضحية من أصول الجاني أو من المتولين عليها، تعتبر الواقعة ظرفاً مشدداً، ويعاقب الجاني بأقصى عقوبة منصوص عليها في القانون. ويعتبر العديد من القانونيين في البحرين أن جرائم هتك العرض والاغتصاب تحكمها المادة 353 من قانون العقوبات، التي يعتقدون أنها تساعد الجاني على الإفلات من العقوبة، في حال ارتضى عقد زواجه بالضحية، فتسقط الدعوى.لا فرق في جنس الضحية في اليمن وسلطنة عمان
قانون العقوبات اليمني لم يفرق بين الأنثى والذكر القاصر في حال تم الاعتداء على أحدهما. وأقرت المادة 269 عقوبة اغتصاب القاصر، أقل من 14 عاماً، حبس الجاني من 3 إلى 15 سنة. كما لم يفرق القانون اليمني في العقوبة بين الأقرباء والغرباء. وفي حال كانت الضحية أنثى وقام الجاني بالزواج منها تسقط عنه الملاحقة القضائية. قانون الجزاء في سلطنة عمان لا يختلف كثيراً عن القانون في اليمن، إذ أقر عقوبة السجن من 5 إلى 15 سنة، لكل من جامع أنثى بغير حالة الزواج ودون رضاها، ولكل شخص ارتكب الفجور بشخص ذكر أو أنثى، دون الـ15 من عمره، أو كان من أحد أصوله أو من المتولين رعايته.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم