شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كيف خطفت الدراما المصرية البطل الشعبي وحوّلته إلى وحش؟

كيف خطفت الدراما المصرية البطل الشعبي وحوّلته إلى وحش؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الأربعاء 12 مارس 202511:43 ص

في موسم رمضان 2025، لم يكن مفاجئاً أن تستمر الدراما المصرية في تكريس صورة "البطل الشعبي"، كرمز للقوة العنيفة التي تفرض العدالة خارج نطاق القانون، كما في مسلسل "فهد البطل"، و"سيد الناس"، وحتى "حكيم باشا". ما يجمع بين هذه الأعمال ليس حبكتها الدرامية المتشابهة فحسب، بل ذلك الرهان المستمر على العنف كعنصر جوهري في تطور الشخصيات وبنائها.

لكن هذه السردية لم تنشأ من فراغ، ولم تكن نتاج تطور طبيعي في صورة البطل الشعبي، بل هي انعكاس لأزمة أعمق تتجاوز حدود الشاشة إلى بنية المجتمع نفسه.

"تُظهر الدراسات أنّ الدراما المصرية شهدت تحولاً في صورة البطل الشعبي، حيث أصبح العنف أكثر شيوعاً. المشاهد العنيفة في الأفلام والمسلسلات تزيد من تعرّض الجمهور لها، وتؤثر على سلوكهم الاجتماعي. يُظهر البحث أنّ 63.3% من المشاركين، يرون أنّ الجريمة تزداد في المجتمع المصري، بينما يعتقد 67% أنّ الأفراد يتصرفون كأنهم في غابة من دون احترام للقوانين الاجتماعية، ما يدفعهم إلى أخذ حقوقهم بالقوة. هذا التحول ليس مجرد تغيّر في الذوق الجماهيري، بل يعكس أزمةً اجتماعيةً عميقةً حيث يغيب القانون ويصبح العنف لغة التواصل الأساسية بين الأفراد."

هذا التحول الجذري يستدعي قراءةً نقديةً لا تتوقف عند سطحية المشهد الدرامي، بل تغوص في السياقات الاجتماعية والسياسية التي أنتجت هذا النموذج، وتبحث في الأسباب التي جعلت العنف المبرر درامياً يبدو وكأنه الخيار الوحيد لصعود البطل الشعبي. هل تعكس هذه الأعمال تحولات حقيقيةً في المجتمع، أو أنها تفرض تصوّراً معيناً يعيد إنتاج العنف كحتمية درامية؟ هذا ما يتطلب تحليلاً يتجاوز التفسير التبسيطي القائل بأنّ "الجمهور يريد ذلك"، إلى فهم أعمق لدور الإنتاج الفني في تشكيل الوعي الجماهيري، لا مجرد الاستجابة له.

من البطل الأخلاقي إلى الضحية

على مدار قرون، كان البطل الشعبي في الحكايات المصرية القديمة أكثر من مجرد شخصية خيالية. كان رمزاً للمقاومة الشعبية ضد السلطة الجائرة، وجسراً بين الواقع والطموح الجمعي نحو العدالة. لم تكن شخصيتان مثل "أدهم الشرقاوي" و"علي الزيبق"، مجرد محتالين أو قاطعَي طرق، بل كان يُنظر إليهما كمدافعين عن حقوق المظلومين في مجتمع يفتقر إلى العدالة المؤسسية.

لم يكن تحوّل البطل الشعبي في الدراما المصرية، من شخصية نضالية تحمل قيم العدالة إلى شخصية عنيفة تفرض سيطرتها بالقوة، مجرد تطور فنّي عابر، بل كان انعكاساً لتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة، ساهمت في إعادة تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع المصري

أدهم الشرقاوي، على سبيل المثال، لم يكن مجرماً بمفهوم القانون، بل كان بطلاً شعبياً خرج على الحاكم المستبدّ بعدما رأى الظلم مستشرياً. في الروايات الشعبية، لم يكن قتاله مجرد استعراض للقوة، بل وسيلة لحماية الفلاحين والضعفاء من تعسّف السلطة. لم يكن عنيفاً لمجرد العنف، بل كان يمارس القوة كخيار أخير ضد الجور.

أما علي الزيبق، فقد جسّد نموذج "البطل الذكي" الذي يعتمد على الحيلة والدهاء، بدلاً من القوة البدنية لإسقاط السلطة الجائرة. كانت رواياته تدور حول قدرته على خداع الوالي واسترداد حقوق الفلاحين، دون اللجوء إلى العنف الدموي. هذا يوضح كيف كانت البطولة الشعبية في بداياتها تميل إلى العقل والتخطيط، حيث كان الأبطال يتمتعون بصفات قيادية قائمة على الحكمة والدهاء، لا القوة الجسدية فحسب.

هذه النماذج كانت تعكس وعي المجتمع الشعبي بضرورة وجود بدائل للمقاومة، بعيداً عن العنف العشوائي، وهو ما يجعلها تختلف جذرياً عن الصورة التي ترسّخت لاحقاً للبطل الشعبي في الدراما المصرية الحديثة، حيث بات العنف الوسيلة الأساسية لإثبات الذات.

السينما الكلاسيكية... العنف كردّ فعل استثنائي

عندما انتقلت صورة البطل الشعبي من الحكايات الشفوية إلى السينما، حدث تطور مهم في طريقة تقديمه. في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، عكست الأفلام المصرية التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع، خاصةً صعود الطبقات الفقيرة كقوة سياسية واجتماعية. خلال هذه المرحلة، ظهر البطل الشعبي كشخصية تناضل من أجل العدالة، لكنه لم يكن شخصيةً متهورةً أو محبّةً للعنف، بل كان يتم التعامل معه كخيار أخير.

أحد أبرز الأمثلة على ذلك، فيلم "جعلوني مجرماً" (1954)، الذي تناول فيه المخرج عاطف سالم، كيف أنّ الفقر والظلم الاجتماعي يمكن أن يدفعا شخصاً نزيهاً إلى مسار الجريمة. لم يُستخدم العنف في الفيلم كوسيلة أساسية للحلّ، بل كان ردّ فعل مأساوياً على نظام قضائي غير عادل، ما جعل المشاهد يتعاطف مع البطل برغم قراراته المتطرفة. كانت هذه المعالجة توازن بين تصوير الظلم وإظهار أنّ العنف ليس الحلّ المثالي.

لم يعد العنف في الدراما المصرية مجرد أداة للإثارة، بل أصبح وسيلةً لإعادة تشكيل مفهوم البطولة نفسه.

في فيلم "الفتوة" (1957)، الذي قام ببطولته فريد شوقي، ظهرت شخصية "هريدي" (فريد شوقي)، كبطل شعبي قادم من الصعيد بحثاً عن الرزق. يدخل سوق الخضار ويواجه استغلالاً وظلماً من قِبل التاجر المتسلّط "أبو زيد" (زكي رستم). في البداية، يبدو "هريدي" مدافعاً عن الفقراء ضد الاستغلال، لكنه سرعان ما يتحول تدريجياً إلى شخصية مشابهة للتاجر المستبدّ الذي كان يحاربه، ويبدأ باستخدام أساليب الفساد والاستغلال نفسها لتحقيق مصالحه الشخصية. وعليه، فإنّ العنف في الفيلم لم يكن ذا بعد أخلاقي واضح كما ذُكر سابقاً، بل كان تصويراً درامياً لتحول الشخصية من ضحية إلى جلاد، ومن مدافع عن المظلومين إلى شخص مستبد لا يختلف كثيراً عن خصمه السابق.

ما يميز هذه الفترة، أنّ العنف فيها لم يكن عنصراً أساسياً في تشكيل صورة البطل الشعبي، بل كان أداةً تُستخدم عند الضرورة القصوى. كان البطل لا يزال يحمل مزيجاً من القوة والمبادئ، وكان الجمهور يرى في شخصيات مثل فريد شوقي، نموذجاً للبطل الذي يقف في وجه الظلم، دون أن يتحول إلى آلة للانتقام.

التحوّل نحو العنف كهوية أساسية للبطل الشعبي

إذا كانت البدايات الفلكلورية والسينمائية قد قدّمت البطل الشعبي كحارس للقيم، فإنّ التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها مصر لاحقاً، بدأت بتفكيك هذا النموذج، لتجعل العنف لا مجرد "ردّ فعل"، بل السمة الأساسية لشخصية البطل. هذا التطور لم يحدث فجأةً، بل كان نتيجة تراكمات تاريخية انعكست في السينما والمسلسلات، وهو ما سنناقشه في القسم القادم من التحليل.

لم يكن تحوّل البطل الشعبي في الدراما المصرية، من شخصية نضالية تحمل قيم العدالة إلى شخصية عنيفة تفرض سيطرتها بالقوة، مجرد تطور فنّي عابر، بل كان انعكاساً لتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة، ساهمت في إعادة تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع المصري. فقد لعبت التحولات الاقتصادية منذ التسعينيات، ومن بعدها التغيرات السياسية بعد 2011، دوراً محورياً في إعادة إنتاج هذا النموذج، ليصبح العنف لا مجرد أداة يستخدمها البطل، بل هويةً متأصلةً فيه.

شهدت مصر في التسعينيات، موجةً واسعةً من "الإصلاحات الاقتصادية" التي دشنتها سياسات التحرير الاقتصادي، التي ترافقت مع تآكل الطبقة الوسطى، وتراجع دور النقابات العمالية، وتنامي اقتصاد السوق على حساب الأطر الاجتماعية التقليدية. هذه الفترة شهدت تغيرات جوهريةً أثّرت بشكل مباشر في طريقة تقديم البطل الشعبي في الدراما. من أبرز هذه التغيّرات: تفكك الطبقة الوسطى إذ أدّت السياسات الاقتصادية الجديدة إلى تقليص دور الدولة في دعم الخدمات الأساسية، ما دفع الطبقات الوسطى والدنيا إلى البحث عن حلول فردية للبقاء، بدلاً من الاعتماد على التضامن الجماعي الذي كان يميز الحركات الاجتماعية في العقود السابقة. وكذلك تصاعد الخطاب الفردي على حساب القيم الجماعي، فلم يعد البطل الشعبي ممثلاً للطبقة الكادحة التي تتوحّد لتحقيق العدالة، بل أصبح نموذجاً فردانياً يعتمد على قوته الشخصية فحسب، متخلياً عن أي سياق اجتماعي. تحوّل الفن من أداة نقدية إلى سلعة استهلاكية: مع سيطرة رأس المال الخاص على صناعة الدراما، أصبح الهدف الأساسي هو جذب الجمهور بأيّ وسيلة، حتى لو كان ذلك عبر الترويج المستمر لشخصيات تمجّد العنف كحلّ وحيد للمشكلات. هذه العوامل مجتمعةً دفعت البطل الشعبي إلى أن يصبح أكثر عنفاً واندفاعاً، وهو ما تجسد بوضوح في مسلسل "الأسطورة" (2016). في هذا العمل، نرى كيف يتحول البطل "رفاعي الدسوقي"، إلى زعيم عصابة، ليس لأنه مجرم بالفطرة، بل لأنّ النظام الاجتماعي لم يترك له بدائل أخرى للنجاح أو للحماية. هذه الصورة ليست مجرد حبكة درامية، بل هي انعكاس مباشر لتحولات حقيقية في المجتمع، حيث أصبح الأفراد أكثر اقتناعاً بأنّ العدالة لا تتحقق عبر المؤسسات، بل عبر القوة الشخصية.

هذا النمط من الأعمال لا يعكس الواقع فحسب، بل يعيد إنتاجه بطريقة تجعله يبدو وكأنه القاعدة الطبيعية، ما يجعل فكرة البطل الشعبي الأخلاقي تبدو وكأنها "طوباوية" غير قابلة للتحقق.

الثورة المضادة... إعادة إنتاج الاستبداد عبر الدراما

بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، شهدت الدراما المصرية تحولاً كبيراً في طريقة تصوير البطل الشعبي. فبعد أن لعبت الحركات الشعبية دوراً محورياً في تغيير المشهد السياسي، ظهرت مخاوف من تصاعد دور هذه الفئات خارج سيطرة الدولة، ما أدى إلى توجه الدراما نحو إعادة إنتاج صورة "البطل الشعبي"، كتهديد للاستقرار، وليس كحامل لقضايا الناس.

الدراما في مسلسلات ما بعد 2013، أصبحت أكثر ميلاً إلى تبنّي خطاب أمني مباشر، حيث لم يعد البطل الشعبي "بطلاً" بالمعنى التقليدي، بل بات شخصيةً مشبوهةً أو متمردةً لا يمكن الوثوق بها إلا إذا اندمجت في أجهزة الدولة.

أحد أبرز الأمثلة على ما سبق، هو مسلسل "الاختيار" (2020)، الذي لم يكتفِ بتقديم رواية أحادية عن الصراع السياسي، بل عمل على ترسيخ فكرة أنّ أيّ بطل شعبي حقيقي هو ذلك الذي ينتمي إلى الدولة، بينما أيّ محاولة مستقلّة للبطولة خارج إطار السلطة، تهديد للاستقرار.

ما يحدث هنا ليس مجرد تغيير في طريقة تقديم الشخصيات، بل إعادة هندسة السردية الثقافية، بحيث يتم استبدال صورة "البطل الشعبي" التي كانت تمثل الفئات المهمشة والمضطهدة، بصور جديدة أكثر توافقاً مع توجهات الدولة. هذه الإستراتيجية لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت جزءاً من محاولة أوسع لاستعادة السيطرة على المخيّلة الشعبية، بحيث يتم التحكم في الرموز الثقافية التي تحرّك وجدان الجماهير.

تحوّلت صورة البطل الشعبي في الدراما المصرية من رمز للنضال الاجتماعي إلى نموذج للعنف المبرر، وهو تحول لم يكن نتيجة تطور طبيعي في السرد الدرامي، بل خضع لآليات إنتاجية وتجارية وسياسية فرضت هذا القالب وجعلته الخيار الأكثر انتشاراً

التغيرات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها مصر خلال العقود الأخيرة، لم تؤثر فقط على الواقع الاجتماعي، بل امتدت أيضاً إلى الدراما، فغيّرت ملامح "البطل الشعبي" كما كان يُعرف قديماً. لم يعد البطل شخصيةً تقود مجتمعها أو تعبّر عن آمال الفقراء في العدالة، بل تحوّل إلى فرد يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية بأي وسيلة. العنف الذي كان يُستخدم في الأفلام القديمة كرد فعل استثنائي على الظلم، أصبح في المسلسلات الحديثة هو القاعدة، بل العنصر الأساسي الذي تُبنى عليه شخصية البطل. ولم يقتصر التغيير على ذلك، بل باتت الدراما تعيد إنتاج صورة البطل الشعبي وفق رؤية أمنية، حيث يُصوَّر إما كمصدر تهديد للفوضى يجب قمعه، أو كشخصية يمكن توظيفها لخدمة السلطة. النتيجة هي أنّ البطولة لم تعد مرادفاً للنضال أو للعدالة الاجتماعية، بل أصبحت مجرد أداة، إما لتبرير العنف أو لاحتواء أي محاولة للخروج على النظام القائم.

هذا التحول لا يعكس فقط طبيعة التغيرات التي مرّ بها المجتمع المصري، بل يطرح سؤالاً مهماً حول الدور الذي يلعبه الفن في تشكيل وعي الجماهير. هل الدراما تعكس الواقع أو تساهم في صناعته؟ وهل ما نشهده اليوم هو مجرد استجابة لمتغيرات المجتمع، أم أنه جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل صورة البطل الشعبي بما يتناسب مع متطلبات المرحلة؟

العنف كضمان للربح

تحوّلت صورة البطل الشعبي في الدراما المصرية من رمز للنضال الاجتماعي إلى نموذج للعنف المبرر، وهو تحول لم يكن نتيجة تطور طبيعي في السرد الدرامي، بل خضع لآليات إنتاجية وتجارية وسياسية فرضت هذا القالب وجعلته الخيار الأكثر انتشاراً. تحكم صناعة الدراما المصرية اعتبارات اقتصادية تضع الربح في المقدمة. وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة كارنيجي (2024)، فإنّ شركات الإنتاج الكبرى في مصر أصبحت تفضّل إنتاج محتوى درامي يضمن نسب مشاهدة مرتفعة وعائدات إعلانية أكبر، وهو ما أدى إلى تزايد إنتاج الأعمال التي تعتمد على الإثارة والعنف مقارنةً بالأعمال الاجتماعية والتاريخية التي تتطلب ميزانيات أكبر وجهداً إنتاجياً أعلى. هذا التوجه الإنتاجي يجعل من العنف خياراً اقتصادياً مربحاً، ويؤدي إلى تهميش الأعمال التي تقدّم معالجةً دراميةً عميقةً للقضايا الاجتماعية.

العنف في هذه الأعمال ليس مجرد أداة للإثارة، بل هو جزء من عملية تشكيل الوعي العام. وفقاً لدراسة حسين خليفة (2022)، فإنّ الدراما المصرية الحديثة تؤثر بشكل كبير في تصورات الجمهور تجاه الجريمة والعنف، حيث يرى 67% من المشاركين أنّ الأفراد يتصرفون وكأنهم في غابة دون احترام للقوانين الاجتماعية، ما يدفعهم إلى أخذ حقوقهم بالقوة بدلاً من اللجوء إلى القانون، كما أنّ هذه الأعمال تساهم في تعزيز صورة نمطية سلبية عن بعض المناطق والفئات الاجتماعية، وهو ما يخدم سرديات أمنيةً وسياسيةً قد تبرر التدخلات الأمنية المشددة وسياسات الإقصاء الاجتماعي.

هذا التوظيف السياسي لصورة البطل الشعبي لا يقتصر على جعل العنف عنصراً أساسياً في السرد الدرامي، بل يمتد إلى محاولة إعادة تشكيل مفهوم البطولة ذاته.

لم يعد العنف في الدراما المصرية مجرد أداة للإثارة، بل أصبح وسيلةً لإعادة تشكيل مفهوم البطولة نفسه. بعد 2013، بدأت الأعمال الدرامية تُظهر الشخصيات الشعبية المستقلّة على أنها خطر على الاستقرار، إلا إذا تم استيعابها داخل مؤسسات الدولة. بهذه الطريقة، لم تعد البطولة تعني الدفاع عن العدالة أو الوقوف في وجه الظلم، بل باتت إما رمزاً للفوضى أو وسيلةً لتعزيز سيطرة السلطة.

استمرار هذا النمط يجعل الدراما تكرّس العنف كخيار وحيد، بدلاً من أن تطرح أسئلةً حوله أو تناقشه نقدياً. المشكلة ليست في تقديم شخصيات قوية أو مثيرة، بل في اختزال البطل الشعبي في صورة أحادية تجعله إما مجرماً أو أداةً بيد السلطة. تجاوز هذا القالب لا يعني إلغاء التشويق أو المواجهات الدرامية، بل تقديم شخصيات تعكس تعقيدات الواقع، بدلاً من إعادة إنتاج الصور النمطية التي تخدم اعتبارات تجاريةً وسياسيةً. الدراما يمكن أن تكون أكثر من مجرد وسيلة ترفيه، لكنها لن تحقق ذلك إلا إذا بدأت بالتعامل مع البطل الشعبي كشخصية حقيقية لها دوافع إنسانية، بدلاً من أن تكون مجرد انعكاس لمصالح السوق أو أدوات السلطة، أو بحسب الكاتب والباحث عبده البرماوي، في منشور له على فيسبوك، والذي يدين له هذا المقال بفكرته الأساسية: "هذه الدراما الاختزالية والإلحاح عليها من المنتجين تلعب دورها الخبيث في إلغاء الوعي بما هو قائم من عالم شعبي أكثر تعقيداً وأشدّ إنسانيةً، وتهميش ما يعبّر عنه من فن وإبداع! كما تفرض صورة عنه تلغي قضاياه العديدة وأولياته الأوضح. كذلك تكرس النظرة عن استفحال عداواته الذاتية وكأنه عالم للثأر الدائم وتزيد في تعميم تحلله الروحي والفكري واتضاعه الخلقي وتسيد القوة والبلطجة في كافة تفاصيله وعلاقاته، تضخيم هذه الحالة العصابية و’الأفورة’ في أدائها، فيما تحاصر فرص الدراما الأذكى والأجمل والأوقع والأكثر تعبيرا عن العالم الشعبي وقضايا الفقراء ونضالهم من أجل حياة أفضل".




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image