شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مسؤولون سابقون في نظام الأسد في واجهة الإعلام... اعترافات أم تبرؤ؟

مسؤولون سابقون في نظام الأسد في واجهة الإعلام... اعترافات أم تبرؤ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 4 فبراير 202510:31 ص

ظهر خلال الفترة الماضية، ثلاثة مسؤولين عملوا تحت حكم الأسد حتى اللحظة الأخيرة قبيل سقوط النظام، ممن تحدثوا عبر منصة "مزيج" التابعة لقناة العربية، عن الساعات الأخيرة التي شهدوا عليها، تزامناً مع دخول فصائل المعارضة المسلحة دمشق وفرار رئيس البلاد إلى روسيا. 

أحدث ظهور هؤلاء عبر وسائل إعلام، موجة من ردود الأفعال المتباينة، لا سيما وأن معظمهم تبرأ من حكم الأسد، وعبّر عن مواقف رافضة للطريقة التي كانت تُدار على أساسها البلاد خلال الحرب، الأمر الذي طرح تساؤلات حول ما إذا كان هؤلاء يحاولون إزاحة المسؤولية عن كاهلهم، عبر ظهورهم على الإعلام مباشرةً بعد سقوط النظام، أم أنهم بالفعل لم يكونوا راضين عن حكم الأسد، وكانوا مجرد أدوات تنفيذية للقرار، وبعيدين عن القضايا الحساسة وكواليس الأحداث الأمنية والسياسية. 

في هذا التقرير يلقي رصيف22 الضوء على أبرز ما جاء في مقابلاتهم، ودلالاتها وسياقاتها، ونستعرض كيفية تفاعل الرأي العام السوري معهم، وكيف تتعاطى معهم الإدارة الجديدة. 

كامل صقر... مدير المكتب الإعلامي والسياسي في رئاسة الجمهورية سابقاً  

بحسب ما تم رصده من ردود أفعال حول مقابلة مدير المكتب الإعلامي والسياسي في رئاسة الجمهورية سابقاً، كامل صقر، على منصة "مزيج" التابعة لشبكة العربية، استنكر البعض أن تتاح المنابر الإعلامية لشخصية بمنصب صقر، حلّت محل "ماكينة إعلام الحرب في سوريا"، لونا الشبل، وطالب آخرون أن تتم محاسبة من هم بموقعه وتحويلهم للقضاء، فيما اعتبر آخرون أن صقر قد يكون لديه مخزون هام من المعلومات عن الفترة التي عمل فيها مع النظام، ومن المفيد البقاء على تواصل معه خلال المرحلة الحالية.  

أحدث الظهور الإعلامي لعدد من المسؤولين الذين عملوا تحت حكم الأسد حتى اللحظة الأخيرة، مزيجاً من ردود الفعل بين السوريين، فهناك من يرى في ظهورهم واعترافاتهم استراتيجية استباقية للتهم، وهناك من يرى أنهم كانوا مجرد أدوات تنفيذية وليسوا راسمي سياسات

من زاوية أخرى، قد يكون ظهور كامل صقر علناً بعد سقوط النظام الذي كان هو أحد أهم أركانه -نظراً لمنصبه- بحد ذاته تكنيكاً إعلامياً يخلّصه من مواقف محتملة قد تدينه أو تحمله مسؤولية من نوع ما لاحقاً، لا سيما وأن معظم من كانوا يعملون في مواقع مشابهة اختفوا أو فرّوا خارج البلاد. 

الظهور بدلاً من الهرب أو الاختفاء، قد تكون ""خدعة إعلامية" إذن، أو كأنها رسالة للإدارة الجديدة وللرأي العام مفادها: ما الذي قد يدفع المسؤول والسياسي في ظروف مشابهة للهرب أو الاختفاء إن لم يكن متورطاً بجرم حقيقي؟ وفي حال فعل ذلك، ألا يدينه هذا بشكل مباشر حتى ولو لم تُثبَت بحقه قضايا فساد أو جرائم من نوع ما؟  

لا يشغل صقر منصباً حكومياً بمهام معلنة وأدوار يحدّدها الدستور والقانون، ويبدو أنه لم يكن شخصية معروفة للكثيرين، على الرغم من مضي أكثر من خمسة أعوام على توليه هذا المنصب في القصر الرئاسي، على عكس لونا الشبل، التي قيل إن كامل صقر جاء بديلاً عنها، أو بحسب البعض "منافساً"، ولكن بحسب دلالات حديث صقر، فإنه لم يلعب الدور الذي لعبته الشبل، ولم يكشف خلال المقابلة عن حقائق ومعلومات غير متداولة ولا يعرفها الناس، ما جعل البعض يطرح تساؤلات عما إذا كان الرجل صادقاً في حجم المعلومات التي هي بحوزته، ومساحة اطلاعه الضيقة على السياقات المختلفة للقضايا والأحداث من القصر الرئاسي، أم هي محاولة للتهرب فحسب، لا سيما وحساسية المنصب الذي يشغله! 

المُلفت هو عدم التطرق خلال المقابلة إلى دور المكتب الإعلامي والسياسي الحقيقي في القصر بشكل واضح، وما إذا كان عمل مديره يتعدّى مجرد تحرير الخبر الصحافي الذي يُنشَر عبر المنصات الرسمية لرئاسة الجمهورية السابقة، كما لم يتم الحديث عن علاقة صقر بالرئيس الأسد أو زوجته، وما إذا كان التواصل معهما يتم عبر وسطاء أو بشكل مباشر، وما هي الملفات التي يتدخل بها القصر على المستوى الإعلامي، وما دور صقر تحديداً بها. 

كلها أسئلة بقيت خارج سردية المقابلتين اللتين أجراهما صقر في الفترة اللاحقة لسقوط النظام، بينما اقترب حديثه في معظمه إلى الأسلوب التحليلي، ما يوحي وكأنه متلقٍ للأحداث، وليس شاهداً عليها أو صانعاً لها. 

وصل صقر إلى القصر الرئاسي، بحسب ما تم تداوله خلال فترات سابقة، برعاية واهتمام أسماء الأسد، وقد اتهمه الإعلامي شادي حلوة في بثّ مصور عبر "تيك توك" أنه مسؤول، هو وأسماء الأسد، عن الحرائق التي تسببت بأضرار وخسائر كبيرة في عدة قرى ضمن الساحل السوري خلال العام 2020، حيث كان هذا الملف، بحسب ادعاءات حلوة، السبب الرئيس في صعود صقر إلى القصر الرئاسي فجأة. 

وقال شادي حلوة في نفس البثّ، الذي جاء بعد أيام فقط من ظهور كامل صقر عبر منصة "مزيج"، إن الأخير كان يتحكم بعدد كبير من المنصات والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف نشر محتوى إعلامي موجّه، دون أن يكشف -أي حلوة- عن ماهية المواضيع التي كانت تُنشَر، كما قال إن صقر نفسه تواصل معه أكثر من مرة لنشر مواد مكتوبة، معدة مسبقاً للنشر، عبر الوسيلة الإعلامية التي يديرها، في إشارة منه أن كامل صقر كان يتحكم بالخطاب الإعلامي، ويفرض أجندات على منصات ووسائل الإعلام في سوريا.

الجدير بالذكر أن صقر رفض الاعتذار من الشعب السوري، قائلاً إنه لا يوجد مبرر للاعتذار لأنه لم يرتكب أي خطأ يضر بالسوريين، وإنه "مجرد موظف يؤدي عمله"، بحسب تعبيره. 

محمد الجلالي... رئيس الحكومة السابق  

على العكس منه، قدم محمد الجلالي رئيس الوزراء السابق اعتذاراً للشعب السوري، معترفاً أنه كان "خائفاً"، وأنه لم يكن في موقع يسمح له بالتغيير أو المصارحة، قائلاً إن المعارضة في الداخل لم يكن بمقدورها إبداء الرأي واتخاذ المواقف المعارضة للحكم كمن هم في الخارج، في إشارة أو تبرير أو توضيح ربما للعجز الذي كان يشعر به بعض المسؤولين الذين عملوا تحت حكم الأسد. 

رفض رئيس المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية كامل صقر الاعتذار من الشعب السوري، قائلاً إنه مجرد موظف يؤدي عمله، بينما قدم رئيس الوزراء محمد الجلالي اعتذاراً للشعب السوري، معترفاً أنه كان "خائفاً"،

لم يكن مضى على تولي محمد الجلالي رئاسة الحكومة في عهد بشار الأسد سوى شهرين فقط قبل سقوط النظام، ولكن رئاسة الحكومة لم تكن المنصب الوحيد الذي شغله الجلالي في النظام السوري، فقد كان وزيراً للاتصالات في العام 2014، ومعاوناً في العام 2008، أي قبل اندلاع الثورة السورية.  

خلال حديثه في حلقتين، لمدة تتجاوز الساعة لكل منهما، مع الإعلامي حسين الشيخ، عبر ذات المنصة "مزيج"، كشف الجلالي عن الساعات الأخيرة التي شهد عليها بحكم منصبه قبل سقوط النظام، وكيفية تعاطي الحكومة آنذاك مع الأحداث المتسارعة منذ نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2024، عندما سيطرت المعارضة المسلحة على حلب، وحتى لحظة السقوط، إضافة إلى عناوين أخرى، مثل كيفية وصوله لرئاسة مجلس الوزراء، وكواليس خروجه لإلقاء بيان عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل لحظة السقوط. 

كان مستغرباً أن تحمل الحلقة الثانية مع الجلالي عنوان "كيف يفكر بشار الأسد"، نظراً لأن الحلقة الأولى تكشف بشكل جلي عن أن رئيس الحكومة السابق لم يمتلك الكثير من المعلومات بحسب أجوبته، ربما بسبب الفترة القصيرة التي أمضاها في منصبه، وعندما كان وزيراً للاتصالات في وقت سابق. 

وبحسب ما أفاد به، فهو لم يكن مقرباً من الرئيس الأسد، وطريقة تواصله معه، وحتى لقاءاته، كانت تتم عبر قنوات غير مباشرة ووسطاء.

في هذا السياق، كانت أولى الملاحظات البارزة في حديث الجلالي هي تصريحاته حول طبيعة تواصله مع بشار الأسد خلال الساعات الأخيرة قبل السقوط، حيث أوضح أن اتصالاته مع الرئيس كانت تتم عبر مقسم الهاتف في القصر الرئاسي، ما يسلط الضوء على فشل التنسيق المباشر بين الرئيس وأعلى سلطة تنفيذية في البلاد في لحظات حساسة كهذه، ومستوى الانفصال بينه وبين أجهزته الحكومية في الأوقات التي كانت تشهد أكبر التحولات العسكرية والسياسية.  

وفيما يتعلق بمسؤوليته كأحد الأشخاص الذين حملوا العبء التنفيذي في الفترة السابقة، بدا الجلالي كشخصية تنفيذية أكثر منه صانع قرار، ما يطرح تساؤلات حول كيف كانت تجرى الأمور بالفعل في الحكومة، ومن كان مسؤولاً عن اتخاذ القرارات وعن كيفية صناعتها وإقرارها، ومدى صلاحيات رئيس الحكومة. 

في هذا السياق، قال الجلالي إن قرارات مجلس الوزراء، حتى لو تمت الموافقة عليها بالإجماع من قبل المجلس، فهي لم تكن قابلة للإقرار بشكل رسمي إلا بعد موافقة الأسد واطلاعه عليها.

لكن ما أثار تفاعلاً كبيراً مع حديث الجلالي بين الجمهور، كان لحظة انهمار دموعة أثناء حديثه عن موقفه من البيان الذي نشره بعد سقوط النظام. بدت هذه اللحظة من الضعف العاطفي بعيدة عن صورة السياسي القوي، إذ أظهر الجلالي أن هناك جزءاً إنسانياً وراء التصريحات السياسية، حيث رأى البعض أن هذا البكاء على الشاشة كان مؤشراً على ندمه على ما آلت إليه الأوضاع في بلاده، بينما رأى آخرون أن البكاء لا يغسل ما قبله.

حبيب سلمان... المدير العام السابق في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون  

روى حبيب سلمان تفاصيل الساعات الأخيرة في مبنى التلفزيون قبل سقوط النظام، وكيفية تعاطي الإعلام الرسمي السابق مع مجريات عملية "ردع العدوان" منذ انطلاقها في حلب، وحتى وصول فصائل المعارضة إلى ساحة الأمويين في دمشق، بالقرب من مبنى الهيئة، حيث كان سلمان لا يزال متواجداً في مكتبه، بعد ساعات من اتخاذه قراراً فردياً، دون مشورة أحد، بعدم نقل أي أخبار عن الجيش وغيره على التلفزيون، والاكتفاء ببث بعض الأغاني الوطنية، لا سيما بعد انقطاع التواصل مع أي مسؤول أو مصدر رسمي يمكن من خلاله معرفة ما يجري، بحسب ما أفاد به سلمان. 

ما عدا ذلك، لم تكن الدقائق اللاحقة في مقابلة سلمان ذات محتوى مهم، على غرار مقابلتي رئيس الحكومة ومدير المكتب الإعلامي والسياسي في رئاسة الجمهورية السابقة، واستندت في محاور عديدة منها إلى استعراض آراء وانطباعات شخصية عن مواقف وقضايا تتصل، بطريقة أو بأخرى، بالإعلام الوطني الرسمي، إضافة إلى رواية بعض الأحداث السابقة التي كان سلمان شاهداً عليها، وقد اتخذ منها بصفة شخصية موقفاً وصفه بـ "الجريء". 

عُرف حبيب سلمان في حادثة شهيرة في العام 2017، حين صدر قرار تعيينه بمنصب مدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، لمدة ساعة ونصف فقط، قبل أن يُطوى القرار بتوجيه شخصي من لونا الشبل، ليعود في العام 2021 إلى تسلم ذات المنصب. في هذا العام بالذات، جرى الحديث عن تقلص الدور الذي كانت تؤديه الشبل في القصر الجمهوري، وصراعها الخفي مع سيدة القصر الأولى. 

تحدث حبيب سلمان المدير العام السابق للإذاعة والتلفزيون، عن تفاصيل الساعات الأخيرة في مبنى التلفزيون قبل سقوط النظام، وعن اتخاذه قراراً فردياً بعدم نقل أي أخبار عن الجيش، والاكتفاء ببث بعض الأغاني الوطنية، لا سيما بعد انقطاع التواصل مع أي مسؤول أو مصدر رسمي

لم يكن حبيب سلمان عموماً، شخصية مؤثرة في صناعة القرار أو المشهد الإعلامي في سوريا، في ظل أن وزارة الإعلام نفسها لم تكن لديها الصلاحيات والمساحات اللازمة لصناعة تغيير حقيقي أو جذري، يعيد بناء الثقة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية الرسمية، ومع ذلك، تعرض برنامج الإعلامي حسين الشيخ لانتقادات كبيرة على خلفية استضافته لأشخاص محسوبين على النظام، خصوصاً بعد عرض المقابلة التي استضاف فيها الشيخ المدير العام في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون سابقاً، حبيب سلمان. 

كيف يتعامل مسؤولو الإدارة الجديدة معهم؟  

حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى نية الإدارة الجديدة في سوريا باتخاذ إجراءات قانونية أو غيرها ضد مسؤولي الصف الأول في حكم بشار الأسد. حُل النظام بشكل شبه كامل، واستُبعد عدد من المسؤولين بطبيعة الحال، دون أولئك الذين اختفوا أو فرّوا خارج البلاد، فيما تجري الآن إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وعدد من المؤسسات غير الحكومية وفق معايير جديدة. 

في الأيام الأولى بعد سقوط النظام، نشرت قناة وزارة الإعلام في حكومة تسيير الأعمال عبر "تلغرام" بياناً مقتضباً أعلنت فيه أنها ستسعى لمحاسبة الإعلاميين الحربيين الذين شاركوا في آلة الحرب والدعاية لنظام الأسد، وساهموا، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الترويج لجرائمه، مع إضافة عبارة: "ومحاسبة كل من تورّط في انتهاكات جسيمة بحق أبناء الشعب". لم يتبع البيان أي توضيح، ولم يصدر تعليق من أي مصدر رسمي آخر، ما جعل البعض يعتقد أن هذا البيان يحمل رسائل مباشرة وغير مباشرة، قد توسع دائرة المحاسبة لتشمل فئات أخرى خارج من استهدفتهم الوزارة، وقد طرح هذا الأمر تساؤلات كبيرة حول مصير هؤلاء المسؤولين: هل ستتم محاكمتهم؟ أو هل ستُقدم استثناءات لبعضهم لعودتهم إلى العمل السياسي والحكومي؟  

تُطرح هذه الأسئلة في ظل التحديات التي تواجهها الإدارة الجديدة في محاولة إعادة بناء سوريا، حيث تتصاعد المطالب بإجراء محاكمات عادلة، تحقيقاً لمرحلة العدالة الانتقالية. 

تختلف الآراء بين من يرى أن أهمية هؤلاء تأتي من امتلاكهم لمعلومات مهمة قد تساهم في كشف المزيد من الحقائق عن النظام السوري السابق، وبين من يطالب بمنعهم من العودة إلى بيئة العمل السياسي والحكومي مع ضرورة محاسبتهم، وبين من يراهم أدوات تنفيذية.

في سياق آخر، ظهر عدد من المسؤولين المنشقين عن النظام السوري على منصات ووسائل إعلام مختلفة بعد سقوط بشار الأسد، غالبيتهم كانوا من فئة المعارضين القدامى الذين غادروا البلاد قبل اندلاع الثورة السورية في عام 2011، لكن التفاعل الأكبر كان مع ظهور الدبلوماسي جهاد مقدسي، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السورية من تشرين الأول/أكتوبر 2011 حتى كانون الأول/ ديسمبر 2012. 

ظهر مقدسي في مقابلة من جزئين عبر "التلفزيون العربي"، بعد ابتعاده لسنوات عن الساحة السياسية والإعلامية، وكشف فيها للمرة الأولى كواليس الأحداث التي عايشها وكان شاهداً عليها. أبرز هذه الأحداث كانت مجزرة الحولة، والبيان الشهير الذي اعترفت فيه الحكومة السورية بحيازتها أسلحة كيميائية. 

التفاصيل التي قدمها مقدسي بشأن هذين الحدثين توضح إلى حد ما طريقة تعاطي النظام مع القضايا والأحداث التي تستدعي التدخل الإعلامي وصناعة الخطاب، كما توضح جانباً من علاقة الأسد مع مسؤولي نظامه الأقربين ورؤيته لهم، فقد كشف مقدسي عن تصريحات أسر بها الأسد له حول فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري آنذاك، وليد المعلم، حيث وصف الأسد المقداد بأنه غير قابل للتطوّر وأرفق ذلك بوصف غير لائق، بحسب قول مقدسي، كما تحدث الأخير عن أن الأسد وبّخ المعلم بسبب كواليس بيان الأسلحة الكيميائية، وقاطعه لمدة تزيد عن عشرين يوماً، بحسب حديثه. 

رغم أن مقدسي أمضى فترة قصيرة نسبياً في وزارة الخارجية، إلا أن المعلومات التي قدمها تظهر كيف وأين بدأت الأمور تتجه نحو مسار يصعب الرجوع عنه، كما كشف عن كيفية تعاطي النظام والكيانات التي شكلها مع الأحداث الأمنية والعسكرية التي كانت تجري في البلاد آنذاك، مشيراً في حديثه إلى ما يسمى باللجنة الأمنية، والتي ضمت كلاً من فيصل المقداد، وعلي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني، ولونا الشبل، المستشارة الإعلامية في القصر الجمهوري، بالإضافة إلى مسؤولين في الأمن العسكري. والتي انضم إليها مقدسي آنذاك بقرار من الأسد، في محاولة لإشراكه بصناعة المعلومة.

استخدم مقدسي كلمة "الرئيس" عند الحديث عن بشار الأسد، وعندما سُئل عن سبب استخدام هذه الكلمة رغم أنها قد تثير انزعاج البعض، أوضح مقدسي أنه رجل دبلوماسي ويعبر عن الأمور كما هي، وأن بشار الأسد كان رئيساً في فترة عمله ضمن منظومته. وعلى الرغم من أن العديد من المسؤولين الذين عملوا مع النظام حتى اللحظة الأخيرة أكدوا أن الأسد لم يكن يستمع لأحد ويتخذ قراراته بنفسه، أشار مقدسي إلى أن الأسد كان يستمع للآراء قبل أن يتخذ قراره، ما اعتبره البعض اعترافاً جريئاً من مقدسي. 

قد تؤثر معطيات المرحلة التي عاصرها مقدسي، وشكل دوره آنذاك، على نوعية الملفات والأحداث التي كان شاهداً عليها ودرجة حساسيتها، وهذا ما قد يفسر إلى حد ما الاختلاف الكبير بين وزن المعلومات التي أفاد بها مقابل تلك التي أدلى بها مسؤولون عملوا مع النظام خلال السنوات السابقة وحتى اللحظة الأخيرة. 

قد يفسر ذلك أيضاً بأن المسؤولين الذين بقوا مع النظام حتى النهاية قد يتجنبون الكشف عن تفاصيل حساسة يمكن أن تدينهم، خاصةً أنهم لم يتخذوا موقفاً منها واستمروا في العمل مع النظام حتى اللحظة الأخيرة. 

في المقابل، قدم مقدسي استقالته بعد فترة قصيرة من توليه المنصب الذي استدعاه الأسد شخصياً له من لندن، ليغادر بعدها البلاد ويُصبح جزءاً من المعارضة، قبل أن يبتعد نهائياً عن الساحة السياسية والإعلامية.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image