شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"أشعر بالعجز"... كيف تؤثر الصدمات على الأداء الجنسي للرجال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحرية

الثلاثاء 25 فبراير 202512:37 م

في مستشفى الجعيتاوي في الأشرفية، جلس سامي (35 عاماً)، على كرسي الطبيب، يتأمل بوجوم في الشاشة أمامه، حيث كانت نتائج فحصه تظهر في ظلّ الضوء الباهت.

بعد أشهر من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بدأ يشعر بتغيّرات جذرية في جسده. في البداية، كانت المشكلة تكمن في قلة النوم والقلق بسبب الحرب، لكن مع مرور الوقت، بدأ يعاني من انخفاض حادّ في الرغبة الجنسية وضعف الانتصاب، وهي أعراض لم يكن يتوقعها، خاصةً بعد أن كانت حياته الجنسية طبيعيةً قبل الحرب: "كنت أظنّ أنّ الحرب كانت مجرّد هجوم على أرضنا، لكن تبيّن لي أنها هاجمت جسدي وروحي ورغبتي الجنسية أيضاً. لم يكن مجرّد قصف، بل كانت معركةً صامتةً تأخذ منّا أكثر ممّا نتصوّر".

الشعور بالعجز

سامي، واحد من الرجال في المنطقة العربية الذين تأثرت صحتهم الجنسية نتيجة الحرب والأزمات. وبرغم ذلك، فإنّ كثراً منهم يخشون من نظرة المجتمع إليهم، حيث وللأسف في العديد من الأحيان، يُحكم على الرجل بناءً على قدرته الجنسية، وتصبح مشكلاته الجنسية مقياساً لرجولته، وكأن العلاقة الحميمة هي معيار "الرجولة".

سامي، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته تجنّباً لأحكام المجتمع وحفاظاً على خصوصيته، يروي تجربته لرصيف22: "حتى وإن لم تكن الحرب قريبةً مني، فإنّ تأثيراتها كانت تلاحقني في كل مكان. كانت تبعدني عن زوجتي، وتؤثر بشكل كبير على أدائي الجنسي. شعرت بالعجز أمامها، وغالباً ما كنت أتهرّب منها بحجة التعب أو العمل. وكلّما سألنا أفراد العائلة عن فكرة إنجاب طفل ثانٍ بعد ابنتنا الصغيرة، كنت أخشى ألا أتمكن من إنجاب طفل آخر بسبب تدهور قدرتي الجنسية... كان هذا الشعور مؤلماً جداً ومحرجاً".

"كنت أظنّ أنّ الحرب كانت مجرّد هجوم على أرضنا، لكن تبيّن لي أنها هاجمت جسدي وروحي ورغبتي الجنسية أيضاً. لم يكن مجرّد قصف، بل كانت معركةً صامتةً تأخذ منّا أكثر ممّا نتصوّر"

في هذا السياق، تُظهر دراسة أجرتها المكتبة الوطنية للطب، أنّ الحروب وما تتركه من مشاعر مختلطة مثل الاكتئاب والقلق، تُؤثر بشكل كبير على الأداء الجنسي لدى الرجال.

في الواقع، الحروب لا تقتصر آثارها على المعارك الجسدية، بل تمتد لتصل إلى أعمق جوانب النفس البشرية، حيث يواجه الكثير من الجنود والمشاركين في النزاعات صدمات نفسيةً تترك بصمتها على حياتهم الخاصة.

التوتر والقلق المستمران يمكن أن يؤديا إلى تدهور القدرة الجنسية، ما يسبّب مشكلات تؤثر على العلاقات الشخصية، ويساهم في الشعور بالعجز والخجل. هذه الآثار النفسية لا تقتصر فقط على الفترة الزمنية التي تلي الحروب، بل يمكن أن تكون لها تداعيات طويلة الأمد، قد تؤثر بشكل سلبي على حياة الرجل الشخصية، وعلى استقراره العاطفي والاجتماعي.

عن تأثير الحروب والضغوط النفسية على الصحة الجنسية للرجال، تقول الأخصائية النفسية كلوديا طبارة: "عندما يتعرّض الرجال لمواقف عالية الضغط مثل الحروب أو صدمات عاطفية شديدة، فإنّ أجسامهم تتفاعل مع هذه الضغوط بطرائق متعدّدة. من أبرز هذه التأثيرات، التأثير على هرمونات الجسم، وبالأخص التستوستيرون الذي يُعدّ أساسياً في تنظيم الرغبة الجنسية وصحة الجهاز التناسلي".

وتشرح لرصيف22، أنّ التوتر المستمر بسبب الخوف والقلق وفقدان الأحبة، يسبب زيادةً في إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، ما يؤثر بشكل مباشر على الدورة الطبيعية للهرمونات الجنسية: "هذا التغيير الهرموني قد يؤدي إلى اضطرابات في القدرة الجنسية، مثل ضعف الانتصاب، انخفاض الرغبة الجنسية، وأحياناً قد يصل إلى مشكلات أكثر تعقيداً مثل العقم".

تلحظ طبارة، بشكل شائع، أنّ "الرجال الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) يظهرون مستويات أقل من التستوستيرون، وهذا بدوره يؤدّي إلى تراجع القدرة على الإحساس بالحافز الجنسي أو التفاعل الجسدي بشكل عام: "إنّ تأثيرات الحروب على الرجال ليست فقط جسديةً ولكنها نفسية أيضاً، حيث تترك آثاراً عميقةً قد تستمر لفترات طويلة، ما يستدعي تدخلاً طبياً لمساعدتهم على استعادة توازنهم الصحي."

وتوضح أن إحدى أهم النقاط التي يجب أن نركز عليها، هي أنّ هذه المشكلات "ليست مجرّد نتيجة بيولوجية بل هي نتيجة تفاعل مع الظروف النفسية والاجتماعية المحيطة بهم، ولذلك يجب أن يكون العلاج شاملاً، يتضمن العلاج النفسي والهرموني، فضلاً عن الدعم الاجتماعي"، على حدّ قولها.

"جسدي يخذلني"

الوضع في غزّة أكثر تعقيداً، حيث إنّ الحرب التي دمرت البنية التحتية وأثّرت على الحياة اليومية بشكل لا يُحتمل، جعلت من الصعب على العديد من الرجال أن يحافظوا على حياتهم الطبيعية، بما في ذلك صحتهم الجنسية.

ما بين خسارة الأهل، والخوف من القصف، وفقدان الأمل، عانى العديد من الرجال من تدهور في صحتهم الجنسية والنفسية.

"شعرت بالعجز أمامها، وغالباً ما كنت أتهرّب منها بحجة التعب أو العمل. وكلّما سألنا أفراد العائلة عن فكرة إنجاب طفل ثانٍ بعد ابنتنا الصغيرة، كنت أخشى ألا أتمكن من إنجاب طفل آخر بسبب تدهور قدرتي الجنسية... كان هذا الشعور مؤلماً جداً ومحرجاً"

يروي أحمد، كيف أنّ الخوف والتوتر الناتجين عن الحروب المتكررة أثّرا على حياته الشخصية: "عندما كنت في الخطوط الأمامية خلال الهجوم، كنت أشعر بأنني مهدّد في كل لحظة. بعد الحرب، لم أعد قادراً على التركيز على أي شيء سوى الوصول إلى مكان آمن مع عائلتي. مشكلتي كانت في البداية نفسيةً، لكن سرعان ما بدأت أشعر بأنّ جسدي يخذلني، وكان ذلك يشمل حياتي الجنسية".

وبحسب دراسة أجرتها إحدى المؤسّسات الصحية الدولية بعد الحرب في غزّة، تم رصد انخفاض حاد في خصوبة العديد من الرجال الذين تعرّضوا لضغوط نفسية شديدة في أثناء النزاع، حيث أظهرت النتائج انخفاضاً كبيراً في قدرة الحيوانات المنوية على التخصيب.

"أخجل من إظهار ضعفي"

أما في سوريا، فالحرب المستمرة منذ 2011، أفرزت مآسي مشابهةً على مستوى الخصوبة الجنسية لدى الرجال، وشهدت البلاد تدميراً هائلاً للبنية التحتية والصحية، ما جعل الوصول إلى العلاج الطبي أمراً صعباً للغاية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ العامل النفسي كان له دور أساسي في تدهور صحة الرجال الجنسية.

"في البداية، كانت الحرب مجرد أزيز رصاص بالقرب منا، ولكن بعد سنوات من الصراع، بدأت أشعر بأنّ جسدي لم يعد كما كان"، يقول فراس، أحد الشباب الذين عاشوا سنوات الحرب في حلب.

ويضيف لرصيف22: "لم أعد أستطيع التركيز على شيء آخر غير القصف والدمار، وبدأت أشعر بعدم القدرة على العيش بشكل طبيعي. علاقتي مع زوجتي، كانت معقدةً جداً، حتّى وصلت إلى حد الانفصال، إذ شكّكت في أنني أقوم بخيانتها إلا أنني كنت أخجل من إظهار ضعفي أمامها".

 "بعد الحرب، لم أعد قادراً على التركيز على أي شيء سوى الوصول إلى مكان آمن مع عائلتي. مشكلتي كانت في البداية نفسيةً، لكن سرعان ما بدأت أشعر بأنّ جسدي يخذلني، وكان ذلك يشمل حياتي الجنسية"

بحسب الاختصاصي الجنسي فايز عطوي، "مفهوم ضعف الانتصاب طبياً، يعني عدم القدرة على الحصول على الانتصاب أو الحفاظ عليه بما يكفي لممارسة الجنس. قد تكون هذه المشكلة عرضيةً أحياناً، ولكن إذا كانت مستمرةً، فإنها يمكن أن تؤثر على الصحة النفسية والعلاقات".

تتعدّد أسباب ضعف الانتصاب بين الجسدية والنفسية، وفق ما يشرح عطوي، لرصيف22: "الأسباب الجسدية تشمل مرض القلب، ارتفاع ضغط الدم، السكري، السمنة، وبعض الأدوية المقرّرة بوصفة طبية. كما يمكن أن تلعب مشكلات في الأوعية الدموية أو الأعصاب دوراً في تقليل القدرة على الانتصاب. أمّا الأسباب النفسية فتتضمن القلق، الاكتئاب، التوتر والمشكلات العاطفية في العلاقات. في بعض الحالات، يؤدّي الضغط النفسي الناتج عن مشكلات صحية بسيطة إلى زيادة القلق حول القدرة الجنسية، ما يفاقم المشكلة".

يُوضح الدكتور عطوي، أنّ "ضعف الانتصاب لا يؤثر فقط على القدرة الجنسية، بل قد يؤدّي إلى مشكلات أعمق مثل التوتر النفسي، تدنّي الثقة بالنفس وتوتر العلاقات العاطفية. هذه الحالة قد تؤثر أيضاً على القدرة على الإنجاب. لكن لحسن الحظ، يمكن علاجها بناءً على السبب الكامن وراءها، فقد يشمل العلاج تناول الأدوية أو اللجوء إلى تقنيات علاجية نفسية مثل العلاج السلوكي المعرفي. وفي ما يتعلق بالوقاية، يُنصح بتغيير نمط الحياة، مثل الإقلاع عن التدخين، ممارسة الرياضة والحرص على تناول أطعمة مفيدة مثل المكسرات، الأسماك، والسبانخ التي تدعم الصحة الجنسية. أمّا في الحالات المتقدمة، فقد يتطلب الأمر تدخلاً طبياً متخصصاً لضمان الحصول على العلاج الأمثل".

باختصار، الآثار النفسية والجسدية التي تتركها الحروب على الرجال، تتجاوز ما قد يبدو للوهلة الأولى دماراً مادياً. فالأثر الذي تتركه الحروب على القدرة الجنسية لا يقلّ تأثيراً عن الأضرار الجسدية، بل قد يكون أعمق وأطول تأثيراً. من خلال قصص حيّة ومؤلمة نلمس حجم التحدّيات التي يواجهها الكثيرون في صمت، حيث يصبح العجز الجنسي ليس مجرّد مشكلة جسدية، بل صراعاً مع الهوية والمجتمع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image