شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في لبنان… كيف نحارب السرديّة الإسرائيلية إذا هدّدنا الإعلام وحاربناه؟

في لبنان… كيف نحارب السرديّة الإسرائيلية إذا هدّدنا الإعلام وحاربناه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الخميس 17 أكتوبر 202412:23 م

أن تكون صحافياً اليوم في لبنان، هو أن تكون هدفاً محتملاً لاعتداء إسرائيلي قد تكون حياتك ثمناً له، أو ضحيةً لتضييق واعتداء ومنع يومي من السلطات وقوى الأمر الواقع و"غضب أهالي المنطقة"، إذ يعود إليهم، في ظل غياب تام وعجز كبير لقوى الأمن الشرعية، قرار السماح لك أو منعك من ممارسة مهمتك في "نقل الخبر والصورة".

في الحرب على لبنان، يرتكب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب في حق الصحافيين والمسعفين والمدنيين والطواقم الطبية من دون أي رادع أو محاسبة. بالأمس، في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، استذكرنا استشهاد زميلنا وصديقنا المصوّر الصحافي عصام عبد الله، الذي برغم مرور سنة على اغتياله وصدور ستة تحقيقات وتقارير من منظمات حقوقية وإعلامية وأممية تؤكد أن إسرائيل قتلته واستهدفته مع مجموعة من الصحافيين، لا يزال تحقيق العدالة والمحاسبة بعيداً.

إسرائيل، كيان متفلّت من العقاب بحماية دولية. لكن تهديد سلامة الصحافيين والفرق الإعلامية اليوم، لا يأتي فقط من خطر الاستهداف الإسرائيلي، بل من الاعتداءات المتكررة وشبه اليومية على الفرق الإعلامية على الأرض، وسط تصاعد في الخطاب التخويني والتحريضي المتبادل عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

في الساحة الإعلامية اليوم، هناك سرديتان ولا مكان لثالثة بينهما؛ إن كنت تؤيد "المقاومة"، فأنت مع "محور الممانعة" الممتد من إيران إلى اليمن مروراً بسوريا ولبنان، وتالياً أنت محسوب على المحور الإيراني ولا مكان لك بين من يُسمّون أنفسهم بـ"السياديين". وإن كنت ضد حزب الله وسلاحه، فأنت "عميل" تسوّق للسردية الإسرائيلية. هنا لا مكان لسردية تدافع عن سيادة الدولة ومؤسساتها وعن القانون الدولي وحق الشعوب في المقاومة وتقرير مصيرها، وعن العدالة والمحاسبة. هنا لا مكان لسردية ثالثة. هنا إن كنت صحافياً، تقوم بعملك، ستتعرض بشكل دوري لفحص دمٍ لتأكيد انتمائك الوطني بناءً على إحدى السرديتين.

حملات التخوين والتحريض المتبادلة هذه، ومحاولات فرض السرديات الأحادية، وضعت الفرق الإعلامية على الأرض في مواجهة شارع غاضب؛ أنت إعلامي، إذاً أنت عميل حتى يثبت العكس. وهكذا أصبح كل حامل كاميرا أو ميكروفون هدفاً.

أن تكون صحافياً اليوم في لبنان، هو أن تكون هدفاً محتملاً لاعتداء إسرائيلي قد تكون حياتك ثمناً له، أو ضحيةً لتضييق واعتداء ومنع يومي من السلطات وقوى الأمر الواقع و"غضب أهالي المنطقة"

ومع الضغط السكاني الذي تسببت فيه أزمة نزوح أكثر من مليون شخص في لبنان، ومع ضعف مؤسسات الدولة المتآكلة بفعل الأزمات المتلاحقة، بدأ انتشار نوع من الإدارة الذاتية في شوارع العاصمة وبعض المناطق. فأصبح على الإعلاميين التعامل مع "زعماء" الطرقات والأزقّة. ففي كل مركز نزوح وكل شارع وكل حيّ، هناك من يعطي لنفسه سلطة المنع أو منح الإذن للفرق الإعلامية بالتصوير أو التغطية، وسلطة الضرب وحتى الخطف.

لا يمرّ يوم إلا وتُسجّل فيه حالات اعتداء على الصحافيين. تتعدد أنواع هذه الاعتداءات وأشكالها، من تحديد إطار المقابلات إلى المنع من التصوير، وحملات التخوين الإلكترونية، والاعتداء بالضرب، والتهديد بالسلاح، والخطف، والتوقيف... وحتى إطلاق النار، كما حصل مع الفريق الإعلامي البلجيكي في منطقة الباشورة إثر استهداف مركز للهيئة الصحية ليل 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2024. وتلت ذلك أحداث متفرقة مثل توقيف المصوّر بيار مزنر، إثر استهداف منطقة النويري ليل 11 تشرين الأول/ أكتوبر، ليلةً كاملةً قبل تسليمه صباحاً لمخابرات الجيش اللبناني. وذلك بالتزامن مع انتشار منشورات إلكترونية تخوّن مراسلي مؤسسات إعلامية عربية وعالمية.

ولزيادة الطين بلّة، رافقت قبل أيام فرق تابعة لمؤسسة إعلامية عالمية الجيش الإسرائيلي خلال محاولاته احتلال أراضٍ لبنانية وقرى جنوبية. لم يقتصر فعل المؤسسات الإعلامية هذه على إضفاء نوع من الشرعية على ممارسات الجيش الإسرائيلي في خرقه للقانون الدولي، وانتهاكه للسيادة اللبنانية، وعلى خرق الميثاق العالمي لأخلاقيات الاتحاد الدولي للصحافيين الذي يحثّ على استخدام الأساليب العادلة فقط للحصول على المعلومات، بل هدد سلامة ممثّليها وفرقها العاملة في بيروت.

وقد تجلّى ذلك في إصدار العلاقات الإعلامية في حزب الله، وعدد من الأحزاب والجهات السياسية، بيانات تعمّم مسؤولية هذه المؤسسات الإعلامية على فرقها العاملة في لبنان، مع دعوات لمقاطعتها. وقد بدأت هذه الدعوات تُترجَم بمنع بعض الفرق من التصوير على الأرض دون أي قرار رسمي بذلك. إذ إن وزارة الإعلام اللبنانية وجّهت كتاباً إلى هذه المؤسسات طالبةً منها احترام القوانين اللبنانية والدولية، وعدم المشاركة في تغطية خرق جيش الاحتلال الإسرائيلي للسيادة اللبنانية، مع تأكيدها على عدم الانتقاص من حرية العمل الإعلامي.

في الساحة الإعلامية اليوم، هناك سرديتان ولا مكان لثالثة بينهما؛ إن كنت تؤيد "المقاومة"، فأنت مع "محور الممانعة" الممتد من إيران إلى اليمن مروراً بسوريا ولبنان، وتالياً أنت محسوب على المحور الإيراني ولا مكان لك بين من يُسمّون أنفسهم بـ"السياديين". وإن كنت ضد حزب الله وسلاحه، فأنت "عميل" تسوّق للسردية الإسرائيلية

هذه الممارسات التي تضيّق على حرية العمل الإعلامي، إن دلّت على شيء فهي تدلّ على جهل بأهمية دور الإعلام في كسر السردية الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي. وكأن أحداً لم يتعلم شيئاً من درس غزّة، حيث يصفّي الجيش الإسرائيلي الإعلاميين الفلسطينيين بطريقة ممنهجة ويمنع الإعلاميين الأجانب من الدخول بحرية إلى القطاع المحاصر، فيما تبدو "حماس" ممسكةً باللعبة الإعلامية أكثر، مع تعاطٍ ذكيّ مع كل الفرق الإعلامية واستخدامها للتأثير في الرأي العالم العالمي، من دون تضييق كبير أو أحادي كما يحصل في لبنان اليوم.

لم يتعلم البعض في لبنان، أن للإعلام دوراً أساسياً في كشف جرائم الحرب الإسرائيلية وتوثيقها تمهيداً لاستخدامها في أي محاسبة لاحقة. لم يتعلم البعض أنّ الإعلام الحرّ وحرية الإعلاميين في الوصول إلى الخبر هما نصيرا الشعوب وحقوقها، وأن أي تضييق على الإعلام لن يكون في صالح من يحاول التحكم بالسردية.

أمام هذا الواقع الذي يشبه إلى حد بعيد ما اختبره الإعلاميون في أواخر الحرب الأهلية اللبنانية، حيث كانت تسيطر عناصر وفتية الميليشيات والعصابات على الأرض، لا بد من استفاقة للدولة بما تمثّل من شرعية لحماية الحقوق والحريات الإعلامية، خدمةً للسردية اللبنانية في مواجهة سرديات التخوين والتحريض المتبادل في الداخل، وسردية الاحتلال الإسرائيلي في الخارج.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image