يُنشر هذا النصّ ضمن "لنتخيّل"، وهو ملفّ مفتوح يضم نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات وتقارير صحافيةً نتخيّل من خلالها المستقبل الذي نوّد أن نعيش فيه، أو ذلك الذي سيُفرض علينا.
ذلك الوقت الذي تتأرجح فيه عينان وجسد بين اليقظة والمنام، قد ينحصر في دقيقتين بين صوت المنبّه وصوت خطواتي المتثاقلة استعداداً ليوم مليء بضجيج المدرسة وصراخ التلاميذ غير المبرَّر. وقد يمتدّ لساعات صباح الجمعة والسبت، وأنا أغيظ المنبّه في كل مرة، فأعيد تعديله فقط لأقابل رنينه المُلِحّ بابتسامة نصرٍ كسولة.
هذا الصباح لم يرنّ المنبّه، لكن الضوء الساطع في المكان منعني من فتح عينيّ على اتساعهما، فكنت أتراجع وأعود إلى النوم كلّما صفع الضوء الشديد جفنَيَّ المتأهبَين للحركة، فأغمض عينيّ وأعود للنوم من جديد.
لا أذكر عدد المرات التي فعلت فيها ذلك، لكنني اكتفيت الآن من مواجهة جيوش النهار التي تحيط بي، وتدعوني للانضمام إليها. وقبل أن أرفع خدّي الأيمن من مكانه، تحسست وأنا أتثاءب، تراباً بين أسناني، فحرّكتها مراراً لأتأكد. نعم، هذا تراب، قلت في نفسي، وأنا أهمّ بالنهوض بوضع يدي على فراشي. لكن التراب كان هناك أيضاً، وبفزعٍ تحركت لأنهض وأنا أقاوم سطوع الضوء الذي لم أعتده في غرفتي صباحاً.
وقفت وأنا لا أكفّ عن الالتفات حولي: أين غرفتي؟ أين فراشي؟ أين المنزل كله؟ ولماذا أقف وسط الرمال أواجه ضوء الشمس وحيدةً؟ أين أنا؟ وأين الجميع؟ وماذا أفعل هنا؟ أخرستني الأسئلة، لكن خيال جسد صغير يقف قريباً منّي، جعلني أصرخ بفزع، ما جعله يبتعد بضع خطوات شاهراً في وجهي حجراً صغيراً حمله بكلتا يديه دون أن يرميني به.
ابتعدت خطوتين، قبل أن أدرك أنّ هذا الجسد لطفل صغير يبدو غريباً بملابسه القديمة وشعره الأشعث القصير. من أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ وأنا؟ تلعثمت، وأنا أترنّح تحت وطأة هذا المشهد، وحاولت مجاراة الثبات في عينيّ الصبي الواقف أمامي. نظرت إليه وهو يقبّل الحجر الذي كان يوجهه إليّ قبل أن يضعه في جيبه، وقال: أنا آخموك.
ابتعدت خطوتين، قبل أن أدرك أنّ هذا الجسد لطفل صغير يبدو غريباً بملابسه القديمة وشعره الأشعث القصير. من أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ وأنا؟
- من؟ قلت باستغراب، فلم يردّ.
يا إلهي… ما هذا الاسم الغريب؟ ومن هذا الطفل؟ وأين أنا؟ ولماذا؟
قاومتُ سيلاً من الدموع أراد أن ينهمر على وجهي، فيغمر هذه الرمال التي تحيط بي. وضعت يدي على جبيني، ولمحت كُمَّ ثوبي الأزرق، فأزحت يدي، ونظرت إلى جسدي. نعم، لقد نمت في هذا الفستان البارحة. إنه الوحيد الذي يشاركني ما أنا فيه، ولا أحد سواه. حتى أمي وإخوتي. وحتى جارتي التي تتشاجر مع زوجها كل صباح صمتت اليوم. أنا فقط هنا، كمن سقط في قاعٍ زمنيّ سحيق يعجز عن إدراكه.
رفعتُ عينيَّ بهدوء هذه المرة، لأنظر إليه وأسأله، لكنه سبقني: هل جئتِ من "تنبكتو"؟ هل تعرفين الله؟
ماذا يقول هذا الفتى الضئيل؟ لا أعرف، قلت له، وواصلت:
- من أنت؟ أين أهلك؟ ولماذا هذه الكدمات على وجهك؟
-أنا آخموك.
- ماذا تقول يا بنيّ؟ ما هذا الاسم؟
سقطتُ بجسدي على الرمال، وجلست بيأس أعجز عن مقاومة دموعي.
-لا تبكي، قال.
ثم اقترب منّي، فنظرت إليه وأنا أمسح دموعي، وأحاول إيقاف تدفّقها. أخرج الحجر من جيبه، وقال: "خذيه، أمسكي به، سيريحك هذا".
ما يعطيه الأطفال خيرٌ محض، لذلك لا نردّ لهم عطاءً. هذا ما كانت تقوله لي أمّي دائماً، وهذا ما جعلني أحبّ ما يعطيه لي طفل فآخذه، وكلي ثقة بأنه خير.
نظرت إلى عينيه المتوسّلتين، وأخذت الحجر. وضعته ببطء على شفتيّ. برودته منعشة. قبَّلته.
-قرّبيه إلى قلبك الآن، وأغمضي عينَيك.
هل هذه تتمة المشهد؟ هل سأصحو من النوم بعد ذلك لأوقف المنبّه اللعين، وأسمع صوت جارتي من بيتها القريب؟
نظرت إلى الحجر، وأنا أُحكم قبضتي عليه. بدا مختلفاً. قرّبته إلى صدري، وأغمضتُ عينيّ.
في ليالي الشتاء الباردة حيث أعيش، عندما أمدّ يدي أمام المدفأة أو الكانون، يسري الدفء في جسدي كله، فقط لأنّ يدي دافئة. برودة هذا الحجر أنعشت جسدي كله. هذا ما شعرت به، وأنا عالقة بين شهيق شمس الصحراء وزفيرها اللاهبَين.
فتحت عينيّ، وقرّبت الحجر منهما، وتأمّلته للحظات منتشيةً بأثره الساحر. نعم لقد هدأت. عدَّلت جلستي، ولا يزال الحجر غافياً بين أصابعي. نظرت إلى آخموك، فبدا مختلفاً هذه المرة. بدا طفلاً وديعاً جميلاً بعينين واسعتين تشعّان ذكاءً وثقةً. حتى الكدمات التي انتشرت على وجهه وجسده لم تمنعني من تخيّل هيئته عندما يصبح رجلاً. سيكون وسيماً على طريقته. إنه جزء أصيل من الصورة التي وجدت نفسي مسكوبةً داخلها.
لعلّ السكينة التي شعرتُ بها تسربت إليه، فاقترب منّي وجلس على بساط الرمل الفسيح الممتد حولنا.
-من أنتِ؟ ومن أين جئتِ؟ لستِ جنيَّةً، لأنّ الحجر لم يفزعكِ.
انتبهت للحجر في يدي، ونظرتُ إليه ومددت يدي لأردّ له حجره.
-لا أريده الآن، احتفظي به لبعض الوقت، قال بحماسة طفولية فيما أعدت يدي إلى مكانها، وأصابعي تضغط بفرح خفيّ على الحجر.
-أنا سارة. اسمي سارة، ولا أعرف لماذا أنا هنا، ولم أرَ هذا المكان يوماً. لكن يا آخموك لا يبدو لي اسمك غريباً، لقد سمعته يوماً أو ربما قرأت عنه.
لا أذكر شيئاً سوى أنني نمت بعد ليلة كان فيها الأرق حارساً أميناً فوق رأسي وعينيّ. نظرت ثانيةً إلى جسد آخموك الضئيل قبالتي، وفركت عيني بسبابتي وإبهام يدي اليمنى، فيما ظلّ الحجر ملتصقاً بكفّي تحرسه أصابعي الثلاثة الأخرى. أغمضت عينيّ برهةً، وفتحتهما لأتأكّد من أنّ ما أراه ليس حلماً عابراً جعله الأرق الطويل يقترب كثيراً من الحقيقة.
قاطعني: وحدهنّ العرّافات من يسقطن من السماء، هكذا ببساطة. يبزغن من الرمال، أو يتسرّبن من شقوق الوديان. هنّ بارعات في الظهور المفاجئ، تماماً كما فعلتِ أنت هذا الصباح
إنه حقيقة. آخموك ما زال هنا، والرمال والشمس، وحتى الحجر ما زال في يدي. لا تنقصني الآن إلا عربة "جرمنتية" تجرّها الخيول لتقطع صمت الصحراء، وتراكم جبل الأسئلة الذي بدأ يتشكل منذ أن استيقظت قبل قليل.
-سارة... هل أنتِ عرَّافة؟
قطع الفتى شرودي بسؤاله الغريب.
-لا. ماذا تعني بسؤالك؟ أنا لست عرّافةً، قلت بتلعثم.
فقاطعني: وحدهنّ العرّافات من يسقطن من السماء، هكذا ببساطة. يبزغن من الرمال، أو يتسرّبن من شقوق الوديان. هنّ بارعات في الظهور المفاجئ، تماماً كما فعلتِ أنت هذا الصباح.
ابتسمت بودٍّ واستغراب، وقلت له: يوم أمس كنت في بيتي، ولم أغادره إلا صباحاً إلى المدرسة، وكان الدرس يشبهكم. كان عن الصحراء. وعندما عدت، لم أفعل شيئاً غير النوم. نمت طويلاً، لهذا ربما لازمني الأرق في الليل. قرأت لوقت طويل حتى أغمضت عينيّ لأفتحهما هنا معك في هذا المكان الغريب.
-هل تقرأين مثل الفقيه؟
-من؟ سألتُ مبتسمةً.
فأجاب: الفقيه، إنه يقرأ كثيراً ويعلّمنا القرآن، ويعرف كلّ شيء. إنه يعرف الله ويعرف...
صمت آخموك، فجأةً، فقلت له: كلنا نعرف الله يا صغيري.
ابتسم وقال: أنت تتكلمين مثل الفقيه يا سارة.
بادلته الابتسام، وقد أعجبني أنه الوحيد الذي لم يشكك في معرفتي الله كما يفعل من كنت أعيش معهم.
آخموك، لن يكون اسم تلميذ سبق ودرَّسته في سنوات خلت، فمن يكون هذا الفتى؟ ولماذا أشعر بأنني أعرفه؟
هذا الفتى والصحراء والحجر، نعم الحجر، هل قرأت البارحة شيئاً عن الحجر؟ عن الصحراء؟
نعم لقد غفوت، وأنا بين صفحات كتاب عن الصحراء، سرّ التبر، الربّة الحجرية، "آمغار"، الزعيم يتأمل الجمجمة وإله الحجر، نعم لقد وجدت آخموك، هناك مع حجارته وأمّه وفقيهه.
وقفت كمن لاح شعاع من برق أمام عينيه. اقتربت من الفتى، وقلت له:
-نعم أنت آخموك، عاشق الحجر. أنت من رأى الله. أنت باني المدن في العراء الفسيح. أنت من يدسّ الحجارة السرّية التي تخفي الله في الخريج. نعم، أنت آخموك، الفتى الذي هزم المردة بالتميمة التي وجدها في الحجارة.
قاطعني مذهولاً: كيف عرفتِ ذلك كله، ومن أخبرك بهذه الأسرار التي لا يعرفها إلا أنا وأمّي والفقيه؟
-والله، قلت بصوت هامسٍ وحذِر.
اقتربت من آخموك، وأحطت وجهه الصغير بيدي، بعد أن وضعت الحجر في يده الصغيرة.
-أنت من كنت أقرأ عنه البارحة، أنا أعرفك جيداً يا آخموك، أعرف أمّك التي تربت بكلماتها المطَمْئِنة على أسئلتك الخائفة. أعرف شكواها التي ترافق نصف يومها. أعرف الأولاد الذين يرمونك بنوى التمر في غفلة من الفقيه. حتى الغزال الذي روّضته بحجرك السرّي أعرفه.
ابتسم آخموك، ووضع يده الصغيرة على يدي التي تغطي إحدى وجنتيه.
-نعم أنتِ عرّافة، قال بحزم وفرح، فضحكت لإصراره على جعلي عرّافةً.
-هيا تعالي معي إلى البيت، لتري أمي، قال، ثم أردف: سأريك الحجارة التي أخفيها في "الخرج"، إنها جميلة ستعجبك.
ابتسمت بودٍّ لأقابل الطمأنينة التي استقرّت في عينيه وعلى محيّاه. قلت له سأبقى هنا، أخاف إذا غادرت أن يضيع الطريق إلى بيتي، أريد أن أعود، قد يكون هذا كله حلماً. سأنام الليلة لأرى.
-لا، ليس حلماً يا سارة، أنا حقيقة وحجارتي حقيقة وأمي والشكوى والفقيه وبيوتنا هناك حقيقة، هيا تعالي معي.
-سأنام الليلة يا آخموك، وإذا لم أعد إلى بيتي عندما أستيقظ، سأذهب معك إلى بيتك.
-هل تعدينني؟
-نعم، أعِدك يا صغيري.
أبعدت يدي عن وجهه، وابتعدت قليلاً. جلست على الرمال فجلس في مكانه، وهو ينظر إليَّ فيما تحرّك أصابعه الحجر برفق.
-ماذا قرأتِ أيضاً يا سارة؟
-قرأتُ عن نصيحة الفقيه لك بألا تخبر أحداً عن أسرارك، وقرأت ما قالته لك أمّك عن الحجارة المباركة التي يكفي استخدامها من قبل الأسلاف ليتخذها الله مأوى، وتصبح حجارةً كريمةً. أعرف عنك كل شيء. عن آخموك الطفل، وآخموك الرجل الذي ستعرفه الصحراء وستصل سيرته بعيداً حيث كنتُ أنا وحيث سيعيش من سيأتون بعدي.
-هل سأرى الله ثانيةً يا سارة؟
-لا. قلت بثقة العارف، ولمحت دمعةً تتشكل في إحدى عينيه، فاستدركت: ستراه كثيراً ودائماً، وفي كل مكان سيكون معك، لكن ليس بالطريقة التي سبق واختبرتَها.
-أنت مختلف يا آخموك، لا تشبه غيرك، ستعيش عمراً حافلاً بكل ما تحبّ، ستنزح مع قومك إلى "تينبكتو"، وستلتحق بالمدرسة القرآنية هناك. ستتركها لاحقاً لتوطد علاقتك أكثر بالحجارة التي لا ترى غيرها برغم اتّساع الصحراء وغزارة رملها. ستقتحم عزلة الحجر، وستواسيه بلغته، وتخبر حجارة الخلاء عن نبلها وطيبتها ورحمتها وجمالها.
-لكن يا سارة لماذا سنذهب إلى "تينبكتو"؟
-الجفاف وحده محرّك الجموع في الصحراء والعطش سيأخذكم إلى هناك. لن تبقى طويلاً في المدرسة القرآنية، لأنّك ستمنح عمرك للحجارة. ستناديك حجارة الصحراء، وستبني منها البيوت والجوامع. سيصل اسمك إلى السلطان "أناي"، فيعهد إليك بتشييد مدينة "واو"، لكن...
-لكن ماذا يا سارة؟
-اسمع يا آخموك، أنا أيضاً عندي سرّ، ولأنني أعرف أسرارك سأخبرك بسرّي، وأريدك أن تذكره وألا تنساه أبداً.
-إذا نسيته، ذكّريني به يا سارة.
ابتسمت بحزن، وقلت له: قد لا أكون هنا لأذكِّرك، سأنام الليلة وقد لا أعود. قد أذهب إلى بيتي البعيد ولا تراني مجدداً.
هذا الفتى عندما يهمّ بالبكاء وتلوح الدموع في أفق عينيه تتحولان إلى شيء يشبه الحجارة التي تتموج فيها درجات البنّي فيصبح النظر إليهما متعةً خالصةً. حاولت منعه من الاستمرار في سيرة خلق الدمع، وقلت له: ألا تريد أن تعرف سرّي وسرّك؟
هذا الفتى عندما يهمّ بالبكاء وتلوح الدموع في أفق عينيه تتحولان إلى شيء يشبه الحجارة التي تتموج فيها درجات البنّي فيصبح النظر إليهما متعةً خالصةً.
حاولت منعه من الاستمرار في سيرة خلق الدمع، وقلت له: ألا تريد أن تعرف سرّي وسرّك؟
-سرّي؟ سأل بفضول.
-نعم، هذا السرّ يخصك برغم امتلاكي إياه.
-أحبّ أن أعرفه يا سارة.
-سيطلب منك السلطان أناي، أن تبني بالطين الأحمر، وسترفض.
ابتسم آخموك، وقال: طبعاً سأرفض، لن أخذل حجارتي، لن أخذل الله.
-أعرف، لكنك ستبذل جهداً لإقناع السلطان، وسيوافق على أن تكفّ عن مناجاة الحجارة التي تعدّها وطن الله، ويعدّونها مجرد أصنام تحلّ فيها الشياطين.
-وهل هذا سرّ؟
-لا يا آخموك، السرّ هو أنّك ستُنزل "'واو' من سماواتها وتُلحق الأرض بوطن الآلهة في الفراديس الأولى"، هذا سيجعل أهل 'واو'، يقنعون السلطان بتقديم قربان عظيم، لا تدعهم ينحرون "الودان" يا آخموك، امنعهم.
إذا نجحوا في نحره، سينتهي كل شيء على يد قبائل الجنّ وبنات آوى. حتى مصيرك أنت مرتبط بمصير ذلك "الودان"، سيموت كل شيء بموته.
-حتى أنا؟ سأل، فأجبته: كل شيء يا آخموك، كل شيء.
حاولت أن أخفّف عنه، فقلت: إذا بقيت هنا سأكون معك ولن يقترب أحد من وطن الله.
لا أعرف كم مرّ من الوقت ونحن نتكلم عن الحجارة، وعن أمّه، وعن الفقيه، وحتى عن مدرستي وتلاميذي. مرّ الوقت ببطء لم يفارقني فيه آخموك إلا ليجلب لي قدحاً من لبن حامض قال إنّ أمّه سكبته من الشكوى ليشربه، فماطل حتى خرج دون أن يفعل ذلك، وأحضره لي. كان الشيء الوحيد الذي دخل جوفي منذ الصباح وحتى الآن، والشمس تتلوى في ألوانها الدافئة استعداداً للغروب.
تثاءبت أكثر من مرة. شعرت برغبة شديدة في النعاس. اقترب آخموك أكثر، وقال:
-هل ستنامين يا سارة؟
-نعم، يبدو ذلك.
أخرج الحجر من جيبه، ووضعه في يدي، وقال:
-لن أغادر وسأنتظرك هنا، قبّلي الحجر وضعيه قريباً من قلبك.
ابتسمت، وقلت له: ماذا إذا ذهبت بعيداً وأخذت معي حجرك؟
-هل تتمنّين ذلك؟ سألني وأنا على وشك الغرق في نوم لذيذ لم أختبره منذ زمن، فلم أتمكّن من صياغة جواب مناسب لكلينا.
مرّ وقت عجزت فيه عن تقديره. استيقظت الآن، لكنني لا أجرؤ على فتح عينيّ، ولا على تحسّس فراشي حيث أضع جسدي. كل ما شعرت به، هو أنّ الحجر باقٍ في يدي. ما زلت أضمّه بأصابعي، وأقرّبه إلى صدري.
أصختُ السمع علّني أسمع صوت جارتي، أو حتى رنين المنبّه، لكنني فشلت، وتسمّرت في مكاني مثل ميتةٍ لولا نبضات قلبي الذي كاد يخرج من مكانه.
سأفتح عينيّ، وأواجه قدري مهما كان. ضغطت بأصابعي برفق على الحجر، وفتحت عينيَّ ببطء ليندفع الضوء إليهما بغزارة حاملاً معه وجهاً بعينين جميلتين تتشكل فيهما موجات بنّية ناعمة. اقترب مني حتى التصق بي، وهو يتمتم:
-أنت هنا يا سارة، أعادكِ الحجر إليّ، أعادكِ الله إليّ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Toge Mahran -
منذ 3 أياماكتر مقال حبيته وأثر فيا جدا♥️
Tayma Shrit -
منذ 3 أيامكوميديا سوداء تليق بمكانة ذاك المجرم، شكرا على هذا الخيال!
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ 5 أيامالمقال بيلقى الضوء على ظاهرة موجوده فعلا فى مصر ولكن اختلط الامر عليك فى تعريف الفرق بين...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياماحمد الفخرناني من الناس المحترمة و اللي بتفهم و للاسف عرفته متاخر بسبب تضييق الدولة علي اي حد بيفهم
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ 6 أياممقال رائع..
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعالحبة الحمراء أيديولوجية يقتنع بها بعض من النساء والرجال على حد السواء، وبرافو على هذا الشرح الجميل