تشكّلت الحكومة العراقية الحالية، عام 2022، على وقع القذائف الصاروخية والمخاوف من الانزلاق إلى اقتتال داخلي شيعي-شيعي، وانتهى الأمر إلى حكومة يقودها "الإطار التنسيقي" طبقاً لما أراد، خصوصاً مع انسحاب زعيم "التيار الوطني الشيعي" مقتدى الصدر ونوابه، ما كان بمثابة هدية على طبقٍ من ذهب للإطار الذي تسلّم إدارة البلد إثر هذا الانسحاب، وظلّ المتحكّم الأول في القرارات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والخدمية، وفي ما يخصّ العلاقات الخارجية.
بالرغم من ذلك، وبالتزامن مع قرب إجراء الانتخابات البرلمانية الوشيكة، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، يشهد العراق حالةً من عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي، إذ لا تزال الخلافات مشتعلةً بين الأقطاب السياسية، وحتّى بين الأحزاب المستحوذة على الحكم.
وبينما لم تخلُ الدورات الانتخابية السابقة من التوتّر والصراع -سواء السياسي أو الأمني- تشهد الدورة الحالية تصاعداً ملحوظاً في هذا الصدد، إذ اغتيل المرشّح عن تحالف "سيادة الوطني"، صفاء المشهداني، بعبوة لاصقة.
اغتيال مرشح، وتحشيد طائفي بما في ذلك عبر المنابر الدينية… مخاوف من تأثير الانفلات الأمني على تكافؤ الفرص وسلامة المنافسة وخيارات الناخب في انتخابات برلمان 2025 في العراق
في الوقت نفسه، تستمر حرب التصريحات والتجييش الطائفي خصوصاً على منصّات التواصل الاجتماعي. وكل هذا يحصل قبل قرابة 20 يوماً من موعد انعقاد الانتخابات، أي نسبياً لم تبدأ الصراعات الحقيقة بعد، ما يفتح باباً للتساؤلات حول ما قد تحمله الأيام القادمة من صراعات وتوتّرات، وكذا وقع السلاح المنفلت على الوضع الأمني في البلاد وخيارات الناخب العراقي.
انفلات أمني "يؤثّر على تكافؤ الفرص"
عن ذلك، تقول المرشّحة مريم محمد الشمري، لرصيف22، إنَّ "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تركّز على الجوانب الإدارية والفنية للعملية الانتخابية أكثر من الجوانب الأمنية، ما يجعل المرشحين/ ات عرضةً للمخاطر والتهديدات، بما يؤثّر على تكافؤ الفرص وسلامة المنافسة الانتخابية".
وتشدّد على أنّ هناك بعض المخاوف من حدّة الخطاب السياسي والتعامل غير المنصف مع المرشحات، إذ إنَّ المناخ الانتخابي الحالي لا يزال بحاجة إلى المزيد من الضمانات لتحقيق منافسة عادلة وآمنة، مستدركةً: "لكنني أؤمن بأنَّ وعي المجتمع يتقدّم، وأنَّ المرأة قادرة على إثبات حضورها وكفاءتها برغم التحديات".
وتلفت الشمري، إلى أنَّ حادثة اغتيال المرشّح صفاء المشهداني، أثارت القلق على سلامة جميع المرشحين/ ات والعاملين/ ات في الحملات الانتخابية. لكنّ ذلك لم يدفعها إلى التراجع عن الترشّح لأنّ "الانسحاب ليس حلّاً". لذا، تدعو الجهات الأمنية إلى تحمّل مسؤوليتها في توفير الحماية للمرشّحين/ ات كافة وضمان سير العملية الانتخابية بـ"أمان وعدالة".
بدورها، ترى الباحثة في الشأن السياسي، نوال الموسوي، في حديثها إلى رصيف22، أنَّ "الإخلال بالوضع الأمني يؤثّر سلباً على مسار الانتخابات ونزاهتها. لكن هل هو يمنع أو يحجّم نسبة المشاركة؟ أتوقّع لا، لأنَّ الوضع الأمني كان منفلتاً أكثر في أعوام 2005 و2010 و2014، لكن كانت هناك نسبة إقبال ومشاركة، وأيضاً كان عدد المرشحين كبيراً، برغم أنّ العدد أكثر في هذه الدورة".
وتضيف الموسوي: "أعتقد أنَّ العملية الانتخابية في كفّة، وعملية تشكيل الحكومة القادمة في كفّة أخرى، وهذا ما سيواجه تحديات بشكل كبير وواسع. وفي تصوّري، يجب الانتباه إلى مقاطعة التيار الصدري التي من شأنها أن تغيّر النتائج كثيراً لصالح كيانات سياسية قد تكون من خارج البيت الشيعي. وهذا الذي يستدعي استخدام كيانات وكتل شيعية سبل التعنيف السياسي تجاه بقية الكيانات".
وتلفت الموسوي إلى أنَّ "الكيانات المسلحة غير الخاضعة لسيطرة الدولة وحتى الخاضعة لها، يمكن أنَّ تتخادم في سبيل الهدف من الانتخابات والنتائج التي تترتب عليها"، مبرزةً أنّ "المخاطر كبيرة، خصوصاً بعد أن يتم إعلان النتائج، إذ إنَّ نسب نزاهة العملية الانتخابية غير مضمونة، خصوصاً أنَّ كل الإمكانيات والسبل المتاحة للتغيير بآلية الانتخابات تم إجراؤها من خلال بعض الخطوات التي شهدت ضغطاً سياسياً، من خلال استبعاد العديد من الشخصيات غير الخاضعة للإطار التنسيقي، أو حتى بعضها التي على مقربة من الإطار. وهذا جزء من التنافس يُستهدف منه تغيير النتائج أو تغيير مستقبل الانتخابات من خلال تشكيل الحكومة القادمة".
كما تشير الباحثة العراقية إلى أنَّ "هناك مخاوف ستترتب على عملية استهداف بعض المرشحين، خصوصاً صفاء المشهداني، لدى المرشحين من الاستهداف، وستحدّ من قدرتهم على التحرّك أو التنقل بسهولة، خصوصاً في المواقع الانتخابية. كما أنَّ طبيعة الاستهدافات تثير المخاوف، إذ إنَّ هناك إعادة تدوير لوسائل العنف من خلال زرع العبوات الناسفة واللاصقة التي كانت قد انقرضت قبل 10 سنوات تقريباً، وهذا ما يعيد الذاكرة المثقلة بعمليات الاستهداف والعنف السياسي".
لا برامج انتخابية؟
بعد أكثر من 20 عاماً على نهاية حكم صدام حسين الدكتاتوري، واستلام دفّة الحكم من قبل أنظمة يُفترض أنها تقوم على "الديمقراطية"، لم تتحقّق أبسط مطالب الشعب العراقي، الذي لا يزال يرفعها، وتتعلّق بالخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وتعبيد الشوارع وغيرها، دون تحقّيق الحد الأدنى منها.
أمّا الناخب، فيبحث عمّن يعرض برنامجاً انتخابياً يحقّق آماله البسيطة على أمل أن يطبّقه بعد الفوز بالمقعد النيابي. لكن يبدو أنَّ هذا أمل آخر لا يتحقّق للناخب العراقي. فبعد كل الدورات الانتخابية التي مرّت بالعملية السياسية، والتي من المفترض أن تُكسب الفكر السياسي نضجاً وتقوِّم الأداء البرلماني، إلّا أنَّ "البرامج الانتخابية" لا تزال هزيلةً ولا ترقى إلى برامج سياسية ناضجة وقابلة للتنفيذ، بل على العكس، شهدت تراجعاً كبيراً في طبيعتها واختلفت مفاهيمها.
ففي بلد تكثر أزماته ويتأثّر بأزمات محيطه الجغرافي، لم تتماشَ برامج المرشّحين مع احتياجات البلد من نواحٍ متعدّدة، إذ إنَّ الكثير من المرشحين لا يمتلكون تاريخاً سياسياً أو تجربةً في العمل البرلماني أو العام، وجاءت غالبيتهم من تخصّصات مهنية منها: مدرّب كرّة قدم، وفنان مسرحي، وصاحب معمل ثلج، وشاعر وممثّل في مسلسلات ومقاطع كوميدية.
بعض المرشحين يحصرون تعريفهم في شخوص آخرين، فهناك شقيق فنان راحل، وشقيقة شهيد، ونجل متحدّث سابق باسم الحكومة، ووالد مشجّع رياضي. حتى "الوعود الانتخابية" شهدت مفارقات مضحكةً مثل إعلان مرشحة اعتزامها التكفّل بنفقات تزويج 150 شاباً من مشجعي ريال مدريد من ناخبيها حال إعلان فوزها
بل إن بعض المرشحين يقدّمون أنفسهم ويحصرون تعريفهم في شخوص آخرين، فهناك شقيق فنان راحل، وشقيقة شهيد، ونجل متحدّث سابق باسم الحكومة، ووالد مشجّع رياضي، وصانع محتوى اشتهر بتقليد هوية فتاة، ووالد صانع محتوى. في حين قدّم أحد المرشحين نفسه على أنه "أوكسجين العمارة".
حتى "الوعود الانتخابية" شهدت مفارقات مضحكةً من بينها إعلان مرشحة اعتزامها التكفّل بنفقات تزويج 150 شاباً من مشجعي نادي ريال مدريد الإسباني حصراً من ناخبيها حال إعلان فوزها. مرشحة أخرى وزّعت أنابيب مياه على أبناء دائرتها لإغرائهم بانتخابها.
كذلك، لم تخلُ الدعاية الانتخابية من التجييش الطائفي، واستخدمت في هذا التجييش المنابر الدينية التي عادةً ما تنشط خلال فترات الانتخابات، وتوجّه خطاباً يبث التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، عوضاً عن تجميعهم، ويحرّض ضد الراغبين في مقاطعة الانتخابات.
وفي ما يخصّ واقع المرشّحات، تقول الباحثة الموسوي، إنَّ "قانون 'الكوتا' هو قانون محفّز في اتجاه إقبال المرأة للمشاركة بالترشيح ومحاولة الحصول على مقاعد من خلاله. لكن للأسف تم تجريده من مضمونه، حيث إنَّ أغلبية الكتل السياسية عرفت اللعبة، وأدركت أنَّ مقاعد الكوتا يمكن السيطرة عليها من خلال ترشيح شخصيات أو تبنّي دعمها من خلال الحملات الانتخابية، وبالتأكيد ستكون أداةً مطيعةً بالنسبة إلى الكيانات مستقبلاً".
يرى الباحث في مركز رؤية بغداد لتطوير الإعلام والدراسات، محمود النجّار، خلال حديثه إلى رصيف22، أنَّ "الأحزاب السياسية يبدو أنَّها لا تملك مراكز بحثيةً أو فرقاً احترافيةً تحاول أن تنهض بالواقع العراقي من مستوى الكلام والخطاب الجماهيري، إلى مستوى برامج انتخابية مستندة إلى مشاريع وتغييرات في بعض قوانين الدستور العراقي من الناحية التشريعية، أو حصر السلاح في يد الدولة، أو تنفيذ خطط تنموية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الزراعي أو الصناعي".
ويضيف: "يبدو أنَّ هناك فعلاً استخفافاً بعقلية الناخب العراقي، لأنّه من جهة أخرى تدرك الأحزاب السياسية المهيمنة، وحتى الجديدة، أنَّ الناخب يُحرّك بالشعارات الطائفية والخطاب العشائري والمنافع الشخصية، وتالياً للأسف الشديد ربّما الشعب العراقي ينسى أو يتناسى، أو لا يريد أن يتذكّر آلام هذه الـ20 عاماً من الخراب والمأساة والضياع لمستقبل الأجيال. هناك استخفاف كبير بعقلية الناخب العراقي وهناك استهتار أيضاً باستغلال أوجاع وهموم شرائح كبيرة وواسعة من الشعب العراقي".
كلفة باهظة للإعلانات الترويجية
يمكن التعبير عن غالبية المحتوى المنتشر في الفضاء الرقمي العراقي بأنَّه لا يتخطّى الفيديوهات القصيرة التي تحتوي على كلمات أو شعارات، أكثر من كونها كشفاً للخطط الإستراتيجية أو البرامج الانتخابية، وعلى الرغم من ذلك، يتم الترويج لها على منصّة فيسبوك بمبالغ مالية طائلة، تثير التساؤلات حول مصادر الأموال، ومدى إمكانية حدوث خروق انتخابية بتجاوز الحدود المالية المسموحة للإنفاق.
يقول النجّار إنَّ "مواقع التواصل الاجتماعي تحوّلت إلى منصّة مركزية وأساسية لترويج الخطابات والصور والشعارات -وربما البطولات- أكثر من الترويج في مؤتمرات انتخابية جماهيرية كبيرة". وهذا سبب توجّه أغلب الجهات السياسية نحو الترويج عليها بحسب النجّار.
ويضيف: "يحاول المرشّحون خصوصاً الضعفاء والذين لا يمتلكون برامج أو خطةً انتخابيةً، أن يقدّموا صورةً اصطناعيةً وهميةً وغير جدّية للجمهور عن طريق السوشال ميديا، وعن طريق الأغاني البطولية والشعارات المزيّفة والعضلات التي لا يوجد فيها أي خطط أو أدوات. كما أعتقد بأنَّ المرشّحين التابعين للأحزاب السياسية يحاولون التأثير على عواطف الطبقة الجماهيرية الهشّة، التي لديها أمّية في السياسة".
"وعليه، السوشال ميديا تؤثر على العواطف والمشاعر والسلوك، ولكن لا تؤثر على الأفكار والقيم ورؤية الناس ومستقبلهم. فالأحزاب السياسية تدرك جيداً أنَّ هذا الشعب يمكن التحكم به عن طريق العاطفة لا عن طريق المنطق، ولذلك يتم استخدام السوشال ميديا لتغطية الفشل الذريع في البرامج الانتخابية"، يردف.
ووفقاً لمكتبة الإعلانات التابعة لمنصّة فيسبوك، فإنَّ حركة "حقوق" (الجناح السياسي لكتائب حزب الله-العراق)، وحركة "الصادقون" (الجناح السياسي لعصائب أهل الحق)، من أبرز المعلنين بعشرات آلاف الدولارات خلال الفترة من 20 تموز/ يوليو - 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، حيث أنفقت صفحة واحدة تابعة لـ"الصادقون"، مبلغ 16،420 دولاراً أمريكياً خلال الفترة المشار إليها، بينما أنفقت صفحة واحدة لـ"حقوق" مبلغ 15،968 دولاراً أمريكياً.
وأنفق محافظ كربلاء نصيف جاسم الخطابي، مبلغ 12،666 دولاراً، كما أنفق النائب عن محافظة الديوانية باسم الغرابي مبلغ 12،754 دولاراً، والنائب محمود القيسي 14،043 دولاراً. وتُعدّ هذه المبالغ من الأعلى، على الرغم من أنَّها تمثل جزءاً من كم هائل من الإعلانات، مع أهمية الإشارة إلى أنَّ أغلب الجهات السياسية لديها أكثر من صفحة على فيسبوك، وتمارس الترويج لمنشوراتها.

أمّا الإنفاق في المحافظات، فقد بلغ المبلغ الذي تم إنفاقه خلال الفترة المشار إليها أعلاه، قرابة نصف مليون دولار أمريكي في محافظة بغداد فحسب، وهي الأعلى من بين باقي المحافظات، تليها نينوى بمبلغ 166،000 دولار، وثم ذي قار بمبلغ 102،192 دولاراً وهكذا بالتدرّج إلى أقل محافظة بلغ الإنفاق فيها 4،049 دولاراً، وهي حلبجة.

أما صفحة "ائتلاف الإعمار والتنمية" الذي يرأسه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فقد فعّلت قرابة 209 إعلانات منذ 1 تموز/ يوليو إلى غاية يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بمبلغ 100 دولار لكل إعلان، ليبلغ المجموع 20،900 دولار أمريكي، وهي صفحة تختص بنشر نشاطات رئيس الوزراء وائتلافه. فضلاً عن صفحة القصر الحكومي المقربة من الحكومة، والتي صرفت مبلغ 5،300 دولار منذ 1 آب/ أغسطس الماضي وإلى غاية 20 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بالإضافة إلى صفحة واحد حكومة التي صرفت 2،900 دولار خلال المدة ذاتها.

بالعودة إلى قوانين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي حصل رصيف22 على نسخة منها من قبل المتحدّثة الرسمية باسم المفوضية، جمانة الغلاي، فإنَّ الحد الأعلى للإنفاق المسموح به للمرشحين هو "مبلغ متغيّر قدره (250) مئتان وخمسون ديناراً مضروباً بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية المرشح عنها". أي إذا كان عدد الناخبين في الدائرة الواحدة (100،000) فإنَّ المبلغ المسموح بإنفاقه هو (25،000،000) خمسة وعشرون مليون دينار عراقي فقط.
المبلغ المشار إليه يشمل على سبيل المثال لا الحصر، النفقات الانتخابية المرتبطة باستئجار المكاتب والقاعات لغرض الحملة الانتخابية، والمبالغ المدفوعة للعاملين في الحملة الانتخابية، ونفقات إعداد وطباعة الكتب والصور والملصقات والمواد الإعلامية الأخرى ونشر الرسائل عبر الإنترنت أو الهواتف النقالة، والمبالغ المصروفة على إقامة التجمعات والندوات والمؤتمرات والمهرجانات العامة، والمبالغ المصروفة لنقل الناخبين والعاملين في الحملة لأغراض انتخابية، والمبالغ المدفوعة للإعلانات المقروءة والمسموعة والمرئية، وفقاً للقوانين الانتخابية.
وتُلزم مفوضية الانتخابات، المرشحين والأحزاب بتقديم تقارير مالية نهائية للحملة الانتخابية خلال مدة 30 يوماً من تاريخ إعلان النتائج الأولية.


وفي حال حصول أي خرق، فتتمثّل أبرز العقوبات في الغرامة المالية، أو إلغاء المصادقة على التحالف، أو الحزب السياسي، أو المرشح، أو إلغاء نتائج مرشح، أو حرمانه من الترشح في الانتخابات المقبلة لدورة أو أكثر. ولمجلس المفوضين صلاحية إحالة مرتكبي المخالفة إلى المحاكم المختصة إذا وجد أنَّ الفعل يشكّل جريمةً يعاقب عليها القانون.
وبالنظر إلى الدعايات الانتخابية للأحزاب المشاركة، تتّضح الفوارق في القدرات المادّية بين مرشحّي الأحزاب الناشئة والأحزاب الحاكمة، حيث إنَّ قدرات الأحزاب الناشئة منخفضة جداً مقارنةً بالحاكمة، وهذا ما يمكن أن يحدث حالةً من عدم التوازن في السباق الانتخابي.
لكن المتحدّثة الرسمية باسم مفوضية الانتخابات، جمانة الغلاي، تؤكد لرصيف22، أنَّ "نظام الحدّ الأعلى للإنفاق على الحملات الانتخابية، هو تقريباً أساس تكافؤ الفرص بالنسبة للمرشحين في كيفية الإنفاق على الحملة الانتخابية، أو الأموال المسموح بها للصرف".
وتضيف أنَّ "مفوضية الانتخابات نسّقت عملها مع أمانة بغداد ودوائر البلدية للدعم والاسناد في عمليات الرصد الميداني. ونسّقت عملها مع هيئة الإعلام والاتصالات لمتابعة مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة".
"يحاول المرشّحون خصوصاً الضعفاء والذين لا يمتلكون برامج أو خطةً انتخابيةً، أن يقدّموا صورةً اصطناعيةً وهميةً وغير جدّية للجمهور عن طريق السوشال ميديا"، يلفت النجار تعقيباً على إنفاق مرشحين في انتخابات العراق 2025 آلاف الدولارات على الدعاية عبر فيسبوك وحده
تبدو الانتخابات حتّى الآن، أقرب إلى مسرحٍ سياسي مكتظّ بالشعارات والبرامج الهزيلة، منه إلى عملية ديمقراطية ناضجة تُعبّر عن الإرادة الشعبيّة وتطلّعات شعب متعطّش إلى الإصلاح، خصوصاً مع انتشار السلاح وتصفيات الحسابات، ومع غياب اللاعب الأبرز مقتدى الصدر وتياره، الذي يترقب كثيرون موقفاً منه، يتلو قراره بمقاطعة الانتخابات، سواء على مستوى دعم جهة سياسية والتصويت لها، أو انتهاج النهج المتعارف، بالاحتجاج والاعتصامات المفتوحة.
ومع بقاء الأمور ضمن سياقها الحالي، وفي حال ثبوت خروقات جديدة، يبقى اللاعب الأبرز في المعادلة مفوضية الانتخابات، التي تملك صلاحيات الاستبعاد والمعاقبة والإحالة إلى القضاء، خصوصاً أنَّها اتّخذت قرارات عديدةً ولافتةً في وقت سابق، باستبعاد عدد من المرشحين وتغريم آخرين، فضلاً عن دور الجهات الأمنية في ضبط الإيقاع، ومنع الاعتداءات المسلّحة ومنح الناخب الثقة بالعملية الديمقراطية.
وما لم تُواجه الدولة هذه الإشكاليات عبر ضبط المال السياسي ونزع السلاح من المعادلة الانتخابية، وتقويم النهج السياسي في البلد من قبل الطبقة السياسية الحاكمة، فإنّ نتائج الدورة الانتخابية القادمة ستعيد إنتاج الأزمة ذاتها أو أعمق منها، بوجوه مختلفة وشعارات أكثر بريقاً، لكنها لا تختلف في وقعها على واقع الشعب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.