من الواقع إلى السوشال ميديا… خطاب تحريض وكراهية منسّق ضد عشائر السويداء ودروزها

من الواقع إلى السوشال ميديا… خطاب تحريض وكراهية منسّق ضد عشائر السويداء ودروزها

حياة نحن والتطرف

السبت 26 يوليو 202511 دقيقة للقراءة

أعدّ هذا التقرير شريف مراد من مجتمع التحقق العربي.

بالتزامن مع الاشتباكات التي اندلعت في السويداء، في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملتان إلكترونيتان تبادل طرفاها الاتهامات واشتبكا معاً، على خلفية الأحداث التي أسفرت عن مقتل ما لا يقلّ عن 1،300 شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

في هذا التقرير، يحلّل مجتمع التحقق العربي وسمَين ارتبطا بأحداث السويداء، كاشفاً عن خطاب تحريض وكراهية متبادل، في وجود مؤشرات على جهد منسّق لتضخيم التفاعل حول كل منهما. وبرزت في الوقت عينه حسابات من خارج سوريا تنشط عبر كلا الوسمين، مستخدمةً خطاباً طائفياً وتحريضياً.

تنامٍ سريع يعقبه انفجار لحظي

اندلعت أعمال العنف في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، بين الدروز وقبائل البدو، يوم 13 تموز/ يوليو 2025. في مساء اليوم نفسه، قفزت معدلات النشر على وسم "#الهجري_الخائن"، في إشارة إلى أحد الزعماء الروحيين لدروز سوريا، الشيخ حكمت الهجري، من منشور واحد إلى 614 منشوراً، ليصل في اليوم التالي إلى 2،336 منشوراً، قبل أن يناهز في 16 تموز/ يوليو نفسه، 9،031 منشوراً، علماً أن ذروة التفاعل عبره بلغت في 18 تموز/ يوليو، أكثر من 16،800 منشور، قبل الانحدار تدريجياً في الأيام التالية حتى استقرّ عند نحو 4،351 منشوراً في 21 تموز/ يوليو 2025.

بالتزامن مع اشتعال الأحداث في السويداء، نشطت حملتان إلكترونيتان متضادتان. في هذا التقرير، يحلّل مجتمع التحقّق العربي الحملتين ويرصد أبرز الحسابات المشاركة فيهما، ومن أي الدول انطلقت منشورات التحريض والكراهية، مع تفنيد لماذا تمثّل نسبة كبيرة من منشوراتهما جهداً منسقاً لتضخيم سرديات معينة؟ 

وفي 18 تموز/ يوليو، سجّل الوسم أكثر من 60 مليون مشاهدة، سبقه يوم 17 تموز/ يوليو بـ33 مليون مشاهدة، وقبله يوم 16 تموز/ يوليو بـ24 مليون مشاهدة، وهي أرقام مرتفعة بشكل غير معتاد في السياق السوري، وتثير شبهة وجود تضخيم منسّق.

جدير بالذكر أنّ اسم الهجري (60 عاماً)، برز عقب رفضه التوقيع على مذكرة تفاهم كان قد جرى التوصّل إليها بين الحكومة السورية والسلطات الدرزية، في آذار/ مارس 2025.

التفاعل مع الوسمين.

حملة مضادة

في المقابل، انتشر وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، بنمط زمني متوازٍ تقريباً، إذ بدأ بـ7،565 منشوراً في 15 تموز/ يوليو الجاري، وارتفع إلى 11،363 منشوراً في 16 تموز/ يوليو نفسه، قبل أن يشهد طفرةً لافتةً خلال يومَي 17 و18 تموز/ يوليو، مسجّلاً 17،826 و19،583 منشوراً، على الترتيب.

بعد تحليل أكثر من 40 ألف منشور على الوسم، اتضح أنّ أكثر من 75% من المنشورات جاءت في صورة إعادة نشر، أي محتوى غير أصلي يُعاد ضخّه ضمن فترة قصيرة بواسطة حسابات مكرّرة. أما في وسم "#الهجري_الخائن"، فكانت نسبة إعادة النشر 68%، لكن 40% منها تكرّرت من قِبل مجموعة الحسابات نفسها التي أسهمت أيضاً في الوسم المقابل. وفي الوسمَين لم تتعدَّ نسبة المحتوى الأصلي 10%.

حرب وجدانية على جبهتين

من أصل 77،638 منشوراً تحت وسم "#الهجري_الخائن"، جاء 66،932 منشوراً سلبياً؛ أي ما يعادل 87% من المحتوى الإجمالي. في المقابل، لم تسجّل المنشورات الإيجابية سوى 2،603 مناشير (3.3%)، في حين بلغت المنشورات المحايدة 8،098 منشوراً فقط (10.4%).

أغلبية المنشورات على الوسمين جاءت سلبية.

وسادت المنشورات السلبية وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" كذلك، بنسبة 66.6% من إجمالي الوسم؛ ولم تسجّل المنشورات الإيجابية سوى نسبة 6.5%.

عدد المنشورات السلبية.

النمط الزمني لتحوّل المشاعر كشف عن تزامن متطابق تقريباً في صعود الحدّة الشعورية لكلا الوسمين. فبين 13 و18 تموز/ يوليو 2025، قفز عدد المنشورات السلبية في كلا الوسمين، بالتزامن مع ذروة الاشتباكات المسلحة في الريف الغربي للسويداء. وبلغت المنشورات السلبية ذروتها على وسم "#الهجري_الخائن"، بـ14،563 منشوراً يوم 18 تموز/ يوليو 2025، فيما سجّل وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، 2،001 منشور سلبي في اليوم نفسه.

عدد المنشورات السلبية.

من يغرّد من أجل السويداء؟

الدول الأكثر تغريداً عبر الوسم.

إلى ذلك، انطلق التفاعل على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" من داخل الجبل نفسه، إذ تَبيّن أنّ أكثر من 55% من التفاعلات نُشرت من حسابات يُرجَّح أنّ أصحابها يقيمون فعلاً في محافظة السويداء أو في محيطها المباشر. وسُجّلت أعلى كثافات النشر في الريفَين الشرقي والغربي، حيث اندلعت الاشتباكات مع العشائر البدوية.

في المقابل، بدا أنّ وسم "#الهجري_الخائن" يُدار على نحوٍ مختلف. فـ30% من منشوراته خرجت من حسابات منسوبة جغرافيّاً إلى السعودية والإمارات، في حين ظهر نشاط لافت للتفاعل على الوسم من الولايات المتحدة وتركيا وألمانيا. 

الدول الأكثر تغريداً عبر الوسم.

على الخريطة التفصيلية، تصدَّر ريف دمشق وإدلب وحمص المشاركات الناقدة للشيخ حكمت الهجري، في حين تركّزت أصوات الدفاع عن "الجبل" في السويداء وقرى شهبا وقنوات وعرمان. 

وأظهر التحليل أنّ حسابات من الرياض وجدة ودبي لعبت دور إعادة تدوير خطاب التخوين ضد الدروز، في حين حلّ لبنان في المركز الثالث في قائمة البلاد الأكثر تفاعلاً على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، ونشطت هذه الحسابات في نشر محتوى ناقد للنظام السوري الجديد.

خطاب كراهية وتحريض

أما عن الكلمات الأكثر تكراراً على كلا الوسمين، فيشير التحليل إلى سيادة الخطاب التحريضي والطائفي، الذي تخلّلته معلومات مضلّلة. وتكرّرت على وسم "#الهجري_الخائن"، كلمات تتّهم الهجري بـ"العمالة" و"التبعية" لإيران أو إسرائيل. كما جاء على حسابات تضع العلم السوري الجديد منشورات تتهمه بأنه "قاتل الأطفال"، وبأنه يعمل على "تهجير المسيحيين". 

جدير بالذكر أنّ خادم كنيسة شهبا، الأب طوني بطرس، كان قد نفى ما تردّد عن تهجير المسيحيين من السويداء، في خضم النزاع المسلّح الأخير.

الكلمات الأكثر رواجاً عبر الوسمين.

في المقابل، تكرّرت على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" كلمات تحريضية وخطاب كراهية عبر عبارات منها: "الغدر البدوي"، و"الميليشيات العشائرية"، و"الاحتلال الداعشي".

عبر كلا الوسمين، نشطت حسابات غير سورية في نشر سرديات متقابلة تتخلّلها الطائفية والتحريض. فبينما نشطت حسابات خليجية على وسم "#الهجري_الخائن" ناشرةً محتوى ضد الدروز والشيعة، نشرت حسابات تتخذ من لبنان موقعاً جغرافياً على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، خطاباً طائفياً ضد السنّة

وتضمّنت بعض منشورات الوسم خطاباً طائفياً، يزعم أنّ "الأكراد والعلويين والدروز لا يستطيعون العيش مع السنّة"، مع وصف كل سنّي بأنه "جولاني"، نسبةً إلى "أبي محمد الجولاني"، الاسم الذي عُرف به سابقاً الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع.

كما ركّزت منشورات أطلقتها حسابات لبنانية على الهجوم على النظام السوري الجديد، مكرّرةً كلمات مثل "الجولاني إرهابي" و"قاتل السوريين".

أكثر التعابير السلبية تكراراً.

من أطلق الحملتين؟

كذلك، يشير تحليلنا إلى أنّ الحساب الذي أطلق التفاعل على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، يحمل اسم "ZAINUN زينون"، والمعرّف له هو @ZAINUN313، وقد نشر الحساب الوسم مرفقاً بنصّ عن "الحق الشيعي في مواجهة التكفيريين".

الحساب الذي أطلق الحملة.

وتُظهِر منشورات الحساب تأييد صاحبه للقوى المدعومة من إيران في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، فضلاً عن معارضته النظام السوري الحالي. في الجهة المقابلة، يظهر حساب @mueawia2011 باسم "معاوية سراقب" كأول من أطلق وسم "#الهجري_الخائن". ويُقدّم صاحب الحساب نفسه على أنّه "صوت العشائر المنتفضة"، وصوت "إدلب العز"، ويتهم الشيخ ومجتمع السويداء بـ"خيانة" الدولة السورية. كما ينشر الحساب محتوى مناهضاً للدروز ولإيران وحزب الله، مستخدماً خطاباً طائفياً.

الحساب الذي أطلق الحملة المضادة.

ويشير تحليل المخططات الشبكية للحملتين الرقميتين إلى فروقات في طريقة التنظيم وأساليب النشر والتأثير الرقمي لكل منهما. فبِنية الحسابات المتفاعلة على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، تتألّف من حسابات مركزية، وكل حساب منها يمتلك مجموعته الفرعية من الحسابات الثانوية التي تعيد نشر وترويج رسائله، ولكن مع درجة محدودة من التداخل أو التواصل المباشر بين الحسابات الرئيسية.

شبكة الحسابات المتفاعلة عبر الوسم.

وفي قلب هذه الشبكة، برز حساب "SFOLK_AL_SHEIKH" بوصفه مصدراً أولياً لعدد كبير من المنشورات وإعادة النشر، ما منحه تأثيراً عالياً ضمن الشبكة. هذا الدور المحوري في تغذية المحتوى دفع منصة "إكس" إلى اتخاذ قرار بحظره. تليه من حيث الحجم والتأثير حسابات أخرى، منها: "Mira Medusa"، و"mehmood_kolo"، و"leenjustleen"، و"Unseen Rebel".

ويمثّل كلّ من هذه الحسابات محوراً أو نقطة تجمّع رقميةً فرعيةً لها سردية خاصة بها ومحتوى متجانس نسبياً يدور حول فكرة محددة، على غرار: الدفاع عن "كرامة الجبل" أو التركيز على البعد المحلي والهوية الجماعية لسكان السويداء. وقد دلّ تباعد التكتّلات اللونية الخمسة عن بعضها البعض، على وجود حدّ أدنى من التفاعل أو التواصل بين هذه المجموعات، وهو ما يؤكد وجود حالة من الاستقلالية الرقمية والتنسيق المحلي بين المجموعات الفرعية، مع ضعف واضح في الاتصال المباشر أو تبادل المعلومات بين هذه المحاور المختلفة.

شبكة الحسابات المتفاعلة عبر الوسم.

على الجانب الآخر، اتسمت شبكة وسم "#الهجري_الخائن"، ببنية مغايرة وأكثر تعقيداً وكثافة. التمثيل البصري لهذه الشبكة أظهر شبكةً مترابطةً بشكل مكثف مع عدد كبير من الروابط التي تجمع بين الحسابات المركزية والحسابات الثانوية. وقد كانت الحسابات المركزية مثل: "C_S_E_C" و"anasanas84" و"mshinqiti" و"ZamoutVisam" و"Hadi Alabdallah"، تمثّل مراكز قوة وتأثير واضحةً، إذ لم تكتفِ هذه الحسابات بنشر محتوى معيّن فحسب، بل لعبت دور الوسيط والجسر بين مجموعات فرعية عدة، وهو ما جعل البنية العامة للشبكة شديدة التماسك، وأتاح انتقالاً سلساً وسريعاً للمعلومات، وتالياً تعزيز سردية الحملة بشكل أوسع وأسرع في مختلف أرجاء الشبكة.

تحليل الحسابات المؤثرة

يكشف تحليل الحسابات الأكثر تفاعلاً على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، أنّ الناشطة اللبنانية السورية روان عثمان، كانت من بين أبرز المشاركين فيه. وقد أثارت منشوراتها جدلاً واسعاً، ولا سيّما بعد تكرارها أنّ "إسرائيل ليست الخصم، بل الحليف الأمل في المنطقة".

خلُص التحليل الشبكي إلى أنّ الحملتين ليستا فقط تعبيراً عن مواقف متعارضة، بل هما انعكاس لأساليب رقمية وتكتيكات مختلفة في إدارة الصراع الرقمي. إحدى الشبكتين تفضّل اللامركزية والاستقلال في إنتاج المحتوى، في حين تعتمد الأخرى على مركزية وتنسيق محكم

في المقابل، نشط حساب محمد المختار الشنقيطي، بكثافة على وسم "#الهجري_الخائن". ويؤيد الشنقيطي الثورة السورية، والنظام السوري الحالي، والرئيس الشرع، ويهاجم الدروز "رابطاً بينهم وبين إسرائيل".

كما رُصد استخدام خطاب طائفي من قِبل عدد من الحسابات التي تفاعلت بكثافة مع الوسم؛ من بينها anasanas84 وC_S_E_C، إذ تضمّنت منشوراتها كلمات تنطوي على تحريض طائفي. 

واللافت على كلا الوسمين، أنّ حسابات غير سورية نشطت في نشر سرديات متقابلة تتخلّلها الطائفية والتحريض. فبينما نشطت حسابات خليجية على وسم "#الهجري_الخائن" ناشرةً محتوى ضد الدروز والشيعة، نشرت حسابات تتخذ من لبنان موقعاً جغرافياً على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، خطاباً طائفياً ضد السنّة.

ختاماً، خلُص التحليل الشبكي إلى أنّ الحملتين ليستا فقط تعبيراً عن مواقف متعارضة، بل هما انعكاس لأساليب رقمية وتكتيكات مختلفة في إدارة الصراع الرقمي. إحدى الشبكتين تفضّل اللامركزية والاستقلال في إنتاج المحتوى، في حين تعتمد الأخرى على مركزية وتنسيق محكم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

جميعنا عانينا. عانينا كثيراً، ولا نزال نعاني، من انتشار الجماعات المتطرفة والأفكار المتطرفة، ولذلك نحرص في رصيف22 على التصدي لها وتفكيك خطاباتها، ولكن نحرص أيضاً، وبشدّة، على عدم الانجرار إلى "شرعنة" ممارسات الأنظمة التسلطية، لأن الاستبداد أحد أسباب ظاهرة التطرّف، ولا يمكن التصدي لها بمزيد من الاستبداد. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image