هل يسعى المالكي لاستعادة السلطة في العراق... وماذا لو نجح؟

هل يسعى المالكي لاستعادة السلطة في العراق... وماذا لو نجح؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 28 نوفمبر 202511 دقيقة للقراءة


في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على الساحة السياسية والشعبية في العراق، فجر حزب الدعوة الإسلامية جدلاً غير مألوف بإعلانه ترشيح زعيمه نوري المالكي لرئاسة الوزراء، قبل أن يتراجع سريعاً عن نشر الخبر ثم يعيد تثبيته مجدداً.

عودة المالكي إلى الواجهة ليست مجرد خبر عابر، إذ تستحضر سنوات حكمه التي تركت بصمات ثقيلة على ذاكرة العراقيين، فتاريخياً، يعد المالكي إحدى أبرز الشخصيات السياسية في العراق بعد عام 2006، إذ تولى رئاسة الوزراء لمدة ثماني سنوات، ارتبط اسمه خلال هذه المدة بملفات شائكة عدة، بين الفساد الإداري والصراعات الداخلية، والأزمات الأمنية.

هذه الذاكرة التي خلفتها حكومته السابقة جعلت الشارع العراقي يقف أمام إعلان ترشيحه بتشكك ورفض كبيرين، وتدفع إلى السؤال الأهم، هل نحن أمام عودة فعلية لرجل أثار الجدل طويلاً، أم أمام ورقة ضغط جديدة في لعبة التحالفات التي تسبق الانتخابات المقبلة؟

حصاد 8 سنوات من الذاكرة

امتدت رئاسة نوري المالكي لمجلس الوزراء ثماني سنوات كاملة، من عام 2006 وحتى 2014، وهي من أكثر الفترات حساسية بعد عام 2003، بين الانفلات الأمني وتشعب التشكيلات المسلحة والانقسام السياسي، ليضع في مقدمة أولوياته تعزيز سلطة الدولة المركزية وبناء أجهزة أمنية موحدة، ولكن هذا التوجه أدى إلى تركيز الصلاحيات في مكتبه، على حساب مبدأ الشراكة الذي نادى به الدستور.

أمنياً، تولى المالكي رئاسة الحكومة في ظل تصاعد العنف الطائفي في عام 2006، ووُجهت اتهامات إلى وزراء ومسؤولين أمنيين في حكومته بالتساهل أو التورط في تغلغل الجماعات المسلحة داخل الأجهزة الأمنية، والتورط في عمليات القتل والتهجير.

يطمح المالكي اليوم للعودة إلى الحكومة بعد أن طالته اتهامات ثقيلة بالفساد وتهميش خصومه في السنوات بين 2006 إلى 2014، بنى خلالها شبكات نفوذ داخل مؤسسات الدولة، واتُّهم بسياسات إقصائية أسهمت في تفجر احتجاجات المحافظات السنية وصعود داعش، ما جعله رمزاً لإرث ثقيل من الانقسام وعدم الاستقرار

ومع تراجع موجة العنف الطائفي، شن المالكي عملية عسكرية واسعة في البصرة ومدن جنوبية أخرى عام 2008 ضد التيار الصدري، في خطوة اعتبرها أنصاره محاولة لاستعادة هيبة الدولة، فيما عدها آخرون مسعى لتقليص نفوذ التيار الصدري سياسياً واجتماعياً.

إضافة إلى ذلك، تصاعد الفساد المالي والإداري المرتبط بإدارته، تقارير صحافية قدرت أن نحو 120 مليار دولار اختفت من خزينة الدولة خلال فترة ولايته، فيما تقول مصادر أخرى أن المبالغ المختلسة وصلت إلى نحو 500 مليار دولار.

كما تؤكد التقارير، أنه دشن خلال تلك الفترة شبكات نفوذ داخل مفاصل الدولة، والوزارات السيادية والخدمية خصوصاً، واستخدام الموارد العامة لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية.

على المستوى الاجتماعي والسياسي، يُتهم المالكي باستخدام الجيش والشرطة في الضغط السياسي وتهميش المحافظات السنية والكردية واستبعادها من مراكز القرار، مهدت هذه السياسة إلى انتفاض المحافظات السنية بين عامي 2012–2013، طالبوا خلالها بإصلاحات إدارية واضحة، ولم تكد تلك الاحتجاجات تكمل عاماً، حتى انهارت خطوط الدفاع الحكومية في المحافظات السنية ودخل تنظيم داعش الموصل.

اتهم المالكي وقتها بإصدار أوامر انسحاب كافة القطعات العسكرية من المحافظات السنية كعقاب على انتفاضهم ضد حكومته، وسقطت تالياً المحافظات المنتفضة بيد تنظيم الدولة خلال أيام قصيرة.

ووسط هذا المشهد، يرى البعض أن الظروف لم تكن إلى جانب المالكي وأنه تمكن من إدارة تلك المرحلة المتخمة بالاضطرابات الإقليمية والدولية بسياسته القوية، ولكن بشكل عام فإن سنوات حكمه تركت إرثاً ثقيلاً من اللاإستقرار والفساد وانطباعاً واسعاً بخطورة عودته إلى رئاسة الوزراء.

الوضع الحالي داخل حزب الدعوة

قرار حزب الدعوة الإسلامية بترشيح نوري المالكي رسمياً لرئاسة الوزراء، لم يكن خالياً من الخلافات الداخلية، فبعد ساعات من إعلان الترشيح في الصفحة الرسمية للحزب بفيسبوك، تم حذف المنشور ثم أعيد نشره لاحقاً، وهو ما اعتبر إشارة إلى وجود خلاف داخل الحزب بشأن هذا القرار. فالخلاف يرجع إلى الانقسام بين أجنحة الحزب، بحسب مصدر من داخل الحزب، إذ يدعم بعضها اختيار شخصية أقل جدلاً لضمان استمرار نفوذهم من دون إثارة التوترات، بينما يرى جناح المالكي أن عودته تمثل ضرورة لإعادة توحيد القوى الشيعية التقليدية، واستثمار خبرته السياسية الطويلة وصلاته الإقليمية والدولية مع طهران وواشنطن.

يكشف حذف وإعادة نشر إعلان ترشيح نوري المالكي عن صراع داخل حزب الدعوة والإطار التنسيقي، بين جناح يرى المالكي ضرورة لإعادة توحيد القوى الشيعية، وآخر يخشى أن تعيد عودته فتح أبواب التوتر.

ولكن المشاكل المرتبطة بترشيح المالكي لا تنحصر داخل حزب الدعوة، بل تمتد إلى الإطار التنسيقي نفسه، فرغم إعلان الإطار تشكيل لجنتين لاختيار المرشحين، ولكن التباينات بين مكوناته لا تزال عميقة، وتسعى كل كتلة من أجل فرض مرشحها الخاص، فمثلاً، تدفع عصائب أهل الحق والتي حصلت على 27 مقعداً نيابياً باتجاه ترشيح وزير التعليم العالي نعيم العبودي، فيما تفضل قوى أخرى الدفع بوجوه جديدة أكثر قبولاً.

الحكومة بين فكي المالكي والسوداني

يمثل رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، محور التوتر الأبرز داخل الإطار، إذ سعى خلال ولايته الأولى لتقديم نفسه كرجل الإنجازات الخدمية والاجتماعية، ولكن القوى الشيعية التقليدية تعتبر هذه الخطوات منافسة لهم وتهدد توازنات النفوذ التي تكرست بعد 2003.

وفي هذا السياق، كان المالكي قد سعى من أجل إعادة العمل بقانون سانت ليغو الانتخابي وتعديل قانون الانتخابات بشكل هجين، يتيح اعتبار كل محافظة كدائرة انتخابية، واحتساب الأصوات لصالح القوائم وليس المرشحين، أي تمكن القائمة من الحفاظ على أصوات مرشحيها الخاسرين، وهي خطوة اعتبرت جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليص فرص الشخصيات الصاعدة لمصلحة القوائم التقليدية، وفي الوقت نفسه الحد من فرص تشكيل كتلة أكبر من الإطار التنسيقي وتحالفاته.

وبالفعل نجح المالكي في مسعاه، فرغم أن السوداني نجح في حشد قاعدة انتخابية واسعة، وحصد المرتبة الأولى بـ 46 مقعداً، ولكن المالكي رغم حصوله على 29 مقعداً فقط، تمكن برفقة حلفائه في الإطار التنسيقي من الوقوف أمام مساعي السوداني لتجاوز قوى الإطار التنسيقي وبناء الأغلبية البرلمانية المطلوبة.

ولكن لماذا يصرّ المالكي على العودة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى رئاسة الوزراء؟ الباحث السياسي، عثمان الموصلي، يقول لرصيف22 إن المسألة لا تتعلق بالمناصب الشخصية فقط، بل تنبع من مجموعة عوامل مترابطة، فالمالكي يرى أن فترته السابقة تركت فراغاً في المراكز التقليدية داخل النفوذ الشيعي، وأن القوى الجديدة مثل رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، تمثل تحدياً لهيمنته التقليدية، لذلك، تعتبر عودته أو ترشيح أحد المقربين وسيلة لضمان استمرار التأثير السياسي لحزبه وشبكته داخل الحكومة المقبلة.

أما على المستوى الشخصي، فيرى الموصلي، أن المالكي يدرك أن أي غياب طويل عن المشهد التنفيذي قد يضعف صورته كقائد سياسي مؤثر، وبذلك فإن عودته المباشرة أو عبر أحد المقربين تتيح له الحفاظ على إرثه السياسي، والتأثير على صياغة السياسات الحكومية، بخاصة في المجالات الأمنية والاستراتيجية التي تُعد من أولوياته.

استراتيجية المالكي للعودة إلى رئاسة الوزراء

مع تصاعد الحديث حول الولاية الثالثة للمالكي، تبرز تحديات عدة في الطريق، رفض التيار الصدري لهذا الأمر من أبرزها، إذ أعلن التيار الصدري أن ترشيح المالكي مرفوض، وأن استمرار المحاولات الرامية في ذلك ستدفع التيار إلى إعادة النظر في أدواته بما في ذلك تحريك الشارع لتحذير القوى السياسية من مخاطر تسليم الدولة لمن لم يحققوا التغيير والإصلاح.

يعتمد المالكي استراتيجية مزدوجة فيضغط لتمرير مرشحين مقربين منه، ويعيد ترتيب المشهد السياسي لصالحه وحلفائه. لكن حساباته تصطدم بعامل خارجي حاسم، إذ يُرجّح أن واشنطن ترفض صعوده أو صعود المقربين منه بسبب ارتباطهم بمحور طهران

وجدير بالذكر أن الخلاف بين المالكي والصدر تاريخي، ولا يقتصر على بعض العمليات العسكرية ولكن أيضاً على تنافس حاد داخل الوزارات والمناطق الانتخابية.

هذا بالإضافة إلى رفض الشارع الشعبي والقوى المدنية التي تنظر إلى المالكي كمتهم في تردي أوضاع البلاد إبان فترتي حكمه السابقتين، ولا ترغب هذه القوى بتكرار هذا السيناريو.

كل هذه العوامل تزيد من تعقيد عودة المالكي إلى رئاسة الوزراء، وهو بلا شك يدرك هذه الجوانب وبسبب ذلك يلجأ إلى أساليب استراتيجية أخرى، مثل استغلال الانقسامات داخل حزب الدعوة والإطار التنسيقي، حيث يمكنه هذا الانقسام من المناورة.

وبحسب الموصلي، يدرك المالكي جيداً أن فرص عودته إلى المنصب ضعيفة، ولكنه يستخدم هذا الإصرار كورقة للتفاوض مع باقي القوى، والإيحاء بأنه مستعد إلى التنازل عنها مقابل الوصول إلى اسم شخصية متفق عليها بديلاً منه.

المالكي لا يكتفي باستخدام هذه التحالفات والتوافقات من أجل تنحية أي مرشح لرئاسة الوزراء غير ملائم له فحسب، ولكن أيضاً كورقة ضغط في مفاوضات تشكيل الحكومة، بحسب الباحث السياسي سلام العزاوي، إذ تتيح له استخدام الثلث المعطل أو الفيتو ضد مرشحي الكابينة الحكومية وبخاصة المناصب الامنية والاقتصادية والاستراتيجية التي تحظى باهتمامه.

ويصف في حديثه لرصيف22، أن هذه الاستراتيجية متقدمة، وتعكس خبرته الطويلة في المشهد العراقي، وشبكة تحالفاته الواسعة، ولكنه يستدرك أن خبرته الطويلة أو علاقاته لن تصمد طويلاً، نظراً إلى تغير موازين القوى السياسية والاجتماعية منذ فترة ولايته السابقة، خصوصاً أنه يواجه تحديات جمة تجعل أي محاولة لترشيح أحد المقربين منه إلى رئاسة الوزراء مكشوفة ومعلنة وقد تثير حفيظة خصومه والشارع في آن واحد باعتبار أن هذه الشخصية ستكون بمثابة دمية يحركها المالكي من خلف الكواليس.

هل ينجح؟

استراتيجية المالكي الحالية تبدو مزدوجة، فمن ناحية، هي محاولة للضغط على القوى السياسية لقبول مرشحين مقربين منه، ومن ناحية أخرى، تعكس سعيه لإعادة ترتيب المشهد السياسي بما يخدم مصالحه وحلفاءه.

ترى طهران في المالكي "أهون الشرّين"، فهي تدرك ابتعاده عن خطها، لكنها تعتبر سعيه للتقرب من الفصائل المسلحة فرصة لاستثمار حاجته لها، واستعادة نفوذ أذرعها داخل المشهد العراقي.

ولكن التحالفات الإقليمية والدولية تضطلع بدور محوري في هذه الاستراتيجية، فرغم أن واشنطن أعلنت رفضها لأي تدخل خارجي في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ولكن هناك احتمال كبير لرفضها ترشيح المالكي أو أحد المقربين منه بسبب تحالفهم مع محور المقاومة الموالي لطهران مثل كتائب "حزب الله" وعصائب أهل الحق.

وكذلك بالنسبة إلى القوى التركية التي ستحرك بلا شك القوى السنية والحزب الديمقراطي الكردستاني ضد هذه الخطوة.

وكان المالكي قد اجتمع بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد جوشوا هاريس منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وتكرر اللقاء بعد شهر واحد وتحديداً في 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نوقشت خلالها عدّة ملفات أمنية واقتصادية عراقية، ويعتقد على نطاق واسع أن المالكي حاول خلال هذه اللقاءات توطيد نفسه كخيار مرجح لواشنطن.

أما طهران فتنظر إلى المالكي كأهون الشرين بحسب الموصلي، فهي تدرك أنه ابتعد كثيراً عن خطها وأن محاولته للتقرب من الفصائل المسلحة هي محاولة منه لكسب رضاها، وتالياً تحاول استغلال هذا الجانب من أجل تثبيت أذرعها السياسية الجديدة داخل العملية السياسية.

في النهاية، يبقى السؤال الأساسي، هل تمثل خطوة ترشيح المالكي عودة فعلية إلى رئاسة الوزراء، أم هي مجرد مناورة سياسية تهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق داخل الإطار التنسيقي؟ أما الإجابة فتعتمد على قدرة المالكي على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية، ونجاحه في استغلال الانقسامات لصالحه، مع مراعاة رفض الشارع ورفض القوى المنافسة له.

وفي غضون ذلك يظل المشهد العراقي مفتوحاً على احتمالات متعددة، وكل التحركات السياسية الحالية تشير إلى أن المعركة المقبلة لن تكون مجرد صراع على المناصب، بل اختباراً حقيقياً للقدرة على إعادة تشكيل المشهد السياسي بعد سنوات من الانقسامات والأزمات.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image