ضعف الرغبة الجنسية... أزمة الأزواج الصامتة وطرق التغلب عليها

يمثّل ضعف الرغبة الجنسية إحدى أبرز المشكلات الرائجة بين الزوجين، ويتسبب عدم تكافؤ الرغبات في حدوث حالة من عدم الرضا عن الحياة الجنسية بينهما. فما هي سبل تحقيق التوازن بين الطرفين؟ وهل هناك أوقات معيّنة تقلّ فيها رغبة الزوج/ ة الجنسية؟ وما هي التحديات المرتبطة بتفاوت الرغبة الجنسية؟

لا شك أن اختلاف الرغبة الجنسية بين الزوجين، أمر يحدث بشكل طبيعي وله ظروفه المتعددة، وبنسبة قليلة قد تكون هناك رغبات جنسية متطابقة، لكن الشائع وجود طرف يريد ممارسة الجنس بنسبة أكثر مقارنةً بشريكه الذي قد لا يرغب في أوقات معينة أو لا يفضل وضعيات جنسيةً معيّنةً مما قد يتسبب في عدم استقرار الحياة الجنسية وتنتج عنه مشكلات زوجية.

عدم تكافؤ الرغبات الجنسية

تعرّض سمير (42 عاماً)، لنزيف في الجهاز الهضمي نُقل على إثره إلى المستشفى ما أثّر على حالته النفسية فدخل في موجة اكتئاب، وكان الدواء الذي وصفه له الطبيب قد تسبب في زيادة رغبته الجنسية.

وعن هذه النقطة، يقول لرصيف22: "كنت بزعل جداً لما أحس إن مراتي بتعمل العلاقة عشان ترضيني وهي مش مبسوطة. وكنت بزعل لما هي متطلبش العلاقة وأنا مطلبش عشان محمّلهاش أكتر من طاقتها وتحصل العلاقة بعد فترة صمت"، مشيراً إلى أن هذا ما جعله يُقدِم على مشاهدة الأفلام الجنسية على مواقع الإنترنت وممارسة العادة السرية لتحقيق حاجته الجنسية.

يمثّل ضعف الرغبة الجنسية إحدى أبرز المشكلات الرائجة بين الزوجين، ويتسبب عدم تكافؤ الرغبات في حدوث حالة من عدم الرضا عن الحياة الجنسية بينهما. فما هي سبل تحقيق التوازن بين الطرفين؟ وهل هناك أوقات معيّنة تقلّ فيها رغبة الزوج/ ة الجنسية؟

أما عبد الله، البالغ من العمر 33 عاماً، ويعمل مهندساً زراعياً، فلم يمر على زواجه أكثر من 5 أعوام، وكانت رغبة زوجته الجنسية متكافئةً مع رغبته تماماً، ثم أخذت تتضاءل رغبة شريكته بشكل تدريجي مع الإنجاب، ونقصت بشكل ملحوظ مع انشغال الزوجة بالعمل والطفل معاً، الأمر الذي لم يعطِه فرصةً للتعبير عن رغبته الجنسية.

متى تقلّ الرغبة الجنسية لدى المرأة؟

يعلّق الدكتور نبيل القط، عضو البرج الأوروبي للطب الجنسي، في حديث إلى رصيف22، بأن رغبة المرأة الجنسية تقلّ بشكل ملحوظ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل وتستمر بعد الولادة ولمدة 6 أشهر، لافتاً إلى أن عدم معرفة الزوج بهذا التأثر الناتج عن عمليات فيزيولوجية طبيعية في أجساد النساء، قد يجعل بعض الرجال يشعرون بالانزعاج ويتهمون الزوجة بالتقصير والإهمال: "زيادة الهرمون اللبني في جسم المرأة يؤثر على الرغبة الجنسية بشكل عكسي، وهذا يحدث مع الرجال أيضاً".

وفي السياق نفسه، يشير القط إلى انخفاض الرغبة بشكل تدريجي بعد حدوث الإخصاب، وكذلك في الأشهر الثلاثة الأولى من فترة الحمل وعند استخدام مانع حمل غير مناسب: "يجب على المرأة التي ترغب في استخدام مانع الحمل أن تعود إلى الطبيب/ ة لتركيب وسيلة مناسبة مع ظروفها العمرية والصحية".

نشأت صفية، وهي ربّة منزل، في بيئة محافظة يتوجب فيها على النساء عدم الإفصاح عن رغبتهنّ الجنسية وعدم طلب العلاقة الجنسية من الزوج، إلا أنها كانت تعاني من ضعف العلاقة الحميمة مع زوجها لكونه مريضاً بالسكري ويعاني من ضعف في الانتصاب.

في أثناء زيارة للمستشفى لإجراء تحاليل طبية، التقت صفية بالدكتور عمرو طارق، الذي يقول لرصيف22: "كانت الزوجة في حالة سيئة بسبب ضعف قدرة زوجها الجنسية وضعف رغبته، لكن الجيد في الموقف أنها كانت تبحث له عن علاج وهذا أمر غير متعارف في الأقاليم الفقيرة".

ضعف الرغبة لدى الرجال

بحسب بيانات رسمية صدرت عن معهد أمراض الذكورة والصحة الجنسية في الهند "IASH"، فإن نسبة الاختلالات الجنسية عند الرجال تصل إلى 52% بين الذكور، ونحو 34% منهم مصابون بضعف شديد في الانتصاب، خاصةً عند المرحلة العمرية التي تبدأ من سنّ الـ40 عاماً وتستمر حتى الـ70، مما يتسبب في حدوث اضطراب الرغبة الجنسية عند الذكور.

ويعلل معهد أمراض الذكورة، أسباب اضطراب الرغبة الجنسية عند الذكور، بأنها ترجع إلى شيوع حالة من التوتر بين الزوجين مما يؤثر على الزوج نفسياً ويضعف رغبته الجنسية، بالإضافة إلى انخفاض في هرمون التستوستيرون، الذي يقلل الرغبة الجنسية ويكون ضعفه ناتجاً عن مشكلة فيزيولوجية لا سيما بعد إجراء جراحات البروستاتا، أو ناتجاً عن نقص الأندروجين، ما يتطلب العلاج ببدائل التستوستيرون.

 "كانت الزوجة في حالة سيئة بسبب ضعف قدرة زوجها الجنسية وضعف رغبته، لكن الجيد في الموقف أنها كانت تبحث له عن علاج وهذا أمر غير متعارف في الأقاليم الفقيرة"

كما يشير المعهد إلى أن عدم شعور الرجال برضا النساء عن العلاقة الجنسية يضعف رغبة الرجل الجنسية، وكذلك تناول مضادات الاكتئاب. والشعور بالإجهاد أو التعب يقلل أيضاً الرغبة الجنسية عند الذكور.

وفي تقرير نشره مستشفى "ميد بارك" الطبي في جنوب شرق آسيا على موقعه الرسمي، يشير الدكتور أكاني وونجساوات، طبيب المسالك البولية، إلى مسببات ضعف الرغبة الجنسية عند الذكور، ويذكر منها انخفاض تدفق الدم إلى القضيب، الناتج عن التدخين وارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة، مشيراً إلى ضرورة علاج هذه المشكلات التي يمكن أن تتسبب مستقبلاً في انخفاض تدفق الدم إلى بقية الأعضاء بما في ذلك القلب.

ويرجّح طبيب المسالك البولية في بحثه، أن تخوّف بعض الرجال وقلقهم المسبق من الأداء الجنسي يتسببان في تراجع الرغبة الجنسية، بالإضافة إلى فقدان الاهتمام بالأنشطة الجنسية لذا تتضاءل الرغبة، فيما يلفت البحث إلى صدمة القضيب في أثناء العلاقة الجنسية والتي تظهر في شكل تطور أنسجة ندبية ليفية تسبب انتصاباً منحنياً وربما مؤلماً، ويفقد الذكور الرغبة في ممارسة الجنس. ويؤكد البحث أن هناك نحو 7% من الرجال يعانون من هذا الانحناء غير الطبيعي للقضيب والذي يمكن أن يسبب الألم وعدم القدرة على الممارسة الجنسية خاصةً عندما يكون الانحناء أكثر من 60 درجةً.

في هذا السياق، يشير تقرير مستشفى "ميد بارك"، إلى طرائق علاج ضعف الرغبة الجنسية عند الذكور، بدءاً من اتّباع سلوك يومي جيد يمارس فيه الفرد التمارين اليومية ويتناول الطعام الصحي وصولاً إلى تحسين جودة النوم وتقليل التوتر والقلق، مشدداً على ضرورة ترك التدخين وشرب الكحوليات، كما نصح البحث باللجوء إلى حقن القضيب بإنزيم الكولاجيناز لتحسين الانحناء، لقدرته على تكسير الكولاجين وإزالة الأنسجة الندبية في القضيب.

المشكلات الصحية وتأثيرها على الرغبة الجنسية

"إن كانت رغبة المرأة الجنسية أقوى من رغبة الرجل، نطرح السؤال التالي: هل هناك مشكلات صحية عند الرجل؟ هل يعاني مثلاً من سرعة القذف أو الضعف الجنسي؟ هل تعرّض للعلاج؟ مثلاً إن كان الزوج يدخّن بشراهة، فإن ذلك يتسبب في تراجع رغبته وقدرته الجنسية لذلك يتوجب عليه أن يتخلص من هذه العادات الضارة صحياً ليستعيد قوته الجنسية"؛ بهذه الكلمات يبدأ طبيب الأمراض المنقولة جنسياً، عمرو جوهر، حديثه إلى رصيف22، موضحاً أنه في حال عدم وجود مشكلات صحية لها تأثير واضح على القدرة الجنسية فإن المشكلة الجنسية قد تكون مرتبطةً بالعمر: "قد يكون الزوج أكبر في العمر من المرأة وقدرته الجنسية أصبحت أضعف ورغبته في ممارسة الجنس صارت ضعيفةً أيضاً، بالمقارنة مع رغبات الزوجة الجنسية التي قد تكون أقوى من رغباته وهنا يحدث الخلل".

من جهة أخرى، يؤكد جوهر على ضرورة التنسيق قبل الجماع واستخدام عنصر الإثارة والمداعبة لاستمالة مشاعر الشريك/ ة: "في حال كان أحد الزوجين يتناول أدويةً تؤثر على القدرة الجنسية، سواء أدوية الضغط أو أدوية السكر، فيجب أن يعود إلى الطبيب/ ة ليقوم بتغيير العلاج".

الاضطرابات الجنسية تقتل الرغبة الجنسية

في دراسة بحثية قدّمتها إسراء محمد السحيمي، وهي اختصاصية نفسية إكلينيكية في مستشفى الوادي أكتوبر في مصر، بعنوان: "الفروق بين المتزوجات حديثاً ذوات اضطراب ضعف الاستثارة الجنسية"، تبيّن وجود علاقة ارتباطية جوهرية بين المعتقدات الجنسية السلبية والأفكار الجنسية الخاصة بالسلوك الجنسي والرغبة الجنسية.

وتشير الدراسة إلى أن 45% من الأزواج، سواء الذكور أو الإناث، يعانون من اضطرابات جنسية في فترة معينة من حياتهم، تؤثر مباشرةً على الرغبة الجنسية عندهم، وتشكل هذه الاضطرابات الجنسية أحد الأسباب التي تُضعف الرغبة الجنسية خاصةً في ما يتعلق بالنشوة الجنسية والرعشة والأوجاع المصاحبة للجماع، فيما يستوجب على الشريكين أن ينوّعا الطرائق المستعملة في إثارة كل منهما للآخر.

تُعدّ اضطرابات الرغبة الجنسية في عالمنا العربي من الاضطرابات التي لا يتم علاجها بشكل كافٍ، مما يؤدي إلى قدر كبير من الاعتلال في العلاقات، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالرجال إذ يظن بعضهم أن مشكلات ضعف الرغبة الجنسية والعجز الجنسي هي مشكلات نسائية بالدرجة الأولى

بدورها، ترى الدكتورة موندا وديع، وهي استشارية علاقات زوجية، خلال حديثها إلى رصيف22، أن مشكلة ضعف الرغبة الجنسية هي من أبرز المشكلات التي يعاني منها الزوجان، ما يجعل أحد الطرفين يتهم الآخر بالعجز الجنسي أو البرود أو الضعف، لافتةً إلى ضرورة استيعاب كل طرف لظروف الشريك/ ة النفسية والجنسية، وأن يحاولا معاً البحث عن حلول علاجية مع الطبيب/ ة المتخصص/ ة: "على كل طرف أن يقبل الآخر ويتفهم ظروفه دون تعريضه للاتهام والمضايقات ما قد يجعلهما يتباعدان".

وتشدد موندا على أهمية الحوار بين الزوجين بحيث يكشف كل منهما عن مشاعره وظروفه الجنسية للآخر، حتى لا يشعر أحدهما بالفتور الجنسي ويبحث عن إشباع رغبته عند طرف آخر دخيل على العلاقة ما يؤدي إلى الخيانة الزوجية.

باختصار، تُعدّ اضطرابات الرغبة الجنسية في عالمنا العربي من الاضطرابات التي لا يتم علاجها بشكل كافٍ، مما يؤدي إلى قدر كبير من الاعتلال في العلاقات، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالرجال إذ يظن بعضهم أن مشكلات ضعف الرغبة الجنسية والعجز الجنسي هي مشكلات نسائية بالدرجة الأولى حتى لو كانوا يعترفون أمام أنفسهم بأنهم يواجهون مشكلات بالفعل، مع العلم بأن ضعف الرغبة الجنسية وغياب التخيّلات الجنسية والرغبة في النشاط الجنسي من المشكلات التي تواجه الطرفين وليست متعلقةً بالنساء فحسب.