شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الدوشة" في دراما رمضان المصرية... عنصر جذب في زمن "الريلز" أو فقر فني؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الثلاثاء 18 مارس 202512:51 م

في كل موسم رمضاني، تنتشر الملاحظات والانتقادات والتساؤلات، وتتكرر بخصوص الدراما الرمضانية. وفي رمضان 2025، لم تُكسر هذه القاعدة، حيث إنّ هناك ثلاث ملاحظات تحديداً تردّدت بكثرة وتستحق وقفة تأمّل وأن نُلقي الضوء عليها أملاً في ألا تتكرّر مستقبلاً، أو على أقل تقدير أن ينتبه إليها صنّاع الدراما ويقلّلوا منها.

"الزعيق" المتواصل والانفعالات المبالغ فيها

في أغلب الأعمال المصنّفة إعلامياً تحت بند "مسلسلات شعبية"، نلاحظ الحضور الطاغي للصوت العالي والانفعالات الغاضبة المبالغ فيها من قبل العديد من الممثلين/ ات. هذا العام، شاهدناها بكثرة في مسلسلات مثل "إش إش"، و"فهد البطل"، و"سيد الناس"، وإن كثرت الشكوى منها على نحوٍ خاص في الأخير.


هذا "الزعيق الحواري" في أغلب هذه الأعمال، لم يعد محطةً يتعرّض لها المتفرج من وقت إلى آخر في بعض المشاهد التي تتضمّن صراعات أو "خناقات"، أو مجرّد طابع ثابت لشخصيات محدّدة لدى جميع الممثلين، بل أصبح سمة أداء وتمثيل تسم الكل في العمل الواحد.

في أغلب الأعمال المصنّفة إعلامياً تحت بند "مسلسلات شعبية"، مثل "سيد الناس" و"فهد البطل" و"إش إش"، نلاحظ الحضور الطاغي للصوت العالي والانفعالات المبالغ فيها من قبل العديد من الممثلين/ ات. ما جدوى هذا "الزعيق الحواري"؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، وربما غاب عن أبطال هذه المسلسلات ومخرجيها: إذا كان الصوت العالي استثناءً نستخدمه كبشر في لحظات غضب أو انفعال محدّدة، أو في سياق محدّد مثل إيصال الصوت عبر المسافات، أو صفةً تُلازم وتُميّز بعض الأشخاص لا جميعهم، فما معنى ودلالة الغضب والصوت العالي إذا أصبحا عنصراً شبه ثابت وملازم لجميع الشخصيات طوال الوقت؟

الاستخدام المتواصل والمكثّف للموسيقى التصويرية

الإفراط نفسه أصبح شبه ثابت مع موسيقى تصويرية يندر أن تتوقّف، وتُعامل المتفرّج على أنه كسول وبطيء الفهم، وتصبغ كل مشهد بطريقة ملخصها: دعني أخبرك فوراً وحالاً أنك يجب أن تشعر هنا بالحزن/ التوتر/ التفاؤل/ البهجة/ والضحك… إلخ.

نلاحظ مثلاً في المقطع التالي من مسلسل "إش إش"، طريقة توظيف مقاطع الموسيقى وكثافتها على مدى 6 دقائق متواصلة.

هذه الدرجة من المُصادرة السمعية متوقّعة ومنسجمة مع مسلسلات يغلب عليها طابع الإفلاس والكسل، لكنها تكون أكثر ضرراً في المسلسلات التي تقدّم محتوى جيداً وتتوفّر في مشاهدها قيمة فنية مهمة. مسلسل "ولاد الشمس" مثلاً، عمل جيد مقارنةً بالكثير من أعمال الموسم الدرامي الرمضاني الحالي، على صعيد التمثيل والإخراج، كما أنّ مجموعة التيمات الموسيقية المستخدمة فيه جيدة من حيث التأليف، لكن الإفراط في توظيفها، أضرّ بمفعولها وجعلها عنصر مقاطعة وربما عنصر تشويش للجمهور في مشاهد عديدة. كانت في حاجة إلى توظيف أكثر حساسيةً من ناحية استخدام الموسيقى.

التعابير والتراكيب اللغوية العجيبة

في الكثير من المسلسلات المصرية لهذا الموسم، نجد أنفسنا أمام قصص وأحداث يمتزج فيها الواقع الذي نعرفه، بواقع روائي آخر أسّسته أعمال سابقة على مدار عقود، تتكرّر فيه الكثير من تفاصيل التراث السينمائي والتلفزيوني، بما في ذلك اللغة.

نلاحظ على سبيل المثال في المقطع التالي من مسلسل "فهد البطل"، اللهجة الصعيدية التلفزيونية المستخدمة في أداء الفنان أحمد عبد العزيز. العبارات والمصطلحات ومخارج الحروف لا تطابق لهجة أهل ريف الصعيد فعلياً، لكنها تطابق لهجة ريف الصعيد التي عهدناها على مدار عقود في المسلسلات والأفلام، ما يجعل المتفرّج أمام حوار يفهمه ويتفاعل معه، وإن لم يكن واقعياً.

ويقتبس صنّاع مسلسل "فهد البطل"، عموماً، الكثير من مسلسلات الثأر الشهيرة عن الصعيد فترة تسعينيات القرن العشرين. ويكرّر المخرج محمد سامي، في مسلسل "سيد الناس"، تقديم عوالم أسّسها هو نفسه سابقاً في مسلسلات أشهرها "الأسطورة"، و"البرنس"، و"ولد الغلابة"، و"نسل الأغراب"، و"جعفر العمدة"، عازفاً من جديد على أوتار أبسط النزعات والعواطف البدائية لدى المتفرّج كشهوة الثراء، والجنس، والأبوّة، والأخوّة، والأمومة، والسلطة، والشماتة، وقهر الخصوم وإذلالهم... إلخ، بشكل بسيط ومباشر على مستوى التمثيل والسرد.

لكن هذا العام، وربما بدافع إثبات الوجود أمام المنافسين و"التعلية عليهم" بالمصطلح المصري الدارج، سقطت مسلسلات كثيرة حوارياً، والسبب ليس انفصال الحوار عن الواقع، بل انفصاله أحياناً عن عالم المسلسل نفسه ومنطق الشخصيات، وعن طبيعة العواطف والانفعالات المطلوبة من المتفرّج في أثناء المشاهدة.

نلاحظ مثلاً في المقطع التالي، كيف تحوّل مشهد متعلّق بتهديد بين خصمين في مسلسل "سيد الناس"، إلى مشهد شاركه كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره كوميدياً، بسبب غرابة الجُمل وعبثية الردود.


وبعدما كان صنّاع الأعمال الدرامية يحرصون على تضمين أعمالهم هذه التراكيب اللغوية أملاً في انتشارها كـ"اقتباسات وحكم" على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يساهم في الترويج للعمل، أصبحت السوشال ميديا وسيط سخرية من كثير من هذه المقاطع الحوارية، حيث أعاد الكثير من "البلوغرز" تجسيد هذه المشاهد وتداول تلك العبارات. ومن هذه المقاطع، حقّق الفيديو الساخر التالي أكثر من مليون مشاهدة على فيسبوك وحده خلال 48 ساعةً فقط من طرحه. ونلاحظ كيف اجتمعت فيه وبكثافة العناصر كافة التي تعرّضنا لها (الزعيق والصراخ، والموسيقى التصويرية المتواصلة، والجمل الحوارية الغريبة).

هل هذه عناصر جذب ضرورية؟

برغم ما تتسبب فيه هذه العناصر الثلاثة سالفة الذكر، من تشويش وفصل للمتفرّج عن السياق الدرامي، إلا أنّ صنّاع الأعمال الدرامية يتمسكون بها، وخيط الإجابة عن سرّ هذا التمسّك وهل يمكن عدّها عناصر جذب لجمهور اليوم، يبدأ بفهم المتفرّج نفسه والعصر عينه. فاليوم يعيش ملايين الأشخاص وسط سيل متواصل من الفيديوهات القصيرة المعروفة بـ"الريلز"، أو الـ"شورتز".

تخبرنا دراسة حديثة بعنوان "تأثير الفيديوهات القصيرة على درجة الانتباه والأداء الأكاديمي لطلبة البكالوريوس"، بأنّ التعرّض المستمرّ للمحتوى القصير قد يُضعف التركيز ويشتّت التفكير.

زعيق وانفعالات هستيرية، وموسيقى صاخبة ومتواصلة، ومصطلحات عجيبة وطريقة حديث غريبة، ثلاثة عناصر تعكس تركيبةً منتشرةً جداً نقابلها في عالم "الريلز". فكيف صبغت مسلسلات رمضان 2025؟

يشير مصطلح "تعفّن الدماغ" Brain Rot، إلى تدهور عقلي وفكري بسبب الإفراط في استهلاك محتوى تافه، وقد شهد عام 2024 زيادةً في الاستخدام بنسبة 230% عن العام السابق، بحسب جامعة أوكسفورد، ما يعكس اهتماماً أوسع بهذه المشكلات التي تحدث بدرجة أقوى مع أجيال شابّة مثل "جيل Z" (مواليد 1997 حتّى 2012)، و"جيل ألفا" (مواليد 2013 حتّى 2025).

مصطلح آخر يستحقّ الذكر، هو "رهاب عدم استخدام الهاتف"، أو نوموفوبيا Nomophobia، ويعني الخوف من فقدان الهاتف المحمول، أو الوجود خارج نطاق تغطية الشبكة، أو فشل الوصول إلى تطبيقات السوشال ميديا، والرغبة في استخدامها بشكل طارىء بمجرد انتهاء الامتحانات أو الاجتماعات أو دوام العمل، أو أي حدث آخر يتوقّف خلاله استخدامها.

أمامنا إذاً باختصار أجيال من المتفرجين مختلفة كثيراً عن سابقاتها، وتحتاج إلى أدوات جذب كي لا تغادر شاشة المسلسل إلى شاشة هاتفها، هذا على افتراض أنها لا تشاهد المسلسل نفسه على الهاتف من الأصل.

زعيق وانفعالات هستيرية، وموسيقى صاخبة ومتواصلة، ومصطلحات عجيبة وطريقة حديث غريبة، ثلاثة عناصر تعكس تركيبةً منتشرةً جداً نقابلها في عالم مشاهير "الريلز"، حيث المنافسة التي لا ترحم، والمتلقّي لديه ثوانٍ معدودة لتحديد ما إذا كان المقطع المقترح يستحقّ وقته، أو يستحقّ فوراً ضغطة على "تخطّي" Skip، ليشاهد محتوى آخر.

هذه العناصر الثلاثة نفسها محور مقالنا، تبقى محل شكوى كثيرين بخصوص مسلسلات رمضان هذا العام، في مفارقة قد يكون معناها أنها عناصر وُجدت لتبقى وتصمد وتواكب جيلاً جديداً من المتفرجين، وتُلبّي اشتراطات منتجين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image