في ركن بعيد عن صخب العالم، وراء المرايا اللامعة ورائحة الصبغات القوية، تدور قصص لا تُحكى إلا وسط خصلات الشعر المتطايرة وصوت مصفّف الشعر الذي يخفي اعترافات لا تجرؤ صاحباتها على قولها في العلن. هناك، في عالم "الكوافيرات"، لا تصفَّف الشعور فحسب، بل تصفّف القلوب أيضاً من أوجاعها، وتُصبَغ الأمنيات بألوان جديدة، وربما تُقصُّ بعض الأحلام التي طالت أكثر مما ينبغي.
مسلسل "80 باكو"، الذي يُعرض حالياً، ليس مجرد مسلسل عن صالونات "الكوافيرات"، بل هو دراما تحكي عن الحياة، وعن النساء اللواتي يحلمن ويتألمن، وعن القسوة التي يواجهنها، وعن الأمل الذي لا ينطفئ حتى في أحلك اللحظات. في قلب هذا العالم النسائي المليء بالحياة والتناقضات، تأخذنا الكاتبة غادة عبد العال، في رحلة مختلفة، رحلة تمتزج فيها الضحكة بالدمعة، والحب بالخذلان، والواقع بالحلم.
انتصار "لولا"... الجبل الذي يستند إليه الجميع
عندما تراها لأول مرة، تعتقد أنها قاسية، وربما تتساءل: هل هذه امرأة لم تُكسر يوماً؟ لكن مع كل مشهد، ومع كل جملة تلقيها بانتصارها المعتاد، تكتشف أنّ "لولا" ليست مجرد مديرة صالون حلاقة نسائي، بل هي الحائط الذي يستند إليه كل من حولها، حتى وهي مثقلة بما لا يُحتمل.
امرأة تحمل من "الجدعنة" ما يفوق الوصف، تعطي بلا حساب، وتسامح برغم كل الخذلان، وتداري تحت صلابة ملامحها قلباً دافئاً يعرف معنى الاحتواء. لا تخاف من المواجهة، ولا تتردد في الدفاع عن الفتيات اللواتي يعملن معها، حتى لو كان ذلك يعني الدخول في معارك مع المجتمع أو الظروف.
انتصار في "80 باكو"، لم تُمثّل الدور، بل عاشت فيه. هي ممثلة لم تأسرها معايير الجمال السطحية، ولم تخضع لمشرط التجميل، بل اختارت أن تخدم الفنّ بصدق ملامحها وبراعتها في تجسيد الأدوار. من "ذات" إلى "أشغال شقّة وإش إش"، ومن "80 باكو" إلى أي عمل قادم، انتصار تثبت أنّ التمثيل ليس بمستحضرات تجميل وأشياء أخرى مبالغ فيها، بل روح تخترق القلوب.
مسلسل "80 باكو"، الذي يُعرض حالياً، ليس مجرد مسلسل عن صالونات "الكوافيرات"، بل هو دراما تحكي عن الحياة، وعن النساء اللواتي يحلمن ويتألمن، وعن القسوة التي يواجهنها، وعن الأمل الذي لا ينطفئ حتى في أحلك اللحظات
كل واحدة تحمل جرحاً
في صالون الحلاقة النسائي هذا، لا توجد حياة سهلة. كل واحدة من الفتيات تحمل على كتفيها قصةً تثقلها، لكنهنّ يحاولن أن يجدن طريقاً مختلفاً، بعيداً عن الاستسلام أو الطرق السهلة.
بوسي (هدى المفتي)، مثال للفتاة التي تحبّ بلا شروط، وتعطي بلا حساب، حتى لو كان العطاء يعني أن تضحّي بكل ما تملك من أجل رجل قد لا يكون جديراً بها. برغم تحذيرات الجميع، تظلّ متمسكةً بحلمها، تحاول أن تبني حياةً مع خطيبها الفقير، مقتنعةً بأنّ الحب وحده يكفي. لكن إلى أي مدى يمكن للحب أن يكون كافياً؟
أما عبير (رحمة أحمد)، فهي الوجه الآخر لقصة نعرفها جميعاً، لكنها غالباً ما تُروى بعد فوات الأوان. الفتاة التي دخلت في علاقة كانت تعرف منذ البداية أنها قد تكون مؤذيةً، لكنها علّقت آمالها على التغيير. "كان بيحسسني بالأمان، وكان كويس في الأول". جملة قالتها بعيون ممتلئة بحزن تعجز الكلمات عن وصفه، تحكي عن مئات النساء اللواتي وقعن في فخ رجل عنيف، بدافع الحب أو الخوف من الوحدة.
بينما تحاول هؤلاء الفتيات إيجاد طريق للخروج من حياتهن الصعبة، نرى كيف أنّ العمل في صالون الحلاقة هذا لم يكن مجرد مصدر دخل، بل كان محاولةً لبناء حياة، للهروب من واقع مؤلم، ولإثبات أنّ النساء يمكنهنّ الوقوف على أقدامهنّ دون الحاجة إلى رجل.
البيوت أسرار
في حياة الكوافيرات، لا يقتصر الأمر على العمل داخل المحل فحسب، بل هناك الجانب الآخر، الأكثر تعقيداً، حينما يدخلن بيوت الزبائن، ويصبحن جزءاً من حياتهنّ، دون أن يتركن أثراً ظاهراً.
في كل بيت يدخلنه، يسمعن اعترافات، ويشهدن على أسرار، ويعرفن ما لا يعرفه أحد عن نساء المجتمع. امرأة تخبرهنّ عن خيانة زوجها، وأخرى عن ابنها المدمن، وثالثة عن معاناتها مع حماتها. وبرغم هذا كله، يخرجن صامتات، لا ينطقن بحرف، وكأنهنّ لم يكنّ هناك أصلاً.
دخول المنزل يكون بشرط أن "تدخل أعمى وأطرش، وتخرج أصمّ وأبكم".
هكذا تحكم عليهنّ المهنة، فلا خيانة للأسرار، ولا حديث عما يدور وراء الأبواب المغلقة.
في صالون الحلاقة النسائي هذا، لا توجد حياة سهلة. كل واحدة من الفتيات تحمل على كتفيها قصةً تثقلها، لكنهنّ يحاولن أن يجدن طريقاً مختلفاً، بعيداً عن الاستسلام أو الطرق السهلة
القوة في أضعف اللحظات
وسط هذه الدراما المكثفة، جاءت "البلوغر" الشهيرة مي، لتذكّرنا أنّ هناك دائماً سبباً للأمل. ظهورها في الحلقة السابعة كمحارِبة سرطان لم يكن مجرد تفصيل عابر، بل كان رسالةً عميقةً عن القوة في أحلك اللحظات.
أرادت أن تحصل على "باروكة"، لا لأنها تخجل من شكلها، بل لأنها أرادت أن تبدو بأفضل حالاتها في موعد غرامي. وكأنها تخبر العالم بأنّ الحب والحياة لا يجب أن يتوقفا عند المرض. وبعد بعض الدعم من بوسي، قررت أن تظهر كما هي، فالآثار الناتجة عن المرض ليست عائقاً أمام الحب والحياة، ويكفي أنّ أحبّاءها يتقبّلونها وتستمدّ منهم القوّة.
هذه المشاهد، التي بدت بسيطةً في ظاهرها، كانت مليئةً بالعمق الذي يميّز كتابة غادة عبد العال.
بين الكوافيرات والحياة... حكايات لا تنتهي
حين تجلس امرأة على كرسي الحلاقة، لا تبحث فقط عن قصة شعر جديدة، بل تبحث عن لحظة راحة، عن مساحة آمنة تبوح فيها بما يؤلمها، وعن ضحكة صافية تسرقها من يومها المزدحم.
صالونات الحلاقة النسائية ليست مجرد أماكن للتجميل، بل هي عوالم سرّية تُصنع فيها الصداقات، وتولد فيها الأحلام، وربما يُدفن فيها بعض الحب القديم. هناك، تعيش النساء تجارب لا يراها أحد، وتُحكى قصص لا تخرج من الجدران، وكأنّ كل زيارة للكوافيرة، جلسة علاج نفسي غير معلنة.
هذا المسلسل ليس مجرد دراما، بل شهادة على أنّ حكايات النساء تستحقّ أن تُروى، بكل ما فيها من تفاصيل، وأنّ هناك دائماً شيئاً مشتركاً بينهنّ، حتى لو اختلفت الحكايات، وهذا ما فعلته غادة عبد العال، سابقاً في مسلسلها "عايزة أتجوز".
لماذا "80 باكو" مهم؟
قُدّم لنا هذا العالم بكل ما فيه من دفء وقسوة، من فرح وحزن، ومن قصص قديمة لا تزال تُروى، وأخرى تولد مع كل زيارة جديدة. وكما أنّ النساء يخرجن من الصالون بإطلالة جديدة، يخرج المشاهد من المسلسل برؤية أعمق لحياة لم يكن يراها من قبل.
هذا المسلسل ليس مجرد دراما، بل شهادة على أنّ حكايات النساء تستحقّ أن تُروى، بكل ما فيها من تفاصيل، وأنّ هناك دائماً شيئاً مشتركاً بينهنّ، حتى لو اختلفت الحكايات، وهذا ما فعلته غادة عبد العال، سابقاً في مسلسلها "عايزة أتجوز".
في عالم الدراما، نادراً ما نرى أعمالاً تسلّط الضوء على حياة النساء البسيطة والمُعقّدة في آنٍ واحد، بعيداً عن "الفانتازيا" والمبالغات. لكن "80 باكو" فعلها، وجعلنا نرى صالونات الكوافيرات ليس فقط كمكان للجمال، بل كمسرح للحياة بكل تناقضاتها.
هذا العمل هو رسالة بأنّ المرأة ليست مجرد شخصية في خلفية المشهد، بل هي الحكاية ذاتها، بكل ما فيها من ضعف وقوة، حب وألم، وخذلان وانتصار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
م.هيثم عادل رشدي -
منذ 6 ساعاتمقال رائع وضع النقاط على الحروف فالحقيقة أن النزاعات جعلت أبناء شعوبنا متشردين ولاجئين ومهاجرين...
Zee Hilal -
منذ يومAlso you have ZERO presence on social media or any search I have done. Are you real? Who is the...
Zee Hilal -
منذ يومI was dating a gf who was Irish for 8 years and she was an alcoholic. Seriously why are you...
Zee Hilal -
منذ يومLOVE is the reason we incarnate. Don't blame me because some low income people who are stuck are...
Zee Hilal -
منذ يومYour druze! You should be ashamed of yourself! Oh. Your going to hear about this when we are...
Zee Hilal -
منذ يومDon't blame the druze faith when people don't know what it is. If you want to marry someone like...