شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
حرب من نوع آخر... ماذا نعرف عن

حرب من نوع آخر... ماذا نعرف عن "هندسة الوعي" المشتعلة بين حماس وإسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 3 فبراير 202504:52 م

لم تنته القصة عند إعلان وقف إطلاق النار، نحن في الطريق إلى 6 أسابيع من المشاعر المتناقضة من الفرح والحزن والإثارة، خلال صفقة المخطوفين وعودة الفلسطينيين من الجنوب إلى الشمال.

في كل أسبوع تتردّد الأسئلة ذاتها: هل سنشهد النجاح هذه المرة؟ هل سيستمر وقف إطلاق النار؟ هل سيُفرج عن المخطوفين في موعدهم؟ وفي كل أسبوع، تخرج مشاهد جديدة من العرض العسكري لحماس وصور اجتماع الرهائن الإسرائيليين مع عائلاتهم.

فما الإشارات التي تريد حماس إرسالها أسبوعياً، وكيف تردّ عليها إسرائيل؟ وهل حقاً حماس متواجدة على الأرض مثلما تظهر في الشاشات؟

عرض "حماسي"  

لعل وقف إطلاق النار هو أقرب لوقف للحرب العسكرية بشكلها الكلاسيكي، لكن -كما يبدو- فالحرب بين إسرائيل وحماس ستستمر لفترة أخرى من الوقت، إنما بشكل آخر، هذه المرة عبر "هندسة الوعي"، أو "حرب القوة الناعمة"، أو "حرب الإشارات".

عقب وقف إطلاق النار، خرج الملثمون من حركة حماس في شوارع غزة وهم يرفعون إشارة النصر، ولم يكونوا بالطبع القوة المسلحة الوحيدة التي خرجت من مخبئها، فقد انضمّ إليهم مئات من رجال الشرطة الذين انتشروا في جميع أنحاء غزة، وبدأوا في مراقبة تدفّق المساعدات وعودة النازحين. 

ما الإشارات التي تريد حماس إرسالها من عروض الإفراج عن الأسرى؟ وهل لا زالت الحركة حقاً متواجدة على الأرض مثلما تظهر في الشاشات؟

بلغ العرض أوجه في اليوم التاريخي لتحرير أول دفعة من الرهائن الإسرائيليين، عندما رأينا سيارات الدفع الرباعي البيضاء التابعة لـ "حماس"، ومواكب الانتصار التي ترافق المحتجزين الإسرائيليين، والأعداد الكبيرة من أعضاء الحركة المسلحين بالزي الرسمي، وهم يديرون العرض، بحضور آلاف المدنيين الغزيين.

في الجولة الأولى، ولدى تسليم "3 محتجزات إسرائيليات"، ظهرت حماس وهي ترفع إشارة النصر في شوارع غزة، ومنحت الرهائن شهادت تخرج من الأسر، وفي الأسبوع التالي عند تسليم "4 مجندات إسرائيليات"، ظهرت الحركة مرة أخرى وقد "طوّرت" العرض، وأنشأت منصّة، ومنحت الرهائن "شنطة هدايا تذكارية" فضلاً عن شهادة تخرج من أسر حماس إياها.

في إسرائيل، أقل ما يقال هو إنهم صدموا من العرض العسكري، وبحسب تحليل لـ "يديعوت أحرونوت"، فإن حماس ترسل من خلال هذه العروض رسالة إلى العالم تقول فيها: "ما زلنا هنا، ويجب أن تأخذونا في الاعتبار"، كما ترى الصحيفة أنّ ظهورهم بهذا الشكل يرمز أكثر من أي شيء آخر إلى حقيقة أن حماس لا تزال تسيطر على قطاع غزة. 

وبحسب الصحيفة فإن أحد كبار القادة الفلسطينيين فسّر المشهد بأن وجود الشرطة كان واضحاً في ملحق وقف إطلاق النار، والذي يسمح للشرطة التابعة لحركة حماس بالعمل بزيها الرسمي الأزرق، لتتولى المسؤولية الكاملة عن إدارة حركة النازحين ونقلهم من جنوب القطاع إلى مدينة غزة والشمال"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن شرطة حماس لن تقترب من الأماكن التي ما زال يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي، خاصة في المنطقة العازلة وفي محور فيلادلفيا.

أما المحلل الإسرائيلي "شلومي آلدار" فعبّر عن صدمته من عرض حماس في مقال له في صحيفة "هآرتس"، ومنه: 

"بعد سنة وأربعة أشهر من القتال بقوة كبيرة، فإن المئات من أعضاء حماس يرتدون الزي العسكري، الجديد والمكوي، ويرفعون السلاح، وحولهم سيارات (تويوتا) بيضاء جديدة، التي سنتذكرها إلى الأبد من 7 أكتوبر الملعون. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟". وأجاب بنفسه في المقال: "الآلاف من حماس فعلوا بالضبط ما فعلوه في كل عمليات الجيش الاسرائيلي السابقة: هربوا من الأماكن التي لا يوجد لهم فيها أي احتمالية للصمود أمام قوة عسكرية كبيرة، واختاروا التمركز في المنطقة المأهولة في غزة، المكان الأكثر أمناً بالنسبة لهم ليكون كـ(درع بشري) لهم".

يشير الكاتب أنه في محادثاته مع المحققين في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" والأمن الداخلي "الشاباك"، الذين يعرفون الترسّخ الأيديولوجي والعسكري لحركة حماس، شكّك الجميع في أن تصفية حماس هي فكرة واقعية.

بينما قال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير: "لقد أخرجوا زيهم العسكري وأسلحتهم من مخابئهم". وأضاف أن "حماس أرادت أن تظهر، وحدث التحرير برمته كان بالنسبة لها عملية في حرب الوعي، وتمّت عمداً في قلب الحشد وفي وضح النهار، والرسالة هنا لسكان غزة نفسها"، ومفادها أن الحركة لا تزال هي صاحبة السيادة على الأرض، بحسب موقع "ماكو" الإسرائيلي. 

الرد الإسرائيلي

في الأسبوع الأول، وأثناء تحرير الدفعة الأولى من المخطوفين، تعاملت الصفحات الرسمية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، بالرد على العرض الدعائي لحماس بالهجوم على حماس، فكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي: "ما أوقح العاهرة حين تدّعي العفة! هذا حال إرهابيي منظمة حماس الإرهابية، ما أبرعهم في إظهار لطافتهم الزائفة، بينما الحقيقة إمّا غائبة أو مغيّبة عمداً. يروّجون للفضيلة بتصرفاتهم، متناسين أن أفعالهم تكشف عكس ذلك تماماً".

بحسب تحليل لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن حماس ترسل من خلال هذه العروض رسالة إلى العالم تقول فيها: "ما زلنا هنا، ويجب أن تأخذونا في الاعتبار"، كما ترى الصحيفة أنّ ظهورهم بهذا الشكل يرمز أكثر من أي شيء آخر إلى حقيقة أن حماس لا تزال تسيطر على قطاع غزة 

لكن يبدو أن إسرائيل غيّرت من "إستراتيجيتها" في الأسبوع الثاني، فبدأت تعمل على تصوير مشاهد التحرير كعلامات للانتصار، وبدأ التركيز على ما أسموه "صمود المختطفات"، فكتب أفيخاي أدرعي نفسه: "إنها المرأة الإسرائيلية يا سادة.. إنهن بطلات بكل ما للكلمة من معنى، وقفن بكل شجاعة أمام مجموعة من الإرهابيين، رافعات رؤوسهن بكل فخر. رغم كل المآسي والظروف الصعبة التي مررن بها، إلا أنهن بقين قويات، صامدات، ولم ينكسرن".

وفي تغريدة أخرى قال: "هذا الشعب الذي لا يهزم، هؤلاء اللبوات من عظمة داوود أتوا، ليسطروا رسالة للعالم أجمع؛ لا أحد قادر على كسر إرادتنا وحبنا للحياة".

بينما ركزت تقارير إعلامية في الإعلام الإسرائيلي على حالة الرهائن، خاصة بعدما ظهروا بشكل جيد وصحة جيدة، فبدأ الإعلام الإسرائيلي بنشر معلومات عن القسوة التي تعرّضوا لها في الأسر.

وذكرت تقارير أن حماس نفذت عملية "تأهيل متسارعة" للرهائن قبل إطلاق سراحهم، مشيرة إلى أن الحركة قدمت للمحتجزين طعاماً مغذياً ومنشطات قبل وقت قصير من إطلاق سراحهم، لخلق انطباع بأنهم تلقوا معاملة جيدة أثناء الأسر، بحسب "جيروزالم بوست". 

وأوضحت تقارير أن شهادات النساء المحررات مؤخراً ترسم صورة مختلفة تماماً لأسرهن، حيث وصفت النساء في تقرير آخر لـنفس الصحيفة، كيف تم نقلهن بين منازل المدنيين وأنفاق حماس، واحتجازهن في ظروف غير صحية لعدة أشهر، وكثيراً ما حُرمن من الاستحمام والرعاية الطبية والوصول إلى مرافق النظافة الصحية المناسبة. وتم احتجاز بعضهن في ظلام دامس لفترات طويلة وعانين من الجوع الشديد، بالإضافة إلى معاناتهن الجسدية، كما كان الرهائن يتعرّضون للعمل القسري، بحسب بعض الشهادات التي وردت في التقرير، وكان بعضهم يُجبر على طهي الطعام وتنظيف المراحيض لخاطفيهم، كما كان يُمنعون من البكاء أو الإمساك بأيدي بعضهم البعض، الأمر الذي كان يزيد من معاناتهم النفسية، وقضى بعض الرهائن وقتاً مع أطفال مقاتلي حماس، بل ولعبوا معهم، بينما تعلم عدد قليل منهم اللغة العربية أثناء سجنهم.

وبحسب دراسة "دان بايكر" المنشورة في "مركز القدس للشؤون العامة والسياسة"، فإن إسرائيل توجه أزمة في حرب الوعي الدائرة الآن، فمسألة إطلاق إسرائيل سراح مئات الأسرى الفلسطينيين المرتبطين بتنفيذ علميات ضد إسرائيل، يعزّز حرب الوعي لصالح حماس، فهي تقدم صورة "انتصار" لحماس، لأنه ببساطة بعد مرور 15 شهراً من القتال، لم تتحقق أهداف إسرائيل في الحرب، وهي إخضاع الحركة، وإعادة كل المخطوفين والمخطوفات بالعملية العسكرية، وليس عبر صفقة.

مع الأسبوع الثاني من "عروض الإفراج عن الرهائن"، غيرت إسرائيل من إستراتيجيتها، وبدأت تركز على الجانب البطولي في صمودهم برغم الظروف القاسية في الأسر.

أما حول استغلال إسرائيل لعرض حماس، فنتنياهو يدرك أن هذه الصفقة قد لا تتقدم نحو المرحلة الثانية، لذلك، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بقواته في محور فيلادلفيا، ويرسّخ الحلقة الأمنية حول غزة، وليس مستبعداً أن يستغل نتنياهو العرض العسكري لحماس ويعتبره ذريعة للعودة إلى الحرب، وتعزيز التزامه بتحقيق النصر في الحرب طويلة الأمد التي يريدها، ويحتاجها قبل أي شيء، للحفاظ على إئتلافه اليميني.

إلى أي مدى توجد حماس على الأرض؟

طرح العرض العسكري لحماس، تساؤلات هامة حول مدى التواجد الفعلي للحركة على الأرض في غزة، وبحسب التسريبات من لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يوجد لدى "حماس" نحو 9000 ناشط في القطاع، ضمن إطار منظّم، فضلاً عن عدد مشابه دون هرمية تنظيمية.

وبحسب دراسة "يوسي كوفرفاسر"، المنشورة في "مركز القدس للشؤون العامة والسياسة"، فقد حققت إسرائيل نصف أهداف الحرب: حيث تضرّرت "حماس" عسكرياً، لكن حُكمها لم يتضرّر، ولم تذكر الصفقة ما يضمن عدم استعادة الحركة قوتها، وفي المقابل، فإن حماس خرجت من الحرب ولديها كثير مما تريده، مثل النجاح في ضمان استمرار حُكمها في القطاع، وإطلاق سراح بعض أسراها. وحققت الحركة، تقريباً، كل أهدافها، لكن بعد أن دفعت ثمناً باهظاً جداً، أكثر بكثير من تقديراتها، لكن ليس إلى حدّ الإضرار بالادعاء أن هجوم 7 أكتوبر كان خطوة مبرّرة أثبتت نفسها. ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يتعزّز موقعها وسط الجمهور الفلسطيني، وأن تتعزّز مكانة الإسلام المتشدّد عموماً. 

بينما رأت الدراسة -عكس التوقعات الأخرى- أن فرص تجدُّد القتال في غزة ضئيلة، فترامب لا يرغب في ذلك، ومن المرجّح أن حركة حماس لن تقدم ذريعة لذلك في الزمن القريب، وأن الاتفاق لا يسمح لـ "حماس" باستعادة قوتها من جديد، لكنه أيضاً لا يمنح إسرائيل، بخلاف الاتفاق مع لبنان، حرية العمل ضد محاولات التنظيمات في القطاع استعادة قوتها وترميم شبكة الأنفاق، إلّا إذا خرقت هذه التنظيمات اتفاق وقف النار.

واتفق مع الدراسة تحليل في "يديعوت أحرونوت"، فذكر أنه لا بد من الاعتراف بأن حماس، على الأقل في الوقت الراهن، هي العنوان المركزي في غزة، في حين أن كل البدائل التي طرحت أثناء الحرب "ليست ذات صلة". 

وبحسب الصحيفة فإن خطة حماس هي إرساء وقف إطلاق النار، مع ترسيخ السيطرة على القطاع وترسيخ رواية النصر في الوعي الجماعي في المرحلة الأولى، وهي المهمة التي يبدو أنها تسير على ما يرام في ضوء توزيع البقلاوة وإطلاق الألعاب النارية في جميع أنحاء القطاع. ثم إعادة بناء الهيكل العسكري، وخاصة ملء الرتب، وتجنيد العملاء وتعيين القادة، ثم إحياء النظام الحكومي، بما في ذلك إعادة تفعيل الوزارات الحكومية والخدمات العامة. 

في المرحلة الثانية، سوف تواجه حماس تحدياً ناجماً عن مطالبة إسرائيل والولايات المتحدة بعدم سيطرة المنظمة على غزة. وقد بدأت الحركة بالفعل في طرح رد على هذا الأمر، عندما وافقت على تبني مبادرة مصرية لإنشاء "لجنة إدارة" في غزة

وفي المرحلة الثانية، سوف تواجه حماس تحدياً ناجماً عن مطالبة إسرائيل والولايات المتحدة بعدم سيطرة المنظمة على غزة. وقد بدأت الحركة بالفعل في طرح رد على هذا الأمر، عندما وافقت على تبني مبادرة مصرية لإنشاء "لجنة إدارة" في غزة، فأرسلت إشارات إيجابية إلى واشنطن في الأيام الأخيرة؛ إذ صرّح عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، هذا الأسبوع، بالقول: "نحن مستعدون لفتح حوار مع الولايات المتحدة وتعزيز التفاهمات في كل القضايا"، من جانبه، أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تشكّكه في فكرة اللجنة الإدارية، موضحاً أن السلطة لن تعود إلى غزة إلا إذا تم ضمان أنها ستشكل عنواناً حكومياً حصرياً. 

تواجه إسرائيل الآن معضلة مركبة، فسيناريو اللجنة الإدارية، يعني استمرار وجود حماس كقوة مهيمنة في غزة، حتى من دون صفة رسمية، وثمة معضلة أخرى تتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، وهو ما يعني القبول بـ "معادلة حماس"، التي تقضي بشنّ حرب كل بضع سنوات، وبعدها يتعين على العالم إصلاح الدمار الذي أحدثته الحركة، هذا فضلاً عن المعضلة الأكبر وهو أن نتنياهو عليه أن يقرّ ما إذا كان سيستمر إلى ما بعد المرحلة (أ)، والاختيار بين البدء في إعادة بناء قطاع غزة أو العودة إلى الحرب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image