حينما قررت سوسن علي تطليق زوجها الذي وصفته بالبخيل والأناني والعنيف انهال عليها اللوم.
"هتخربي بيتك، لازم تستحملي علشان أولادك، ما كل الستات بتتشتم وتنضرب وبيعيشوا"، هذه عيّنة من العبارات التي سمعتها من أهلها بحسب قولها لرصيف22.
وفي النهاية، تحملت هي، بنظرهم، مسؤولية فشل حياتها الزوجية، لتتحول من ضحية زوج أناني ومخادع إلى جانية على مستقبل أولادها.
أما سامية أحمد، التي يخونها زوجها باستمرار، فتتحمل اللوم لسبب آخر. فهي برأي عائلتها وعائلته، مسؤولة عن خيانته.
"يقلون لي، ما هو إنتي لو كنتي مهتمة بي وبتغيري من نفسك كل شوية، وما سبتيش وزنك يزيد، مكنش سابك ومشي كل شوية مع واحدة"، تقول لرصيف22.
لتتحول من زوجة رجل خائن إلى المرأة التي لم تعرف كيف "تملأ" عين زوجها وتمنعها "من الزواغان".
حتى مرض السرطان الخبيث، فقد كان لوفاء حسن، برأي عائلة زوجها، دور فيه. يقولون لها إنها "امرأة شؤم، قصفت عمر زوجها صغيراً" بسبب "نكدها".
"لم يكن علي أن أتحمل ألم وحزن رحيل زوجي ووالد أبنائي فحسب... بل كان علي أن أتجرع مرارة تلك النظرات القاسية من أهله"، تقول حسن.
حولوها من امرأة فقدت رفيق عمرها إلى "نكدية" تسببت بمرضه ووفاته بعد رحلة علاج طويلة.
في الطلاق، في الوفاة، في المرض، في التحرش، في الخيانة وفي أي فشل أو سوء يطال العائلة، تُلام المرأة في مصر، وفي بلدان عربية أخرى.
وبشكل عام، فإن مقولة "أولادك وتربيتك"، هو الرد الأول الذي يقوله الرجل لزوجته عند ارتكاب الأطفال لخطأ ما، وكأن دوره في التربية هو التمويل فقط. وحينما يبدع الأطفال، يقول "أولادي وفلذات أكبادي"، بحسب الكثير من النساء اللواتي التقاهم رصيف22.
نظرة اللوم هذه هي جزء من ثقافة مجتمعية وموروثات، تحمل المرأة دائماً عواقب كل فشل أو أي مشكلة مرت بحياتها.
فالمرأة التي تزوج عليها زوجها بامرأة أخرى هي، وفقاً لتلك الثقافة، زوجة مهملة. أما الزوجة الثانية فهي "خطافة الرجالة"، والرجل ضحية استهتار الأولى وإغواء الثانية.
وتلك التي ترتكب ابنتها جرماً فهي بالتأكيد مصدره إذ يقول المثل "اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لامها"، والتي يتحرش بها أحدٌ، أو حتى يتم اغتصابها، تُلام لأنها سبب الفتنة.
تختلف المشاكل الأسرية، والمُلام في معظم الحالات واحد: المرأة.
لماذا؟
النظرة القديمة
"يمكن قياس تحضر مجتمع ما أو تخلفه بحسب نظرته للمرأة وتعامله معها"، تقول الكاتبة المهتمة بقضايا المرأة والشريعة، فاطمة عبدالرؤوف لرصيف22. برأيها، المجتمع المصري بوجه عام لم يتفهم مكانة المرأة ويتعامل معها على أنها أقل قيمة من الرجل. فهناك فلسفة للظلم الذي يقع عليها بدءاً من الأمثال الشعبية التي تقول "اكسر للبنت ضلع يطلع لها أربع وعشرين"، مروراً بأحاديث إسلامية، يصفها البعض بأنها موضوعة أو ضعيفة، كقول "شاوروهن وخالفوهن"، الذي يلمح لعدم رجاحة عقول النساء. وفي الوقت الذي يتم تحميل المرأة مسؤولية النتائج المترتبة عن الخيبات أو الإخفاقات التي قد تحصل، لا يكون لها النصيب ذاته من التقدير عند النجاح. تقول المهندسة سامية عسل، رئيسة المجلس القومي للمرأة بمحافظة الشرقية لرصيف22 إن هذه النظرة متجذرة في المجتمع المصري بنسبة 70%، وتنتشر بين الجميع، بما فيهم المتعلمون وأبناء المدن والمناطق الحضرية. فيما قال الدكتور رشاد عبداللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع بجامعة حلوان، لرصيف22، إن هذه النظرة محصورة في البيئات التي ينتشر بها الفقر والجهل. برأي عبدالرؤوف، كل هذه الأفكار تضع المرأة واهتماماتها في ذيل قائمة الأولويات، بل تبدأ المرأة بفرض شعور الذنب المضاعف والمسؤولية على نفسها. فهي تلوم نفسها أكثر من الرجل في جميع الأحوال: إذا لم تتزوج، وإذا تزوجت وفشل الزواج، وإذا أخفقت في عملها، أو لم تتمكن من تدبير وضع الأسرة المالي. وتضاف إلى ذلك، فكرة "الإيثار والتضحية" والمفهوم الخاطئ لها، إذا تتحول إلى واجب على النساء بدلاً من أن تكون فعلاً اختيارياً.ما الذي أخرجها من بيتها في هذا الوقت؟
"يجلس أحدهم في المقهى في حي شعبي ويرى امرأة تسير في الشارع ليلاً فتتعرض للتحرش الجنسي، فيعلق قائلاً ما الذي أخرجها من بيتها في هذا الوقت المتأخر من الليل"، يقول الدكتور محمود يوسف، أستاذ العلاقات العامة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، لرصيف22. ويضيف: "بدلاً من أن يسهم في توفير الحماية اللازمة لها وحقها في السير بأمان دون أن يتعرض لها، يلقي عليها اللوم والمسؤولية، فتتحول من ضحية إلى جانية". تترك هذه الثقافة المجتمعية المجحفة للمرأة الأثر الأكبر على الفتاة غير المتعلمة، أو التي تشعر أصلاً أنها الحلقة الأضعف. وهذا ما يجعلها تختار البقاء في علاقات زوجية ظالمة، خوفاً من أن تُتهم بإفشال العلاقة، وهو أيضاً ما يجعلها ضحية سهلة للعنف والتحرش والاغتصاب. وإن حصلت على الطلاق فإنها لا تحصل على حقوقها كاملةً، بحسب عسل، التي تحكي عن مطلقات يعانين الأمرين في الحصول على حقوقهن وحقوق أبنائهن، ويضاف إلى ذلك لوم محيطهن لهن.سبل التغيير؟
"تغيير النظرة المجتمعية يتطلب الاعتماد على الخطاب الديني في المساجد ووسائل الإعلام"، تقول عسل مستندةً إلى سيدات من عهد الرسول محمد: "فالصحابيات في عهد النبي تزوجن وطلقن ومررن بتجارب متعددة بشكل طبيعي وسلس للغاية". ومما لاشك فيه أن تطبيق القوانين بشكل عادل على الجميع والقضاء على الفساد البيروقراطي في الدوائر الحكومية ومؤسسات الدولة، يحد من الثغرات التي يمكن أن تسبب ظلماً للمرأة. لكن القانون وحده لا يكفي، بحسب يوسف، بل يحتاج لمجهود المجتمع المدني والمؤسسات.كما أنه يحتاج لوعي من الإعلام والدراما التي رسخت عبر مئات الأعمال هذه الصورة. يقيم المجلس القومي للمرأة، وهو مجلس حكومي تأسس عام 2000، ندوات في 100 قرية في منطقة الشرقية لإعداد الزوج والزوجة لشرح أن الزوجة ليست مسؤولة وحدها عن البيت والأولاد، وأهمية المشاركة في أعباء الحياة الزوجية، بحسب عسل. "جهودنا في كثير من الأحيان تُقابل بحالة من العناد والرفض"، تقول عسل، كاشفةً أن نسبة الاستجابة في أحسن الأحوال لا تتجاوز 50%. "هذا كله لا يعني مطلقاً أن المرأة مظلومة على الدوام"، تقول عبد الرؤوف مؤكدةً أن هناك أوقاتاً تتحمل المرأة مسؤولية التقصير، وتحصل أحياناً على التقدير الذي تستأهله، والحياة الأسرية شراكة لا يمكن تحميل أحد طرفيها مسؤولية النجاح أو الفشل كاملة. *تم تغيير أسماء السيدات في بداية المقال بناءً على طلبهن.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع