شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ياسر جلال… شهريار بنكهة معاصرة في

ياسر جلال… شهريار بنكهة معاصرة في "جودر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 15 مارس 202510:34 ص

اعتلى الفنان ياسر جلال، ترند موقع غوغل، بعد بدء عرض الجزء الثاني من مسلسل "جودر... ألف ليلة وليلة"، خلال السباق الدرامي الرمضاني الحالي، بعد أن تمّ عرض الجزء الأول منه في دراما رمضان عام 2024، حيث أشاد به كثرٌ ممن تابعوه بشغف.

العمل من تأليف أنور عبد المغيث، وإخراج إسلام خيري، وبطولة ياسر جلال في دورَي "جودر" و"شهريار"، ونور اللبنانية في دور "شواهي أم الدواهي"، وياسمين رئيس في دور "شهرزاد".

منذ أن جسّد ياسر جلال، شخصية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في الجزء الثالث من مسلسل "الاختيار"، الذي تمّ عرضه عام 2022، أصبح أكثر حرصاً على انتقاء أدواره، وخطواته الفنية بعناية شديدة، وقد وقع اختياره عام 2024، على تجسيد دور "شهريار"، وإعادة تقديم سيرة "ألف ليلة وليلة" في مسلسل "جودر"، ضمن الدراما الرمضانية لذلك العام، علماً بأنه تمّ تقديم الدراما التاريخية ذاتها من خلال نحو 15 مسلسلاً مصرياً تحمل الاسم ذاته، والتيمة ذاتها، وجسّد شخصية "شهريار" في تلك الأعمال الفنية العديد من الفنانين، منهم حسين فهمي، أحمد عبد العزيز، يوسف شعبان، سمير غانم، محمود قابيل، فاروق الفيشاوي، ماجد المصري، أشرف عبد الباقي، وشريف منير. 

ملصق مسلسل "جودر… ألف ليلة وليلة"

وقرر ياسر جلال، خوض التجربة، وإعادة تقديم مسلسل "ألف ليلة وليلة" بعد غياب هذا العمل التاريخي عن الشاشة لمدة عشر سنوات، والذي كان يُعدّ في ما مضى طقساً من الطقوس الرمضانية كل عام. فمنذ تقديمه لأول مرة عام 1986، من بطولة حسين فهمي في دور "شهريار"، ونجلاء فتحي في دور "شهرزاد"، استحوذ على ألباب الشعب المصري الذي صار لا يشعر بالأجواء الرمضانية إلا بعرض هذا المسلسل الساحر، الذي يجعل من يشاهده ينسحب من الواقع ليخوض عالماً آخر سحرياً من خلال الحواديت، والقصص الخيالية الممتعة التي تتلوها شهرزاد على مسامع شهريار.

طوال مسلسل "جودر"، حرص ياسر جلال على تقديم شخصية شهريار بنكهة معاصرة، واستطاع الدمج بين الماضي والحاضر، فظلّ محتفظاً بلقب شهريار، وملابسه العتيقة، وطلّته التاريخية، إلا أنّه دمج في تلك المواصفات الشكلية سماتٍ عصريةً لزوج معاصر

بمجرد نجاح العرض الأول لتلك الدراما التاريخية، استثمر صنّاعها ذلك النجاح الساحق لها، واستمرّوا في تقديمها كل عام في نجاحات متسلسلة، وصلت إلى أوجها في تسعينيات القرن الماضي. إلا أنّ أسهم النجاح بدأت بالهبوط والتراجع المستمر منذ ذلك الحين، لتصل إلى أدناها في مسلسل "ألف ليلة وليلة"، الذي تمّ عرضه عام 2015، ما أدى إلى امتناع صنّاع الدراما نهائياً عن تقديم تلك التيمة التاريخية مجدداً، ولا أحد يعلم تماماً الأسباب التي أدّت إلى انسحاب الإقبال الجماهيري عليها؛ هل بسبب الملل من تكرارها؟ أو بسبب عدم وجود حكايات شيّقة جديدة؟ أو أنّ الجمهور لا يرى في الجيل الجديد من الفنانين الحضور الدرامي القوي الذي كان يراه في الجيل القديم؟ أو بسبب الوصول إلى حقبة الألفين التي جعلت الجميع يتجه نحو التكنولوجيا والإنترنت، فلم تعد تستهويهم فكرة الخرافات والقصص الأسطورية؟

لذا كان قرار ياسر جلال، إحياء فكرة "ألف ليلة وليلة"، وإعادة تجسيدها درامياً، مغامرةً منه، ومخاطرةً بتاريخه الفني، وأيضاً مغامرةً من قبل الشركة المنتجة للعمل التي وضعت إمكانيات ماديةً ضخمةً لإنتاج تيمة مسلسل عزف عنه الجمهور منذ عشرة أعوام! فهي مغامرة قد تكون لها عواقب وخيمة، وبمثابة تحدٍّ لصنّاع العمل، وقد أكد ياسر جلال، بالفعل، على فكرة تخوّف صنّاع العمل من أن تكون فكرته قديمةً، وغير ناجحة.

وكانت خطة صنّاع العمل لتجنّب الإخفاق والحرص على نجاح المسلسل، قائمةً على تناوله بشكل عصري، وغير تقليدي، من خلال زوايا مختلفة منها التركيز على الجانب الحياتي للزوجين شهريار وشهرزاد، وهو الجانب الذي لم يتمّ التعرّض له من قبل، سواء في الأعمال الفنية السابقة التي قدّمت الدراما ذاتها، أو في القصة التاريخية الأصلية المستوحاة منها الدراما، فحرص كاتبه أنور عبد المغيث، على تقديم ذلك الجانب بما يواكب العصر الحديث، كي تتقبله عقليات الجمهور الحالي، المختلف عن جمهور الزمن الماضي، مع الحفاظ على قصة العمل، وخطوطه الدرامية الأساسية.

ياسر جلال في مسلسل "جودر"

وهكذا سار ياسر جلال، على تلك الخطة المُحكمة طوال مسلسل "جودر"، فحرص على تقديم شخصية شهريار بنكهة معاصرة، واستطاع الدمج بين الماضي والحاضر، فظلّ محتفظاً بلقب شهريار، وملابسه العتيقة، وطلّته التاريخية، إلا أنّه دمج في تلك المواصفات الشكلية سمات عصريةً لزوج معاصر (وليس بالضرورة متقدم!).

فشهريار الذي نراه في مسلسل " جودر"، هو زوج من العصر الحديث، خفيف الظل، عندما غضب من زوجته طلب منها مصالحته بأن تطهو له الطعام بيديها؛ الأمر الذي يُعدّ طريقاً إلى قلب الرجل، كما هو معروف. وانصاعت له الزوجة، وذهبت إلى المطبخ لتقطيع الثوم والبصل، وقد حدث ذلك في مشهد طريف بينه وبين ياسمين رئيس (شهرزاد)، ظهرت خلاله الأخيرة وهي تطلب منه تقطيع الثوم من أجل مساعدتها.

مشاهد من مسلسل جودر

وفي مشهد كوميدي آخر، قامت شهرزاد بإعداد وجبة دجاج ومرقة، لشهريار، ولكنها فشلت في تنظيف الدجاجة، ما جعله يسخر منها بخفّة ظلّه المعهودة، معلّقاً بشكل فكاهي: "حد يسيب الفراخ برجليها!"، ثم عاد ليطمئنها كزوج ضعيف أمام حبه لها، بأنه تكفيها المحاولة، وذلك على خلاف القصة التاريخية للعمل، حيث من المعروف أنّ شهرزاد كانت وظيفتها تتمثل في سرد القصص على مسامع شهريار فحسب، ولم تتعرض القصة الأصلية لفكرة قيام شهرزاد بالطهي.

وحرص صنّاع العمل على إبداء جانب الغيرة بين الأزواج كحياة طبيعية معاصرة، فكانت شهرزاد الزوجة تشعر بالغيرة على زوجها من الجارية "تودد"، وعندما واجهته بغضبها، رسم شهريار على وجهه حينها ملامح البلاهة متعمداً، كي لا يعترف بوجود علاقة نسائية أخرى، في ردّ فعل متوقع لأي زوج معاصر تتم مواجهته بعلاقة خيانة مع امرأة أخرى. 

مشهد من مسلسل جودر

بينما في مشهد آخر قامت شهرزاد بتهديد شهريار زوجها بكل قسوة، وتوعدت بعدم إكمال سرد قصتها بسبب غضبها لخيانته لها، على عكس شهرزاد بالقصة الحقيقية التي كانت مرغمة على إكمال القصة حتى لا يتم قطع رأسها! وقد فعلت ذلك بذكائها وفطنتها. أما هنا فقد ظهرت شهرزاد خلال المشهد بروح المرأة المستقلة المعاصرة التي لها حق الاعتراض، طبعاً وفق السيناريو الجديد، ولا يعني ذلك أن شهرزاد الأصلية لم تكن قوية، بل هي عرفت كيف تروّض غضب الملك وتسلم برأسها والأخريات.

مشهد من مسلسل جودر

ومن ضمن خطة الحرص على نجاح العمل، تم التركيز على جانب آخر جديد في القصة الدرامية لم يتم التعرض له من قبل، وهو العقدة النفسية لدى شهريار، التي أودت به إلى قطع رقاب النساء، فبالمشاهد الأولى من العمل ظهر شهريار، وهو يتذكر تفاصيل واقعة خيانة زوجته له، وينتابه المرض جرّاء ذلك، وتمادياً في إبراز هذا الجانب السيكولوجي من شخصية شهريار، ظهرت شهرزاد، وهي تتقمص دور المعالج النفسي، وتحاول علاج شهريار بشكل علاجي معاصر لم يكن موجوداً في العصور القديمة، ولا يمّت إليها بصلة، ألا وهو العلاج عن طريق الصدمة، فأقامت عرضاً يسرد قصةً عن الخيانة الزوجية لمساعدته على التخطي، ما تسبب في غضب شهريار منها.

أكد ياسر جلال، نيته في عدم تقديم جزء ثالث من العمل. والسؤال هنا: هل ستحثّ تلك التجربة صنّاع الدراما على العودة إلى تقديم تلك الدراما التاريخية كل عام كما في السابق؟ وهل تتوافر لديهم روح المغامرة والمعاصرة ذاتها التي اتّسم بها صنّاع "جودر"، وبطله ياسر جلال؟

وكان التجديد الصارخ في الأحداث، هو شعور شهريار بالندم على ما اقترفه بحق النساء اللواتي قام بقتلهنّ، وقراره التكفير عما فعل بإنشاء مركز علمي كبير يضمّ مدرسةً متكاملةً للتعليم، تشمل قسماً خاصاً للطلاب الوافدين، وآخر مخصصاً للفتيات، كعمل خيري، وامتنانه لشهرزاد بسبب استطاعتها تغيير حياته للأفضل، وهو الذي لم يحدث مطلقاً في الأعمال السابقة التي تناولت تلك الدراما التاريخية، والتي كانت تنتهي دائماً بوقوع شهريار في حب شهرزاد، فيعتق رقبتها من القتل لتعيش معه حياةً سعيدةً، ناسياً الماضي برفقتها. لم يحدث من قبل أن قرر شهريار التكفير عن آثامه بتعليم الفتيات. هذه فكرة مستحدثة، وغير تقليدية.

ياسمين رئيس في دور شهرزاد في مسلسل جودر

وكما حرص كاتب العمل أنور عبد المغيث، على تلك التجديدات العصرية غير التقليدية خلال كتابته أحداث المسلسل، حرص أيضاً مخرجه إسلام خيري، على تقنيات إخراجية حديثة وعالية الجودة سواء في الصورة، أو في تقنية إبداع الوحوش الأسطورية الخاصة بالعمل، لتلائم العصر الحديث، فكانت الدراما القديمة تلجأ في ما مضى إلى استخدام الأقنعة، والماكياج البدائي لإظهار شكل الوحوش، والعفاريت بـ"ألف ليلة وليلة"، ولكننا نرى في برومو الجزء الثاني المعروض حالياً، مشهداً لوحش مصنوع بتقنية تكنولوجية عالية الجودة تضاهي السينما العالمية، لم تكن لتتوافر سابقاً.

وهكذا تضافرت جهود أسرة العمل كلها بإصرار على نجاح التجربة، ولتتحدى بإعادة تقديم زمن "ألف ليلة وليلة" السحيق المندثر، للجمهور في ثوب عصري حديث، وقد أكد ياسر جلال، نيته في عدم تقديم جزء ثالث من العمل، والسؤال الذي يطرح نفسه هاهنا: هل ستحثّ تلك التجربة صنّاع الدراما على العودة إلى تقديم تلك الدراما التاريخية كل عام كما في السابق؟ وهل تتوافر لديهم روح المغامرة والمعاصرة ذاتها التي اتّسم بها صنّاع "جودر"، وبطله ياسر جلال؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image