يصعب على "أم ملاك" (32 عاماً) من مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، نسيان احتفالات أعياد النوروز التي كانت تقام كل عام. تقول إنّ "هذه السنة من أسوأ سنوات حياتها"، في ظلّ الحرب التي يشهدها إقليم كردستان ضدّ مسلحي الدولة الاسلامية. وتضيف "اللحظات الفرحة أصبحت شبه معدومة لدى غالبية الناس، لأنّ معظم المساجد تشهد حالات عزاء يومية والشهداء في كل حي ومنطقة".
تحزن "أم ملاك" على الوضع الراهن الذي دفع أيضاً الحكومة الكردية لإصدار قرار قضى بعدم إحياء الاحتفالات في نوروز هذا العام، نتيجة الحرب ضد داعش. وكانت حكومة إقليم كردستان العراق التي يعيش فيها ما يقارب 6 ملايين شخص، قد أعلنت أنّ عدد الشهداء في صفوف البيشمركة الكردية بلغ الألف شهيد وعدد الجرحى قرابة أربعة آلاف.كذلك أعلنت السلطات الأمنية في محافظات الإقليم كافة عدم السماح للمواطنين في أعياد نوروز، بمغادرة المحافظة وسمحت بإحياء الاحتفال بطريقة تقليدية ضمن حدود المحافظة، وذلك احتراماً لأرواح الشهداء وللموجودين في جبهات القتال. وقد ألقى هذا القرار بظلاله على الأجواء العامة وأغضب العديد من المواطنين. عند التجول في محافظات إقليم كردستان الأربع (السليمانية، أربيل، دهوك، حلبجة)، يظهر أنّ الحزن والضجر حلّا مكان البهجة التي كانت ترتسم على وجوه الناس، لا سيما عندما يُقبل الربيع عليهم. يقول "أوات عزالدين" (40عاماً) وهو موظف حكومي إنّ "القرار يُعدّ بمثابة سجن جماعي في يوم تاريخي بالنسبة لنا"، داعياً الجهات المسؤولة لإعادة النظر في القرار. ويقول "هيرش جلال" (37 عاماً) "يفترض أن تهتمّ حكومة الإقليم بعيد نوروز أكثر من السنوات الماضية كتحديّ للأوضاع التي تشهدها المنطقة ومن أجل مواساة المواطنين في ظل المعاناة التي يعيشونها".
وأفاد "مولوي عبد الجبار"، مسؤول دائرة السياحة في إقليم كردستان، لرصيف22 أنّ الدائرة ستستمر في عملها من خلال تقديم الخدمات للمواطنين عند الخروج في عطلة نوروز. ولكنه أضاف "لم ننظم أي احتفالات غنائية أو مهرجانات نتيجة الأوضاع الأمنية التي يشهدها الإقليم". لا يستبعد عبد الجبار خروج الناس إلى الأمكنة العامة، مشيراً إلى أنّ المواطنين "لا يتحملون عدم الاحتفال بهذا اليوم". ورأى أنّ الحرب ضد داعش "ذات تأثير واضح على نفسية وعلى رغبة الناس في الخروج والاحتفال والتمتع، كباقي السنوات، بأعياد نوروز".
“أم ملاك” التي كانت تتحسّر على الماضي تضم صوتها إلى الذين يصرّون على الاحتفال. وتقول "مع أنّ الأوضاع الأمنية سيئة، قمت بخياطة ثوبَين كرديين لابنتي الصغيرتين من أجل أن نخرج في يوم نوروز ونحتفل".
العيد القومي للأكراد
يحتفل إقليم كردستان العراق الذي نال استقلاله كإقليم منذ 1991 سنوياً على نحو رسمي بأعياد نوروز. وكانت حكومة إقليم كردستان قد خصّصت العام الماضي 100 مليون دينار (86 ألف دولار) لإحياء احتفالات العيد فيما حضر أكثر من 100 ألف سائح خلال ثلاثة أيام من تركيا وسوريا وإيران إلى الإقليم للمشاركة في الاحتفالات.
وكثيراً ما كانت غالبية النساء الكرديات يتهيأن ليوم نوروز، فيقمن بإعداد مأكولات شعبية خاصة بالعيد على غرار “الدولمة”، و”البرياني”، و”تكة وكباب”، بالإضافة إلى شراء الملابس التقليدية لهنّ وللفتيات. تتألف الملابس النسائية الكردية من قطع عديدة، فيرتدين ما يُعرف بالـ"كوا" وتحتها ثوب طويل يسمى "كراس" و"اوال كراس" الذي غالباً ما يكون ملوناً. أما ثوب الرجل، فيتألف من قطعتين بلون موحد تسميان "كورتك وشروال". علماً أن المتاجر المتخصصة ببيع القماش تعجّ بالزبائن على مدار الساعة في هذا الفترة من السنة.
يعتبر أبناء القومية الكردية المقدّر عددهم أكثر من 40 مليوناً في كل أنحاء العالم عيد "نوروز" عيداً قومياً وأول يوم من السنة الكردية. وهو عيد يحتفل به أيضاً الإيرانيّون. وهو يصادف في 21 مارس، وتجري فيه احتفالات يحييها الأكراد في تركيا وايران وسوريا وإقليم كردستان العراق. إلا أنّ ما يميّز أكراد العراق هو اعتبارهم هذا العيد عطلة رسمية، فتتوقف المؤسسات الرسمية والأهلية عن العمل اعتباراً من 20 مارس أربعة أيام، ويتمّ إيقاد شعلة نوروز المعروفة بشعلة "كاوة الحداد" في المدن كافة، وتزيّن الشوارع والأماكن العامة والمنتجعات والملاهي والمنتزهات. كما يخرج الناس إلى الحدائق والغابات والمزارع بملابس كردية تقليدية.
وفي تفاصيل قصة "كاوة الحداد"، يروى أنّ حاكماً ظالماً في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في زمن العثمانيين، اعتاد أن يستولي على كل ما يملكه الناس الذين ضاقوا ذرعاً به وباتوا يأملون التخلّص منه. إلا أنّ هذا الحاكم كان يعيش في قصر على أعلى قمة جبل، يعجز أي شخص عن الوصول إليه. وذات يوم، مع حلول الشتاء، قال أحد العامة، الذي كان يعمل حداداً واسمه كاوة "أنا يئست من الحياة ولا بد أن أقتله" وأبلغ الجميع أنهم إذا رأوا ناراً مشتعلة في قمة الجبل، فهذا يعني أنه نجح في مهمّته. وهذا ما حصل، فقد قتل الحاكم في 21 مارس.
التحوّل الطبيعي في المناخ والدخول في شهر الربيع الذي هو شهر الخصب وتجدد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب الآسيوية، يحملان لدى الأكراد بعداً قومياً مرتبطاً بقضية التحرّر من الظلم. فبحسب الأسطورة، يعد إشعال النار رمزاً للانتصار على الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع