أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، قراراً يقضي بوقف الولايات المتحدة المساعدات الخارجية، لمدة 90 يوماً، كمهلة لإعادة تقييمها وتنظيمها لتحديد مدى تجانسها مع أهدافه وبرامجه السياسيّة. حجم الأموال التي يدور حولها القرار غير واضح، لكن المذكرة الرسمية تُشير إلى إنفاق الحكومة الفيدرالية ما يقارب 10 تريليونات دولار خلال السنة المالية 2024، خُصّص للمساعدات المالية منها أكثر من 3 تريليونات دولار، دون تفاصيل واضحة لمصدر هذه الأرقام.
فضلاً عمّا سبق، كان مكتب الميزانية في الكونغرس، غير الحزبي، قد أنفق 6.7 تريليونات دولار العام الماضي. وقد خصّصت الولايات المتحدة نحو 1% من ميزانية الحكومة الفيدرالية للمساعدات الإنسانية، ما جعلها المزوّد الأوّل عالمياً، وهو ما كانت تفخر به إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
تستفيد 22 دولةً عربيّةً من الدعم الأمريكي المالي في شقّيه العسكري والإنساني بنسبٍ متفاوتة، 13 منها تستفيد بشكل كبير وتعتمد على هذه المساعدات، وتالياً يُرجّح أن تكون الأكثر تأثّراً بالقرار الأمريكي في حال لم تُستأنف المساعدات.
كيف تتوزّع المساعدات الأمريكية للدول العربية؟ وما هي الدول العربية الأكثر اعتماداً على المساعدات الأمريكية والأكثر تأثراً بقرارٍ كهذا بالتبعية؟ وهل من سُبل لتعويض هذه المبالغ الهائلة؟ هذا ما نسعى للإجابة عنه في هذا التقرير.
في عام 2023، وهو أقرب عام تتوفّر فيه بيانات مكتملة، أنفقت واشنطن 68 مليار دولار على المساعدات الخارجية لـ204 دول ومناطق حول العالم، ذهبت قرابة 8 مليارات دولار منها إلى الدول العربية، حيث انقسمت بين دعم عسكري بقيمة 2.3 مليارات دولار، ودعم اقتصادي بنحو 5.7 مليارات دولار، بما في ذلك الدعم الإنساني بقيمة 3.18 مليار دولار.
بناءً على الأرقام والواقع الجديد، تجد الدول العربية نفسها أمام خيارَين: البحث عن بدائل للتمويل الأمريكي، أو الخضوع لشروط جديدة قد تفرضها واشنطن عليها. السؤال الملحّ الآن: هل من سُبل لتعويض الدول العربية عن المبالغ الهائلة من المساعدات الأمريكية التي أوقفتها إدارة ترامب؟
بالنظر إلى ما سبق، وبينما يُعتقد أنّ قرار وقف المساعدات الخارجية يعكس رغبة واشنطن في إعادة ترتيب أولوياتها في العالم، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنه دون شك يضع ضغوطاً قويةً ومباشرةً على الدول التي تعتمد بشكل كبير على هذه المساعدات.
الأردن… الأكثر استفادةً وتضرّراً
يُعدّ الأردن الدولة العربية الأكثر استفادةً واعتماداً على المساعدات الخارجية الأمريكية. كان متوقّعاً أن تصل المساعدات السنوية التي أقرّها الكونغرس للأردن بحلول العام الجاري، 2025، إلى 2.1 مليار دولار. حصل الأردن، عام 2023، على 1.69 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، توزّعت بين 844 مليون دولار تُعطى مباشرةً للحكومة الأردنية لدعم الاقتصاد، و434.3 ملايين دولار مساعدات عسكرية، و157.2 مليون دولار لدعم الصحة، و55 مليون دولار مساعدات غذائية.
ووفق صحيفة الرأي المحليّة، يُشكّل هذا الدعم -باستثناء الدعم العسكري- نحو 6% من ميزانية الأردن السنويّة، وهو ما يجعل المملكة الأردنية إحدى أكثر الدول تأثّراً بقرار ترامب. لعلّ هذا ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إعلان تعهّد بتقديم حزمة مالية واستثمارية بقيمة ثلاثة مليارات يورو (نحو 3.12 مليار دولار)، من باب تعزيز الشراكة مع الأردن، لمساعدة البلد العربي على تجاوز غياب المساعدات الأمريكية.
مصر تعاني برغم "الاستثناء"
بالعودة إلى القرار الأمريكي، فقد استثنت المذكرة المساعدات العسكرية المخصّصة لمصر، والتي تخطّت 1.22 مليار دولار عام 2023. غير أنّ الدعم الاقتصادي لمصر سيتوقّف، بما في ذلك 26.2 مليون دولار لدعم التعليم، 22.5 ملايين دولار لدعم الاقتصاد، و24.8 ملايين دولار مساعدات إنسانية حصلت عليها القاهرة في العام المذكور.
وتُقدّر هذه المساعدات بنحو 5% من إجمالي ميزانية مصر، ما يجعل انقطاعها عاملاً قد يؤثّر على استقرارها الاقتصادي، في حين أنها تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية عدة بالفعل. تعقيباً على استثناء الدعم العسكري لمصر من قرار وقف المساعدات الخارجية الأمريكية، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لرويترز: "دور مصر حاسم في العديد من القضايا في جميع أنحاء المنطقة، ونحن نحاول العمل معاً بروح السلام والأمن الإقليميين".
ويبلغ إجمالي ما حصلت عليه مصر خلال العقود الماضية، منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، نحو 80 مليار دولار (50 ملياراً منها مساعدات اقتصادية، و30 ملياراً أخرى مساعدات عسكرية).
اليمن تتفاقم معاناته
تلقّى اليمن، في عام 2023، نحو 733 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الأمريكية، بما في ذلك 435 مليون دولار لبرامج شراكة مع برنامج الأغذية العالمي. وفيما يعيش أكثر من 82.7% من سكان اليمن، حالياً، تحت خط الفقر، تعتمد البلاد بنسبة كبيرة على المساعدات الأمريكية.
في 2023، أقرب عام مكتمل البيانات، أنفقت واشنطن 68 مليار دولار على المساعدات الخارجية لـ204 دول ومناطق حول العالم، ذهبت قرابة 8 مليارات دولار منها إلى الدول العربية، و2.3 مليارات دولار للدعم العسكري، و5.7 مليارات دولار للدعم الاقتصادي، بما في ذلك الدعم الإنساني المقدّر بـ3.18 مليار دولار
لبنان المأزوم اقتصادياً أيضاً، حصل في عام 2023، على قرابة 536 مليون دولار من المساعدات الأمريكية التي توزّعت بين 218.6 ملايين دولار مساعدات عسكرية وأمنية، و83.6 ملايين دولار مساعدات غذائية، و66.4 ملايين دولار مساعدات لمنظّمة اليونيسف، و17.4 ملايين دولار لدعم التعليم وخدمات المجتمع. يعاني لبنان من واحدة من أسوأ الأزمات المالية في تاريخه، ما يجعل فقدان هذه المساعدات ضربةً إضافيةً تزيد من تحدياته الاقتصادية.
أما فلسطين (الضفة الغربية المحتلة وغزّة)، فقد تلقّت ما مجموعه 294 مليون دولار من المساعدات الأمريكية، عام 2023، وارتفع هذا الرقم أواخر عام 2024، ليصل إلى 918 مليون دولار في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة. قطع هذه المساعدات يهدّد استدامة البرامج الصحية والاقتصادية في البلد العربي المحتل خاصةً في ظلّ الحاجة الملحّة إلى إعادة إعمار قطاع غزّة.
بدورها، حصلت سوريا على 763 مليون دولار من المساعدات الأمريكية في 2023، 727.6 ملايين دولار منها خُصّصت للمساعدات الإنسانية، و15.14 مليون دولار "لتعزيز الأمن والسلام". وفيما تترقّب الإدارة الجديدة في سوريا وتأمل في قرار أمريكي برفع العقوبات التي كانت مفروضةً بسبب جرائم نظام بشار الأسد الساقط، وزيادة المساعدات، خاصّةً في الشمال السوري الذي يعتمد بشكل مباشر على المساعدات الأمريكية في المخيّمات ومناطق النزوح.
خلال عام 2023، حصل العراق على نحو 425.8 ملايين دولار من المساعدات الأمريكية، منها 250 مليون دولار مساعدات عسكرية، و22 مليون دولار لبرنامج إزالة مخلّفات الحرب المتفجرة، و12.2 مليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة وخلق فرص العمل، و17.5 ملايين دولار لدعم التحولات السياسية وجهود تحقيق الاستقرار.
وتلقّى الصومال، بدوره، دعماً أمريكياً بقيمة 1.181 مليار دولار عام 2023، توزّع كالتالي: 870 مليون دولار مساعدات إنسانية، و180 مليون دولار مساعدات عسكرية، و48 مليون دولار لدعم الحكومة ومنظمات المجتمع الأهلي، و25.35 مليون دولار لدعم الصحة، و34.8 ملايين دولار لدعم القطاع الزراعي، و14 مليون دولار لدعم التعليم وخدمات المجتمع.
في الأثناء، حصل السودان على 769 مليون دولار. ويُتوقّع أن يترك قرار وقف المساعدات الأمريكية، أثراً بالغاً على البلد الذي خسر نحو 25% من ناتجه المحلي بعد سنة واحدة من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، وخلّفت أزمةً إنسانيةً وسياسيةً من بين الأسوأ في تاريخ البشرية.
تداعيات القرار على الدول العربية
وقف هذه المساعدات يعني ضغوطاً ماليةً هائلةً على الدول العربية المستفيدة. الأردن ومصر قد تواجهان تحدّيات اقتصاديةً وأمنيةً، حيث أنّ هذه المساعدات تمثّل دعماً رئيسياً للبنية التحتية العسكرية والاقتصادية. في مناطق النزاع، مثل اليمن والصومال والسودان، يهدّد قطع المساعدات حياة ملايين النازحين الذين يعتمدون على الدعم الإنساني. اليمن على وجه الخصوص، حيث يمثّل الدعم الأمريكي نسبةً كبيرةً من برامج المساعدات الغذائية والطبية، قد يشهد تدهوراً سريعاً في الأوضاع الإنسانية.
الحسابات السياسية وراء القرار
التجميد لم يكن إجراء إدارياً بحتاً، بل أداة ضغط سياسية أيضاً برأي كثير من المراقبين. إدارة ترامب صرّحت بأنّ واشنطن "سئمت من دعم دول لا تُظهر الولاء الكافي"، وهو ما يعكس نيةً أمريكيةً واضحةً لإعادة صياغة علاقات واشنطن الخارجية.
في الوقت نفسه، يشير استثناء الدعم العسكري لمصر وإسرائيل من القرار، إلى اعتبارات جيو-سياسية إستراتيجية تتجاوز الجانب الاقتصادي، وادّعاء ترامب صرف كل دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في موضعه.
جدير بالذكر أنّ المساعدات الأمريكية لإسرائيل، تخطّت 17.9 مليارات دولار خلال العام الأول لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة، بحسب مشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأمريكية، وهو ما يؤكد أنها خارج نطاق التخفيضات.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ الولايات المتحدة خفضت مساعداتها الخارجية بنسبة 20% خلال السنوات الخمس الماضية، ما يعكس توجّهاً أوسع نحو تقليص دورها في دعم الدول الحليفة. هذا التوجّه قد يفتح الباب أمام قوى أخرى، مثل الصين وروسيا، لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأمريكي من التمويل الدولي. في هذا السياق، حذّر المسؤول السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، جورج إنغرام، من أنّ "المخاوف تتزايد في واشنطن من أن يفتح وقف المساعدة مؤقتاً من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، نافذةً أمام الصين وروسيا".
من جهة أخرى، تأتي تصريحات وتغريدات رجل الأعمال المثير للجدل والمقرّب من دونالد ترامب، إيلون ماسك، المكرّرة، لتؤكّد ضلوعه في التحريض على إغلاق الوكالة الأمريكية، إذ يشنّ ماسك حملةً واسعةً عليها ويصفها بـ"الوكالة المجرمة".
وتجدر الإشارة أيضاً، إلى أنّ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، موجودة في أكثر من 100 دولة من أوكرانيا إلى البيرو. ويبلغ عدد موظفي الوكالة، أكثر من 10 آلاف موظف، غالبيتهم في الخارج. وقد أمّنت منذ العام 2000، منحاً للتعليم الأساسي والجامعي لأكثر من 10 آلاف طالب على مدى 24 عاماً.
خيارات الدول العربية
بناءً على هذه الأرقام والواقع الجديد، تجد الدول العربية نفسها أمام أحد خيارين: البحث عن بدائل للتمويل الأمريكي، أو الخضوع لشروط جديدة قد تفرضها واشنطن عليها. لذا، يجب أن تبدأ البلدان العربية التي تعتمد على هذه المساعدات، بتطوير سياسات اقتصادية أكثر استقلاليةً لتجنّب الابتزاز المالي في المستقبل. بعض الدول قد تتجه نحو الصين وروسيا كمصدرَي تمويل بديلَين، خاصةً في القطاعات العسكرية والاقتصادية.
توجُّه الدول العربية نحو تنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، أصبح ضرورةً إستراتيجيةً لمستقبلٍ أكثر استقراراً… كيف تتوزّع المساعدات الأمريكية للدول العربية؟ وما هي الدول العربية الأكثر اعتماداً على هذه المساعدات والأكثر تأثراً بقرار وقفها؟
وتشير التقارير الاقتصادية إلى أنّ الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط تجاوزت 316 مليار دولار خلال العقد الماضي، ما يجعل بكين مرشحاً رئيسياً لتعويض بعض النقص الناتج عن القرار الأمريكي. في المقابل، تواجه روسيا تحدّيات اقتصاديةً بسبب العقوبات الغربية، لكنها قد تواصل تعزيز نفوذها في المنطقة عبر اتفاقيات عسكرية واستثمارات إستراتيجية.
روسيا هي الأخرى ربما لن تفوّت هذه الفرصة لملء بعض الفراغ الذي يتسبّب فيه غياب المساعدات الأمريكية مع أخذ ما تعانيه روسيا اقتصادياً بالفعل بسبب انخراطها في الحرب الطويلة الأمد مع أوكرانيا، في الحسبان.
ولا يُستبعد أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً مهماً في تعويض غياب المساعدات الأمريكية للدول العربية. مؤشر مهم على ذلك يتمثّل في إعلان الاتحاد الأوروبي، نهاية كانون الثاني/ يناير 2025، تعهّده تقديم حزمة مالية واستثمارية كبيرة للأردن من باب تعزيز الشراكة معه.
ختاماً، قطع المساعدات الأمريكية ليس مجرد تغيير مالي، بل إعادة هيكلة للعلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط. الدول التي تعتمد على هذه الأموال تواجه الآن تحدّيات كبرى، وقد حان الوقت لإعادة النظر في أسس هذه العلاقات لضمان استقرار اقتصادي وسياسي مستقلّ عن تقلبات السياسات الأمريكية. التوجه نحو تنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، أصبح ضرورةً إستراتيجيةً لمستقبل أكثر استقراراً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Toge Mahran -
منذ يوميناكتر مقال حبيته وأثر فيا جدا♥️
Tayma Shrit -
منذ يومينكوميديا سوداء تليق بمكانة ذاك المجرم، شكرا على هذا الخيال!
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ 4 أيامالمقال بيلقى الضوء على ظاهرة موجوده فعلا فى مصر ولكن اختلط الامر عليك فى تعريف الفرق بين...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياماحمد الفخرناني من الناس المحترمة و اللي بتفهم و للاسف عرفته متاخر بسبب تضييق الدولة علي اي حد بيفهم
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ 5 أياممقال رائع..
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعالحبة الحمراء أيديولوجية يقتنع بها بعض من النساء والرجال على حد السواء، وبرافو على هذا الشرح الجميل