شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المالكي وحلم السلطة الدائم... 300 مليار أهلاً بـ

المالكي وحلم السلطة الدائم... 300 مليار أهلاً بـ"السطوة الإيرانية الدائمة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 14 يوليو 202204:07 م

لم تسفر محاولات حل الأزمة السياسية العراقية الممتدة عن أي نتائج إيجابية حتى الآن، بالرغم من مرور تسعة أشهر على انتهاء العملية الانتخابية وانتخاب مجلس نيابي جديد، وما رافق ذلك من أزمة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي.

قبل أسابيع، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الانسحاب من البرلمان، وتالياً إخلاء الساحة أمام الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران. إلا أن ذلك لم يساهم في الإسراع في تشكيل الحكومة، خاصةً بعد أن ولّد هذا الانسحاب مشكلات أخرى متعلقة باختيار شخصية رئيس الوزراء القادم.

محاولات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لزجّ اسمه لقيادة المرحلة القادمة، زادت من حدة الصراع الحاصل على الساحة المضطربة أساساً، ويرجع سبب ذلك إلى كونه من أكثر الشخصيات السياسية إثارةً للجدل، نتيجةً للسياسات التي انتهجتها حكومته التي استمرت لمدة ثماني سنوات، والتي عُرفت بالأسوأ في عراق ما بعد عام 2003.

من هو المالكي؟

نوري كامل محمد أبو المحاسن المالكي، البالغ من العمر 72 عاماً، يرجع أصله إلى قضاء الهندية أو طويريج في محافظة كربلاء. يحمل شهادة الماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين في أربيل، ويُعدّ جده محمد حسن أبو المحاسن أحد وجوه مجلس ثورة العشرين التي اندلعت ضد الاحتلال البريطاني في بدايات القرن الماضي، كما شغل منصب وزير المعارف لمدة قصيرة خلال وزارة جعفر العسكري عام 1923.

محاولات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لزجّ اسمه لقيادة المرحلة القادمة، زادت من حدة الصراع الحاصل على الساحة المضطربة أساساً

انضم المالكي إلى حزب الدعوة الإسلامية عام 1970، وهو حزب سياسي أسسه هاشم الموسوي الذي توفي في طهران عام 2016، ويُنسب إليه معظم التراث الفكري للحزب، ومحمد باقر الصدر الذي أُعدم عام 1980، بعد أن حظر نظام الرئيس السابق صدام حسين أنشطة الحزب على إثر الثورة الإسلامية في إيران.

عام 1979، أي إبان الثورة الإسلامية، غادر المالكي العراق إلى سوريا، وبقي فيها لمدة سنتين، اتُّهم خلالها حزبه بتفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981، وهو ما اعترف به القيادي في الحزب علي الأديب، خلال لقاء تلفزيوني عام 2020.

انتقل إلى إيران عام 1982، ثم ما لبث أن عاد إلى سوريا ليتولى مسؤولية تنظيمات الداخل لحزب الدعوة، والإشراف على صحيفته الرسمية "الموقف"، وأسس خلال السنوات التي قضاها في سوريا شبكةً من العلاقات مع قادة المعارضة، ومسؤولين في الحكومة الإيرانية، ومنهم قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذي قُتل في استهداف أمريكي تعرّض له موكبه بالقرب من مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020.

وبالرغم من مساهمته البارزة في مؤتمرات المعارضة، إلا أنه قاطع، حسب البيان المنسوب إليه، من خلال اسمه الحركي جواد المالكي، في كانون الأول/ ديسمبر 2002، كلاً من مؤتمرَي لندن وفيينا، اللذين حصلا في تلك المدة ومهدا لاحتلال العراق.

أوّل حكومة

عاد المالكي إلى العراق بعد 9 نيسان/ أبريل عام 2003، ليبدأ مشواره السياسي كأحد الأعضاء المناوبين في مجلس الحكم، والذي أسسه رئيس سلطة الائتلاف المؤقت بول بريمر، بالإضافة إلى رئاسته لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية. وفي عام 2005، شارك في تأسيس الائتلاف الوطني العراقي، وخاض عبره أول انتخابات برلمانية في البلاد، وحصد خلالها 109 مقاعد نيابية من أصل 230.

تولى على الأثر مهمة تشكيل أول حكومة دائمة في 20 أيار/ مايو عام 2006، بعد استبعاد إبراهيم الجعفري بسبب اتهامات بتورطه في تأزيم العنف الطائفي. لكن وبالرغم من حدة الأزمة، فإن المالكي لم يتورّع عن إسناد وزارة الداخلية إلى حليفه في المجلس الأعلى والمتهم بقيادة فرق الموت، باقر جبر صولاغ، والتي كانت مهمّتها تصفية المعارضين لإيران.

منذ العام 2006 حين تولّى رئاسة أول حكومة له في العراق، سطع اسم المالكي على جبهتين، حليف إيران والمرضي عنه من الأمريكيين، ورجل الفساد الأوّل في البلاد، وهو اليوم يتهيّأ ويحلم بالعودة إلى رأس السلطة التنفيذية في "بلاده" المنكوبة

وازدادت خلال فترة حكمه حدة الاقتتال الطائفي، كما ازدادت قوة تنظيم القاعدة، ورافقت ذلك أحداث دامية عدة ميّزت عصر رئاسته الأولى، مثل تفجيرات 19 آب/ أغسطس عام 2009، التي استهدفت بعض الوزرات، وقُتل فيها 96 مواطناً وجُرح 565 آخرين، بحسب الإحصائيات الرسمية.

خاض المالكي انتخابات عام 2010، ضمن ائتلاف دولة القانون، الذي حل في المرتبة الثانية بـ89 مقعداً نيابياً مقابل 91 نائباً لخصمه زعيم القائمة العراقية إياد علاوي.

عقدة السيطرة على مقاليد الحكم، دفعته إلى خوض حرب سياسية مع خصومه، استمرت لثمانية أشهر، استخدم خلالها تهديدات بالقتل والتصفية بحسب تصريحات صحافية للنائب عن القائمة العراقية وقتها، أحمد الملا.

شكل حكومته الثانية في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 2010، وشغل فيها بالإضافة إلى منصبه، وزارتي الدفاع والداخلية بالوكالة، والأمن الوطني، وهو ما جعله المتهم الرئيسي في سيطرة تنظيم الدولة على ثلث مساحة البلد، وتعزز هذا الرأي تصريحات لقادة عسكريين حول رفضه إمداد القطعات العسكرية الموجودة في المحافظات السنية بالسلاح، وتوجيه أوامر بالانسحاب وعدم التعرض لمقاتلي تنظيم الدولة، وينبع هذا القرار بحسب الاعتقاد الشائع من رغبته في الانتقام من المحافظات السنية بسبب ثورتهم ضده خلال عام 2013.

عُرفت فترة حكمه بأكثر العهود فساداً، إذ احتل العراق المرتبة 169 من أصل 174 وفق مؤشر مدركات الفساد لعام 2012، والمرتبة 170 خلال عام 2014، نتيجةً لاختفاء أكثر من 300 مليار دولار من أموال الحكومة، بالإضافة إلى سرقة 120 مليار دولار من فائض الموازنات المالية للبلاد.

ويتورط في هذا الأمر بعض المقربين من المالكي، مثل صهره ياسر صخيل وأخيه لقمان، ومحافظ كربلاء السابق عقيل الطريحي، الذين حجز البنك المركزي أرصدتهم المالية وممتلكاتهم في عام 2020، ضمن محاولات لاسترجاع الأموال العراقية المهرّبة.

أكبر تحالف سياسي عراقي سنّي، أبدى اعتراضه على تولي المالكي منصب رئاسة الوزراء، بسبب سياسة المالكي السابقة والتي همّش فيها المكوّن السني

العودة إلى الحياة

شارك المالكي في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر الأخيرة، وحصد فيها 37 مقعداً نيابياً. ويؤكد مصدر مقرب من الإطار التنسيقي أنه كان يأمل من هذه المشاركة بأن تمهّد لعودته إلى رئاسة الوزراء، ولكن فوز التيار الصدري حال دون ذلك.

وبعد انسحاب الصدر من مجلس النواب، سارع إلى الدفع باسمه كمرشح للمرحلة المقبلة، ويرغب من خلال هذا الترشح في تفادي المثول أمام القضاء على إثر الدعاوى المتنوعة المرفوعة ضده، حسب زعم المصدر.

لكن وحسب تصريح المصدر لرصيف22، فإنه لا يوجد حتى الآن مرشح أكيد للإطار التنسيقي، والمحاولات الحالية لطرح بعض الأسماء تندرج في خانة جس نبض بقية الكتل السياسية أمام الشخصيات المطروحة.

وكان زعيم عصائب أهل الحق، المنضوي ضمن الإطار التنسيقي الشيعي، قيس الخزعلي، قد اجتمع برئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لمناقشة هذه المستجدات خلال الشهر الحالي.

تحالف السيادة، وهو أكبر تحالف سياسي عراقي سنّي، أبدى اعتراضه على تولي المالكي منصب رئاسة الوزراء، بسبب سياسة المالكي السابقة والتي همّش فيها المكوّن السني، بالإضافة إلى تسببه في مقتل العديد من أبناء هذه المناطق خلال تظاهرات عام 2013، وما تلاها من انسحاب القوات الأمنية وسيطرة تنظيم داعش عليها، حسب مصدر في التحالف.

ويستدرك المصدر في حديث إلى رصيف22، قائلاً إن هذا الاعتراض لا يعني الرفض التام، إذ من الممكن أن يوافق السياسيون السنّة على هذا الترشيح مقابل شروط معينة، منها منح مناصب سيادية أوسع للمحافظات السنية ودعم حملة الإعمار في مناطقهم.

هذه الشروط لا تقتصر على السياسيين السنّة فحسب، بل تشمل مفاوضات الإطار مع المستقلين والكتل التشرينية، والتي ترغب في حصة سياسية أيضاً تمكّنها من تنفيذ بعضٍ من أجندتها الداخلية.

الحزب الديمقراطي الكردستاني، يعلّق موافقته على تولّي المالكي لرئاسة الحكومة بالموافقة على عودة العمل بقانون النفط والغاز الخاص بالإقليم، والذي أقرّت المحكمة الاتحادية بعدم دستوريته، أو تعديله بما يضمن مصالحهم، بحسب مصدر في الحزب الديمقراطي الكردستاني.

مهّد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية الطريق أمام المالكي ليحلم مجدداً بالعودة إلى سدة الحكم، لكنه يعلم أنه ينتظر الضوء الأخضر الإيراني التي تلعب ورقة المفاوضات مع السعودية وأمريكا، ومستقبل حليفها ستضعه على الطاولة، قريباً

ووفق الدلائل الحالية، فإن هناك اعتراضاً على شخصية المالكي داخل الإطار التنسيقي أيضاً، إذ تلى طرح اسم المالكي لقيادة المرحلة القادمة، انسحاب منظمة بدر وزعيمها هادي العامري من المشاركة في الحكومة المقبلة، بالرغم من تأكيده في بيان صحافي لوكالة الأنباء العراقية، على استمراره ضمن الإطار التنسيقي الشيعي.

وهناك اعتقاد شائع بأن هذا الانسحاب ينبع من عدم رغبة العامري في الخوض في خلاف جديد مع الصدر، خاصةً أنه كان يصرّ على ضرورة التفاوض من أجل إعادة التيار الصدري إلى البرلمان، فيما عارض المالكي هذا الأمر.

تاريخ من الأزمات

العلاقة الشائكة هي الوصف الأنسب للعلاقة بين الصدر والمالكي، إذ بالرغم من خوضهما انتخابات عامي 2005 و2010 ضمن الائتلاف الوطني العراقي، إلا أن المشكلات بينهما كانت مستعرةً دائماً.

قاد المالكي حملةً عسكريةً ضد أتباع الصدر في عام 2008، استمرت لمدة ستة أيام في محافظات البصرة وذي قار وبغداد، بعد تصاعد نفوذ الصدر فيها، وأسفرت عن مقتل أكثر من 400 عنصر من جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر واعتقال 1،200 آخرين.

استمرّت هذه الحساسيات قائمةً بالرغم من التوافق الشكلي حتى بعد استبعاد المالكي من منصب رئاسة الوزراء، إذ قاد الصدر تظاهرات شعبيةً مطالبةً بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية والوزراء.

ويقول متابعون للمشهد السياسي العراقي، إن الهدف الرئيسي لهذه التظاهرة هو إبعاد المالكي عن منصب نائب رئيس الجمهورية، وعزله سياسياً، وهو ما استجاب له رئيس الوزراء وقتها حيدر العبادي، وأصدر قراراً بإلغاء هذه المناصب في عام 2015.

دفع المالكي بنفسه مرشحاً بعد انسحاب الصدر، ولكن الرجل المقرّب من إيران لم يكن ليجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة بعيداً عن مباركة طهران، وهي مباركة مرهونة بموافقة التيار الصدري

وفي الوقت الحالي، فقد شكل فوز الصدر خلال الانتخابات السابقة، تهديداً لوجود المالكي السياسي، وخاض بذلك الطرفان حرباً سياسيةً انتهت بانسحاب الصدر من مجلس النواب، والذي عُدّ كالنسيم على المالكي والإطار في آن واحد، بحسب مصدر في البرلمان العراقي.

ويقول المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لرصيف22: "دفع المالكي بنفسه مرشحاً بعد انسحاب الصدر، ولكن الرجل المقرّب من إيران لم يكن ليجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة بعيداً عن مباركة طهران، وهي مباركة مرهونة بموافقة التيار الصدري، على الصعيد الداخلي، بسبب عدم رغبتها في تأزيم مفاوضاتها الجارية للتهدئة مع السعودية وأمريكا".

ويضيف: "على المستوى الدولي، فإن مساعي التهدئة تستوجب موافقة كل من أمريكا والسعودية على ترشح المالكي، خاصةً أن إيران تدرك مدى عداء هاتين الدولتين لشخصية المالكي، وعدم ثقتهما به".

من جانب أخر، تفيد شخصية بارزة مقرّبة من التيار الصدري، بأن "الصدر على علم بهذا الأمر، وأدرك أن انسحابه سيؤدي إلى أزمة أخرى في هذا الخصوص"، مؤكدةً أن التيار الصدري لا يزال يحتفظ بسلاحه المتمثل في الضغط الشعبي من أجل فرض إرادته على العملية السياسية، في إشارة إلى رفضهم لتولي المالكي تشكيل الحكومة، أو الدفع في اتجاه إعادته إلى العملية السياسية، كما حصل في عام 2014، واستقالة وزراء التيار الصدري بناءً على توجيهات الصدر، ثم عودته إلى العملية السياسية بعد فترة وجيزة.

وكانت وسائل التواصل الاجتماعي قد ضجت بتسجيل صوتي مسرّب لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، يتهجم فيه على التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، انتقد فيه سياسة الأخير وأتباعه، واتّهم إيران بتسليحه، بالإضافة إلى اتهامات أخرى.

ونفى مكتب المالكي صحة هذا التسجيل، وقال في بيان له إن "تداول وبث مثل هذه الإشاعات في الوقت الحالي يؤكد وجود إعداد مسبق لمثل هذه المخططات"، ودعا إلى الحذر مما تروجه بعض القنوات المشبوهة.

ومن المؤكد أن هذا التسجيل تمت فبركته، ولكن هناك من يعتقد أن فبركته تمت من قبل المقربين من مكتب المالكي، لإبعاد الصدر عن جمهوره من خلال اتهامه بالعلاقة مع إيران، وهو ما لم ينجحوا في تحقيقه، وتالياً فإن عودة المالكي ستكون مرهونةً بموافقة الصدر عليها، ولكنها بغض النظر عن هذه الموافقة ستكون أشبه بضربة حظ له ولمؤيديه.

وفي ظل كل ذلك، فإن الأزمة السياسية العراقية قد تحولت إلى نار تأكل حطبها من المواطنين، وتشد من أزمتها على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، من دون مبالاة من القوى السياسية كافة، فيما يبدو أن العراق قد دخل في مرحلة إعادته إلى ما قبل عام 2019، وإلى الحضن الإيراني بالكامل، أقلّه إلى الآن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard