شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
حماية الصحافة ومصادرها في لبنان… تحديات يفرضها الفساد

حماية الصحافة ومصادرها في لبنان… تحديات يفرضها الفساد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الجمعة 17 مايو 202410:27 ص

في ظلّ تراجع مرتبة لبنان في مؤشرات الفساد، يكتسب دور وسائل الإعلام والصحافة الاستقصائية أهميةً بالغةً في كشف القضايا بدقة وتقديم صورة موضوعية تعكس الواقع، مما يساهم في تشكيل رأي عام قادر على المساءلة والمحاسبة. ومن المهم أن نلاحظ أن نجاح الصحافة، خاصةً الاستقصائية، يعتمد على البيئة السياسية والإعلامية والقانونية في لبنان، التي تتطلب ضمان حماية للصحافيين/ ات ومصادرهم/ ن من التعرض للخطر. فعلى الرغم من إقرار قانون الحق في الوصول إلى المعلومات كخطوة إيجابية نحو تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، إلا أن الصحافة تواجه صعوبات في استفادتها من هذا القانون، نظراً إلى تقاعس هيئة مكافحة الفساد عن أداء دورها بشكل كافٍ.

في دراسة ميدانية أعدّتها الدكتورة وفاء أبو شقرا، ونُشرت في كتابها "عندما تتكلم المصادر"، تم استطلاع آراء 24 صحافياً/ ةً لبنانياً/ ةً يعملون/ ن في وسائل إعلامية متنوعة، وكشفت الدراسة أن 12.5% من المشاركين/ ات يرون/ ين أن الخطر المترتب على استخدام المصادر المجهولة، يكمن في حال كُشفت طبيعة المصدر من خلال المعلومة المنشورة. ويشير بعض الصحافيين/ ات في استنتاجاتهم/ ن إلى ضرورة تأمين الحماية للمصادر كما لأنفسهم/ ن، في ظل عدم وجود تشريعات واضحة تضمن حرية الصحافيين/ ات في الوصول إلى المعلومات، وتقدّم حمايةً للمصادر التي تكشف قضايا الفساد.

وتشير أبو شقرا، في دراسة أخرى أعدّتها مع مؤسسة مهارات بعنوان "حماية الصحافيين ومصادرهم: مقاربة لانتهاكات حريّة الإعلام في لبنان"، إلى أهمية حماية الصحافي/ ة لمصادره/ ا وتغطيتها بنوع من السرّية اللازمة. هذه الحماية، المعروفة باسم "مبدأ سرّية المصادر"، تعني ببساطة حماية حق التعبير للشخص الذي قدّم معلومات للصحافي/ ة، مقابل عدم الكشف عن هويته. ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها الخطر المحتمل الذي قد يتعرض له المصدر بسبب حساسية المعلومات التي قدّمها وخطورتها، مؤكدةً أنه ليس هناك مبرر للصحافي/ ة للكشف عن هوية مصدره، ولا يمكن للسلطات، بما في ذلك المحاكم، أن تجبر الصحافي/ ة على الكشف عن هوية مصدر معلوماته/ ا.

بينما تسعى السلطة الحاكمة في لبنان إلى فرض سيطرتها على حرية الصحافة وفق أجندتها، يبقى مبدأ سرّية المصادر أساسياً، خاصةً في مجال الصحافة الاستقصائية. فهو يحمي الأفراد الذين يقدّمون/ ن المعلومات للصحافيين/ ات، ويحمي هويتهم/ ن، ويمنع تعرضهم/ ن للانتقام بسبب المعلومات التي قدّموها

في هذا السياق، يشير الصحافي بسام العنداري، إلى أنه في حالات نادرة ومعينة قد يضطر الصحافي/ ة إلى الكشف عن مصادره/ ا، "إما طوعاً إذا كان التستر أكثر خطورةً من كشفها أو قسراً تحت التعذيب"، مؤكداً أنه لم يواجه هذه التجارب، ولكنه سمع عنها. من جهته، يرى الصحافي طانيوس دعيبس، أنه يجب أن يكون عدم كشف المصادر محمياً بواسطة القانون، ولكن الواقع القائم في لبنان يسمح بالفوضى، على الرغم من عدم كشفه يوماً عن مصادر معلوماته، إلا أنه يعرف الكثير من الزملاء الذين يتباهون أحياناً "بعدم الالتزام بهذا الشرط المهني الأول". أما الصحافية مريم القرعوني، فتؤكد على أنها بالرغم من تعرضها لضغوط وتهديدات في أثناء تغطيتها للحرب في العراق، إلا أنها كانت مصممةً على حماية مصادرها. ومن ناحيتها، تشدد الصحافية مريم البسام، على أنه إذا تعهد الصحافي بأن يبقي مصادره سرّيةً، "فعليه الالتزام بوعده".

المصادر الصحافية على طاولة بحث قانون الإعلام

يرى نائب نقيب محرري الصحافة والمشارك في اللجنة الفرعيّة، صلاح تقي الدين، أن المشروع الحالي الذي تتم مناقشته يحتوي على عناصر أساسية مهمة، بحيث يشدد على أهمية حماية المصدر الصحافي والصحافي/ ة، من أي تدابير قد تُتّخذ ضده/ ا بسبب النشر. كما يؤكد على "عدم جواز التوقيف الاحتياطي أو السجن، مع التركيز على فرض الغرامة فقط". ويلاحظ تقي الدين التوافق شبه الكامل على هذا الأمر داخل اللجنة الفرعية بين وزارة الإعلام ولجنة الإدارة والعدل، ونقابة المحررين.

خلاصات حول حماية الصحافة في لبنان ومصادرها

وحول تضمين الصحافيين/ ات المستقلين/ ات في القانون، يؤكد تقي الدين أن هذا الموضوع تجري مناقشته، خاصةً مع تطور وسائل الإعلام التي تفرض ضرورة توسيع نطاق الصحافة، وعليه "تجري المناقشات للوصول إلى حلول قانونية لتضمين هذا الوضع في القانون الجديد".

بدورها، ترى منسقة تجمّع نقابة الصحافة البديلة، إلسي مفرّج، أن موضوع حماية مصادر الصحافة يُعد أمراً أساسياً في بلد مثل لبنان، يعاني من انتشار واسع للفساد، بحيث يعزّز دور الصحافة الاستقصائية ويتيح لها الكشف عن هذه الملفات، مشيرةً إلى وجود نقص في تعزيز حماية مصادر الصحافة في القوانين الحالية: "يوجد قانون حماية كاشفي الفساد، ولكن موضوع حماية مصادر الصحافة ليس معزّزاً بشكل كافٍ".

وتؤكّد مفرّج، على أن عدم وجود قوانين صارمة يمكن أن يثير قلق المصادر في تقديم المعلومات خوفاً من العواقب، "بحيث قد يتم إلزام الصحافي/ ة، في أثناء التحقيقات القضائية، بالكشف عن مصادره/ ا بدلاً من التحقيق في المعلومات التي قدّمها المصدر".

في هذا السياق، تؤكد مفرّج على ضرورة وأهمية أن تضمن القوانين الجديدة متابعة القضاء المختص قضايا الإعلام وليس القضاء الجزائي، "بحيث أن القضاء المختص مؤهل لفهم حماية المصادر الصحافية ولا يقوم بالضغط على الصحافي/ ة للكشف عن مصادره/ ا".

الحماية القانونيّة... حجر أساس لتمكين الصحافة

بينما تسعى السلطة الحاكمة إلى فرض سيطرتها على حرية الصحافة وفق أجندتها، يبقى مبدأ سرّية المصادر أساسياً، خاصةً في مجال الصحافة الاستقصائية. فهو يحمي الأفراد الذين يقدّمون/ ن المعلومات للصحافيين/ ات، ويحمي هويتهم/ ن، ويمنع تعرضهم/ ن للانتقام بسبب المعلومات التي قدّموها. وينبغي التأكيد على أنه لا يحق للسلطات، بما في ذلك المحاكم، فرض كشف هوية المصدر على الصحافيين/ ات. لذا، يتعين على القانون والمؤسسات الإعلامية والنقابات الدفاع عن حماية مصادر المعلومات كضمانة أساسية للوصول إلى الحقيقة، وبناء دولة ديمقراطية شفافة وعادلة.

وترى منسقة التحرير في منصة "شريكة ولكن"، الصحافية مريم ياغي، أن القوانين الحالية غير كافية لحماية الصحافيين/ ات، خصوصاً مع ظهور حالات مثل ملاحقة الصحافيين/ ات أمام مكتب الجرائم المعلوماتية، بدلاً من محكمة المطبوعات، وهو ما يُعدّ محاولةً لتقييد حرية الصحافة والوصول إلى المعلومة، مؤكّدةً على أن "القوانين الجديدة يجب أن تكون دقيقةً، وتأخذ في الحسبان التهديدات كافة التي قد يواجهها الصحافيون/ ات". وفي هذا السياق، تشدد ياغي على أن "الحماية التي نتحدث عنها يجب أن تكون متكاملةً وشاملةً لجميع هذه الجوانب، خاصةً في ظلّ منظومة أبويّة لها تأثيراتها في كل المؤسسات المهنية بمختلف تخصصاتها ومن ضمنها المؤسسات الإعلامية التي تؤثر بشكل مباشر على أمن وسلامة الصحافيات، والتي قد تؤدي إلى منعهن من الوصول إلى المناصب المناسبة أو تعريضهن للعنف الجنسي أو الابتزاز داخل المؤسسات الإعلامية، وتؤدي إلى إبعادهن عن هذه المساحات. وتختم حديثها بالتأكيد على أهمية أن تكون عملية صياغة القوانين مستندةً إلى الوقائع والاحتياجات الحقيقية للصحافيين والصحافيات، بمن في ذلك العاملين/ ات كمستقلين/ات (Freelancers)، ضمن أطر قانونية واضحة لضمان الحماية الشاملة.

ترى منسقة تجمّع نقابة الصحافة البديلة، إلسي مفرّج، أن موضوع حماية مصادر الصحافة يُعد أمراً أساسياً في بلد مثل لبنان، يعاني من انتشار واسع للفساد، بحيث يعزّز دور الصحافة الاستقصائية ويتيح لها الكشف عن هذه الملفات، مشيرةً إلى وجود نقص في تعزيز حماية مصادر الصحافة في القوانين الحالية

بدورها تُشدّد الصحافية الاستقصائية ليال بو موسى، على ضرورة توفير إطار قانوني واضح ينظم عمل الصحافة، "خاصةً في المجال الاستقصائي"، وقد أصبح مقبولاً ومفهوماً بشكل أفضل لدى الناس اليوم. وتشير بو موسى إلى وجود تحديات قانونية تواجههم/ ن، "حيث تفتقر القوانين إلى الوضوح في التعامل مع الصحافة الاستقصائية واستخدام التقنيات المتقدمة مثل الكاميرا الخفية والتسجيلات الصوتية"، مؤكّدةً على ضرورة وضع قوانين دقيقة تتماشى مع التطورات الحديثة وتوفير الحماية القانونية اللازمة، لأن الصحافة الاستقصائية تلعب دوراً مهماً في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتعتمد على مصادر متعددة وتتطلب سرّيةً في التعامل مع القضايا الحساسة. "حتى الآن، لم يتم وضع إطار قانوني واضح يحدد حدود العمل الصحافي الاستقصائي وكيفية التعامل معه من الناحية القانونية، مما يجعل الصحافيين/ ات يعتمدون/ ن على استنتاجات القضاة واجتهاداتهم/ ن بدلاً من وجود إطار قانوني واضح ومحدّد"، تضيف وتختم بالتشديد على أنه إذا كان الهدف "بناء مستقبل أفضل للبلد، فإنه يجب أولاً بناء أساس قانوني قوي وغير عشوائي يحقق العدالة".

توصيات حول حماية الصحافة في لبنان ومصادرها

المعايير الدولية والواقع اللبناني

حماية المصادر الصحافية هو حق مضمون في القانون الدولي وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تؤكد على أن لكل إنسان حقّاً في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقّيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها. وانطلاقاً من هذه المواد، أكدت مواثيق عدة على حماية الصحافيين/ ات، ومن بينها إعلان جوهانسبورغ للأمن القومي وحرية الوصول إلى المعلومات لسنة 2002، الذي أكد على حق الصحافيين/ ات في الحماية من العنف والتهديد والاعتداءات، وحقهم/ نّ في الحصول على المعلومات اللازمة لأداء دورهم/ ن بشكل فعّال.

"تفتقر القوانين إلى الوضوح في التعامل مع الصحافة الاستقصائية واستخدام التقنيات المتقدمة مثل الكاميرا الخفية والتسجيلات الصوتية".

من ناحية أخرى، شددت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على "عدم أحقية الشرطة في تفتيش مباني وسائل الإعلام أو الاستيلاء على المادة الصحافية، والحفاظ على حقوق الصحافيين/ ات في حماية مصادرهم/ ن". وفي السياق الإقليمي، تضمّن الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 2004، حق الصحافيين/ ات في الوصول إلى المصادر الإعلامية، وحقهم/ ن في نشر الأخبار والمعلومات دون تدخل قانوني غير مبرر.

هذا في العالم، أمّا في لبنان، فلا توجد حماية فعالة لمصادر الصحافيين/ ات، ولا تحتوي القوانين على أي بند يخص حماية سرّية المصادر الصحافية بشكل واضح. هذا الفراغ القانوني يُجبر في بعض الأحيان الصحافيين/ ات على الكشف عن مصادر معلوماتهم/ نّ لحماية أنفسهم/ نّ. فقطاع الإعلام اللبناني يعاني من نقص حاد في التشريعات العادلة التي تنظم مهنة الصحافة والإعلام، سواء من حيث النصوص أو التطبيقات العملية. هذه التشريعات يجب أن تكون ملزمةً للسلطات الرسمية لتوفير المعلومات من دون تعسّف للصحافيين/ ات ومنحهم/ ن الحق في نشرها. التشريعات الحالية في لبنان قديمة ومتهالكة، وتشكل واحدةً من أبرز التحديات التي تواجه الإعلام في البلاد. فهي لا تأخذ في الحسبان التطورات الهائلة في مجال الإعلام والاتصالات، ولا تستجيب لتطلعات اللبنانيين/ ات نحو إعلام حديث وشامل يلبّي حاجاتهم/ ن وتطلعاتهم/ ن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image