شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
نحو إعادة الإعمار… تحدّيات ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان بالأرقام

نحو إعادة الإعمار… تحدّيات ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان بالأرقام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 2 مارس 202508:56 ص

قصص علينا معرفتها

انتهت في 28 كانون الثاني/ يناير 2025، مهلة الستين يوماً المتّفق عليها لانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وتم تمديدها إلى 18 شباط/ فبراير والذي شهد استكمال انسحاب القوات الإسرائيلية فيما بقيت في خمس مناطق حدودية. وعليه، فالحرب وتبعاتها من دمارٍ وخراب وضحايا، لم تنتهِ، ولن تنتهي إلّا بعد أن تنسحب إسرائيل التي لا تزال حتّى اليوم تُمعن في تدمير القرى الحدودية تدميراً ممنهجاً، وتحوّل قرى الخط الأوّل إلى أرض محروقة غير صالحة للعيش على الأقلّ في المدى المنظور.

والحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، مرّت بمراحل عديدة؛ بدأت بـ"إسناد" غزّة، في 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، وتغيّرت قواعد الاشتباك في 17 أيلول/ سبتمبر 2024، بعد عملية تفجير "البايجر"، التي قامت بها إسرائيل في ذلك اليوم، ثم بلغت ذروتها صبيحة 23 أيلول/ سبتمبر 2024، حين شنّت غارات موسّعةً على كامل الأراضي اللبنانية من دون سابق إنذار.

تدهور الأحداث هذا، أدّى أيضاً إلى تفاقم الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية في بلدٍ منهار أصلاً، منذ العام 2019، وغير قادر على إعادة بناء نفسه، وهو ما زاد المخاوف من تبعات كارثية للحرب الإسرائيلية الأخيرة.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على الخسائر الاقتصادية والبشرية التي مُني بها لبنان مع نهاية هذه الحرب بالأرقام، جنباً إلى جنب مع التوصيّات التي يمكن تطبيقها لإعادة إعمار البلد ووضعه على سكّة التعافي من جديد.

الخسائر البشرية وخسائر قطاع الصحّة

بحسب وزارة الصحّة اللبنانية، بلغت الحصيلة الإجمالية لعدد الضحايا منذ بدء العدوان في 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، وحتّى الثلاثاء 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، 3،961 شهيداً، و16،520 جريحاً.

تشير تقديرات "البنك الدولي" إلى "فقدان نحو 166 ألف فردٍ، وظائفهم، وهو ما يعادل انخفاضاً في المداخيل قدره 168 مليون دولار أمريكي"، فيما تضرّرت نحو 50 ألف شركة مسجّلة، أي نحو 60% من إجمالي الشركات، بالإضافة إلى تضرّر أكثر من ربع الأراضي الزراعية

هذه الحصيلة هي آخر تحديث رسمي لوزارة الصحّة، ولكنّها غير نهائية لوجود جثامين تحت الأنقاض حتّى اللحظة، خاصّةً في القرى المحتلّة التي لم يدخلها الجيش اللبناني إلا مؤخراً، ولا تزال القوات الإسرائيلية تعيث فيها دماراً وخراباً.

بحسب وزارة الصحة، قُتل 2،678 رجلاً، أي 73% من إجمالي الضحايا، و736 امرأةً، أي 20% من إجمالي الضحايا، و248 طفلاً، أي 7% من إجمالي الضحايا. هذا الرقم طبعاً لا يشمل أعداد مقاتلي حزب الله، التي لم يتم الإفصاح عنها حتّى اللحظة. أما بالنسبة إلى الجرحى، فبلغ العدد الإجمالي 16،520 جريحاً، 12،527 منهم رجال.

الحصيلة البشرية للحرب الإسرائيلية على لبنان

ضحايا الحرب الإسرائيلية على لبنان

أما بالنسبة إلى خسائر القطاع الصحّي، فبلغ عدد الضحايا من القطاع الصحّي 222 بين مسعفٍ وطبيبٍ وممرّض، و330 جريحاً، ما يشير إلى الاستهداف المباشر والممنهج للطواقم الطبية بهدف عرقلة عمليّات الإنقاذ. هذا الاستهداف طال أيضاً 251 آليةً، و94 مركزاً طبّياً وإسعافياً، 40 مستشفى، و231 اعتداءً على جمعيّة إسعافيّة. ووفق بيانات وزارة الصحّة، تركّزت 80% من الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات في أقضية بعبدا (الضاحية الجنوبية لبيروت)، وبنت جبيل وبعلبك، وصور والنبطية والهرمل.

الاعتداءات على المسعفين خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان

ووقعت 75% من الاعتداءات على المسعفين، عندما كانوا يتنقّلون في مهمّات إغاثية، ما يفسّر تدمير إسرائيل 251 سيارة إسعاف وإطفاء، فيما استهدفت 26% من الغارات على المسعفين، مراكز الإغاثة.

كان هدف هذه الاعتداءات الممنهجة على الطواقم الطبيّة والمستشفيات، تعطيل عمليات الإسعاف، خاصّةً في المناطق التي تركّز فيها إسرائيل عمليّاتها العسكرية وغاراتها على الحدود اللبنانية الجنوبية، حيث تغيب التغطية الإعلامية التي تسلّط الضوء على جرائم الحرب الإسرائيلية.

أزمة النزوح

الحرب الإسرائيلية على لبنان وأزمة النزوح

أفاد تقرير لمنظمة الهجرة الدولية، بأنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان، أدّت إلى نزوح نحو 900،000 شخص، حتّى 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. بعد اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ نحو 579،000 نازح بالعودة إلى مناطقهم الأصلية، ما يعني أنّ نحو 321،000 شخص، أي نحو ثلث النازحين، لم يعودوا بعد.

تجدر الإشارة إلى أنّ سكّان بعض القرى الحدودية ما زالوا غير قادرين على الوصول إلى قراهم بسبب وجود القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية واستمرار الخروقات. وتُشير البيانات إلى أنّ 21% فقط من النازحين، أقاموا في مراكز إيواء، بينما لجأ الباقون إلى استئجار مساكن مؤقتة أو الإقامة لدى عائلات مضيفة.

في بيروت، عاد 85.5% من النازحين، وبقي نحو 8،000 شخص في العاصمة.

في المناطق الحدودية الجنوبية، لا تزال بعض القرى تحت سيطرة القوات الإسرائيلية عملياً، ما يمنع سكانها من العودة الفعلية. في الضاحية الجنوبية لبيروت، دُمّرت العديد من المباني، حيث شملت أوامر الإخلاء الإسرائيلية نحو 361 مبنى خلال شهرين، ما يزيد من تعقيد عودة السكان. تواجه الدولة اللبنانية انتقادات لعدم وضعها خطةً واضحةً لإعادة النازحين وإعادة بناء المساكن المدمّرة، وهو الأمر الذي يترك العديد من المواطنين في حالة من عدم اليقين والقلق بشأن مستقبلهم ومساكنهم.

الحرب الإسرائيلية على لبنان خلّفت دماراً واسعاً في محافظتَي الجنوب والنبطية. أظهر تقييم عبر تحليل صور الأقمار الاصطناعية تدميراً كلّياً أو جزئياً لنحو 15،633 مبنى، ما يمثّل نحو 6.6% من إجمالي المباني في هاتين المحافظتين

خسائر الاقتصاد اللبناني

أفادت دراسة أعدّتها مجموعة عمل مستقلّة من خبراء في السياسات العامة والاقتصاد، بأنّ العدوان الإسرائيلي على لبنان، كبّد الاقتصاد اللبناني خسائر تُقدّر بأكثر من 20 مليار دولار. تقلّص الناتج المحلي الإجمالي من 54.9 مليارات دولار في عام 2018، إلى 17.9 مليارات دولار في عام 2023، مع توقّعات بأن تُكلّف الحرب الاقتصاد اللبناني 70% من الناتج المحلي، أي ما يعادل 13 مليار دولار.

كما أدّت الحرب إلى توقّف الأنشطة الاقتصادية في مناطق رئيسية مثل الجنوب والبقاع، والتي تضمّ ثلث سكان لبنان، ما أسفر عن خسائر كبيرة في دخل الأسر وتباطؤ النمو الاقتصادي. كما تشير تقديرات مجموعة البنك الدولي في تقريرها عن خسائر لبنان بعد الحرب، "إلى فقدان نحو 166 ألف فرد لوظائفهم، وهو ما يعادل انخفاضاً في المداخيل قدره 168 مليون دولار أمريكي". تضرّرت نحو 50 ألف شركة مسجّلة، أي نحو 60% من إجمالي الشركات، بالإضافة إلى تضرّر أكثر من ربع الأراضي الزراعية.

ويُقدّر أنّ القطاع الزراعي تكبّد خسائر بنحو 2.5 مليارات دولار، بسبب الأضرار الواسعة الناجمة عن الغارات الجوية، بما في ذلك حرق 1،900 هكتار من الأراضي الزراعية في الجنوب، والتخلّي عن 12 ألف هكتار أخرى.

من المتوقع أن يرتفع معدل التضخّم السنوي، ليصل إلى 54% في نهاية عام 2024، ما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي. كما يُتوقّع أن تتضاعف نسبة الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع لتصل إلى 80% على الأقل في المناطق المستهدفة مباشرةً، بينما على مستوى لبنان بشكلٍ عام، يُتوقّع أن يرتفع عدد الذين يعانون من الفقر المدقع، من نحو 1.6 ملايين شخص قبل الحرب، إلى أكثر من 3 ملايين شخص، أي ما يعادل 60% من السكان.

تُسلّط هذه الأرقام الضوء على التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الكارثية للحرب، وتؤكّد الحاجة الماسّة إلى تدخّلات فعّالة للحدّ من الأزمات المتفاقمة، وتقديم حلول قصيرة ومتوسطة الأمد لتفادي ما وصفه الخبراء بـ"القنبلة الموقوتة".

خسائر البنى التحتيّة

على مستوى خسائر البنى التحتيّة في لبنان، الذي يعاني من انقطاعات في التيار الكهربائي، وشحّ في وصول المياه إلى البيوت، وسوء حال الطرقات في أيّام السلم، قضت الحرب على أساسات البنية التحتية للقرى والمدن الجنوبية. تراوحت خسائر قطاع الكهرباء، نتيجة الحرب، بين 300 و400 مليون دولار، بينما انخفضت عائدات التحصيل بنحو 130 مليون دولار، وفقاً لما صرّح به وزير الطاقة السابق وليد فياض.

أمّا في ما يخص خسائر شبكات المياه، فيقول الوزير فيّاض، إنّ "العدوّ الإسرائيلي دمّر في لبنان منشآت ومباني وتجهيزات عائدةً لقطاع المياه تخطّت كلفتها الإجمالية الـ200 مليون دولار، وحرم مؤسسات المياه من أكثر من 30 مليون دولار كعائدات جباية". كما بلغت خسائر قطاع الاتصالات والإنترنت في المناطق المتضررة، 67 مليون دولار بحسب بيان مكتب وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، جوني القرم.

أضرار المساكن

أضرار الحرب الإسرائيلية على لبنان على الإعمار

أفاد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان، بالتعاون مع جامعة البلمند ومركز البحث البيئي-المساحة المتوسطية الشرقية في جامعة القديس يوسف، بأنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان خلّفت دماراً واسعاً في محافظتَي الجنوب والنبطية. أُجري التقييم عبر تحليل صور الأقمار الاصطناعية بين تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، وتشرين الثاني/ نوفمبر 2024، ويشير إلى تدمير كلّي أو جزئي لنحو 15،633 مبنى، ما يمثّل نحو 6.6% من إجمالي المباني في هاتين المحافظتين.

تتركز الأضرار بشكل رئيسي في أقضية مرجعيون، بنت جبيل، وصور، حيث تقع القرى المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة. يُقدّر عدد الوحدات السكنية المتضررة بنحو 33،448 وحدةً، وهو ما يعادل ربع الأضرار التي لحقت بالوحدات السكنية خلال حرب تموز/ يوليو 2006. يُلاحظ أنّ قضاء مرجعيون شهد النسبة الأعلى من التدمير، حيث تأثّر نحو 27.5% من مبانيه، يليه قضاء بنت جبيل بنسبة 13.5%، ثم صور بنسبة 6.3%.

يعتمد لبنان في المرحلة القادمة، على الدعم العربي والدولي لإعادة الإعمار، ولا سيّما في ظلّ غياب خطّة تعافٍ مالية واقتصادية في بلد لا يزال ينازع منذ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يشهدها منذ عام 2019

نتج عن هذا الدمار نحو 8 ملايين طنّ من الحطام في المحافظتين، موزعة بين 2.3 ملايين طنّ في قضاء صور، و5.7 ملايين طنّ في أقضية النبطية، خاصةً في بنت جبيل ومرجعيون. شمل التدمير 191 قريةً ومدينةً من أصل 376 في الجنوب والنبطية، مع حجم أكبر للأضرار في القرى الحدودية.

ويُشير التقرير أيضاً إلى أنّ هذه التقديرات أوّلية، ولم يتم التحقق منها ميدانياً، كما أنّها لا تشمل الأضرار الطفيفة التي قد لا تظهر في صور الأقمار الاصطناعية. يُسلّط هذا التقييم الضوء على حجم الدمار الذي لحق بالجنوب اللبناني، نتيجة العدوان الإسرائيلي، ما يستدعي جهوداً كبيرةً لإعادة الإعمار والتأهيل في تلك المناطق.

إعادة الإعمار

ودخل لبنان مع بداية 2025، مرحلةً سياسيّةً جديدةً مختلفةً عن كل ما سبقها. حدد الرئيس جوزيف عون، في خطاب القسم، ورئيس الحكومة نواف سلام، إعادة الإعمار في سلّم الأولويات للمرحلة المقبلة في لبنان.

يعتمد لبنان في المرحلة القادمة، على الدعم العربي والدولي لإعادة الإعمار، ولا سيّما في ظلّ غياب خطّة تعافٍ مالية واقتصادية في بلد لا يزال ينازع منذ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يشهدها منذ عام 2019.

يحصل الدمار في ثوانٍ، بينما يستغرق الإعمار سنوات، ويتطلّب قرارات سياسيةً وأموالاً ضخمةً، فهل يحصل لبنان المتعثّر على الدعم المطلوب؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image