شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ترامب يرمي كرةً نارية في ملعب

ترامب يرمي كرةً نارية في ملعب "العرب"... فماذا سيفعلون؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في طرحه تهجير الغزّيين إلى "دول مجاورة"، وإعادة بناء القطاع المدمّر على نفقة دول مجاورة أخرى "ذات ثروة عظيمة"، ليستقبل "شعوب العالم" وليس أبناء الأرض، رمى دونالد ترامب كرة نار ملتهبة في ملعب الدول العربية المهتمة أو المضطرة لإبداء الاهتمام بالقضية الفلسطينية.

أرجح الظنّ أن قنبلة ترامب كانت صوتية فيما الهدف الحقيقي منها...

منذ أن عرض الرئيس الأميركي هذيانه عن غزّة، انشغل كثيرون باستنكار حديثه وببث الرعب منه، وهذا ربما ضروري. ولكن مع ترامب هنالك دائماً طبقات مختلفة لأي تصريح يطلقه، الظاهر منها لا يزيد هدفه عن التميّز وإشغال إعلام العالم به، وهذا ما يصعب على البعض تصوّره كون المتحدث هو رئيس أقوى دولة في العالم، أما الباطن فمجهول لأن الرئيس نفسه لا يعرفه.

أقصى ما يمكن الطموح إلى استنتاجه من تصريحات ترامب هو التقاط إشارات من بين جمله غير المترابطة لمحاولة فهم ما يمكن أن يقبل أو لا يقبل به. ومن طرحه الغزّي يمكن أن نفهم أنه لن يساهم في دفع المال لإعادة إعمار القطاع الذي تدمّر نحو ثلثي أبنيته وغالبية بنيته التحتية خلال الحرب، لأن مساهمة بلاده الجدية مربوطة في ذهنه بتملك القطاع بدون سكّانه، وكأنه منتجع سياحي أو نادي غولف!

ويمكن أن نفهم أيضاً أنه لا يشعر بأن بلاده ملزمة بالبحث عن طروحات جدية تسمح لأبناء غزة بعيش حياتهم بأمان بعد رفدهم بما يوفّر لهم حداً أدنى من العيش الكريم، فمساهمة بلاده بأسلحتها في التسبب بما حصل ليست شيئاً محرجاً له.

ما يتعدى ذلك خاضع للأخذ والرد. والأخذ ليس من واجبات الولايات المتحدة ولا حتى من واجبات إسرائيل، في عرف ترامب، بل هو من واجبات الدول العربية التي يروعها تصوّر تطبيق أفكاره، فيما تحجز واشنطن وتل أبيب لنفسيهما حق القبول أو عدم القبول بما يمكن أن يتفتّق عن ذهن "العرب".

وصفة دقيقة لفوضى عارمة

لو وجد اقتراح ترامب طريقه إلى التنفيذ، بإجبار "الدول المجاورة" على استقبال الغزيين المطرودين من أرضهم وتمويل هذيانه، فإن كل ما سينتج عنه سيضرّ بأمن إسرائيل الذي تهتم به الولايات المتحدة بشكل كبير وتعتبره من أهم ركائز سياساتها الشرق أوسطية، وسيصبّ في مصلحة معادي الدولتين.

بجانب مسارعة مصر والأردن والسعودية وقطر إلى رفض طرح ترامب، بصيغ مختلفة، كان لافتاً الموقف الإماراتي الذي أعلن رفضاً قاطعاً "للمساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره"... وهذا ليس تفصيلاً. فسيناريو "النكبة" الترامبي يضع مسار اتفاقيات أبراهام التي يعتبر الرئيس الأميركي أنها تؤهله لنيل جائزة نوبل للسلام في مسار عكسي.

لو وجد اقتراح ترامب طريقه إلى التنفيذ، فإن كل ما سينتج عنه سيلحق ضرراً فادحاً بأحد الأركان الأساسية التي تبني عليها واشنطن سياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط


كان الطريق الذي افتتحه ترامب في نهاية ولايته السابقة يتوق إلى الوصول لضم السعودية إلى كوكبة الدول الأبراهامية لتكون درّة تاج الدول العربية المنعطفة إلى السلام والخارجة رسمياً من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن منذ البداية طالبت الرياض بثمن يقيها من ثقل وقع هكذا خطوة على مكانتها في العالم الإسلامي وعلى السعوديين، وهو تحصيل شيء ما ثابت وذي قيمة للفلسطينيين.

الآن، وعلى وقع القنبلة الترامبية، لا تجد الرياض أمامها سوى الوقوف في موقف المتحدّي للطرح الأميركي الجديد، ما يضعها في سلّة واحدة مع دول أخرى تبدأ بتركيا وتصل إلى إيران، وتمرّ ببعض الدول المحرَجة، بينها دول سبق ووقّعت اتفاقيات أبراهام.

أكثر من ذلك. يهدد سيناريو "النكبة" المقترح بتفجير اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن، فالمملكة الهاشمية علاقتها بإسرائيل ليست في أفضل حالاتها في السنوات الأخيرة بسبب سياسات الدولة العبرية الاستيطانية والأمنية في الضفة الغربية وتعاملها مع المواقع الإسلامية المقدسة في مدينة القدس، والتي تعتبر عمّان أنها الوصي الشرعي عليها. والآن، مع فكرة تهجير فلسطينيين إلى بلاده، يجد النظام الأردني نفسه أمام تهديد وجودي بإغراق بلده بالمزيد من الفلسطينيين، علماً أن أكثر من نصف حاملي الجنسية الأردنية هم أساساً من أصول فلسطينية، ما يعني نهاية الحكم الهاشمي كما نعرفه.

ويهدد السيناريو المذكور أيضاً بتفجير اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر. فالقاهرة التي رفضت خلال الحرب الأخيرة على غزة فكرة إبعاد مدنيين غزيين إليها، لأنها لم تكن تستطيع ضمان عودتهم إلى أرضهم بعد انتهاء الأعمال القتالية، وهو شيء لا يحتمله النظام المصري، ما أدى بطبيعة الحال إلى مضاعفة الضحايا المدنيين بعشرات الآلاف، لا تستطيع الآن القبول ببساطة بتهجير غزيين إليها بشكل دائم.

هذه الأمور ليست تفاصيل بسيطة تستطيع الولايات المتحدة التغاضي عنها، فاتفاقيات السلام المذكورة هي واحد من الأركان الأساسية التي تبني عليها واشنطن سياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها ضمان أمن إسرائيل.

وسيطلق تنفيذ خطة ترامب موجة كراهية عارمة للولايات المتحدة بين شعوب كل الدول العربية والإسلامية، ومعظم هذه الشعوب ينظر أساساً بشكل سلبي إلى واشنطن، ما يهدد أنظمة حليفة لها، بعضها من موقّعي اتفاقيات السلام مع إسرائيل، ويغذّي أبرز عدوّين لأميركا: التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود مع ما يدور في فلكها من ذئاب منفردة والنظام الإيراني وأذرعه الميليشياوية المنتشرة في دول عدّة والتي ستحمل ما سيحدث لتقول إنها كانت على حق ومن الصعب إقناع الناس حينها بعكس ذلك، ما يعني إعادة تمدد النفوذ الإيراني الذي تقلّص في الأشهر الأخيرة، وإلى أماكن يصعب تخيّلها.

مع ترامب هنالك دائماً طبقات مختلفة لأي تصريح يطلقه، الظاهر منها لا يزيد هدفه عن التميّز وإشغال إعلام العالم به، وهذا ما يصعب على البعض تصوّره كون المتحدث هو رئيس أقوى دولة في العالم، أما الباطن فمجهول لأن الرئيس نفسه لا يعرفه.

قنبلة صوتية؟

لطالما وعد ترامب ناخبيه في مناسبات مختلفة، تحت عنوان "أميركا أولاً"، بأن على أميركا الابتعاد عن الصراعات وسحب جيشها من المناطق الصراعية في العالم ووقف هدر ثرواتها في أماكن خارج بلادهم، فمن الغريب أن يضع بلاده الآن في قلب صراع قد نعرف كيف سيبدأ ولكن لن نعرف كيف يمكن أن ينتهي.

وأرجح الظنّ أن قنبلة ترامب كانت صوتية فيما الهدف الحقيقي منها إجبار الدول العربية على الانخراط بجدية وبيديها في ورشة تخطيط لمستقبل غزة تنتهي إلى مخرجات ترضي أميركا وإسرائيل وتُحرج كل فلسطيني رافض لها لأن البديل كارثي، على أن تتضمّن هذه المخرجات حلولاً حول كيفية إعادة إعمار غزة وكيفية حكمها أمنياً بدون حركة حماس، مع ضمان تحييد هذه البقعة عن الصراع مع إسرائيل، لينتهي عملياً ما كان يُسمّى بـ"الكفاح المسلّح".

فهل وصلت رسالة ترامب إلى حيث ينبغي أن تصل وهل ستقبل الدول العربية بدفع فاتورة غباء حماس وعنف إسرائيل لإنقاذ ما لا يزال ممكناً إنقاذه؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image