شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل يقطع

هل يقطع "الإسلاميون" يد الحل السلمي في السودان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف

الثلاثاء 19 سبتمبر 202312:45 م

تطرح الحرب الدائرة في السودان منذ قرابة ستة أشهر، بين أكبر قوتين عسكريتين؛ الجيش وقوات الدعم السريع، تساؤلات كبيرةً، علَّ أحد أكثرها أهميةً، ذلك المتعلق بالتحول الدراماتيكي لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، من خلال إطلاق رسائل تحذيرية علانيةً للإسلاميين (أنصار الرئيس المعزول عمر البشير)، بسبب ما أسماه "محاولاتهم السافرة للتدخل في شؤون الجيش ومحاولة تقسيمه بهدف العودة إلى السلطة".

ومن مدخل سر مشاركة "الإسلاميين"، أنصار البشير، في حرب السودان، ينطرح سؤال لا يقل أهميةً عن تأثيرات هذه المشاركة على جهود الحل السلمي وإمكانية الحسم العسكري على حدٍ سواء.

صفحات من كتاب الرعب

دور الإسلاميين في حرب السودان دور محوري، فرئيسهم المعزول عمر البشير وراء تكوين قوات الدعم السريع، وتحصينها بقانون صادر عن البرلمان في العام 2017.

القاصي والداني، يعرفان حقيقة أن عناصر الدعم السريع، هم ذاتهم عناصر ميليشيا "الجنجويد" سيئة الصيت، والتي تُنسب إليها الممارسات التي جعلت البشير نفسه هدفاً لقضاة المحكمة الجنائية الدولية بتهمة جرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور، خلال الفترة من 2003 إلى 2008.

خلال فترة حكم البشير، تسلل الإسلاميون من قوى "الأمن الشعبي" (تنظيم أمني خاص بالحركة الإسلامية)، إلى داخل المؤسسات العسكرية، ومن هناك مارسوا أبشع الجرائم بحق المعارضين، وبداية ذلك قتل الطبيب علي فضل، بدق مسمار في رأسه عام 1998، مروراً بقتل المحتجين السلميين بكافة الوسائل وصولاً إلى التصفية عن طريق حشر الخوازيق في دبر المعارضين، كما في حالة المعلم أحمد الخير، إبان الثورة على البشير.

وبعد الإطاحة بالبشير، وُجّهت اتهامات إلى الأمن الشعبي وكتائب الظل التابعة للإسلاميين بتصفية الناشطين خلال فض اعتصام القيادة العامة (حزيران/ يونيو 2019)، قبل أن يلعبوا دوراً مفصلياً في الإطاحة بالحكومة الانتقالية، من خلال مخططات أدت إلى اعتقال معظم قيادييهم، الذين وُجّهت إليهم تهم تشمل إثارة العنف، والتحريض على الاغتيالات، بما في ذلك توعد رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، بفصل رأسه عن جسده.

وبالعودة إلى حرب نيسان/ أبريل الماضي، وفي ظل النفي المتكرر لطرفَي الصراع المسؤولية عن إطلاق الرصاصة الأولى، تتجه أصابع الاتهام إلى الإسلاميين، الذين تخدم الحرب أهدافهم في الإطاحة بحميدتي الذي تحول في آخر أيامه إلى أبرز المدافعين عن إطار اتفاق يمهد لنقل السلطة إلى المدنيين، ويضعف في المقابل قوة الجيش، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام عودة الإسلاميين بآلية الانقلاب، إثر فشل محاولات عدة سابقة، أبرزها ما جرى في أيلول/ سبتمبر 2021.

اتهامات الدعم السريع للإسلاميين

ظلت قوات الدعم السريع، تتهم الجيش بأنه مختطف من قبل الإسلاميين الأصوليين التابعين لفلول نظام الرئيس المعزول. وهو أمر لا يمكن إنكاره في حال، في ظل نشاط كتيبة كاملة قوامها 21 ألف مقاتل إلى جانب الجيش، طبقاً لإفادة قائد الكتيبة المصباح طلحة.

ويحتفي الإسلاميون، بما في ذلك صفحة حزب المؤتمر الوطني المحلول (حزب البشير)، بمقاتليهم في الجيش، ودرجوا على تدبيج خطابات رنانة في حق من قضوا منهم على يد قوات الدعم السريع.

وقطعت زيارة البرهان، لقائد الكتيبة، في مقر استشفائه عقب إصابته في العملية العسكرية، الطريق أمام أيّ محاولة لقطع خيط الصلة بين الجيش والإسلاميين.

ما هو طبيعة الدور الذي تلعبه "كتيبة البراء بن مالك" في الحرب السودانية؟ وهل نحن إزاء داعش جديدة في السودان؟

كتيبة البراء بن مالك

كتيبة البراء بن مالك، هي إحدى الأذرع العسكرية التي كوّنها البشير لحماية نظامه منذ إجازته قانون الدفاع الشعبي (قوة احتياط) في 1989، وقوامها من العسكريين والمدنيين ذوي التوجهات الإسلامية.

وعملت هذه القوات على تثبيت أركان النظام المعزول، من خلال جرعات التدريب العسكري العالي، والتغلغل في المنظومات الأمنية، وتأهيل الكوادر لشغل المناصب الحساسة في الخدمة المدنية، في ما عُرف بسياسة "التمكين"، والسيطرة على حركة المال والأسواق عبر شبكات تجارية ضخمة محمية من السلطة، إلى جانب رصد المعارضين واستهدافهم، وإدارة الحروب الإلكترونية.

وفي المجال العسكري، تعمل كتائب الإسلاميين كقوة احتياط للجيش الوطني، وظهر ذلك جلياً في معارك عدة خاضها الجيش في حقبة البشير، كمعركة استرداد حقل هجليج النفطي، من يد الجيش الشعبي (جيش دولة جنوب السودان) في العام 2012.

راديكاليون ودواعش

ضمّت كتائب الظل التابعة للإسلاميين، عناصر متشددةً، انتمى البعض منهم إلى جماعات وتنظيمات إرهابية.

على سبيل المثال لا الحصر، فقد نعت كتيبة أنصار دولة الشريعة، مصعب أبو الحسن، الذي لقي مصرعه على يد قوات الدعم السريع.

وأكد مقربون من أسرة، محمد الفضل (ابن أخ وزير الخارجية في عهد البشير، مصطفى عثمان)، أن ابنهم -أحد قتلى الكتيبة في الحرب الجارية- سبق أن شارك مع التنظيمات المتطرفة في الحرب السورية.

وتحظى الكتيبة كذلك، بتأييد القيادي الإسلامي البارز المأسور لدى قوات الدعم السريع، محمد علي الجزولي، الذي بايع زعيم داعش "أبو بكر البغدادي".

هذا إلى جانب قادة أمنيين كبار في نظام البشير، لقوا مصرعهم في أثناء الحرب، وأبرزهم اللواء جمال زمقان.

ويُعدّ اللواء الأمني، أنس عمر، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول في العاصمة الخرطوم، وأبرز اللاعبين ضد النظام الديموقراطي، أحد أبرز قادة الكتيبة، ولذا لا غرو في أن قوات الدعم السريع أطلقت عمليةً عسكريةً، انتهت باعتقاله في بدايات الحرب.

الأثر السياسي والعسكري

يرى المحلل السياسي عبد الرؤوف الزين، في حديثه إلى رصيف22، أن محاولات الإسلاميين للعودة إلى الحكم ليست خافيةً على أحد، فقد حاولوا ذلك بوسائل تبدأ بالانقلاب العسكري، والتهديد بثقافة الاغتيالات، والتحالف مع العسكر.

وقال إن ظهور الإسلاميين الكثيف بعد 15 نيسان/ أبريل، يدلل على هذه الرغبة، خاصةً مع قيادتهم لتيار يرفض أي حلول سلمية ويتبنى الحرب وسيلةً وحيدةً لإنهاء الأزمة السودانية.

بيد أن القيادي الإسلامي سامي الصول، صرّح لرصيف22، بأن مشاركة الإسلاميين في الحرب الجارية، تتم بصورة فردية، استجابةً للاستنفار الذي أطلقه قائد الجيش. وسخر "الصول" من المزاعم القائلة بسعي الإسلاميين إلى العودة إلى السلطة، عبر تمكين عناصرهم في الجيش.

وأضاف: "ممارسات الدعم السريع، ضد المدنيين، وتشمل القتل والاغتصاب والنهب والترويع، أدت بكثير من الوطنيين إلى المشاركة في الحرب، بمن في ذلك أعضاء في لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات ضد البرهان بعدّه منقلباً على السلطة، فلماذا تتم مباركة الجميع خلافاً للإسلاميين؟"، يتساءل.

في الاتجاه نفسه، يرى العقيد محمد أبو نورة أن الجيش استعان بالأهالي وقوات الاحتياط لمساندته ضد ميليشيا الدعم السريع، وأضاف: "قد يكون من ضمن المستنفرين الإسلامي الأصولي، واليساري الراديكالي".

لكنه شدد في حديثه إلى رصيف22، على نقطة وحيدة، مفادها أن جميع هذه القوات تعمل تحت إمرة الجيش، وسيتم تفكيكها وجمع سلاحها بمجرد انتهاء الحرب سواء بالحسم العسكري أو التفاوض.

هل يسعى "الإسلاميون" إلى إطالة أمد الحرب الأهلية في السودان؟ ولماذا؟

أبعاد تفاوضية

يقود وسطاء دوليون، وعواصم إقليمية وجارة، جهوداً حثيثةً لإنهاء الحرب السودانية، بصياغة اتفاق سياسي يضع السودان على مسار الانتقال الديموقراطي، ويبدأ بإعمار ما دمرته الحرب. فهل يعيق وجود الإسلاميين في صفوف الجيش هذه العملية؟

يجيب المحلل السياسي عبد الرؤوف الزين عن ذلك قائلاً: "وجود الإسلاميين لا يثير مخاوف الدعم السريع وقوى الانتقال من إطلاق عملية انتقام ضد من نزعهم من السلطة، فحسب، وإنما يثير مخاوف قائمة طويلة من الدول تشمل مصر والسعودية وصولاً إلى واشنطن، من إمكانية عودة نظام البشير الذي احتضن في وقتٍ سابق قادة التنظيمات الإرهابية بمن فيهم زعيم القاعدة أسامة بن لادن.

ويرى الزين، أن تسريح المقاتلين الإسلاميين، وضمان تفكيك ميليشياتهم سيكونان هدفاً لكثيرين على أي طاولة مفاوضات مزمع عقدها.

بدوره، يسخر القيادي الإسلامي، سامي الصول، من قوى اليسار التي ترفع فزاعة الإسلاميين، حتى وإن كانت عناصرهم تدافع عن بيوت وأعراض السودانيين. ولفت إلى أن الإسلاميين وفي إطار تقييم تجربة حكم البشير عكفوا على مراجعات عميقة ولا ينوون العودة إلى الحكم سوى عبر صندوق الانتخابات، حتى وإن تواصلت عمليات استهدافهم وتجريمهم.

أما العقيد محمد أبو نورة، فيؤكد على مهنية القوات المسلحة التي ترغب في الانسحاب من المشهد السياسي، بعد الحصول على ضمانات حول أمن السودانيين وأمانهم، أما أمر المفاوضات فهو شأن سياسي بحت، حسب قوله.

في ظل استمرار العملية القتالية التي أودت بالآلاف وشردت ما يزيد عن 5 ملايين سوداني، يواصل قادة كتيبة البراء بن مالك، ظهورهم المصحوب بتأكيدات على زهدهم في السلطة، ولكن من يقنع السودانيين بأننا لسنا في طريق الجحيم المبرر لصناعة الميليشيات وإن لأهداف قد تبدو أحياناً نبيلةً؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image