معلومات مضلّلة وتضخيم متعمّد من منشورات موالية للشرع…

معلومات مضلّلة وتضخيم متعمّد من منشورات موالية للشرع… "قسد عدوّ البلد" حقاً؟

حياة نحن والتطرف

الثلاثاء 22 يوليو 202510 دقائق للقراءة

أعدّ هذا التقرير شريف مراد من مجتمع التحقّق العربي.

خلال أيام ما بعد الإعلان عن تعثّر المفاوضات بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والإدارة السورية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، تصدّر وسم "#قسد_عدو_البلد" قائمة الأكثر تداولاً في سوريا، وسرعان ما تحوّل الوسم إلى ساحة مفتوحة لحملات اتهام واسعة، تتراوح بين الطعن في ولاء قسد لسوريا، واتهامها بالعمالة والرغبة في تقسيم البلاد.

ويكشف تحليل مجتمع التحقق العربي لهذا الوسم، أنّ خلف انتشاره تقف حسابات مؤيدة للنظام الحالي والرئيس الشرع. كما يظهر من تحليل الوسم وجود أنماط من "التنسيق" مع "تضخيم متعمّد" لبعض السرديات، بما يشير إلى وجود نشاط غير أصيل هدفه التأثير في اتجاهات الرأي العام.

انطلق النشاط على وسم "#قسد_عدو_البلد" من حسابات محدودة، وتخلّله خطاب تحريضي، ومنشورات مضلّلة، واعتمد في انتشاره على حسابات بعضها آليّ… هذا ما خلص إليه تحليل مجتمع التحقق العربي للتفاعل عبر الوسم

البداية والتطوّر

تعثّرت المفاوضات التي رعتها واشنطن عبر مبعوثها الخاص توم باراك، بين الحكومة السورية و"قسد"، في التاسع من تموز/ يوليو 2025، بعد إصرار الحكومة السورية الجديدة على وحدة أراضي البلاد، وحصر السلاح بيد الدولة السورية، وتفكيك قسد كقوة عسكرية، ودمج عناصرها في "الجيش السوري الجديد"، وهو ما رفضته قيادة قسد، مطالبةً بامتيازات سياسية وإدارية في المناطق التي تسيطر عليها.

في أعقاب ذلك، بدأ النشاط على وسم "#قسد_عدو_البلد" بشكل محدود، تحديداً يوم 9 تموز/ يوليو الجاري، عبر عدد قليل من الحسابات منخفضة المتابعة، أبرزها حساب @hussainsyria3. وبحلول اليوم التالي، أخذ الوسم في الانتشار، ليس نتيجة تفاعل عفوي، بل بفعل كثافة منشورات متكرّرة صادرة عن عدد محدود من الحسابات، ما يُشير إلى انطلاق نشاط منسّق.

بلغت ذروة النشاط عبر الوسم يوم 11 تموز/ يوليو الجاري، حيث تم تسجيل 4،368 منشوراً في هذا اليوم وحده، ما نسبته 33.5% من إجمالي التفاعل على الوسم. لوحظ أنّ عدداً كبيراً من الحسابات النشطة في هذا اليوم كانت قد نشرت الوسم بمعدلات تتجاوز 50 منشوراً في اليوم، وبعضها وصل إلى أكثر من 250 منشوراً، في نمط نشر مكرّر آلياً.

وأظهر تحليل بنية التفاعل ارتفاعاً غير اعتيادي في نسبة إعادة النشر مقارنةً بالتعليقات أو المنشورات الأصلية، إذ لم تتجاوز الأخيرة 11% من إجمالي التفاعلات، ما يُرجّح وجود نشاط منظّم لإعادة النشر والتضخيم.

بحسب بيانات أداة Meltwater، قُدّر الحجم التقريبي لوصول الحملة خلال تلك الفترة بنحو 21.4 ملايين مشاهدة، إلا أنّ هذا الرقم يبدو مضخّماً، نظراً إلى اعتماد المنصة في احتسابه على إجمالي عدد متابعي الحسابات المتفاعلة، من دون الأخذ في الاعتبار التكرار أو مستوى التفاعل الفعلي.

حملة هجومية سلبية 

وعبر تحليل أكثر من 13 ألف منشور، تبيّنت سيادة الخطاب السلبي على وسم "#قسد_عدو_البلد" بنسبة 84% من المنشورات التي شهدت نقداً أو تحريضاً ضد قسد.

وتكرر استخدام كلمات مثل: "خيانة" و"تفتيت" و"عمالة" و"تقسيم"، فيما تكرّر سؤال "أين ولاء قسد للدولة السورية؟"، في منشورات عدة، ما قد يشير إلى حملة تخوين ممنهجة ضد قسد.

أظهرت البيانات المستخلصة من Meltwater أيضاً، أنّ التفاعل مع وسم "#قسد_عدو_البلد" لم يكن محصوراً في سوريا فحسب، بل جاء موزّعاً على نطاق إقليمي أوسع. وتصدّرت سوريا قائمة الدول من حيث عدد المنشورات المرتبطة بالوسم، تلتها السعودية، ثم العراق، وتركيا، والإمارات.

أظهرت البيانات الجغرافية المعلنة أنّ أكثر من 48% من المنشورات نُشرت من خارج سوريا، ما يعزّز احتمال وجود شبكات تضخيم منظّمة تهدف إلى توسيع نطاق الحملة على المستوى الإقليمي. واتخذت المشاركة على الوسوم من السعودية والإمارات طابعاً هجومياً على قسد، حيث اتهمتها بـ"محاولة تفتيت سوريا". كما وُصفت الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا بـ"مشروع الانفصال الكردي".

لدى قياس مدى الاعتماد على الأتمتة ضمن حملة "#قسد_عدو_البلد"، تبيّن أن أبرز خمسة حسابات تعتمد بشكل كبير على الأتمتة، إذ تضيف القليل من المحتوى الأصلي، وتكرّر رسائل جاهزةً بوتيرة دقيقة وتنشرها بشكل شبه آلي، علماً أنّ نحو 48% من المنشورات نُشرت من خارج سوريا، تحديداً من السعودية ثم العراق وتركيا والإمارات

على النهج ذاته سارت المنشورات الصادرة من العراق، والتي عبّرت عن معارضة للنفوذ الكردي في شمال البلاد وامتداد هذا النفوذ في داخل الأراضي السورية. كما تماهت بعض المنشورات الصادرة من حسابات تُظهر مواقع جغرافيةً في تركيا مع السرديات المتداولة التي تهاجم قسد والأكراد بشكل عام.

التحليل الشبكي… لعبة المحور والأذرع 

أظهر تحليل الشبكة الرقمية المرتبطة بوسم "#قسد_عدو_البلد"، وجود بنية اتصال تتسم بالتركيز حول عدد محدود من الحسابات المحورية، وهو ما يُعدّ أحد أبرز مؤشرات الحملات المنسّقة أو المدارة مركزياً. وتظهر الشبكة بوضوح نمطاً هرمياً يتوزع فيه النشر انطلاقاً من ثلاثة حسابات مركزية إلى مجموعة واسعة من الحسابات التي تضخّم التفاعل على المحتوى.

من خلال رسم شبكة إعادة النشر، تبيّن أنّ الحسابات الثلاثة الأكثر تأثيراً هي: @marianarut680 و@nayef_alsaleem و@pataklismo01. 

وتمثّل هذه الحسابات المحاور المركزية التي تضخّ المحتوى بشكل مكثف ومنتظم. هذه الحسابات لا تكتفي بالنشر بل تعمل كمضخات لمحتوى موحّد، يتم تضخيمه لاحقاً عبر شبكة من الحسابات التابعة أو شبه الآلية. كما لعبت حسابات مثل: @husayenhamza و@sy3rie، دور "الأذرع" من خلال تكرار وإعادة توزيع محتوى الحسابات المركزية.

وسجّلت المنشورات على الحسابين ذروةً متقاربة زمنياً، بمعدل نشر يتراوح بين كل 3 إلى 5 دقائق خلال الفترة بين الساعة 05:00 و08:00 بالتوقيت العالمي في أيام الذروة، ما يُضعف احتمال أن يكون الاستخدام طبيعياً أو بشرياً يومياً، ويعزز فرضية وجود جدولة مسبقة.

وتعكس منشورات الحسابين السردية ذاتها، المتمثلّة في الدفاع عن "سيادة الدولة السورية" تحت راية النظام الجديد، وربط قسد بمخططات انفصالية واتهامها بالتعاون مع إسرائيل. وهي المعطيات التي تضع حسابَي @husayenhamza و@sy3rie في خانة الحسابات الوهمية المنسقة؛ فهما يكرران الرسائل نفسها، ويخضعان لتوقيتٍ وجداول مسبّقة.

بالتعمّق أكثر في التحليل الشبكي، أظهرت خوارزمية Louvain لتحليل المجتمعات الشبكية، تشكّل ثلاث كتل رئيسية شديدة الترابط داخلياً وضعيفة الاتصال مع الكُتل الأخرى، ما يعكس وجود مجموعات من الحسابات التي تتعاون ضمن مجموعات مغلقة، وقد تشير إلى "غرف تحكّم" رقمية مستقلة في إدارة كل كتلة.

من خلال تحليل درجة الاتصال لعدد الإعجابات وإعادة النشر، أمكن الكشف عن نشاط غير متوازن يستند إلى التضخيم من طرف واحد، لا إلى تفاعل طبيعي بين المستخدمين.

تحليل الحسابات المؤثرة

يُشكّل الثلاثي @marianarut680 و@NAYEF_ALSALEEM و@pataklismo01 العمود الفقري للحملة ضدّ قسد. وبرغم التباين الظاهري في السير الذاتية، تجمع هذه الحسابات خلفية أيديولوجية مشتركة تتمثّل في تبنّي خطاب مؤيد للنظام السوري الجديد، يدعو إلى اجتثاث ما يُوصَف بأنها مشاريع طائفية انفصالية في الشمال الشرقي والجنوب السوريين.

وبتحليل الحساب، يتضح أن حساب عامر الطائي القحطاني (@pataklismo01)، يكاد يخلو من محتوى أصلي، وأنه دأب على إعادة تدوير صور وفيديوهات دمويّة من الحسكة والسويداء، ويضعها في إطار سرديّ واحد: "قسد تختطف خيرات البلاد وتُمعن في انتهاكاتها ضد العرب". 

وفي غالبية منشوراته، يربط بين "احتلال قسد" و"تآمر إسرائيلي". ويضخّ هذا الحساب منشورات كل ثلاث دقائق تقريباً، في نظام نشر لا يتحمّله مستخدم بشري من دون أدوات جدولة.


ويبرز حساب باسم نايف السليم (@NAYEF_ALSALEEM)، كأحد الوجوه البارزة في الحملة، إذ يروّج للجيش السوري تحت شعارات مثل "درع الجيش"، ويهاجم دائماً قسد والدروز، واصفاً مشروعهما بـ"الصهيونية الداخلية".

أما حساب @marianarut680 الذي أوقفته أخيراً منصة "إكس"، فقد نشر ما يفوق 500 منشور في أسبوع، بنسبة إعادة تغريد تقارب 98%، ما يدلّ على نمط نشر آلي رصدته المنصة وأوقفته. تنسجم خطابات الحسابات الثلاثة مع الرؤية السياسية للنظام السوري الجديد، ودائماً ما تتم الدعاية عبرها للرئيس الشرع.

ممارسة تضليليّة مألوفة

ولم يكتفِ حساب نايف السليم بشنّ حملة منسقة ضد قسد، بل وظّف معلومات مضللةً في منشوراته. على سبيل المثال، في 11 تموز/ يوليو 2025، نشر الحساب أربع صور لمقاتلين أجانب، قال إنهم يقاتلون اليوم في صفوف قسد.

أفضى البحث العكسي عن هذه الصور إلى أنها تعود إلى سنوات ماضية، تحديداً إلى الفترة الممتدة بين 2015 و2018، في أثناء الحرب ضد تنظيم داعش في شمال سوريا وشرقها. فالصورة الأولى من تقرير منشور على موقع تركي مؤرشف في عام 2019، وتوثّق انضمام متطوّعين أجانب إلى وحدات حماية الشعب (YPG)، القوة الكردية الأكبر في قسد. أما الصور الأخرى، فجرى تداولها في تغريدات قديمة للصحافي التركي حسين بوزان، منذ أيلول/ سبتمبر 2017. كما ظهرت ضمن تحقيق صحافي نشرته مجلة Rolling Stone، عام 2018، عن "الفصائل اليسارية الأممية" التي شاركت في معارك الرقة.

بعد تحليل 13 ألف منشور، اتّضح أنّ 84% من المنشورات تحرّض ضد قسد باستخدام اتهامات وعبارات منها "خيانة" و"تفتيت" و"عمالة" و"تقسيم"، فيما تكرّر سؤال "أين ولاء قسد للدولة السورية؟"، في منشورات عدة، ما قد يشير إلى حملة تخوين ممنهجة ضد قسد

آلية حسابات الحملة

في إطار قياس مدى الاعتماد على الأتمتة ضمن حملة "#قسد_عدو_البلد"، صمّمنا مؤشراً يجمع بين ثلاثة معايير رئيسية: نسبة إعادة النشر، وانتظام توقيت المنشورات، وكمية الرسائل التي ينشرها الحساب. وأظهرت النتائج أنّ أبرز خمسة حسابات تعتمد بشكل كبير على الأتمتة، إذ تضيف القليل من المحتوى الأصلي، وتكرر رسائل جاهزةً بوتيرة دقيقة وتنشرها بشكل شبه آلي.

تصدّر حساب @husayenhamza القائمة بعد نشره 151 منشوراً، منها 104 كانت إعادة نشر. وكان نمط نشره منتظماً، إذ كانت الفواصل الزمنية بين المنشورات لا تتجاوز في المتوسط 122 دقيقةً، ما يعكس دوره الكبير في ضخّ 104 رسائل إلى الشبكة.

كما اعتمدت حسابات مثل: @alk22221 و@al_muhammad63 و@0sv_o و@amsu0804، على إعادة النشر بنسبة ناهزت 100% في بعض الحالات، ونشرت على جداول زمنية متساوية تقريباً على نطاق زمني يتراوح بين 255 و340 دقيقةً، ما ينبئ باستخدام سكربت أو أدوات جدولة مدبّرة سلفاً لإحداث ضغط رقمي موحّد. 

وعندما وَسّعنا رقعة التحليل لتشمل كامل العيّنة، ظهر أنّ من بين 3،825 حساباً شاركت في الحملة، بلغ عدد الحسابات التي تجاوزت حدّ مؤشر أتمتة 0.7 نحو 214 حساباً، أي ما نسبته 5.6% من إجمالي حسابات الحملة. إلى ذلك، فإن النشاط على وسم "#قسد_عدو_البلد" انطلق من حسابات محدودة، وتخلّله خطاب تحريضي، ومنشورات مضلّلة، واعتمد في انتشاره على حسابات بعضها آلي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

العدالة الاجتماعية ضرورةٌ ملحّة

بينما يحسب المتطرّفون أنّهم يحملون لواء العدالة، لكنّهم في الواقع، يتحدّون جوهرها، وهو أنّ لكلّ امرئٍ الحق في الشعور بأنّ رأيه وكيانه ووجوده أشياء مُقدَّرة، ولو اختلف مع الآخر.

في رصيف22، نسعى إلى نقل رؤيتنا، لنُظهر للعالم كيف بإمكان العدالة الاجتماعية والمساواة تحسين حياتهم، من دون تطرّفٍ، بل بعقلانيةٍ مُطلقة.

Website by WhiteBeard
Popup Image