شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الهجوم الإسرائيلي على أجهزة حزب الله… نماذج حروب المستقبل وتبعاتها

الهجوم الإسرائيلي على أجهزة حزب الله… نماذج حروب المستقبل وتبعاتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 19 سبتمبر 202405:27 م

"غير مسبوقة" و"الأولى من نوعها" و"بداية شكل جديد من الحروب"، هكذا وصفت تقارير ومقالات على مواقع عالمية تفجير إسرائيل لأجهزة البيجر واللاسلكي يومي 17و18 أيلول/ سبتمبر 2024.

العملية تضمنت تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي التي يستخدمها حزب الله كجزء من نظام الاتصالات الداخلي الخاص به، بعد أن اتخذ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قراره الكبير بالتحول إلى استخدام هذه الأجهزة بدلًا من الهواتف المحمولة في شباط/ فبراير 2024. 

هل التواصل البدائي أكثر أمناً؟ 

القرار كان بدافع الحماية لضمان مزيد من السريّة وعدم الاختراق، بعدما اكتشف الحزب أن العديد من أجهزة عناصره مخترقة بحسب موقع "criticalthreats" المختص بمتابعة الحروب. وبناء عليه تم طلب شحنة الأجهزة الجديدة والتي سميت بـ"البدائية والأكثر أمناً"، وقد وقع الهجوم في أيلول/ سبتمبر 2024. 

"غير مسبوقة" و"الأولى من نوعها" و"بداية شكل جديد من الحروب"، هكذا وصفت تقارير ومقالات على مواقع عالمية تفجير إسرائيل لأجهزة حزب الله من البيجر واللاسلكي في يومي 17 و18 أيلول/ سبتمبر 2024.

هذه العملية وُصفت بأنها سابقة في نوعها، إذ تم اختراق سلسلة التوريد للأجهزة واستبدالها بأجهزة تحتوي على متفجرات بحسب أكثر النظريات تداولًا، وهو ما أشار إليه خبراء بأنه جزء من خطة إسرائيل لاختراق قدرات حزب الله التقنية. وفقًا لمحللين على موقع "middleeasteye" المختص بمراقبة تطورات الصراعات في الشرق الأوسط، فإنّ الهجوم لم يكن لإحداث إصابات فحسب بل كان يهدف أيضًا إلى تعطيل شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله وخلق تأثير نفسي كبير.

يقول الخبير التقني العامل في الأمن السيبراني معاذ خليفات لرصيف22: "برغم كل ما يقال لا يمكن الجزم حتى الآن بأن ما حدث هو حادثة أمن سيبراني بالمعنى العلمي، فهناك عدة سيناريوهات مطروحة لم يتأكد أي منها بعد، السيناريو الأول هو أن الأجهزة تم تفخيخها قبل دخولها إلى لبنان، وهو طرح منطقي لكنني شخصيًا غير مقتنع به، فلو كان هذا ما حدث لصرنا نتحدث عن تحويل الأجهزة إلى آلات قتل، وكان عدد الضحايا ليكون أكبر بكثير على اعتبار أن كل الأجهزة تحولت إلى قنابل".

ويكمل: "السيناريو الثاني هو أن هذه الأجهزة تم العبث بها قبل دخولها إلى لبنان، أي تركيب رقائق إلكترونية صغيرة لا تظهر حتى على أجهزة الفحص، وهنا لا بد من التأكيد على الفرق بين التفخيخ والعبث، فإضافة الرقائق للأجهزة لا يعتبر تفخيخًا للأجهزة، وهذه الرقائق تسهّل استقبال الإشارة من الاحتلال".

أما الاحتمال الأخير بحسب خليفات، فهو استخدام هجوم سيبراني حقيقي 100%، ويقول: "أجهزة البيجر أو البيجنج تستخدم تقنيات تواصل مختلفة، منها ما هو للاهتزاز، ومنها ما يحوي تقنية ديجتال، ويرسل أرقامًا أو نصًا حسب نوع الجهاز، والمشترك في ما بينها أنها جميعًا تستخدم شبكات اتصال، بعضها شبكات اتصال محلية يتم إنشاؤها خصيصًا، وبعضها يستخدم شبكات الراديو على اختلافها UFH أو VHFـ فإذا جزمنا أن ما حدث هو هجوم سيبراني فعلى الأغلب فقد تم من خلال شبكات الاتصال، حينذاك سيكون قد جرى إرسال موجات راديو عالي الفولتية، أكبر من قدرة تحمل الأجهزة، إذ ذاك تسخن البطارية وتؤدي الحرارة الشديدة لانفجارها، أو يحدث تماس كهربائي إذا حصل العبث. بالنسبة لي هذا هو السيناريو الأقرب".

من يراقب التسليح في العالم؟

تقوم الحكومات الوطنية بمراقبة صناعة الأسلحة في بلادها، ففي الولايات المتحدة وأوروبا تتبع هذه العملية لوزارات الخارجية من خلال قانون مراقبة تصدير الأسلحة (AECA)"، ويتم من خلاله مراجعة الصفقات للتأكد من توافقها مع المصالح الوطنية. 

في فبراير 2024 اتخذ حسن نصر الله قراراً بالتحول إلى استخدام أجهزة البيجر واللاسلكي بدلًا من الهواتف المحمولة بدافع الحماية لضمان مزيد من السريّة بعدما اكتشف الحزب أن العديد من أجهزة عناصره مخترقة، وعليه تم طلب شحنة الأجهزة الجديدة والتي سميت بـ"البدائية والأكثر أمناً" 

مثال على ذلك، رفض الولايات المتحدة لصفقة تصدير أسلحة إلى السعودية في عام 2019، بعد أن توصل الكونغرس إلى أن الأسلحة الأمريكية قد تُستخدم في النزاع اليمني بشكل يؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان، ورفض بريطانيا في العام نفسه بيع الأسلحة إلى تركيا بعد تدخل الأخيرة في سوريا، بسبب مخاوفها بشأن استخدام الأسلحة في عمليات عسكرية غير قانونية ضد المدنيين الأكراد.

أما دولياً، فالقانون الحاكم هو "معاهدة تجارة الأسلحة (ATT)"، التي تلعب دورًا هامًا في مراقبة تصدير الأسلحة. فعلى سبيل المثال، في عام 2020، ألغت ألمانيا صفقة بيع أسلحة إلى المملكة العربية السعودية بسبب مخاوف من استخدام هذه الأسلحة في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن. تعتبر هذه الحالة من أبرز الأمثلة على كيفية تطبيق ATT في وقف تدفقات الأسلحة إلى مناطق النزاعات.

هذا بالإضافة إلى معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية والكيميائية كواحدة من أهم الاتفاقيات الدولية التي تنظم هذه الأنشطة. ففي عام 2017، اتهمت كوريا الشمالية باستخدام أسلحة كيميائية لاغتيال كيم جونغ نام، الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية، في مطار كوالالمبور الدولي باستخدام غاز "VX"، وهو ما أثار انتقادات دولية واسعة ودعوات لتشديد العقوبات بحسب هذه المعاهدة.

ماذا لو كانت الدولة المصنعة للسلاح هي التي تستخدمه؟

الأمثلة السابقة تقتصر على بيع الأسلحة وتصديرها، والسؤال الأخطر هو ماذا عندما تكون الدولة المصنعة للسلاح هي التي تستخدمه؟ حينذاك تصبح المسألة أكثر تعقيداً وأقل أخلاقية في فرض حدود قانونية عليها، فحتى اللحظة لا يزال استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة النووية في هيروشيما محل جدل أخلاقي وعسكري.

في هذه الحالة، فإنّ القوانين التي تحكم استخدام الأسلحة تشمل عدة أطر قانونية محلية ودولية، كاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، واتفاقية حظر الألغام الأرضية، بالإضافة إلى القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية التي تشكل جزءًا رئيسيًا من القانون، والتي تفرض على الدول، سواء كانت مصنعة للأسلحة أو مستخدمة لها، الالتزام بقواعد معيّنة مثل التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والضرورة العسكرية، أي عدم استخدام القوة العسكرية بشكل مفرط بما يتجاوز ما هو ضروري لتحقيق أهداف عسكرية مشروعة، وحظر الأسلحة المحرمة دوليًا مثل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. 

خبير تقني: "من الممكن أن هذه الأجهزة تم العبث بها قبل دخولها إلى لبنان، أي تركيب رقائق إلكترونية صغيرة لا تظهر حتى على أجهزة الفحص، وهنا لا بد من التأكيد على الفرق بين التفخيخ والعبث، فإضافة الرقائق للأجهزة لا يعتبر تفخيخًا للأجهزة، وهذه الرقائق تسهّل استقبال الإشارة من الاحتلال، بالمختصر ليس هناك شخص آمن 100% اليوم".

في حالة العداء مع دولة كإسرائيل، لا تلتزم القانون الدولي الإنساني، ولا تخضع لسلطة المحكمة الجنائية الدولية، ومحمية في تصويت مجلس الأمن بالفيتو الأمريكي، تصبح الأمور غاية في الخطورة، لأن جزءاً كبيراً من ترسانتها العسكرية هو من تصنيعها، وبالتالي لا يمكن الضغط عليها من جهة "وقف استيراد هذه الأسلحة". الخبر الأسوأ أن التفوق العسكري هنا يقع في اختصاص الأسلحة التكنولوجية وبرامج التجسس والحرب السيبرانية.

ظهر التطور الإسرائيلي في هذا النوع من الهجمات مع هجوم Stuxnet، الذي تم الكشف عنه في عام 2010، إذ استهدف الهجوم منشأة نطنز النووية الإيرانية باستخدام فيروس سيبراني تسبب في تعطيل أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، مما أبطأ من برنامج إيران النووي. يعتبر ذلك الهجوم واحدًا من الأمثلة التي توضح كيف يمكن للأسلحة السيبرانية التأثير على البنية التحتية الحيوية، وقد اتهمت آنذاك أجهزة الاستخبارات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية بالتخطيط للهجوم.

وفي آب/ أغسطس 2018، استخدمت الولايات المتحدة طائرات بدون طيار في غارة جوية على زعيم طالبان الملا منصور في أفغانستان. كانت هذه الغارة جزءًا من جهود مكافحة الإرهاب، واستخدمت خلالها طائرات مسلحة بتكنولوجيا متقدمة لضرب الأهداف بدقة، وظهرت تصريحات مسربة عن مساهمة إسرائيل في هذه التكنولوجيا.

وفي الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2021، استخدم الجيش الإسرائيلي أسلحة ذكية، بما في ذلك صواريخ موجهة بالليزر، لضرب أهداف محددة بدقة.

وقد ظهر التفوق العسكري التكنولوجي كذلك في حرب الإبادة الحالية، إذ كانت هذه الأسلحة تستخدم لتعقب تحركات قادة حماس والتعرف على الوجوه واستهداف المواقع العسكرية داخل المناطق السكنية، بالإضافة إلى استخدام الذكاء الصناعي ونظام "غوسبل"، مما أثار انتقادات دولية بشأن الأضرار الجانبية. 

أخلاقيات العالم إلى أين؟ 

يقول الدكتور أيمن هلسا أستاذ القانون الدولي لرصيف22: "بغض النظر عن نوع الأسلحة التي تستخدمها الدول، فما دامت لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية المشروعة فسوف تعتبر محرمة دولياً، على قاعدة أنها عشوائية الضرر. فلفترض مثلاً أن أشخاصاً معينين تم استهدافهم على اعتبار أنهم عسكريون، فهذا يعني أن السلاح المستخدم يجب ألا تكون له آثار جانبية على المدنيين والأماكن المدنية، ولو حدث ذلك تعتبر هذه الجرائم جرائم حرب وضد الإنسانية بغض النظر عن نوع السلاح". 

أستاذ قانون دولي: "بغض النظر عن نوع الأسلحة التي تستخدمها الدول تقليدية أو سيبرانية، فما دامت لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية المشروعة فسوف تعتبر محرمة دولياً، على قاعدة أنها عشوائية الضرر".

ويكمل: "ما يحدث هو أن أسلحة جديدة تظهر كل يوم سيبرانية وغيرها، والأصل أنها مشروعة لأن القاعدة القانونية تقول إن الأصل في الأمور الإباحة، حتى يأتي مادة قانونية أو اتفاقية تحرّم استخدامها، بالطبع لا يوجد اتفاقيات جديدة تحرم الأسلحة التكنولوجية، لكننا نعتمد معايير القانون الدولي الإنساني على كل سلاح جديد في ظل غياب اتفاقيات خاصة بهذا النوع. هناك العديد من الأسلحة التي لم ترد فيها نصوص كالنووية مثلًا، على عكس الأسلحة الجرثومية، إذ هناك نص يحرمها، أما أسلحة مثل الدرون فلا يزال هناك جدل كبير جدًا حول مشروعية استخدامها، على الرغم من المحاججة بأن عنصر الدقة بها عالٍ، لكن هذا لا يمنع أن الخطأ يتسبب بمقتل مدنيين؟"

ويجيب خليفات عن سؤال متى تطورت هذه التكنولوجيا بالقول: "هي موجودة منذ سنوات طويلة، فموجات الراديو مستخدمة قبل الإنترنت، لكن المختلف أنها تقنيات سلمية استخدمت للحرب، وبالتالي فسوف تختلف نظرتنا المستقبلية لهذه التكنولوجيا. لذا من الطبيعي ألا نجد قانوناً دولياً يتحدث عنها. لكن تطويع هذه التكنولوجيا السلمية التي يستخدمها الأطباء مثلاً لتكون آلة حرب هو أمر مرعب جداً".

ويختم: "الحقيقة أنه حتى قبل هذا الحدث لا يوجد شخص آمن اليوم. تقنيات التعرف على الوجه والدرون يعتبران آلة قتل بدون أي جهد، وتطويع كل أنواع التكنولوجيا القديمة والجديدة لتصبح أسلحة، كل هذا يعني أن لا أحد اليوم آمن سواء على حياته أو على بياناته الشخصية، لعل الحل يكمن هو الرجوع إلى البدائية، وهذا غير منطقي، لكن الحل السليم هو أخذ الأمن السيبراني ووضع طبقات الحماية التي تقلل الوصول إلى الشبكات، مع العلم أن لا شيء يمنع الوصول بنسبة 100%. نحن نتحدث عن 95% في أحسن الأحوال. الأمن السيبراني يجب أن يتحول اليوم إلى وحدة عسكرية متكاملة، ولا يقتصر على كونه مجلساً يصدر قرارات".  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image