شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
روابط تحت النار... كيف تعيد الحرب في ليبيا تشكيل علاقاتنا الحميمية؟

روابط تحت النار... كيف تعيد الحرب في ليبيا تشكيل علاقاتنا الحميمية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 4 فبراير 202507:59 ص

تلقي النزاعات والحروب بظلالها الثقيلة على مختلف جوانب الحياة، ما يؤدي إلى تغييرات جذرية تؤثر بشكل مباشر على الأفراد والعائلات والمجتمع ككل.

عندما تنشب الحروب، تُجبر العائلات على التكيّف مع واقع جديد يفرض تحديات لا حصر لها، منها الفقد، النزوح والانفصال. النزاع الليبي وما يحمله من آثار على العلاقات الحميمة، يقدّم لنا مشهداً غنياً بالتفاصيل عن هذه التأثيرات.

في هذا المقال، نستعرض تجارب أشخاص تأثّرت حياتهم بسبب النزاع، مع تسليط الضوء على الآثار النفسية والاجتماعية للحروب وكيفية تأثيرها على العلاقات الحميمية. نطرح أيضاً آراء أخصائيين نفسيين يعملون في هذا السياق، لخلق فهم أعمق لهذه الظاهرة المتعدّدة الجوانب.

تأثير الحروب على الصحة النفسية والجنسية

تحكي سعاد (اسم مستعار)، وهي أم لطفلين ونازحة من مدينة في شرق ليبيا، قصّتها لرصيف22: "بعد خسارة زوجي في الحرب، اضطررت للعيش مع أهل زوجي. تحوّلت حياتي إلى دائرة لا تنتهي من الضغوط. شعرت بالوحدة وعدم الأمان، وهذا أثّر على علاقتي بأطفالي، حيث كنت أفرغ غضبي وإحباطي عليهم دون وعي".

وتضيف: "عندما لجأت إلى أخصائية نفسية، بدأت أفهم تأثير الحرب على حياتي وصحتي النفسية، وأتعامل مع مشاكلي بطريقة مختلفة، كما تحسّنت علاقتي بأطفالي".

"بعد خسارة زوجي في الحرب، اضطررت للعيش مع أهل زوجي. تحولت حياتي إلى دائرة لا تنتهي من الضغوط. شعرت بالوحدة وعدم الأمان، وهذا أثّر على علاقتي بأطفالي، حيث كنت أفرغ غضبي وإحباطي عليهم دون وعي"

في حديثها مع رصيف22، تقول خلود حمد، أخصائية نفسية متخصّصة في علاج الاضطرابات النفسية لدى الكبار كنتيجة مباشرة للحروب: "النزاعات تترك وراءها موجة كبيرة من اضطرابات القلق، واضطراب ما بعد الصدمة PTSD، واضطرابات شخصية تؤثر بشكل مباشر على العلاقات العائلية"، مشيرة إلى أن الضغوط النفسية المزمنة الناتجة عن الحروب تساهم في زيادة نوبات الغضب والصراعات العائلية.

وتتابع بالقول: "إن الأثر النفسي ينعكس مباشرة على الرغبة الجنسية، إذ يؤدي القلق والاكتئاب إلى تقليل الطاقة الجنسية، كما أن الصدمات النفسية الناجمة عن العنف أو النزوح، خاصة في البيئات غير الآمنة، تزيد من حالات انعدام الثقة والشعور بعدم الأمان بين الشريكين، ما يؤثّر على العلاقة الحميمة"، كاشفة أن نقص التوعية بالصحة الجنسية، ووصمة العار المرتبطة بالحديث عنها، يؤديان إلى استمرار المشكلات دون حلول.

تأثير الحرب على العلاقات الأسرية

"النزاعات تعمّق الانقسامات داخل الأسرة"، هذا ما يقوله الناشط الحقوقي ومدير منظمة "رصد الجرائم" في ليبيا، علي العسبلي، في حديثه مع رصيف22.

ويضيف: "في بنغازي عام 2014، شهدنا عائلات تواجه بعضها البعض في مواجهات مسلحة بسبب تبنّي أفرادها مواقف سياسية متضاربة. هذه الانقسامات أثّرت بشكل كبير على استقرار المجتمع".

من ناحية أخرى، يقول عبدالرحمن، أحد النازحين: "النزوح من مدينة إلى أخرى غيّر كثيراً في ديناميكية العلاقات"، ويتابع بالقول: "رغم زيادة الترابط داخل الأسرة الواحدة بسبب العيش المشترك في بيئة جديدة، إلا أن المسافات الجغرافية وتدهور الأمن أديا إلى انقطاع العلاقات مع الأقارب في مناطق النزاع".

التحديات الاقتصادية والاجتماعية

تعمّقت التحديات الاقتصادية والسياسية في ليبيا بشكل جعلها تؤثر مباشرة على الروابط العائلية، وهو ما يُظهره واقع الأسر التي تعيش تحت وطأة النزاعات المسلحة.

في هذا السياق، يقول عبدالرحمن: "انقطاع مصادر الدخل وانعدام الاستقرار زادا من الضغوط النفسية على الأفراد، ما أدّى إلى تدهور العلاقات داخل الأسرة. هذه الضغوط ليست مجرد شعور، بل تتجلى في المواقف اليومية، مثل النزاعات العائلية ورفض المجتمع المحيط. تعرّضنا شخصياً لحالة رفض اجتماعي عندما تم رفض زواج شقيقتي بسبب وصمة النزوح".

رغم ذلك، لا تخلو هذه الظروف من محاولات التأقلم والتضامن، حيث ظهرت مبادرات محلية لتعزيز روح التكافل بين العائلات المتضرّرة، وفق ما يؤكد عبد الرحمن: "رغم التحديات، ظهرت مبادرات تضامنية بين النازحين، حيث تقدم العائلات النازحة الدعم لبعضها البعض من خلال التكافل".

بالإضافة إلى ذلك، يبرز الجانب الإعلامي كعامل رئيس في تشكيل الوعي المجتمعي تجاه هذه القضايا.

في هذا السياق، يقول الناشط علي العسبلي: "الإعلام في ليبيا يعاني من انحياز واضح، ما جعله أداة لتأجيج الصراع بدلاً من المساهمة في إصلاح النسيج المجتمعي، لكن هناك منصّات مستقلة تعمل على نشر قيم المصالحة، رغم إمكانياتها المحدودة".

توصيات للمستقبل

لتجاوز آثار الحرب على العائلات والمجتمع، يوصي المشاركون بمجموعة من الخطوات التي يمكن أن تُسهم في تحقيق التماسك الاجتماعي والانسجام الأسري، كتعزيز الوعي بالصحة النفسية والجنسية، وفق ما تقول خلود حمد: "يجب أن تكون الصحة النفسية والجنسية جزءاً من المناهج التعليمية والبرامج التوعوية. الحديث عن هذه القضايا بدون وصمة عار يساهم في تحسين العلاقات بين الشريكين".

كما تدعو خلود إلى تنفيذ برامج إرشادية جماعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالعنف الأسري ودعم النساء ضحايا العنف: "توفير خدمات الإرشاد الأسري بشكل دوري يمكن أن يحقق تقدّماً ملحوظاً في تخفيف آثار الحروب على العائلات".

هذا وتطالب بضرورة تواجد الأخصائيين/ات النفسيين/ات في المدارس والمستشفيات العامة، لتقديم الدعم النفسي للأفراد والأسر.

"يؤدي القلق والاكتئاب إلى تقليل الطاقة الجنسية، كما أن الصدمات النفسية الناجمة عن العنف أو النزوح، خاصة في البيئات غير الآمنة، تزيد من حالات انعدام الثقة والشعور بعدم الأمان بين الشريكين، ما يؤثر على العلاقة الحميمة"

وبدوره، يقول العسبلي: "ينبغي توفير برامج دعم موجهة للنساء والأطفال باعتبارهم الفئات الأكثر تضرّراً. النساء غالباً ما يتحمّلن العبء الأكبر في الحفاظ على تماسك الأسرة خلال النزاعات وبعدها، في حين أن الأطفال يواجهون صدمات قد تؤثر على مستقبلهم. كما لا يمكن إغفال أهمية المصالحة الوطنية كحلّ طويل الأمد لتخفيف الانقسامات المجتمعية".

ويضيف: "برامج المصالحة التي تشمل جميع فئات المجتمع دون استثناء، بما في ذلك الضحايا والنازحون، يمكن أن تكون حجر الأساس لبناء مجتمع متماسك ومستقر".

ويختم حديثه بالقول: "من الضروري تحسين قنوات الاتصال بين المنظمات الدولية والمحلية لضمان تقديم الدعم المستدام للأسر المتضرّرة، مع التركيز على بناء القدرات المحلية".

باختصار، تُعيد الحرب تشكيل ملامح المجتمع والعائلة بشكل جذري، ما يجعلها تحدياً يتطلب تكاتف الجهود لإصلاح ما تسبّبت فيه النزاعات من أضرار، لكن الأمل لا يزال قائماً، خاصة مع ظهور قصص التضامن التي تسلط الضوء على قدرة الإنسان على التكيّف والتعافي.

من خلال دعم المبادرات الإيجابية وتعزيز الوعي المجتمعي، يمكننا تقليل آثار الحرب وتحقيق تماسك أكبر بين الأفراد والأسر، وكما قال عبدالرحمن: "رغم كل شيء، يبقى الأمل هو ما يدفعنا للاستمرار وبناء مستقبل أفضل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image