التعبئة القبلية تهدّد شمال شرق سوريا… دروس تحذيرية من السويداء

التعبئة القبلية تهدّد شمال شرق سوريا… دروس تحذيرية من السويداء

سياسة نحن والتطرف

الخميس 4 سبتمبر 20256 دقائق للقراءة

مع تضاؤل الآمال في التوصّل إلى تسوية سياسية بين الإدارة الديمقراطية الذاتية لشمال وشرق سوريا والحكومة الانتقالية في دمشق، تتزايد المخاوف من اندلاع موجة جديدة من العنف. 

فالعلامات التحذيرية لاحتمال نشوب صراع محتمل واضحة، وتنذر بخطر متزايد. فمع تعثّر الدبلوماسية، يتحوّل زعماء مختلف القبائل، بما في ذلك الناصر والصعب والبوبنا والبوجابر، من الخطاب إلى التعبئة، ويدعون علناً إلى مواجهة مسلّحة ضد قوات سوريا الديمقراطية. والأكثر إثارة للقلق هو الصمت المستمر من حكومة دمشق.

والسؤال الملحّ الآن هو: هل تحاول القوات القبلية تكرار حملتها العسكرية الأخيرة في السويداء، مستهدفةً هذه المرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا؟ وإذا فعلت ذلك، هل تبقى دمشق على الهامش، على الأقل إلى أن تتمكّن من الاستفادة من الفوضى لإعادة تأكيد سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية العربية في الشمال الشرقي التي طالما سعت إلى استعادتها؟

بالنسبة للحكومة، قد يبدو توسيع سلطتها من خلال القوات القبلية -خاصةً في ظل تعثر المفاوضات- خياراً جذاباً. لكن العواقب الطويلة الأجل تفوق بكثير أي مكاسب سياسية قصيرة الأجل، وهو ما يفنّده هذا التقرير من مبادرة الإصلاح العربي (ARI) 

سيناريو السويداء يلوح في الأفق

وفي حين أن مثل هذه المناورة قد تخدم مصالحها على المدى القصير، إلاّ أنها قد تأتي بتكلفة خطيرة: تعميق الانقسامات العِرقية، وعرقلة أي مسار نحو المصالحة الوطنية، وإبعاد سوريا أكثر عن السلام الدائم والشامل.

تفاقمت التوترات بين دمشق والإدارة الذاتية منذ فترة طويلة، وإن ظلّت في معظمها تحت السطح، على الرغم من اتفاق 10 آذار/ مارس 2025 الذي حدّد إطار عمل لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي في الدولة السورية.

وقد أدّى تعثّر المفاوضات منذ ذلك الحين إلى زيادة التوتر. لكن مؤتمر الحسكة الأخير -الذي عقد في 8 آب/ أغسطس تحت عنوان "وحدة الموقف لمكونات شمال شرق سوريا"، من قبل الإدارة الذاتية من أجل بناء موقف موحد بين مختلف الطوائف العرقية والدينية- عمّق الانقسام، وأثار مخاوف جديدة وخطيرة.

وذلك، بسبب مشاركة شخصيات بارزة معارضة لدمشق من خارج المنطقة، مثل الزعيم الروحي الدرزي الشيخ حكمت الهجري من السويداء، والزعيم الروحي للمجلس الإسلامي العلوي الأعلى، غزال غزال، حيث اعتبرت الحكومة السورية ذلك استفزازاً مباشراً.

إلى ذلك، يمكن النظر إلى الاصطفاف بين زعماء القبائل والسلطات الانتقالية على أنه ليس مجرد اصطفاف رمزي بل هو اصطفاف إستراتيجي. فكلاهما يتشارك هدف إخراج قوات سوريا الديمقراطية من المناطق ذات الأغلبية العربية. وبالنسبة للعديد من زعماء القبائل، فإن التعبئة ضد قوات سوريا الديمقراطية هي فرصة لإعادة تأكيد السيطرة على مناطقهم المحلية.

في الوقت نفسه، يخدم ذلك طموح دمشق الأوسع نطاقاً لاستعادة سلطتها على المناطق الرئيسية التي لا تزال بعيدة عن متناولها. تعبئة العشائر – كطرف عسكري جديد متحالف مع الحكومة ومختلف عنها في الوقت نفسه – تحمل أصداء مقلقة للاشتباكات في السويداء. والآن، في دير الزور والرقة، وهما منطقتان ذات أغلبية عربية تعجّان أصلاً بالإحباط تجاه حكم الإدارة الذاتية، ما قد يؤدّي إلى تبلور سيناريو مماثل لما حدث في السويداء.

ويستند هذا التصعيد إلى سنوات من المظالم العميقة الجذور. فلطالما اتهم زعماء العشائر قوات سوريا الديمقراطية بتهميش المجتمعات العربية، وفرض التجنيد الإجباري، وتعزيز السيطرة السياسية الكردية. واليوم، تتم إعادة صياغة هذه الإحباطات في صرخة حشد أوسع نطاقاً، "تحرير الجزيرة تحت مظلّة سوريا".

وكما هو الحال في السويداء، إذا ما تحقّقت هذه التعبئة، فإنها قد تجتذب ليس فقط القوات القبلية من جميع أنحاء البلاد، بل أيضاً مقاتلين من مجموعة من الفصائل، لا سيّما الجماعات المدعومة من تركيا المتمركزة في شمال غرب سوريا.

مغامرة محفوفة بالمخاطر

بالنسبة للحكومة، قد يبدو توسيع سلطتها من خلال القوات القبلية –خاصةً في ظل تعثر المفاوضات– خياراً جذاباً. ومع ذلك، فإن هذا النهج قصير النظر بشكل خطير. فالعواقب الطويلة الأجل تفوق بكثير أي مكاسب سياسية قصيرة الأجل، ويمكن في هذا السياق طرح خمسة محاذير، وهي:

أولاً، من شبه المؤكد أن أي هجوم عشائري، لا سيّما الهجوم الذي يُنظر إليه على أنه مدعوم من دمشق أو مدعوم من قبل دمشق، سيدمّر أي احتمالات متبقية للحوار مع الإدارة الذاتية. ومن شأنه أن يعمق مخاوف الكرد من الخيانة، ويقوض الثقة بشدة، ويجعل جهود المصالحة المستقبلية أكثر صعوبة بكثير.

ثانياً، من شأن حملة كهذه أن تزيد من تأجيج العلاقات العرقية الهشة أصلاً بين العرب والكرد.

​​تواجه الحكومة السورية الآن اختباراً حاسماً، فإما أن تسمح للتعبئة القبلية بالتحوّل إلى صراع مفتوح ضد قوات سوريا الديمقراطية وغيرها من مكونات المجتمع السوري، أو أن تعيد تأكيد قيادتها من خلال خفض التصعيد والحوار الشامل

ثالثاً، القدرات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية تفوق بدرجة كبيرة قدرات الفصائل الدرزية. وهذا ما يقلّل بدرجة ملحوظة من احتمالية حسم أيّ هجوم عشائري في شمال شرق سوريا بسرعة. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يؤدي إلى صراع طويل الأمد ومزعزع للاستقرار.

رابعاً، سيؤدي استمرار عدم الاستقرار إلى إعاقة الانتعاش الاقتصادي.

خامساً، يضيف الدعم التركي المحتمل طبقة أخرى من التعقيد والخطر. فعداء أنقرة تجاه قوات سوريا الديمقراطية ودعمها لبعض الفصائل القبلية يعني أن أي تصعيد قد يتخذ بسرعة بعداً إقليمياً أوسع.

ختاماً، ​​تواجه الحكومة السورية الآن اختباراً حاسماً، فإما أن تسمح للتعبئة القبلية بالتحوّل إلى صراع مفتوح ضد قوات سوريا الديمقراطية وغيرها من مكونات المجتمع السوري، أو أن تعيد تأكيد قيادتها من خلال خفض التصعيد والحوار الشامل. وهذا يتطلب التزاماً متجدداً بمعالجة المظالم المحلية من خلال التفاوض وليس القوة. والبديل هو الانهيار البطيء الذي لن يسلم أحد من آثاره المدمرة.

*أعدّ الدكتور حايد حايد، هذه المقال التحليلي، وهو زميل رئيسي غير مقيم في مبادرة الإصلاح العربي، ويمكن الاطّلاع على النص الكامل عبر مبادرة الإصلاح العربي (ARI).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

من 12 سنة لهلّق، ما سايرنا ولا سلطة، ولا سوق، ولا تراند.

نحنا منحازين… للناس، للحقيقة، وللتغيير.

وبظلّ كل الحاصل من حولنا، ما فينا نكمّل بلا شراكة واعية.


Website by WhiteBeard
Popup Image