في 23 أيلول/ سبتمبر 2024، شهد لبنان تصعيداً عسكرياً عنيفاً إثر هجمات مكثّفة من قبل الجيش الإسرائيلي، ما دفع وسائل الإعلام اللبنانية إلى استنفار فرقها الصحافية لتغطية الأحداث ونقل الحقيقية من المناطق الأكثر تضرّراً، خصوصاً في الجنوب.

ووفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، نفّذت إسرائيل، في اليوم الأول، أكثر من ألف غارة جوية على مختلف أنحاء البلاد، ما أدّى إلى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، فيما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، أنّ عدد الضحايا قد بلغ 3،768 قتيلاً، و15،699 جريحاً، منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
إلى الخسائر البشرية، تسبّب النزاع في موجات نزوح داخلي كبيرة، خاصّةً من المناطق الجنوبية والبقاع، وحتّى من بعض أحياء بيروت التي تعرّضت لقصف شديد وتهديدات متواصلة.
فما هي التحدّيات التي يواجهها الصحافيون في المناطق الخطرة خلال الحرب، من خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان كنموذج؟ وكيف تعاملوا مع هذه التحدّيات؟
خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، كان الصحافيون والصحافيات في لبنان، أمام تحدٍّ مزدوج بين أداء واجبهم/ نّ المهني في نقل الحقائق، وإدراكهم/ نّ المخاطر التي تهدّد حيواتهم/ نّ، إذ لم تكن التغطية الصحافية مجرد مهمّة إعلاميّة، بل كانت اختباراً حقيقياً للصمود في مواجهة الخوف والموت
بين الواجب المهني والمخاطر القاتلة
في هذه الظروف، كان الصحافيون والصحافيات في لبنان، أمام تحدٍّ مزدوج بين أداء واجبهم/ نّ المهني في نقل الحقائق، وإدراكهم/ نّ المخاطر التي تهدّد حيواتهم/ نّ، إذ لم تكن التغطية الصحافية مجرد مهمّة إعلاميّة، بل كانت اختباراً حقيقياً للصمود في مواجهة الخوف والموت، خاصّةً أن إسرائيل استهدفت الصحافيين بشكل مباشر في انتهاك واضح للقوانين الدولية. ففي 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، استهدفت غارة إسرائيلية فريقاً صحافياً، ما أدّى إلى استشهاد مصوّر وكالة "رويترز" عصام عبد الله (37 عاماً)، فيما أُصيبت مصوّرة وكالة "فرانس برس" كريستينا عاصي (28 عاماً)، بجروح خطيرة، الأمر الذي أثار استنكاراً واسعاً لدى منظّمات حقوق الإنسان.
وفي مجموع الاستهدافات للصحافيين طوال الحرب الإسرائيلية على لبنان، استُهدف 25 شخصاً من الجسم الصحافي، ينقسمون إلى 13 صحافياً و12 مصوّراً، وتتراوح هذه الحالات بين 9 حالات قتل و16 إصابةً، بحسب ما أفادت به مؤسسة سمير قصير.
صحافيون/ ات في مواجهة الحرب
مع استهداف إسرائيل الصحافيين بشكل مباشر ومتكرّر، سادت حالة من الخوف تركت أثراً نفسياً متراكماً لدى الصحافيين في لبنان، مع الإصرار في المقابل على أداء الواجب المهني ونقل الرسالة من الخطوط الأمامية.
وكان لاستشهاد عصام عبد الله أثر عميق على زميلته مروى بلّوط، التي تروي لنا كيف وجدت نفسها وسط معركة نفسيّة بين الحزن والخوف، والإصرار على مواصلة رسالتها المهنيّة.
تضيف مروى: "لم أكن أعمل ضمن مؤسسة إعلاميّة رسميّة، بل اخترت الصحافة الحرّة عبر تعاوني مع 'المفكّرة القانونية'، ما منحني حرّية الحركة والتعبير، لكن حرمني من أي غطاء أمني أو دعم مؤسّسي في ظل اشتداد القصف".
في أثناء تغطيتها قصص النازحين وأهالي المفقودين، واجهت مروى، مشاهد تفوق قدرة الإنسان على التحمّل، حسب ما تقول، لكنها قرّرت أن تجعل من قلمها وسيلةً لمناصرة الضحايا وإيصال أصواتهم. تقول: "كنت أسمح لنفسي في لحظات قصيرة بالانهيار في سيارتي بعيداً عن الأعين، قبل أن أعود إلى الميدان بوجه جامد وإصرار لا يلين".
برغم توقّف الحرب، واصلت مروى، متابعة الملفات العالقة، خصوصاً قضايا المفقودين والعائلات المشرّدة، راويةً: "لم يكن لدي متّسع من الوقت للحزن، فالصحافة ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية تجاه الحقيقة والعدالة".
من جهته، يروي الصحافي إدموند ساسين، التحدّيات التي واجهها خلال تغطيته الحرب، حيث اضطر إلى التنقّل بين مهمّة نقل الأخبار بسرعة والحفاظ على سلامته الجسدية وسلامة فريقه. "لم يكن الخوف خياراً، لكنّني كنت في حالة تأهّب دائم، مدركاً أن الصحافيين لم يكونوا مجرد مراقبين، بل هدفاً أيضاً. اللحظة الأصعب لم تكن القصف أو الدمار، بل خبر استشهاد زميلي عصام عبد الله، الذي كان بمثابة رسالة واضحة بأن إسرائيل لا تميز بين الصحافيين والمدنيين"، يقول.
غياب الدعم النفسي مع مبادرات خجولة
وتعاني المؤسّسات الإعلاميّة في لبنان، من غياب الدعم النفسي لصحافيّيها، برغم تعرّضهم المستمر للصدمات. ويؤكد ساسين، أنّ المؤسسات الإعلاميّة المحلية لا توفّر برامج لدعم الصحافيين نفسياً، مشدّداً على أهمية التعاون مع منظّمات متخصّصة لتوفير هذا الدعم، خاصّةً للصحافيين الميدانيين الذين يواجهون أعباء نفسيّةً هائلة.
في هذا السياق، كان لمنظّمة "مراسلون بلا حدود"، دور مهم في تقديم إرشادات للصحافيين العاملين في مناطق النزاع، مؤكدةً أنّ الدعم النفسي يجب أن يكون جزءاً أساسيّاً من تدابير السلامة الشاملة.
وسط هذا الفراغ، برزت جهود بعض المنظّمات لدعم الصحافيين، مثل "مؤسسة سمير قصير" التي قدّمت مساعدات عدّة منها جلسات دعم نفسي، بالإضافة إلى تدريبات متخصّصة في تغطية النزاعات، استفاد منها 129 صحافياً/ ةً، وقد نبّهت المؤسسة إلى أهمية أن تُعطي المؤسّسات الإعلاميّة اهتماماً للصحافيين لناحية أطر ووسائل الحماية، بالإضافة إلى ضرورة تقديم الدعم النفسي لهم.
"الضغط النفسي الذي يتعرّض له الصحافيون لا يقلّ خطورةً عن المخاطر الجسديّة، حيث يعاني بعضهم من انهيارات نفسيّة نتيجة مشاهدة القصف والمجازر... العلاج النفسي ليس رفاهيةً، بل ضرورة لضمان قدرة الصحافيين على مواصلة عملهم دون أن تؤثر الصدمات على أدائهم المهني وحياتهم الشخصية"
كما قدّمت مؤسسة "مهارات"، دعماً مادياً لمجموعة من الصحافيين الذين تضرّروا خلال الحرب، بالإضافة إلى جلسات دعم نفسي لعشرات الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، بعد فترة طويلة من الأوقات الصعبة التي تعرّضوا لها في ظل الحرب، بالتعاون مع مركز بيروت لحرّية الصحافة، التابع لمنظّمة "مراسلون بلا حدود"، ومركز "إدراك".
بدورها، عمل "تجمّع نقابة الصحافة البديلة" على تقديم دعم نفسي مجاني للصحافيين، حيث نظّم شراكات مع منظّمات مثل "CPRM"، التي أمّنت جلسات دعم لنحو 25 صحافياً وصحافيةً، وساهم في إنشاء شبكة حماية مهنيّة ونفسيّة. كما أطلق حملات توعية عبر مقاطع مصوّرة حول أهمية الدعم النفسي في الحفاظ على توازن الصحافيين المهني واستمراريتهم.
الصحافيون في قلب المعركة النفسيّة
وترى المديرة التنفيذية لمركز "CPRM"، ريمي الزير، أنّ الصحافيين، برغم أنهم ليسوا مقاتلين، إلا أنهم "في قلب الجبهة"، ما يجعلهم بحاجة ماسّة إلى الدعم النفسي المستمر. وتضيف أنّ "المركز بدأ بتقديم جلسات مجانية، لكن الحاجة ازدادت مع تصاعد الصراع، ما دفع إلى توسيع الشراكة مع "تجمّع نقابة الصحافة البديلة" لضمان استمرارية هذا الدعم.
وتشير الزير، إلى أنّ "الضغط النفسي الذي يتعرّض له الصحافيون لا يقلّ خطورةً عن المخاطر الجسديّة، حيث يعاني بعضهم من انهيارات نفسيّة نتيجة مشاهدة القصف والمجازر"، مؤكدةً: "العلاج النفسي ليس رفاهيةً، بل ضرورة لضمان قدرة الصحافيين على مواصلة عملهم دون أن تؤثر الصدمات على أدائهم المهني وحياتهم الشخصية".
ولم يقتصر الأمر على العنف الذي يواجهه الصحافيون في أثناء التغطية على الأرض، بل أثّر العنف الإلكتروني أيضاً على صحتهم النفسيّة خلال العمل، إذ أشار استبيان رأي أجرته مؤسّسة "مهارات"، على عيّنة من 21 صحافيةً، أنّ 24% من الصحافيات حدّ العنف من قدرتهنّ على نقل المعلومات بحرّية.
وقد أتى هذا الاستبيان ضمن تقرير حول السياسات العامة الداعمة لحق النساء في الحماية من العنف الإلكتروني، والذي يظهر أنّ %72 من المشاركات تعرّضن للعنف الإلكتروني، ما يكشف عن مدى انتشار الظاهرة وتأثيرها الكبير على المراسلات.
وقد خلص التقرير إلى مجموعة من التوصيّات بهدف تعزيز آليات الحماية من العنف الإلكتروني على المنصّات الرقمية.
مسؤولية المؤسسات الإعلامية والجهات الحكومية
يؤكد الخبراء أنّ الصحافة الحرّة المستقلّة تحتاج إلى صحافيين يتمتّعون بصحة نفسيّة جيدة ليتمكّنوا من أداء عملهم بموضوعية وكفاءة. ومع ذلك، لا تزال المؤسّسات الإعلاميّة مقصرةً في هذا الجانب، حيث يُترك الصحافيون ليواجهوا وحدهم تداعيات تغطية النزاعات دون أي دعم يساعدهم على تجاوز الصدمات.
برغم بعض الجهود المحدودة التي بذلتها منظّمات حقوقيّة ونقابيّة، لا يزال غياب الدعم النفسي يُشكّل فجوةً خطيرةً في البيئة الإعلاميّة اللبنانية
ويقول وزير الإعلام اللبناني الدكتور بول مرقص، في حديث إلى رصيف22: "تحرص الحكومة على إدراج موضوع الحرّيات العامّة، بما في ذلك الحرّيات الإعلاميّة، ضمن صلب بيانها الوزاري، وهذه إشارة واضحة إلى أنّ الحكومة تولي اهتماماً خاصّاً بهذا الموضوع. من جهة أخرى، لا يمكن الدخول في تفاصيل دقيقة ضمن البيان الوزاري إذ إنّ البيان يُعدّ خطّاً بيانياً عامّاً للحكومة، التي من واجبها بحث التفاصيل في جلسات لاحقة تتناول كلّ ملف على حدة".
ويضيف مرقص، أنّ "حماية الصحافيين في أثناء النزاعات المسلّحة أمر منصوص عليه في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وبروتوكولاتها لعام 1977، وجميعها تلتزم بها الحكومة اللبنانية وتسعى إلى تكريسها في جميع المجالات. لذا، فإنّ حماية الصحافيين لا تقتصر على فترة النزاعات فحسب، بل تمتد لتشمل الأوقات كافة حيث إنّ الصحافيين هم فئة عالية المخاطر بطبيعتها، ما يستدعي توفير حماية دائمة لهم".
كما أنّ وزارة الإعلام تتابع اليوم مشروع قانون الإعلام الجديد المقدّم إلى مجلس النواب، مؤكدةً على الثوابت التي تم التطرّق إليها، ومنها تحديداً المساعدة في حماية الصحافيين حيث جرى التأكيد على أهمية الحرّيات الإعلاميّة، ويُعدّ موضوع حماية الصحافيين جزءاً أساسيّاً من هذه الحريات، وفق ما يُصرّح به الوزير مرقص.
و"تُظهر شهادات الصحافيين الذين غطّوا الحرب على لبنان حجم التحدّيات الجسيمة التي يواجهونها، ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضاً على الصعيد النفسي. فالصحافيون/ ات الذين وجدوا أنفسهم/ نّ في قلب المعركة، كانوا عرضةً لصدمات نفسيّة لا تقل خطورةً عن المخاطر الجسديّة، بينما استمرت المؤسّسات الإعلاميّة في إهمال هذا الجانب الحيوي"، يتابع.
وبرغم بعض الجهود المحدودة التي بذلتها منظّمات حقوقيّة ونقابيّة، لا يزال غياب الدعم النفسي يُشكّل فجوةً خطيرةً في البيئة الإعلاميّة اللبنانية. ومع تصاعد التهديدات ضدّ الصحافيين في مناطق النزاع، يصبح توفير هذا الدعم ضرورةً ملحّة لضمان قدرتهم على مواصلة عملهم دون أن تؤثّر الصدمات المتراكمة على أدائهم المهني وحياتهم الشخصية.
*أُنتِج هذا المقال بدعم من الاتحاد الأوروبي ضمن زمالة تأثير النزاعات والحروب على تغطية الصحافة والإعلام، وهذا المحتوى لا يعكس بالضرورة وجهة نظر الاتحاد الأوروبي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Hossam Sami -
منذ 3 ساعاتالدراما المصرية فـ السبعينات الثمانينات و التسعينات كانت كارثة بمعنى الكلمة، النسبة الأغلبية...
diala alghadhban -
منذ يومينو انتي احلى سمرة
حاولت صور مثلك بس كان هدفي مو توثيق الاشياء يمكن كان هدفي كون جزء من حدث .....
ssznotes -
منذ 3 أيامشكرًا لمشاركتك هذا المحتوى القيم. Sarfegp هو منصة رائعة للحصول...
saeed nahhas -
منذ 3 أيامجميل وعميق
Mohamed Adel -
منذ أسبوعلدي ملاحظة في الدراما الحالية انها لا تعبر عن المستوى الاقتصادي للغالبية العظمى من المصريين وهي...
sergio sergio -
منذ أسبوعاذا كان امراءه قوية اكثر من رجل لكان للواقع رأي آخر