الأيزيديون... خوف من المسلمين وعلاقة ملتبسة بالكرد

الأيزيديون... خوف من المسلمين وعلاقة ملتبسة بالكرد

حياة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 9 يونيو 201711 دقيقة للقراءة

"حين تستمع إلى صوت الأذان ترتجف خوفاً". هكذا وصف ناشط أيزيدي حالة شابة أيزيدية اغتصبها عنصر في تنظيم داعش قبل تمكنّها من الفرار إلى إقليم كردستان العراق. هذه الشابة صارت تخاف من الأذان بعد ما ارتكبه داعش بحقها وبحق آلاف الأيزيديين باسم الدين. هي ليست حالة شاذة. معظم الأيزيديين يظنّون حالياً أنه لم يعد لهم مكان بين المسلمين. 

لم يكن الحال هكذا من قبل. "بعد تأسيس العراق، وإبان الحكم الوطني، كانت علاقتنا بجميع العشائر جيدة بشكل ما"، يقول الناشط ورجل الدين الأيزيدي والمشرف التربوي حسن صالح مراد لرصيف22. لكن انهيار الدولة العراقية في العام 2003 غيّر أموراً كثيرة في هذا البلد. "أدى إلى إشاعة الفوضى وانتشار فرق الموت وتنامي والأفكار المتطرفة بين فرق إسلامية مختلفة كالقاعدة وداعش وغيرهما"، يعدّد مراد مضيفاً: "تجددت الكراهية وعاد الحال إلى ما كان عليه في ظل الدولة العثمانية، ومجدداً صار المسلمون يعتبرون الأيزيدي عدواً ويكفّرونه".

غزو داعش لقضاء سنجار في الثالث من آب/ أغسطس 2014 يراه مراد كـ"نتيجة تراكمات منذ عام 2003، وانتشار الأفكار التي تروّج لتكفير الأيزيديين". فبرأيه، هنالك خطر كبير على وجود الأيزيديين، ويعود سبب ذلك، برأيه، إلى "انتشار أفكار التطرّف بين المسلمين جميعاً، سنّة وشيعة، فالشيعة أيضاً أصبحوا متطرفين لتشيّعهم".

"ازدا"، و"خودا"، و"يزدان" هي أسماء الله لدى الأيزيديين وكلها تعني الخالق. وبالتالي، الأيزيديون هم "عبدة الخالق". لا علاقة لها بأي شخص اسمه يزيد، بعكس ما جاء في بعض روايات المؤرخين العرب القدامى

"كنّا نعيش بسلام مع أجداد وآباء المسلمين"، يروي مراد، ولكن الأمور اختلفت في العقد الأخير حسب تقديره، فـ"الجيل الحالي لم يعد يتقبّل الأيزيديين في وطنهم ونخشى ألا تزول هذه الأفكار قبل عشرات السنين". الخلاصة التي يصل إليها: "لا مستقبل لنا في ظل تنامي وتصاعد الأفكار المتطرّفة في هذه البلاد".

مَن هم الأيزيديون؟

"ازدا"، و"خودا"، و"يزدان" هي أسماء الله لدى الأيزيديين وكلها تعني الخالق. وبالتالي، الأيزيديون هم "عبدة الخالق". لا علاقة لها بأي شخص اسمه يزيد، بعكس ما جاء في بعض روايات المؤرخين العرب القدامى.

يؤمن الأيزيديون بالخالق العظيم الواحد الأحد وبوجود سبعة ملائكة كبرى. كُتب الكثير عن شخصية "طاووس ملك" ومكانتها في هذه الديانة. ولكن معظم ما كُتب غير صحيح. فـ"طاووس ملك" أو "الملك تاووس" هو رئيس الملائكة، بحسب العقيدة الأيزيدية، واسمه يعني "نور الله".

عندما طلب الملائكة من الله أن يروه، خلق "طاووس ملك" من نوره وقال: إن رأيتموه كأنكم رأيتموني، فهو مخلوق من نوري وهو الرسول بيني وبينكم. وبهذا أصبح "طاووس ملك" أقرب الملائكة إلى الخالق، واختاره الله ليساعده في خلق الأرض والسماوات.

لا علاقة لـ"طاووس ملك" بقصة الأديان الإبراهيمية التي تدور حول طاعة وعصيان الملائكة لله، ولا علاقة له بالشيطان، بل لا توجد كلمة شيطان في عقيدة الأيزيديين. ففي عقيدتهم، بحسب ما عرضتها لرصيف22 "مجموعة البيت الأيزيدي الثقافي"، لا توجد قوى شر في العالم، والإنسان هو مصدر الخير وأيضاً مصدر الشر وهو يختار طريقه. ويؤمن الأيزيديون بأن الله هو الواحد الأحد ولا يمكن لملاك شر أن يتحدّاه ولا يمكن وجود قوى شر مع الله القادر على كل شيء.

وإذا أخطأ الإنسان، يجب ألا يحاول القول إن هنالك ملاك شر حاول إغراءه، إنما يجب عليه أن يعترف بأنه هو المخطئ، فالله أعطاه العقل ليفكر ويعمل لأجل الخير. ولهذا يعتبر الأيزيديون أنهم إذا لفظوا كلمة الشيطان فإنهم يشركون بالله الخير الواحد الأحد.

ينتج التخبّط في الحديث عن الأيزيديين عن واقع انغلاق مجتمعهم وخوفهم من الأجانب والغرباء، نتيجة الحروب والاضطهاد الذي عانوا منه طيلة قرون، وهذا ما جعل ديانتهم تحاط بهالة من السرية والغموض.

يضاف إلى كل ما سبق عدم وجود أسس مكتوبة لهذه الديانة بسبب ضياع كتبهم الدينية نتيجة ما تعرّضوا له على أيدي أبناء ديانات أخرى. حالياً، يحتفظ رجال الدين الأيزيديون بعقائدهم الدينية بالحفظ الشفهي، وبالتالي فإن العلم الديني عندهم محفوظ في الصدور لا على الورق. وقد أنشأ رجال الدين الأيزيديون مجلساً روحانياً لكي لا يتلاعب أحد بعقائدهم.

الديانة الأيزيدية قديمة جداً، بحسب معتنقيها. ويقولون إن مجدد ديانتهم هو الشيخ عدي بن مسافر، من مواليد بعلبك في لبنان، ويتداولون أنه من قرية اسمها "بيت الفار". ولكن لا وجود لقرية بهذا الاسم في لبنان لا في الحاضر ولا في الماضي.

كان عدي بن مسافر متصوفاً روحانياً ويعتقد الأيزيديون أن"طاووس ملك" تجسد على هيئته، وأنه كان يملك الكثير من أسرار الكون التي يعرفها "طاووس ملك" المقرّب من الخالق.

نشأة الديانة الأيزيدية

يختلف الباحثون حول نشأة الديانة الأيزيدية. تباين الآراء حول ذلك يعود سببه إلى عوامل عدة برأيهم، أولها أن ما كُتب عنهم قديماً كان بأقلام أشخاص غير ملمّين بأحوالهم ومعتقداتهم، اعتمدوا على المرويات والاستماع إلى الناس الذين يتناقلون الأساطير عن الأيزيديين.

لا يُجمع الأيزيديون على رواية موحّدة عن نشأة ديانتهم. ما يُجمعون عليه هو أنها قديمة جداً. ويدعمون فكرتهم هذه بالقول إن معبد لالش الذي هو أبرز معابدهم من أقدم المعابد في العراق.

بحسب نظريات متداولة، يقول البعض إن الأيزيدية مشتقة من الديانات الفارسية القديمة كالزرادشتية وغيرها. ويعتقد آخرون أن الأركان الأساسية للديانة الأيزيدية مستمدّة من المعتقدات الدينية لشعوب بلاد ما بين النهرين. 

يربط الأيزيديون ديانتهم بديانة كانت تبجّل الإله نابو البابلي الذي كان يُعبد في مدينة بورسيبا (برس نمرود) حيث يقع معبده الرئيسي المسمى "أيزيدا". ويعتقدون أن اسمهم اقتُبس من اسم هذا المعبد.

تعود عبادة الإله نابو إلى قرابة سنة 1800 قبل الميلاد على أقل تقدير، وانتشرت في بلاد آشور التي كانت تشمل المناطق التي ينتشر فيها الأيزيديون اليوم.

أقيمت لنابو تماثيل في المعابد، وفي نهاية القرن التاسع قبل الميلاد بلغت هذه العبادة أوجها. ولنابو معبد في كالح (النمرود)، وهي مدينة آشورية قديمه لا تزال آثارها قائمة. وهنالك مذبح مكرس له في قرية "شدوه" التابعة لمدينة سنجار، أبرز معاقل الأيزيدين في الوقت الحاضر.

يقول الأيزيديون إن ديانتهم تختلف عن الديانة البابلية لأنها تعترف بخالق وسبعة ملائكة كالأديان السماوية. كما يشيرون إلى أن أدعيتهم تشبه أدعية الأديان الإبراهيمية إلا أن طقوسهم وقبلتهم تشبهان ما كان سائداً في الديانات العراقية القديمة

وإذا كان بعض الباحثين يقول إن الناس في تلك الفترة كانوا يعبدون الشمس، استناداً إلى بعض الرموز والآثار التي تمثّل أشخاصاً يقفون أمام الشمس، فإن الأيزيديين يقولون إنهم كانوا يتّخذون الشمس قبلة للصلاة فقط لا غير، لأنها تمدّ الإنسان بالنور والحياة.

ويقول الأيزيديون إن ديانتهم تختلف عن الديانة البابلية لأنها تعترف بخالق وسبعة ملائكة كالأديان السماوية. كما يشيرون إلى أن أدعيتهم تشبه أدعية الأديان الإبراهيمية إلا أن طقوسهم وقبلتهم تشبهان ما كان سائداً في الديانات العراقية القديمة. 

مع سقوط بابل على يد الجيوش الأخمينية بقيادة قورش الكبير، تعرّض شعب أيزيدا للاضطهاد والقمع واضطر للفرار إلى المناطق النائية في شمال العراق الحالي لينجو بدينه من الأجانب الغزاة، بحسب رواية الأيزيديين. 

أبرز مقامات الأيزيديين

يشير الباحث الأيزيدي داود مراد الختاري إلى أن أبرز مقامات الأيزيديين هو معبد لالش النوراني، الذي يبعد 53 كيلومتراً جنوب شرق دهوك و11 كيلومتراً شمال عين سفني، مركز قضاء شيخان. وفيه ست قباب ترمز كل منها إلى أحد شيوخ الأيزيديين الكبار وهم: الشيخ عدي بن مسافر، الشيخ حسن ابن شقيق الشيخ عدي، الشيخ عدي الثاني ابن الشيخ حسن، الشيخ مشلح، كانيا سبي، والشيخ شمس. 

وهناك العديد من المقامات في أكثر القرى الأيزيدية أبزرها مقام شرف الدين بن الشيخ حسن الأداني ويقع في جبل شنكال (سنجار)، ومقام مهما رشان الواقع في جبل مقلوب.

تاريخ قاسٍ

يحصي الختاري، صاحب كتاب "الحملات والفتاوى على الأيزيديين في العهد العثماني" الصادر عن دار سبيريز للطباعة والنشر في دهوك عام 2010، 15 فتوى تدعو إلى قتل الأيزيديين عبر التاريخ الإسلامي.

نتيجة هذه الفتاوى كانت موجات كثيرة من الاضطهاد. يؤكد الأستاذ عيدو بابا شيخ، ابن الأب الروحي للأيزيديين في العراق والعالم، أن "الأيزيديين واجهوا عبر تاريخهم، وبحسب موروثهم، 72 حملة، أشرسها حسبما يذكر التاريخ حملة الأمير محمد باشا الراوندوزي عام 1832 وحملة حافظ باشا عام 1838 وحملة الفريق العثماني عمر وهبي باشا عام 1892".

وينقل حسن صالح مراد عن كتاب "مهزلة العقل البشري" للباحث العراقي علي الوردي أن محمد باشا الراوندوزي المعروف بـ"ميري كور" قام في حملته بجمع مئة ألف رأس في موقع ثم قام بالأذان فوقها.

وينقل عيدو بابا شيخ عن كتاب "اليزيدية" (1949) للكاتب العراقي صديق الدملوجي أن الأيزيديين فقدوا خلال 800 أو 900 عام أكثر من مليوني نسمة، ومع هذا صمدوا، ما يقدّم دليلاً على تمسكهم بمعتقداتهم.

أعداد الأيزيديين ومناطق انتشارهم

بحسب عيدو بابا شيخ، كان عدد الأيزيديين في العراق قبل غزو داعش يبلغ قرابة 700 ألف، "وهذا عدد تقديري لعدم وجود إحصاء دقيق لأكثر من عقدين من السنين"، كما يقول.

يتوزّع أيزيديو العراق على أقضية سنجار والشيخان وتلكيف وناحية بعشيقة في محافظة نينوى، وفي قضاءي سميل وزاخو في محافظة دهوك. "أما الآن، وبسبب النزوح، فقد تبعثروا في مختلف المدن والقصبات في إقليم كردستان العراق وأغلبهم يقيم في المخيمات"، يشرح بابا شيخ.

إضافة إلى العراق، هنالك مجموعة من الأيزيديين في سوريا يقدّر عدد أفرادها بنحو 15 ألفاً، ومجموعة أخرى في تركيا تكاد تزول ولم يبقَ منها إلا أقل من ألف شخص لأن غالبية أفرادها الساحقة هاجرت إلى ألمانيا. أيضاً، هنالك مجموعة في إيران لا يُعرف عددها بدقة ولكنها كبيرة بحسب ما يقول الأيزيديون. كما أن هنالك بضع عشرات الآلاف من الأيزيديين في جورجيا وأرمينيا وروسيا.

هل الأيزيديون كرد؟

يقول الأيزيديون إن بعض جدران معبد لالش تحوي كتابات بلغات أخرى، ويعتقدون أنها اللغة الأيزيدية القديمة التي انمحت تماماً بسبب الظلم والاضطهاد اللغوي، جراء حملات الإبادات والتكريد والتعريب. 

عن علاقتهم بالكرد، يقول حسن صالح مراد إن "الحملات المتكررة على الأيزيديين والتي شنّتها الدولتان الصفوية والعثمانية دفعت الكثيرين منهم إلى الاستسلام للكرد خوفاً أو نتيجة لسبي نسائهم وقتل أطفالهم، فأصبح الجزء الأكبر منهم كردياً".

"الأيزيديين لا يزالون ينفرون من تسميتهم كرداً. فالأيزيدية ديانة قديمة تعود إلى زمن السومريين. وإن كانوا يعتبرون الكرد أقاربهم، لا يقبلون أن يُرَدّ الأصل إلى الفرع. يقولون إن الفرع منّا ولسنا منهم"

ولكنّه يؤكد أن "الأيزيديين لا يزالون ينفرون من تسميتهم كرداً. فالأيزيدية ديانة قديمة تعود إلى زمن السومريين. وإن كانوا يعتبرون الكرد أقاربهم، لا يقبلون أن يُرَدّ الأصل إلى الفرع. يقولون إن الفرع منّا ولسنا منهم". 

ويروي أنه "في بعض الأزمنة، تزعّم أبشع الحملات ضد الأيزيديين أمراء كرد (مثل حملتي الأمير محمد الراوندوزي وحملة عمر وهبي باشا وهما كرديان). وكان الكرد ألدّ أعداء الأيزيديين في زمن ما". 

الحديث عن العلاقة الملتبسة بين الأيزيديين والكرد أُثير بقوّة مع انتشار آراء تقول إن قوات البيشمركة انسحبت عمداً من قضاء سنجار لكي يحصل ما حصل على يد تنظيم داعش، ولكي يستثمر قادة كرد العراق مأساتهم لكسب الدعم الدولي.

وبحسب شاب أيزيدي فضّل عدم الكشف عن اسمه، يخاف الأيزيديون اللاجئون حالياً في إقليم كردستان العراق من التعبير عن رأيهم ومن القول إن البيشمركة انسحبت من سنجار وتركتهم بلا حماية ليسيطر عليها تنظيم داعش. برأيه، "يستغل" الكرد العراقيون مأساة الأيزيديين لتحقيق مكاسب على حسابهم و"يسحبون منهم الفيتامينات التي يحتاجونها ويضعونها في أجسادهم". 

يشير الشاب نفسه إلى أن الكرد الأتراك والسوريين أكثر علمانية من الكرد العراقيين ولكنهم هم أيضاً يعملون لمصلحتهم ككرد. ويتحدّث عن اعتقال أيزيديين في كردستان العراق لأنهم انضموا إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني أثناء دفاع مجموعات منه عن جبال سنجار، بعد غزو داعش. 

كما يتحدث عن استغلال الأيزيديات من خلال إجبارهنّ على رواية قصص مختلقة للصحافة الأجنبية ودفعهنّ إلى مؤتمرات ليقلن: أعطوا السلاح للبيشمركة.

*هذا الموضوع أعدّ بمساعدة مشكورة من عضو مجلس إدارة المنظمة الإيزيدية للتوثيق خيري علي إبراهيم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image