فيما يراه البعض التحدي الأكبر أمام السوريين لتجاوز محنتهم الممتدة منذ آذار/ مارس 2011، ويقلّل آخرون من وزنه معتقدين أنه "أقل التحديات" التي تواجهها الإدارة الانتقالية، يحتفظ ملف المقاتلين الأجانب في سوريا بقدرته على تحديد علاقة سوريا ما بعد الأسد بالمجتمع الدولي من جهة، وبالعديد من المكونات المحلية من جهة أُخرى، فنجاح التعاطي مع هذا الملف قد يُسهّل نسج علاقات جيدة، داخلياً وخارجياً، لسوريا، شعباً وقيادةً، ربما لعقود.
لا يكاد يمرّ أسبوع إلا ويخرج تصريح جديد يتعلّق بملف المقاتلين الأجانب في سوريا، وتتراوح ردود الأفعال بين داعم لفكرة دمجهم في الجيش والمجتمع، ومعارض لبقائهم في سوريا. في حين تتحرّك، بين الهوامش، المفاوضات السياسية التي تبدأ بكل ما له علاقة برفع العقوبات عن سوريا، ولا تنتهي بضمان الاستقرار الداخلي. ومن جهتها، تسعى السلطة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع إلى إظهار قدرتها على التعامل الفاعل مع هذا الملف لتحقيق مكاسب سياسية أكبر من ذلك، مستغلة علاقاتها مع هؤلاء المقاتلين، وحرص بلدان هؤلاء المقاتلين الأصلية لهم على بقائهم بعيداً منها.
وشهدت الآونة الأخيرة تطورات مهمة في هذا الخصوص، منها ما رأيناه على أرض الواقع، كالاشتباكات التي اندلعت مع الفرنسيين المهاجرين في إدلب، ومنها ما بقي مصيره محكوماً بالتداول الإعلامي بين النفي والتأكيد، كموضوع تسليم عدد من المقاتلين الأويغور للصين.
"الخيار الأكثر واقعية" أو "يمثّل تحدياً داخلياً وخارجياً"... لماذا تتباين آراء السوريين ومواقفهم إزاء دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، وإلى أين وصل هذا الملف؟
مناوشات حول الملف الحسّاس
خاضت قوات الأمن السورية في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2025، اشتباكات ضد متطرفين فرنسيين، بعد تطويقها لمخيمهم المعروف باسم "الغرباء" أو "مخيم الفرنسيين" في حارم بإدلب، عند الحدود التركية السورية، واتهام قائدهم الفرنسي السنغالي عمر ديابي الشهير بـ"عمر أومسن"، برفض تسليم نفسه على خلفية خطف فتاة من يد والدتها في مخيم فردان بريف إدلب.
كانت تلك أول مواجهة معلنة لسلطة أحمد الشرع ضد مقاتلين أجانب منذ وصولها إلى الحكم، ما دفع "أومسن" إلى نشر فيديو يتهم فيه قيادات هيئة تحرير الشام بالتنسيق مع السلطات الفرنسية للقضاء على المجاهدين الفرنسيين للتقرب من باريس. تبع ذلك حشد عسكري ومواجهات بين الطرفين، مع تجييش "أومسن" للمقاتلين الأجانب من قوميات مختلفة للوقوف في وجه السلطات الجديدة، التي تعمل على التخلص منهم بعد تمكنها من الحكم، الأمر الذي انتهى بهدنة رأى فيها البعض نجاحاً لسلطة الشرع بتفادي الأزمة، بينما رأى القسم الآخر أن الفصيل الفرنسي هو من انتصر في الصراع.
وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، نقلت" فرانس برس"، عن مصدر حكومي سوري لم تكشف اسمه، قوله إن دمشق تعتزم تسليم مقاتلين من أقلية الأويغور المسلمة إلى الصين، وأضافت: "وفقاً لمصدر دبلوماسي في سوريا، تعتزم السلطة السورية تسليم الصين 400 مقاتل من الأويغور في الفترة المقبلة"، وذكر المصدر أن الملف سيُطرح خلال زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بكين (التي جرت في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر)، مضيفاً أن دمشق تخطط "بناءً على طلب صيني، إلى تسليم المقاتلين على دفعات". لكن مصدراً رسمياً في وزارة الخارجية السورية نفى لاحقاً هذه المعلومات، مؤكداً أن "لا صحة لما أوردته فرانس برس عن نية الحكومة تسليم مقاتلين إلى الصين"، بحسب ما نقلت وكالة سانا.
وتصاعد الحديث عن ملف المقاتلين الأجانب في سوريا بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع، مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، لواشنطن، وقيام إدارة الرئيس دونالد ترامب بتعليق العقوبات على دمشق، بالتوازي مع قبول إدارة الشرع بانضمام الحكومة السورية للتحالف الدولي ضد داعش والإرهاب، وسادت فكرة في أوساط الإعلام تقول إن من ضمن قوائم المستهدفين بعمليات التحالف؛ شركاء الشرع السابقين، وهم الأجانب، وبخاصة المتمردين منهم.
"السلطة هي الفاعل لا الغرب"
ويقول الأكاديمي والإعلامي الدكتور أحمد الكناني، لرصيف22، إن "ملف المقاتلين الأجانب كان أحد الملفات الأساسية التي فرضتها الإدارة الأمريكية، لكن الرئيس الشرع استطاع، نظراً للظروف الأيدلوجية لهؤلاء المقاتلين، أن يقنع الإدارة الأمريكية بضرورة السيطرة عليهم ودمجهم في المجتمع السوري، وعدم اتخاذ نهج معادٍ للتخلّص منهم، وذلك لمخاوف متعلّقة بعدم الرغبة في انضمامهم لداعش، ولكي لا يكونوا خطراً على البلدان التي جاؤوا منها. وهذا يعني حصرهم ضمن البقعة الجغرافية السورية، وإعادة دمجهم سيكون الحل الأفضل، وهذا ما وافقت عليه واشنطن، وفق شروط تحد من نطاق عملهم في سوريا".
ولا يعتقد الكناني أن لزيارة واشنطن دوراً في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، لأن الإدارة الجديدة وضعت العديد من الضوابط في موضوع الأجانب، لا سيّما بـ"اعتقال من لم يلتزموا منهم بأوامر وزارة الدفاع السورية، أو الذين تورطوا في أية شبهات سياسية أو اقتصادية، كما حدث مع أبو دجانة التركستاني، إضافة إلى حادثة الاستعصاء في مخيم الفرنسيين في إدلب، التي تعاملت الحكومة فيها بحزم"، وذلك يعني أن "السلطات الانتقالية لديها الهوامش التي تتعامل فيها مع المقاتلين الأجانب تحت إطار الدولة السورية، وفي حال لم يتم الالتزام، فهناك الخيار العسكري، وهو جاهز"، على حد قوله.
"ضرورة أمنية داخلية"
أما الباحث في المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع "مسداد"، معتز السيد، فيرى أنه "خلال عام كامل لم يظهر من المقاتلين الأجانب أي مؤشر خطر يُحتّم على الحكومة التعامل بشكل مختلف مع هذا الملف"، مبرزاً أن "انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب وتعليق بعض العقوبات لا يعنيان تغيير مسار إدماج هؤلاء المقاتلين، بل يؤكد أن العملية تسير وفق خطة وزارة الدفاع المرسومة مسبقاً. وانضمام سوريا للتحالف ضد الإرهاب هو الوضع الطبيعي للحكومة المشكّلة من فصائل حاربت داعش والفصائل المتطرفة قبل تشكل التحالف الدولي أساساً".
ويضيف السيد، لرصيف22: "دمج المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش (السوري) يُعدّ ضرورة أمنية داخلية خالصة بالنسبة إلى الدولة السورية، إذ ترى فيه وسيلة لضبط هذا المكوّن ومنع تحوّله إلى قوة خارجة عن السيطرة. وحتى مع وجود اعتراضات أو تحفّظات دولية، من غير المرجح أن تتراجع الحكومة الحالية عن خطتها في احتوائهم، لأنها تعتبر أن القرار مرتبط بالسيادة الوطنية وبأمن المجتمع السوري أولاً وأخيراً".
بين اشتباكات "مخيم الفرنسيين" في إدلب وشائعات تسليم الأويغور إلى الصين… هل نجحت دمشق في ترويض المقاتلين الأجانب؟ محللون يرون الدمج خياراً واقعياً، والحزم العسكري بانتظار من يحاول الخروج عن مسطرة الدولة
لا مشكلة مع المنضبطين منهم؟
لا يختلف عن ذلك الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، نوار شعبان، الذي يُبيّن، لرصيف22، أنه "بعد زيارة واشنطن، استمر التركستان جزءاً من وحدات الجيش. فمن الناحية التقنية، يعني هذا أن التحالف الدولي لا مشكلة لديه مع المقاتلين الأجانب المنضبطين المنضوين تحت سلطة المؤسسات العسكرية بإشراف مباشر. فملف الأجانب ليس ملفاً أمنياً فقط بل إنسانياً أيضاً، وهؤلاء المقاتلين لديهم عوائل وعليه لا يمكن التعامل مع الملف من ناحية أمنية فقط أو إنسانية فقط".
"التجربة لم تفشل، والغرب داعم"
وتكرّر الحديث إعلامياً أخيراً عن تراجع المجموعة الغربية، وعلى رأسها واشنطن، عن قبول دمج الأجانب في سوريا، بعدما تسرّب عن مشاركتهم في أحداث العنف الطائفي في كل من الساحل والسويداء، مما يعكس فشل تجربة ضبطهم. وعن ذلك، يقول الكناني: "لا يمكن الحديث عن فشل أو نجاح فكرة وجود المقاتلين الأجانب، خصوصاً أن التجربة تحتاج إلى وقت، وهي بالكاد تجاوزت العام الآن، والمقاتلون موجودون بشكل محدود ومحصور عسكرياً وجغرافياً، ولم تُسجل أيُّ خروقات من قبلهم، باستثناء حادثة مخيم الفرنسيين".
ويعقّب الكناني: "لم يتراجع أي طرف غربي عن دمج المقاتلين الأجانب، فهو ملف سوري، والجهود الأوروبية والأمريكية تعي أن الحل بوجود المقاتلين تحت رقابة الدولة السورية، ودمجهم ضمن المجتمع كي لا يعودوا إلى بلدانهم الأصلية، وتالياً، لا أعتقد أن ثمّة تصعيداً غربياً في هذا الملف أو رفضاً لفكرة الدمج، لأن هذا الأمر سيرتد سلباً على تلك دول".
"مقاربات متغيّرة وشروط"
في المقابل، يؤكد الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، أن هذا الملف "يمثّل تحدياً داخلياً وخارجياً في الوقت ذاته، فداخلياً يولّد ضغطاً أمنياً واجتماعياً وقانونياً معقّداً، وخارجياً يؤثِّر في قدرة دمشق على توسيع علاقاتها الدولية بسبب القلق من أن يتحوّل هذا الملف إلى مصدر خطر عابر للحدود، وعليه إدارة واضحة وشفافة لهذا الملف تُعد عاملاً حاسماً في تخفيف الكلفة الدبلوماسية واستعادة الثقة مع الشركاء الدوليين".
وعن مواقف الغرب من رفض أو قبول دمج المقاتلين الأجانب في هيكلية سوريا الجديدة، ينبّه الحاج علي، عبر رصيف22، إلى أن "المقاربات الغربية ليست ثابتة؛ هي محكومة بمخاوف الأمن القومي والاعتبارات السياسية الداخلية. قد تشهد بعض العواصم تشدّداً مرحلياً أو تراجعاً عن سياسات قائمة إذا تزايد الضغط الشعبي أو الاستخباراتي. لكن في الوقت ذاته، يوجد تيار واسع يدفع نحو حلول مؤسسية تشمل إعادة التأهيل والتقاضي والتعاون عبر الحدود".
أما عن واشنطن، وما يُحكَى عن شروط تفرضها على دمشق في هذا الملف، فيُبين الحاج علي أنه "من الطبيعي أن تضع واشنطن أو غيرها شروطاً أمنية وقانونية قبل أي انفتاح موسّع تجاه دمشق، هذه الشروط غالباً تندرج ضمن أدوات التفاوض المرتبطة بتخفيف المخاطر"، والمهم برأيه هي "قدرة الإدارة السورية على تقديم آليات عملية ورقابة مقنعة تؤكد التزامها بالتنفيذ".
"اقتناع مرتبط بالشفافية"
في غضون ذلك، يرى معتز السيد أن "الموقف الغربي شهد تحوّلاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة. فبعد أن كان إبعاد المقاتلين الأجانب شرطاً أساسياً لرفع العقوبات، وافقت واشنطن على خطة الدمج التي تبنتها الحكومة السورية، وهو ما أكده المبعوث الأمريكي توم باراك بحيث إن إبقاء هؤلاء داخل مشروع الدولة أقل خطورة من تركهم خارج السيطرة، هذا التراجع يعكس اقتناعاً غربياً بأن الدمج، مع ضمانات الشرع بالشفافية وعدم تهديد الدول الأخرى، هو الخيار الأكثر واقعية لضبط الملف ومنع انفلاته".
المقاتلون الأجانب تحت السيطرة؟
ويصرّ شعبان على أن "العديد من الجيوش التي خرجت من نزاعات، تملك في قوامها كتلاً أجنبية. لكن الإشكالية تحدث عندما تفشل الدولة الناشئة في ضبطهم، والأويغور استمروا ضمن الجيش رغم انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، إذاً بعض جوانب الملف بحاجة إلى تعامل حذر لتجنّب المشاكل الداخلية".
وحول التطوّرات والتخبّطات في ملف المقاتلين الأجانب، يرى الكناني أنه لا يوجد رابط بين اشتباكات مخيم الفرنسيين وما يتم تداوله عن تسليم الأويغور إلى الصين. فالأول برأيه حدث جنائي استدعى تدخّل الدولة السورية. أما الثاني، فلا يعتقد بوجود مصلحة لأحد بالتعامل مع ملف المقاتلين الأجانب من خلال إعادتهم، وما يهم الصين هو ألا يرتد هذا الملف عليها، وتصبح سوريا نطاق عمل ضد بكين، على حد وصفه.
"لا للتسليم، نعم للحزم"
يبدو تسليم المقاتلين الأجانب "مستبعداً تماماً" على ما يظنّ معتز السيد الذي يشير إلى أن "الحكومة نفت هذه المزاعم بشكل واضح، بخاصة أن هؤلاء يُظهرون ولاءً كاملاً للسلطة الحالية ولا يشكلون - في الوقت الراهن - خطراً داخلياً أو إقليمياً أو دولياً. أما ما جرى في 'القرية الفرنسية' في إدلب، فهو حادث أمني مرتبط بجريمة جنائية تمت معالجتها وفق القانون العسكري لوزارة الدفاع. وبحسب معلوماتي فإن قائد المجموعة المنفلتة سبق أن سُجن قبل مرحلة التحرير، والدولة ستتعامل مع أي طرف يتجاوز القانون بنفس الحزم، سواء كان من السوريين أو من المقاتلين الأجانب".
ولا يربط الحاج علي بين انضمام سوريا إلى التحالف الدولي وبدء الاشتباك مع المقاتلين الأجانب، إذ يشرح: "الشراكات الدولية لا تعني تلقائياً مواجهة مباشرة معهم، لكنها تفرض اختباراً لمستوى ضبط الدولة لهذا الملف". ويُردف بأن الاعتماد على المقاتلين الأجانب كـ"خبرات" داخل أي تحالف دولي أمر محفوف بالمخاطر ومقيّد بمعايير صارمة من الرقابة والمساءلة يصعب تحقيقها دون إعادة هيكلة طويلة ومعقّدة.
على النقيض تماماً، يستبعد الكناني احتمالات اندلاع اقتتال داخلي في حال فشل أو تعثّر ملف دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، موضحاً "لا أرى أن ملف المقاتلين الأجانب قد يتحوّل إلى اشتباك ضمن الجسم الواحد، فهم موجودون ضمن هيكلية الجيش بشكل مندمج وغير مؤثر على هيكليته".
نجاح المسار هو المعيار
وفيما يتفق مع الكناني، يشدّد السيد: "أرى أن هذا الملف لن يواجه تعثراً، إذ تتوافر إرادة داخلية ودولية متقاطعة تدفع باتجاه دمج المقاتلين الأجانب وضبطهم ضمن إطار مؤسّسي منظَّم. هذا التوافق يعكس إدراكاً مشتركاً بأن الدمج هو الخيار الأكثر واقعية لتفادي مخاطر الانفلات والاحتمال الوحيد لانزلاق المشهد نحو مواجهة أو اقتتال مع هذه المكونات يكمن في حال تم إقصاؤهم أو تهميشهم، أو ممارسة ضغوط أمنية وسياسية عليهم خارج إطار الشراكة والاحتواء. لذلك فإن نجاح المسار الحالي يتوقّف على استمرار سياسة الإدماج، وضمان عدم تحويل هؤلاء إلى أطراف مهمَّشين قد يبحثون عن بدائل أكثر خطورة".
البعد الجغرافي
وينبّه شعبان إلى البعد الجغرافي لحل أزمة المقاتلين الأجانب حيث يقول: "يبدو أن هناك أماكن محدّدة في شمال غرب سوريا تضم كُتلاً من الأجانب يتم التعامل معها بضوابط قانونية خارج المنظومة العسكرية"، مستدركاً بأنه "لو كان الفرنسيون مثلاً ضمن التشكيلات العسكرية لكنّا وجدناهم هناك. لكنهم ضمن الجغرافيا ويتم التعامل معهم بأسلوب حذر وفق هذا الأساس، فلا يمكن التعامل معهم بأسلوب أمني مباشر وإنما على خطوات. وفي النهاية، التعامل في هذا الملف يهدف إلى حل معضلة وليس خلق مشكلة".
إسرائيل وملف المقاتلين الأجانب
وينفي الكناني وجود أي ارتباط بين إسرائيل وطبيعة حل ملف المقاتلين الأجانب في سوريا"، معقّباً "لدى إسرائيل أجندتها الاستعمارية الخاصة بها".
شعبان هو الآخر يؤكد أنه "لا دخل لملف المقاتلين الأجانب بإسرائيل" التي تتضح أهدافها في سوريا في محاولة "خلق بُعد دفاعي في جغرافيات متقدِّمة، وهي سياسة تتبعها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهي تتذرّع بهذا الملف لكن الأساس خلق نقاط متقدِّمة إضافةً إلى موضوع مياه الحرمون وبالتالي الكلام الإسرائيلي عن ملف المقاتلين الأجانب هو إعلامي".
في حين يستفيض السيد في شرح هذه الجزئية، قائلاً: "بالنسبة إلى إسرائيل، لا يتعلّق الموضوع بالمقاتلين الأجانب. فهي ترى أن أي وجود مسلَّح ضمن نطاق حدودها هو خطر عليها التعامل معه، والخلاف الحالي لا علاقة له أبداً بملف المقاتلين الأجانب لأنها تريد ببساطة منطقة أمنية عازلة في جنوب سوريا، لتفادي تكرار ما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهي ترى أن الحكومة (السورية) الحالية غير قادرة على ضبط السلاح على حدودها الشمالية".
ويُردف بأن "ما يضمن لسوريا الأمان حالياً هو توحيد الصف الداخلي والعلاقات الخارجية الجيدة مع الدول القادرة على الضغط على إسرائيل من أجل أن تتوقف عن انتهاكاتها والتراجع إلى حدود 1974"، في إشارة إلى اتفاقية فضّ الاشتباك بين سوريا وإسرائيل.
أما الحاج علي، فيخشى أن يُستخدم وجود مجموعات مسلحة غير منضبطة قرب الحدود ذريعةً لتبرير الاعتداءات الهمجية للقوات الإسرائيلية على سوريا، مما قد يجعل هذا الملف أحد العوامل المؤثِّرة لاحقاً في أي مسار تهدئة أو تفاهمات أمنية. وهو يتمسّك بأن "ضبط الحدود والحد من السلاح غير الشرعي وتقديم مؤشرات جادة للسيطرة جميعها قد تفتح المجال لهوامش تفاهم محدودة، لكنها تبقى هشّة ومرتبطة بمستوى الثقة المتبادلة".
فيما تقف دمشق أمام اختبار "إعادة التأهيل"، يستوجب الحل المستدام لملف المقاتلين الأجانب تفكيك "عقلية الجماعة" ومعالجة قضائية شفّافة، وسط مخاوف شعبية مشروعة من تجذّر التطرّف في نسيج المجتمع السوري الجديد
حلول وبرامج تأهيل
وفي ما يتعلَّق بكيفية إدارة الملف داخلياً، دون خسارة الانفتاح الدولي، يقول الحاج علي إن "المعادلة تتطلَّب ضبطاً داخلياً حقيقياً وأدوات واضحة للمعالجة مثل برامج إعادة دمج الأفراد القابلين للعودة إلى المجتمع، على أن تكون مبنية على تفكيك مفهوم الجماعات، وإعادة تعريف الانتماء، والتأهيل الاجتماعي والمهني، إضافة إلى معالجة قضائية عادلة وشفافة، وتعاون استخباراتي وقضائي مع الدول المعنية".
ويتابع الحاج علي: "في ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب تحديداً، يمكن العمل على إعادتهم إلى بلدانهم ضمن ضمانات قانونية ملزمة، ومتابعات قضائية، مع دعم دولي مالي واجتماعي يخففان العبء عن الدولة السورية"، مؤكداً "هذا النهج يحقّق توازناً بين تعزيز الاستقرار الداخلي والحفاظ على الانفتاح مع المجتمع الدولي".
بعد مرور عام على إسقاط نظام بشار الأسد ووسط كل ما يُشاع عن محاولات عبث إقليمية ودولية في الملف السوري سواء من بوابة تنظيم داعش أو بوابة "فلول" النظام الساقط، يتحوّل ملف المقاتلين الأجانب إلى هاجس سوري شعبي. فمن جهة، يرفض الشعب السوري بطبيعته التطرّف، ومن جهة أُخرى يخشى أن تلتهم البلاد نيران الاقتتالات الداخلية إذا ما اندلع صراع جديد بين معسكر المقاتلين السوريين ومعسكر المقاتلين الأجانب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



