دخان بلا كفتة… أين

دخان بلا كفتة… أين "السينما" في مهرجان الجونة "السينمائي"؟

رأي نحن والتنوّع

الاثنين 27 أكتوبر 20257 دقائق للقراءة

إطلالة ساخنة للفنانة س، إطلالة جريئة للفنانة ص، تعرّف على أسعار أغلى 5 فساتين للنجمات في افتتاح مهرجان الجونة، وشاهد بالصور أجمل 10 فساتين في مهرجان الجونة…

العناوين السابقة أصبحت علامةً شبه ثابتة ترافق كل دورة من دورات مهرجان الجونة السينمائي المصري. وبرغم تكرار مثل هذه العناوين أيضاً في تغطيات الصحافة لبقية مهرجانات السينما في العالم، يصعب إنكار أنّ هناك حالةً من الاختزال لمهرجان الجونة في هذه الدائرة بالأخص، بشكل يبعث على التساؤل: هل سبب هذه الحالة تحفظات وهوس قطاع من المجتمع في ما يخصّ ملابس النساء وهيئتهنّ بشكل عام؟ أو أن السبب طبيعة تركيز الصحافة والسوشال ميديا واهتماماتهما؟ أو ربما المسؤولون عن إدارة المهرجان أنفسهم؟ قد يكون السبب بعض ما سبق أو جميع ما سبق.

يودّع مهرجان الجونة في جميع الحالات مرحلة الطفولة. نتحدث عن دورة ثامنة في 2025، يُفترض أن تشهد تحسّناً ملموساً وحصاد خبرات تجاربه السابقة، وأن تقدّم إجابةً عن سؤالين ينساهما كثيرون وسط طوفان الصور والفساتين:

ندوة الفنانة يسرا وعلى النقيض منها ندوة المخرج شريف عرفة وحديثه عن أحمد زكي الأب… ماذا تعكسان عن حضور فن السينما في مهرجان الجونة السينمائي؟

1- أين "السينما" في مهرجان الجونة "السينمائي"؟

2- ما الذي يقدّمه المهرجان للجمهور العادي من عشاق هذا الفن ومتابعيه، خارج نطاق الضيوف والحاضرين للفعاليات في الجونة نفسها؟

يرث مهرجان الجونة مبدئياً -وكل مهرجان سينما في الدول العربية- نقاط ضعف لا ذنب له فيها، بسبب تعثّر وتذبذب صناعة السينما المصرية والعربية بشكل عام. الأمر أشبه بعمل سباق سيارات سنوي في مناطق يندر فيها وجود سيارات سليمة، وسائقين محترفين.

لكن على صعيد آخر، يمكن عدّ هذا العيب ميزةً ونقطة انطلاق أيضاً. في بلاد لا تشهد مئات الفعاليات الثقافية والمهرجانات، ينخفض سقف المقارنات، ويسهل على الجمهور والمتابعين تقييم كل ما هو متوسط بعلامة "ممتاز"، أو كما يقول المثل المصري الشهير لتصنيف هذه الحالة من الرضا عند المقارنة: "أعور وسط عميان".

وهنا، سؤال ثالث يفرض نفسه بطبيعة الحال: إلى أي مدى أظهر القائمون على مهرجان الجونة، في دورته الثامنة، استفادتهم من الدورات السابقة؟ الإجابة عن هذا السؤال، يمكن استخلاصها من خمس نقاط رئيسية، هي:

1- فرص مهدورة… كيت بلانشيت مثالاً

يمنح النجوم العالميون ثقلاً لأي مهرجان سينما، ولا سيّما إن كان ناشئاً. وجودهم شهادة إثبات أن المهرجان مهم بشكل مبدئي، واقتناص تصريح مهم أو مثير للجدل منهم، أو مواجهتهم بأسئلة ذكية فنياً في الندوات والفعاليات، تنتج عنها إجابات مثيرة للتأمل، كفيلة بانتقال اسم المهرجان إلى خانة الأضواء والتغطيات في الصحف الفنية العالمية، وحسابات السوشال ميديا السينمائية المتخصّصة.

نال الجونة هذا العام فرصةً ذهبيةً باستضافته نجمةً أمريكيةً حاصلةً على الأوسكار، صاحبة مشوار ثري ومتنوع في عالم التمثيل، في وزن كيت بلانشيت، وشهدت زيارتها بعض الأنشطة الإنسانية، وهي سفيرة النوايا الحسنة العالمية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. 

لكنها فرصة لم تثمر عن شيء مهم أو ملهم سينمائياً، بسبب أحاديث إنشائية وأسئلة كسولة وروتينية من نوعية: سعداء بوجودك معنا، ما رأيك في شعار المهرجان "سينما من أجل الإنسانية"؟

لم تجد أغلب الصحف المصرية ما تقدّمه بخصوص الزيارة والندوة التي شاركت فيها النجمة، إلا إعادة تدوير معلومة قديمة، ملخصها أنّ بلانشيت شاركت ككومبارس صامت في الفيلم المصري "كابوريا" في أثناء زيارتها بالصدفة مصر أواخر ثمانينيات القرن العشرين، قبل أن تصبح ممثلةً مرموقةً، وكأنّ هذه النقطة في حياتها، هي الشيء المهم والمحوري في مشوارها الذي تضمّن جائزتي أوسكار، وأكثر من 100 فيلم حتى الآن، وشهد تعاوناً مع مخرجين بوزن مارتن سكورسيزي، وستيفن سبيلبرغ، ووودي آلن، وديفيد فينشر.

تتعارض هذه الحالة الإعلامية والصحافية من التكرار والتجمّد والتمحور حول الذات، مع مفهوم الفن نفسه، كشيء عابر للثقافات والمحيطات، وتدفع إلى التساؤل: هل نستضيف ونحاور نجوم السينما العالميين لأننا نرى أنفسنا متشابكين ومتفاعلين مع هذا الفن فعلاً، وبقدر احترافية النقاد والصحافة الفنية في الخارج، أو أننا نستضيفهم من منطلق "عقدة الخواجة" ومن باب انتزاع جمل وعبارات من نوعية "أنا سعيدة بوجودي معكم هنا"، ليس إلا؟

2- يوسف شاهين ويسرا… التكريم على طريقة "الحب ما لينا غيره"

تتكرّر حالة إفلاس المحتوى وفقره مع فعاليات تكريم الفنانة يسرا والاحتفال بمئوية المخرج الراحل يوسف شاهين. الحصاد الإعلامي الذي وصل إلى الجمهور خارج نطاق حضور الفعاليات، لا يتضمّن أي زاوية فنية أو قراءات جديدة مهمة عن أي منهما، والفيديوهات المتاحة لندوة الفنانة يسرا أقرب إلى سماع جملة "أنتِ فنانة رائعة وطيبة وحنونة للغاية"، مئات المرات من الحاضرين والمشاركين، دون أي محتوى تحليلي أو أسئلة ثرية.

تعكس هذه الندوة وغيرها في مهرجان الجونة، مشكلةً ثابتةً، وهي تعامل النجوم مع المهرجان، باعتباره مكاناً يُقال فيه: "نحن طيبون ومثاليون للغاية"، ومخصّص لتقديم مجاملات الزيارات المنزلية نفسها، بدلاً من كونه مكاناً مخصّصاً لأنشطة وأسئلة ونقاشات، غرضها تفكيك وتحليل التجارب المختلفة لكل فنان.

3- شريف عرفة… الحالة العكسية

تتجلّى المشكلة السابقة بشكل أوضح إذا تأمّلنا الحالة العكسية، التي تحقّقت بالصدفة في ندوة المخرج شريف عرفة، وفي ردود الفعل المهاجمة إياه بسبب مقطع ذكر فيه أنّ النجم الراحل أحمد زكي لم يكن يوماً أباً من النوع الذي يصطحب ابنه للمدرسة، لكنه قدّم مشهداً يعكس هذا الدور ببراعة في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة".

صدم هذا المقطع كثيرين من عشاق "الصورة المثالية" للنجوم، لكنه في الحقيقة -وفي رأيي- نموذج أكثر قرباً من النقاشات المفيدة في مهرجانات السينما. عرفة ببساطة ذكر معلومةً مرتبطةً بحديثه عما يمكن أن يضيفه الممثلون للأفلام، من واقع تجارب متعدّدة مرّ بها معهم، ولم يعدّ المهرجان منصةً للمجاملات ولتقديم صورة غير حقيقية للنجوم.

حديثه باختصار كان عن فنّ السينما، وليس عن تلميع أهل السينما باعتبارهم أشخاصاً بلا أخطاء، فأصبح الحديث -برغم أهميته وصدقه- نغمة "نشاز" مزعجة للبعض، وسط ندوات أخرى فقيرة، بلا طعم أو لون أو رائحة أو صوت أو "سينما".

مهرجان الجونة السينمائي حدث سنوي يستحق التشجيع والاهتمام، وهو مناسبة نأمل أن تتطوّر إلى ما هو أفضل. لكن على منظّمي المهرجان، بعد كل ما شهدته ثماني دورات متتالية، إدراك ما ينقصه

4- هل هي مشكلة صحافة وإعلام فعلاً؟

القراءة السابقة تستند إلى واقع متابعة التغطيات الإعلامية والفيديوهات المتداولة من مهرجان الجونة، وغير نابعة من وجود شخصي للكاتب في الجونة. إذاً، قد يحلو للبعض القول إنّ المهرجان تضمّن فعاليات عديدةً مهمةً وثريةً سينمائياً، وإنّ التقصير سببه بالأساس الإعلام والصحافة، التي نقلت صورةً منقوصةً ومعيبةً، وهي فرضية لا تخلو من وجاهة نسبية.

لكنها أيضاً فرضية تنقلنا إلى سؤال آخر: إذا عددنا الصحافة مقصّرةً فعلاً، ما الذي ينقص منظّمي المهرجان لنقل صورة أكثر ثراءً وجدّيةً وحيويةً لأنشطة المهرجان السينمائية، إذا كانت هذه رغبتهم فعلاً؟ ما الصعب مثلاً في تصوير وتسجيل الندوات وإتاحتها كاملةً عبر منصّات مثل يوتيوب؟

5- غد أفضل؟

في منطقة عربية مزدحمة بأفكار رجعية، تسودها علاقة مضطربة بالفن عامةً، وبالسينما على وجه الخصوص، يظلّ مهرجان الجونة السينمائي حدثاً سنوياً يستحق التشجيع والاهتمام، وهو مناسبة نأمل أن تتطوّر إلى ما هو أفضل. لكن على منظّمي المهرجان، بعد كل ما شهدته ثماني دورات متتالية، إدراك ما ينقصه.

فإذا ما تساءلنا، على نسق المثل الشعبي سالف الذكر: هل هو مهرجان سينما "أعمى" بشكل كامل أو "أعور وسط عميان"؟ قد تختلف إجابة كل قارئ عن غيرها، لكن في الحالتين توجد بالتأكيد مساحة للتحسّن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

وراء كل تحقيق، قصة بحث طويلة، وفريق يراهن على الدقة، لا السرعة.

نحن لا نبيع محتوى... نحن نحكي الواقع بمسؤولية.

ولأنّ الجودة والاستقلال مكلفان، فإنّ الشراكة تعني البقاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image