شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف ينظر السوريون إلى

كيف ينظر السوريون إلى "خطاب النصر"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 30 يناير 202503:55 م

مساء الأربعاء 29 كانون الثاني/ يناير 2025، تسمّر السوريون أمام شاشات التلفاز، مترقّبين مجريات إلقاء "خطاب النصر"، من قبل قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، في حضور ممثلي الفصائل العسكرية المشاركة في عملية "ردع العدوان" التي أطاحت بنظام بشار الأسد قبل شهر ونصف.

في تمام الساعة الثامنة، وبينما كان من المفترض أن يتوجّه الشرع لأول مرة منذ توليه إدارة البلاد، بخطاب مباشر إلى المواطنين، مرّت الدقائق ولم يحصل السوريون إلا على مقتطفات من العبارات والتصريحات المنسوبة إليه، وذلك عبر قنوات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي.

فماذا جاء في هذه التصريحات؟ وما هي أبرز القرارات المعلنة؟ وكيف تفاعل معها السوريون في الداخل والخارج؟ هذا ما يسعى هذا التقرير إلى الإجابة عنه.

أثارت قرارات الشرع وإدارته، ردود فعل شديدة التباين بين السوريين، فالبعض رأى فيها "تأسيساً لدكتاتورية عسكرية جديدة" في البلاد، و"استخفافاً بكل التضحيات والخسارات التي تكبّدها ملايين السوريين"، طوال السنوات الأخيرة، وآخرون رأوها "منطقيةً ومتوقعةً"، وإن فضّلوا إعلانها بـ"طريقة أفضل"

عن "الخطاب الأوّل" للشرع

تضمّنت هذه التصريحات حديث الشرع، عن "النصر الذي تحقق دون خراب ودمار وسفك دماء وإنما بالرحمة والعدل والإحسان عند القدرة"، و"العزم على بناء سوريا وتطويرها"، محدّداً أولويات سوريا بـ"ملء فراغ السلطة، والحفاظ على السلم الأهلي، وبناء مؤسسات الدولة، والعمل على بناء بنية اقتصادية تنموية، واستعادة سوريا مكانتها الدولية والإقليمية".

كما تحدّث وزير الخارجية أسعد الشيباني، عن السياسة الخارجية التي تهدف إلى "طمأنة الخارج وتوضيح الرؤية وكسب الأصدقاء وتمثيل الشعب السوري في الداخل والخارج، وخفض التوتر وإرساء السلام".

كذلك، ألقى المتحدّث باسم إدارة العمليات العسكرية، العقيد حسن عبد الغني، "بيان إعلان انتصار الثورة السورية"، واعتبار الثامن من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، عيداً وطنياً. كما أعلن عن مجموعة من القرارات التي تتمثّل في إلغاء العمل بدستور عام 2012، ووقف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، وحلّ مجلس الشعب واللجان المنبثقة عنه، وحلّ جيش النظام وإعادة بناء الجيش السوري "على أسس وطنية"، وحلّ جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين، وحلّ حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، وحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية، وحلّ جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية السياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة الجديدة.

وتضمّن هذا الإعلان في النهاية تولّي أحمد الشرع، رئاسة البلاد، خلال ما سُمّيت بـ"المرحلة الانتقالية"، بما يشمل قيامه بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية، وتمثيلها في المحافل الدولية، وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقّت للمرحلة المشار إليها، بحيث يتولّى هذا المجلس مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخول هذا الدستور حيّز التنفيذ، دون تحديد إطار زمني لهذه الإجراءات.

إلى ذلك، أثارت هذه القرارات المعلنة وطريقة طرحها ردود فعل شديدة التباين بين السوريين، فالبعض رأى فيها "تأسيساً لدكتاتورية عسكرية جديدة" في البلاد، و"استخفافاً بكل التضحيات والخسارات التي تكبّدها ملايين السوريين" طوال السنوات الأخيرة، وآخرون رأوها "منطقيةً ومتوقعةً" في المرحلة الحالية، وإن كانوا يفضّلون أن تعلَن بـ"طريقة أفضل". ونزل فريق ثالث إلى ساحات بعض المدن السورية، بعيداً عن صخب النقاشات على مواقع التواصل، واحتفلوا بترديد الهتافات والأغاني ورفع الأعلام السورية وحتّى إطلاق الرصاص حتّى ساعات متقدّمة من الليل، عادّين ما يحصل "إيذاناً بمرحلة بدء الاستقرار والرخاء" التي طال انتظارهم لها.

سوريون يحتفون بـ"خطاب النصر"

سوريون يحتفون بـ"خطاب النصر"

قلق وخيبة أمل

خلال ساعات ما بعد "خطاب النصر"، عبّر سوريون كثير عن خيبة أملهم على مستويات عدّة، لعل أولها طريقة الإعلان ومخاطبة السوريين بشكل غير واضح وغير مباشر، وكأنهم ليسوا معنيين بكل ما يحصل والهدف هو فقط إخبارهم لا اعتبارهم شركاء في مستقبل بلدهم، وهو جدل لم يبدأ مع الخطاب الأخير، إذ وُجِّهت انتقادات عديدة إلى القيادة الجديدة على مدار الأسابيع الأخيرة بسبب عدم توجّهها نحو فئات كثيرة من الشعب السوري وتركيزها على مخاطبة الخارج والوفود الأجنبية.

خيبات أخرى تعلّقت بمحتوى الإعلان والخطاب، والذي تجاوز كونه يتحدّث فقط عن "النصر"، ليتضمّن مجموعة إجراءات تمنح الشرع وحده مستوى عالياً من الصلاحيات وفي مقدّمتها تشكيل جسم تشريعي جديد بطريقة غير واضحة، ما قد ينذر بفوضى تشريعية، فضلاً عن تمكينه من تولّي الرئاسة بصلاحياتها كلها، في حين كان من المرتقب انتهاء فترة الحكومة الانتقالية التي أعلن عنها سابقاً مفيداً بأنها ستكون لثلاثة أشهر، والإعلان عن موعد لمؤتمر الحوار الوطني، وهو أمر تأجّل أكثر من مرة، فيما لم يعد معروفاً الآن إن كان سيُعقد أم لا.

جاء الإعلان عن هذه القرارات "المصيرية" في حضور قادة الفصائل العسكرية، من دون أي حضور للأجسام المدنية الفاعلة، وكذلك من دون أي وجود نسائي، ومن دون وضوح مصدر "شرعية" القرارات، الأمر الذي يثير المخاوف من تأسيس حكم عسكري مستبدّ والاستئثار بالسلطة دون الاستعداد مستقبلاً لتسليم السلطة للمدنيين

بالإضافة إلى ما سبق، جاء الإعلان عن هذه القرارات "المصيرية" في حضور قادة الفصائل العسكرية فحسب، من دون أي حضور للأجسام المدنية الفاعلة، وكذلك من دون أي وجود نسائي، ومن دون وضوح مصدر "شرعية" القرارات، الأمر الذي يثير المخاوف من تأسيس حكم عسكري مستبدّ والاستئثار بالسلطة دون الاستعداد مستقبلاً لتسليم السلطة للمدنيين، وهو أمر يناقض كليّاً ما كان يأمله السوريون منذ إسقاط نظام الأسد، وكانوا يعملون لأجله بشكل حثيث. وهذا يذكّر ربما بالطريقة التي استلم بها بشار الأسد، السلطة بعد وفاة والده عام 2000، حين تم تغيير الدستور بـ"جرّة قلم".

من الأمور المثيرة للقلق أيضاً، من وجهة نظر بعض السوريين، عدم وضوح انضواء الفصائل العسكرية كافة العاملة على الأراضي السورية، والتي تمتلك توجّهات وانتماءات مختلفةً للغاية وأحياناً تصادميةً، تحت راية جيش سوري واحد، خاصةً عند الحديث عن الفصائل الموجودة في جنوب سوريا، في محافظتَي درعا والسويداء تحديداً، وأيضاً قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي. فهل ستقبل جميعها العمل تحت راية واحدة؟ وهل ستنتهي الحالة الفوضوية وغير المريحة لانتشار السلاح غير المنضبط في سوريا؟ هذه الأسئلة وغيرها لم تحظَ بعد بإجابة واضحة.

خطاب "مقبول ومتوقّع"

سوريون يحتفون بـ"خطاب النصر"

في الجهة المقابلة، رأى فريق آخر من السوريين أن ما حصل في "خطاب النصر" كان متوقعاً وغير مفاجئ وفق "شرعية الانتصار العسكري"، ومشابهاً لسيناريوهات الانقلابات التي شهدتها سوريا في خمسينيات القرن العشرين، بل عدّوا ذلك "مطلوباً" كشرط من شروط المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد، ولطيّ صفحة المرحلة السابقة بكل رموزها، خاصةً مع وضوح دعم معظم القوى الإقليمية والدولية لهذا المسار. وبرغم "الإخراج" السيئ لهذه القرارات، تبقى هناك العديد من النقاط الإيجابية التي يمكن استثمارها في المرحلة المقبلة، بحسب ما يرى هذا الفريق.

من هذه النقاط، قرب انتهاء "كابوس" سيطرة عشرات الفصائل العسكرية المختلفة على بلد يضم تنوّعاً هائلاً مثل سوريا، بكل ما يمكن أن يحمله ذلك من عنف وفوضى قد يصعب ضبطها وقد توصّل إلى مرحلة لا تُحمد عقباها، وبدء مرحلة دستورية جديدة مع وجود الكثير من الأسئلة حولها، والتي لها علاقة بالمجلس التشريعي المرتقب ومدى تمثيله لكل السوريين واحتمالية إصدار إعلان دستوري جديد وغيرها من النقاط.

أيضاً، تشير بعض الآراء "البراغماتية"، إلى أنّ نجاح التجربة اليوم في سوريا ليس رهناً بالإدارة الجديدة والقيادات العسكرية فحسب، وإنما بكل السوريين الذين ربما ما عادوا يملكون الكثير من الخيارات بعد الإرث الثقيل الذي خلّفه النظام السابق، سوى دعم القيادة وتوجيهها حيث أمكن، ومحاولة مساندتها على كل المستويات لئلا تنهار الدولة بكل ما فيها، خاصةً أنه بات جليّاً أن معظم القيادات المدنية الجديدة لا تمتلك الخبرة الكافية لإدارة دولة متكاملة، فهؤلاء جاؤوا من خلفية عمل ثوري و/ أو جهادي طارئ في معظم الأحيان، وعلى مستوى محلي فحسب.

لكن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال التوقّف عن نقد الأخطاء، والإشارة إلى الانتهاكات حين حدوثها، خاصةً أنّ صانعي القرار الجُدد يبدون اليوم مستوى "مقبولاً" من المرونة والانفتاح.

يبحث سوريون كثر، خاصةً من جيل الشباب، عن مساحة أكبر للاشتباك مع مختلف القضايا، والمزيد من التنظيم، والثقافة السياسية التي كانت غائبةً عنهم طوال عقود، وصولاً إلى دولة مواطنة وقانون يحلم بها الجميع، وهو عمل تراكمي يتطلّب وقتاً طويلاً

ما المطلوب اليوم؟

منذ إسقاط نظام الأسد، بات لافتاً انخراط الكثير من السوريين من مختلف الشرائح والأعمار والانتماءات في مستوى معيّن من العمل السياسي والمدني والمجتمعي، وضمن جوّ غير مسبوق من الانفتاح والحريات، مع الإقرار بأنّ المشهد ليس وردياً على الإطلاق، والتخوّف من عدم استمراره على هذه الحال في الأشهر المقبلة.

سيلقي أحمد الشرع، خطاباً موجّهاً إلى الشعب السوري، مساء الخميس 30 كانون الثاني/ يناير الجاري، فهل يستفيد من الانتقادات البنّاءة لفحوى "خطابه الأول"، ويكون خطابه الثاني على قدر التوقعات والآمال؟

لا تزال هناك اليوم الكثير من الأولويات، على رأسها تحسين الوضع الاقتصادي، والشعور بمستويات أعلى من الأمان، والالتفات إلى السلم الأهلي وتطبيق آليات العدالة الانتقالية، خاصةً في المناطق التي لا تزال تشهد حوادث عنف وانتقام غير منضبطة، إلى جانب ملفّات ضخمة مثل إعادة بناء المؤسسات ومكافحة الفساد وعودة المهجرين وإعادة الإعمار والقلق من التوغل الإسرائيلي جنوباً وغيرها.

في الوقت ذاته، يبحث سوريون كثر، خاصةً من جيل الشباب، عن مساحة أكبر للاشتباك مع مختلف القضايا، والمزيد من التنظيم، والثقافة السياسية التي كانت غائبةً عنهم طوال عقود، وصولاً إلى دولة مواطنة وقانون يحلم بها الجميع، وهو عمل تراكمي يتطلّب وقتاً طويلاً.

ووفق ما أعلنته الوكالة السورية للأنباء "سانا"، سيلقي أحمد الشرع، خطاباً موجّهاً إلى الشعب السوري، مساء الخميس 30 كانون الثاني/ يناير الجاري، فهل يستفيد من الانتقادات البنّاءة لفحوى "خطابه الأول"، ويكون خطابه الثاني على قدر التوقعات والآمال؟ فلننتظر ونرَ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image