واجهة مدنية جديدة للجيش السوداني… هل ينجح إدريس في

واجهة مدنية جديدة للجيش السوداني… هل ينجح إدريس في "فكّ العزلة الإقليمية والدولية"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الأربعاء 28 مايو 202512:41 م

من المتوقع أن يؤدّي رئيس الوزراء الجديد في السودان، كامل الطيب إدريس، اليمين الدستورية، غداً الخميس 29 أيار/ مايو الجاري، في العاصمة الإدارية بورتسودان، قبل البدء بتشكيل الحكومة المرتقب الإعلان عنها عقب إجازة عيد الأضحى.

قرار رئيس مجلس السيادة قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، تعيين الأكاديمي والسياسي كامل إدريس، رئيساً للوزراء، وهو المنصب الذي ظلّ شاغراً منذ أن أطاح البرهان نفسه بالحكومة المدنية الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، في خطوة قال حينها إنها تهدف إلى "تصحيح المسار"، أثار كثيراً من الجدل وردود الأفعال المتباينة.

أبرز التساؤلات التي تتردد منذ تعيين إدريس، تتمحور حول تأثيرات القرار على المشهد السياسي المعقّد في ظلّ الحرب التي تشهدها البلاد منذ 15 نيسان/ أبريل 2023، والتي تسبّبت في مقتل آلاف السودانيين، وتشريد ملايين منهم داخلياً وفي دول الجوار، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية للبلاد وانهيار الاقتصاد.

كذلك، تُثار تساؤلات حول مدى القبول الذي يمكن أن يلقاه رئيس الوزراء الجديد في أوساط القوى السياسية والعسكرية الفاعلة في المشهد داخلياً، وقدرته على اتخاذ خطوات جادة لـ"فك العزلة الإقليمية والدولية" عن الحكومة التي يقودها الجيش، وذلك على المستوى الخارجي.

في الأثناء، يُشير البعض إلى تعيين إدريس، على أنه محاولة من البرهان لتحجيم طموحات الإسلاميين الذين أطاحت بهم الثورة الشعبية التي اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 2018، ويسعون إلى عودة قوية إلى مراكز السلطة واتخاذ القرار كمقابل لمشاركتهم الفاعلة في الحرب الحالية في صفوف الجيش.

"لا يعدو تعيين رئيس الوزراء، كامل إدريس، أو غيره، أن يكون محض ديكور لبعض حكومة تفتقر إلى المشروعية، والقدرة على العمل"... آراء متباينة أثارها تعيين البرهان، الأكاديمي والسياسي كامل إدريس، رئيساً للحكومة داخل المشهد السياسي بما في ذلك المعسكر المناصر للجيش. فما هي أبرز الملفات التي تنتظره؟ وما هي فرص نجاح حكومته؟ وما مدى شرعيتها؟ 

ما يعزّز ذلك الاعتقاد، هي الخلفية الليبرالية لرئيس الوزراء الجديد وارتباطه بعلاقات وطيدة مع المجتمع الدولي ودعمه لثورة عام 2018، ودعوته الثابتة إلى محاربة الفساد وإصلاح مؤسسات الدولة.

يُضاف إلى ما سبق تسويق قائد الجيش حكومته عبر واجهة مدنية مقبولة خارجياً ولا تتمتع بصلاحيات حقيقيّة لتسيير دولاب العمل التنفيذي اليومي المرهق وتحمّلها الإخفاقات الكبيرة في الملفات الداخلية ذات الصلة بالأوضاع المعيشية والاقتصادية.

مخاوف الإسلاميين و"إعادة ترتيب البيت"

برغم المخاوف المُعلنة من قِبل الإسلاميين في البلاد، إزاء تعيين إدريس، والتي عبّر عنها بعض قادتهم علناً وبشكل متكرّر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ حزب المؤتمر الوطني "المحلول" عقب ثورة 2018، والذي كان يقوده الرئيس المعزول عمر البشير، أعلن ترحيبه بتعيين إدريس، ورأى رئيسه المفوّض أحمد هارون، أنّ الخطوة بمثابة "إعادة ترتيب البيت الوطني الداخلي"، و"فرصة لتكوين حكومة تضطلع بمهامها بكفاءة".

الموقف عينه اتخذته حركة العدل والمساواة المسلّحة الموقّعة على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية في آب/ أغسطس 2020، والمتحالفة سياسياً وعسكرياً مع قادة الجيش، حيث رحّبت بتعيين إدريس رئيساً للوزراء، ورأت أنّ الخطوة "تُنهي فراغاً تنفيذياً استمر لأكثر من ثلاث سنوات ونصف"، كما عدّتها استعادةً لمسار التحوّل المدني.

لكن في معسكر حلفاء البرهان وداعمي الجيش نفسه أيضاً، كان لحزب الأمة برئاسة مبارك الفاضل المهدي، رأي مخالف، حيث رأى أنّ تعيين شخص مدني في منصب رئيس الوزراء في ظلّ سيطرة العسكريين على الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، لا يشكّل تغييراً سياسياً في المشهد الذي تعيشه البلاد منذ "انقلاب" عام 2021، واستمرار الحرب.

كتب المهدي، في تدوينة على منصة إكس، أنّ التعديلات التي أجراها البرهان وزملاؤه العسكريون على الوثيقة الدستورية في شباط/ فبراير 2025، غيّرت طبيعة سلطة المجلس السيادي من سلطة "رمزية" إلى مجلس "رئاسي تنفيذي" جرّد مجلس الوزراء من صلاحياته و"حوّله إلى ذراع لمجلس السيادة".

"خطوة انصرافية"

"لا يعدو تعيين رئيس الوزراء، كامل إدريس، أو غيره، أن يكون محض ديكور لبعض حكومة تفتقر إلى المشروعية، والقدرة على العمل"، هكذا يعلّق الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق، على الأمر ويتساءل في حديثه إلى رصيف22: "في الوقت الذي تتصدّر فيه الحرب اهتمامات حكومة بورتسودان - التي يقودها البرهان - ما الذي يمكن أن يفعله رئيس وزراء مدني ليس من صلاحياته تعيين وزير دفاعه؟".

وبحسب رزق، من واقع ردود الأفعال التي عكستها مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ تعيين إدريس لم يجد قبولاً يُذكر في أوساط "الإسلاميين"، الداعم الرئيس البرهان، ولا يُنتظر من بقية القوى، خصوصاً في المعارضة، أن تؤيد هذه الخطوة. فهي وفقاً لوصفه "خطوة انصرافية" في وقت يشكّل فيه وقف الحرب أولويةً مطلقةً، ينبغي أن تحتشد لها كل الجهود.

"في الوقت الذي تتصدّر الحرب فيه اهتمامات حكومة بورتسودان - التي يقودها البرهان - ما الذي يمكن أن يفعله رئيس وزراء مدني ليس من صلاحياته تعيين وزير دفاعه؟"، يسأل الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق، عبر رصيف22

يتفق، مع هذا الرأي، أستاذ العلوم السياسية صلاح الدومة، إذ يرى أنّ تعيين إدريس، لم يلقَ استجابةً لأنه "تمّ استجابة لرغبة مصر"، وفي ظلّ وجود ترتيبات مع مسؤولين أفارقة للاعتراف بالحكومة في السودان، لذلك وجد رفضاً من السواد الأعظم من السودانيين.

ويذهب الدومة في حديثه إلى رصيف22، إلى أن هذا الرفض ساهم فيه ارتباط اسم إدريس لدى البعض بشبهات تزوير، وسعي خلف المناصب، قائلاً إنّ ذلك منشور عبر وسائل الإعلام بصورة واضحة.

ترحيب واستنكار

إقليمياً، رأت جامعة الدول العربية، في تعيين إدريس، "خطوةً مهمة لاستعادة عمل المؤسسات الوطنية"، فيما أكدت أنها ستعمل على تكثيف جهود "استعادة مسار التحوّل المدني وإطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السودانيون".

كذلك، أشاد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، بالخطوة باعتبارها توجهاً نحو "حوكمة شاملة"، وأعرب عن أمله في أن تُسهم في الجهود المبذولة لاستعادة النظام الدستوري والحكم الديمقراطي في السودان. وأكد يوسف، أيضاً، التزام الاتحاد الإفريقي بوحدة السودان واستقراره، وبالسعي إلى إيجاد حلّ سياسي دائم يضمن السلام والتنمية والحكم الديمقراطي للسودانيين جميعهم.

لكن موقف رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، لقي استنكاراً من التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إذ رأى التحالف، في بيان، أنّ تصريحات رئيس المفوضية "مخالفة صريحة" لنظم الاتحاد الإفريقي التي لا تعترف بشرعية أي حكومة في السودان منذ "انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021"، عادّاً أن في التصريح تغييراً غير دستوري ترفضه نظم الاتحاد الإفريقي وتقف ضده بصرامة.

وفي اتجاه مغاير، يذهب رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، مبارك أردول، إلى التأكيد على أن تعيين إدريس في هذا الوقت يمثّل إحياءً للحكومة ودورها المدني وتطبيع الحياة. كتب أردول في تدوينة على إكس، أنّ من المهام التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد انتهاج سياسة تبني اللُحمة الوطنية وتقود الانتقال جنباً إلى جنب مع التحضير لحوار سياسي سوداني يقود إلى الانتخابات العامة.

وبالعودة إلى صلاح الدومة، فهو يؤكد أنّ تعيين رئيس وزراء مدني للانتقال من حالة اللاحكومة إلى حالة الحكومة، وفك العزلة الدولية، لن يفيد، لأن الذي عيّنه هو نفسه غير شرعي، مستطرداً بأنّ وجود البرهان كان شرعياً حينما كان على شراكة مع قوى إعلان الحرية والتغيير، لكن حينما نفّذ انقلابه وانفرد بالسلطة وسجن الطرف الثاني، فقد شرعيته تماماً.

وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإنّ البرهان إذا ما ذهب إلى التفاوض ووقّع اتفاقاً مع المعارضة، يمكن أن يكتسب "بعض الشرعية" وليس كل الشرعية التي تأتي عقب إجراء انتخابات حرة ونزيهة في بيئة آمنة وديمقراطية.

ويواصل الدومة: "كل هذا لم يحدث، وإنما تم تعيين إدريس قبل الاتفاق مع الأطراف الرافضة للبرهان والعسكريين. وكما ذكرت، فإنّ البرهان يستمدّ قوّته من الانقلاب وهو غير شرعي، وكامل إدريس غير شرعي لأنّ الذي عيّنه غير شرعي".

أما عبد الله رزق، فيرى أنه لن يكون لتعيين إدريس تأثير على المشهد السياسي، لأنه ليس جزءاً من قوى الحرب، ولا من القوى المناهضة للحرب، وليس من المرجّح أن يكون لأي فرد آخر من هذا الموقع تأثير محتمل.

ويضيف: "تعيين رئيس الوزراء، لا يصبّ في مجرى جهود وقف الحرب، وإنما في سياق تكريس الانقسام الذي أوجدته الحرب وتجلّى في حكومتين، في وقت يُنتظر فيه من طرفَي الحرب الامتناع عن هذا الشكل من التصعيد السياسي لتعزيز مساعي السلام".

يُشير رزق إلى أنّ تعيين إدريس رئيساً للوزراء شأن داخلي يتّصل بأجندة البرهان ومعسكرِه وصراعاته الداخلية وتوازناته، ويستبعد أن يكون هناك دور لحلفاء خارجيين في الأمر، على عكس الدومة الذي يُرجح أنّ تعيينه كان استجابةً لرغبة مصر ومسؤولين أفارقة

العزلة الدولية وسيف العقوبات

ولا تزال دول ومنظمات عدة تفرض عقوبات على الجيش السوداني والحكومة التي يقودها، تتراوح بين العقوبات الاقتصادية وتعليق العضوية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا، ومجلس الأمن الدولي، بجانب تعليق عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي.

وفي بيان للمتحدث باسمه، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن أمله في أن يكون التعيين بمثابة خطوة نحو مشاورات تهدف إلى تشكيل حكومة تكنوقراط على أن يشمل ذلك إسكات البنادق، وتوفير الخدمات الأساسية لجميع السكان، ووضع أسس رؤية مشتركة لمستقبل السودان.

لكن عبد الله رزق، يُشير إلى أنّ تعيين إدريس رئيساً للوزراء شأن داخلي يتصل بأجندة البرهان ومعسكرِه وصراعاته الداخلية وتوازناته، ويستبعد أن يكون هناك دور لحلفاء خارجيين في الأمر. ويُردف: "لا أظن أن إدريس يحظى بقبول إقليمي، فهو يكاد يكون غير معروف كلياً بقياسات الموقف الواضح من الحرب، إذ ليس له رصيد، في هذا المجال، لا سلباً ولا إيجاباً".

مسيرة أممية وترشيحات سابقة

في 2010، كان إدريس قد تقدّم كمرشح مستقلّ في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ذلك العام، عبر برنامج انتخابي يَعِد ببناء مؤسسات الدولة مدنية على أسس قانونية تضمن استقلال القضاء والمحاسبة. أيضاً كان ضمن المرشحين لمنصب رئيس الوزراء عقب الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، في نيسان/ أبريل 2019.

وقبل هاتين المناسبتين، كان قد تولّى رئاسة المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة، كما عمل مستشاراً قانونياً مع مؤسسات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات أخرى ذات صلة بالملكية الفكرية.

وأخيراً، جاء تعيينه رئيساً للوزراء خلفاً لعبد الله حمدوك، الذي استقال من منصبه في كانون الثاني/ يناير 2022، احتجاجاً على انسداد الأفق السياسي في البلاد، والذي أعقب "الانقلاب" الذي نفّذه البرهان على حكومته الانتقالية في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image