شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
زفاف شجرة البرتقال ليس أسطورة فحسب… قصة ملهمة أخرى من شيراز

زفاف شجرة البرتقال ليس أسطورة فحسب… قصة ملهمة أخرى من شيراز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 25 يناير 202502:32 م

بالنسبة لأولئك الذين سافروا إلى ميدنة شيراز الواقعة جنوب إيران، فإن زيارة حديقة "نارنجستان قَوَام" أو حديقة قوام وقصرها الجميل هي متعة كبيرة. هذا المكان الذي يعد من بقايا العصر القاجاري في إيران، سمي بهذا الاسم بسبب كثرة أشجار النارنج التي تقف شامخة في حديقته، حيث يتكون مجمع قوام الذي بني بين عامَي 1879 و1889 في عهد ناصر الدين شاه القاجاري بأمر من علي محمد خان قوام، ومن قسمين: الخارجي (متحف نارنجستان) والداخلي (بيت زينة الملك).

في عهد ناصر الدين شاه، استخدم مبنى المجمع كمقر للحكومة، أو مكان لإقامة وإجراء الشؤون السياسية والعسكرية والاجتماعات مع ممثلي الحكومات الأجنبية. وفي عام 1967 تبرع مُلّاك المجمع بقصر نارنجستان لجامعة شيراز، إذ أصبح في فترة ما بين عامي 1967 و1979، تحت إدارة المعهد الآسيوي لجامعة بَهلَوي (مؤسسة خيرية ترأستها زوجة آخر شاه لإيران فرح بهلوي والتي عملت على تعزيز الثقافة والفن الإيراني وربطها بالثقافة والفنون الأخرى في الدول الآسيوية).

حديقة نارنجستان في شيراز

يمكن كتابة مئات الصفحات عن مجمع نارنجستان، ولكن بما أن الوصول إلى تاريخ ومعلومات عن هذه الحديقة وقصرها ليس بالمهمة المعقدة، فستناقش هذه المادة مجمعاً جميلاً آخر يقع بالقرب منه. على بعد 100 متر من "نارنجستان"، وفي قلب النسيج التاريخي لمدينة شيراز، يتم الكشف عن منزل تاريخي معروضة فيه صور عديدة، يمكن قراءة جديدة للقصص القديمة من خلالها؛ قصص قد تُنسى مع تخريب هذا البيت وجزء كبير من النسيج التاريخي لمدينة شيراز. عن هذا الموضوع تحدث رصيف22 مع السيد عادل يَزدي.

من هو عادل يزدي؟

ولد عادل يزدي عام 1978 في شيراز بمنزل يقع في القسم التاريخي والتراثي لهذه المدينة، وكل ماضيه ومستقبله وعمله وحياته وسعادته، مرتبط بهذه المدينة. يقول عادل إن سبعة وخمسين هكتاراً من النسيج التاريخي لهذه المدينة سوف يتدمّر بحجة التنمية! مع ذلك، جلسنا للدردشة معه حتى يتمكن من إخبارنا عن سحر المنازل التاريخية والمليئة بالقصص، التي تقع بجوار مجمع نارنجستان.

هناك غرفة تتدلى من سقفها آلاف الأصابع الملونة؛ غرفة "الأربعة عشر ألف اصبع"، تشير إلى قصة الملاك الذي يعد قطرات المطر، وقد ورد ذكر هذا الملاك في العديد من المصادر الدينية، مثل كتاب: "معراج نامه" و"بحار الأنوار"

نشأ في عائلة محبة للفن، وكان لديه اهتمام كبير بالرسم منذ الطفولة، لدرجة أنه في سن السادسة عشرة، أصبح رساماً وتمكن من إقامة العديد من المعارض. زار المخرج الإيراني محمد رسولوف أحد معارضه، وطرح سؤالاً عن سبب إعادة رسم الطبيعة التي يمكن للكاميرا أن تسجلها بتفاصيل أدق وحقيقية، ما تسبب بأن ترك عادل كل أعماله السابقة وبدأ البحث من جديد.

معرض أربعون مشكاة

بعد ذلك، هاجر إلى كندا، ودرس الرسم والفلسفة في الجامعة، ثم عاد إلى إيران، وبفضل تأثره بالمسرح والسينما ومعرفته بجمعية "محبو التراث الثقافي والسياحة" في محافظة فارس (ومركزها شيراز)، بدأ نشاطه في الحفاظ على التراث الثقافي لشيراز، وبحث في النسيج الثقافي لهذه المدينة، وأصبح مهتماً تدريجياً بالقصص والروايات التي نشأت من ثقافة وشعب شيراز، وقرر الاستقرار في حي من أحياء المدينة القديمة والتعبير عن مشاعره من خلال الرسم والنحت والطباعة.

من بيت الحدادين التاريخي إلى معرض الأربعين مشكاة

حي "نارنجستان قوام"، حي فريد من نوعه، وعندما استقر عادل فيه كان 80% من سكانه من غير المسلمين أو المهاجرين. كانت أسوار الحي كلها آيلة للسقوط وفي حالة سيئة، ولم يكن لها أي شبه بالجدران المرممة بالأسلوب الإسلامي، التي جذبت الكثير من السياح. كانت هذه المنازل عبارة عن خربات قريبة من قصر نارنجستان، وليس لها أي قيمة تاريخية. ففكر عادل إن التأكيد على انعدام القيمة التاريخية لهذه الجدران أمر مهم، مع العلم أن هذا الفنان لم يتدخل في السياق التاريخي للمنازل، بل قام بتحويل الجدران المتهالكة، إلى منصة لروايته الجذابة.

من الأعمال الفنية في نارنجستان

بعد إقامته في منزل عائلة الحدادين، بدأ عادل في ترميم المنزل. استغرق هذا العمل عامين كاملين. وحول هذا يقول لرصيف22: "لم يقتصر الأمر على عدم حصولي على أي دعم، بل حاول العديد من أصدقائي والأشخاص من حولي ثنيي عن مواصلة عملي، لكنني لم أحبط، وبعد عامين تمكنت من إعداد أول ورشة عمل وإقامتي في المنزل حتى أتمكن من العيش فيه والتركيز بصبر على المساحة المحيطة بي. والآن حان الوقت لإدخال جدران منزلي في أفكاري وتحويلها إلى مرآة تعكس قصصي".

من أعمال الطباعة اليدوية

تم بناء فناء المنزل على طراز العمارة القاجارية؛ تتوسطه بركة ماء وفق الأسلوب القديم، كما توجد غرفتان بالقرب من المدخل تتميزان بعمارة الفترة الَأفشارية في إيران، وهي في الواقع ورش للطباعة اليدوية. بُعيد ذلك، هناك رواقان متقابلان، أحدهما يطل على قبر أحد كبار متصوفة القرن السادس الهجري الشيخ روزبَهان. ولتلوین القبر استُخدم في الغالب اللون الأحمر، وفي الأساس، جميع الألوان المستخدمة في طلاء المنزل، هي ألوان لوحات الفترة القاجارية.

غرفة الأربعة عشر ألف اصبع

مقابل هذا المعرض، هناك غرفة أخرى تتدلى من سقفها آلاف الأصابع الملونة، هي غرفة "الأربعة عشر ألف اصبع"، التي تشير إلى قصة الملاك الذي يعد قطرات المطر، وقد ورد ذكر هذا الملاك في العديد من المصادر الدينية، مثل كتاب: "معراج نامه" و"بحار الأنوار"، وبحسب الفنان، فإن كل اصبع يحكي قصة منفصلة، وتصبح كل قصة مصدراً لقصص أخرى.

 يحتوي منزل عادل يزدي على 12 مساحة منفصلة؛ سبع منها عبارة عن ورش عمل وصالات عرض، والبقية أماكن معيشته. تتاح للسياح الذين يأتون إلى منزله فرصة زيارة ورش العمل والمعارض، ويقوم باستمرار بإنتاج أعمال وقصص جديدة لتوفير الطعام اليومي لهؤلاء السياح

في المجمل، يحتوي منزله على 12 مساحة منفصلة، سبع منها عبارة عن ورش عمل وصالات عرض، والبقية أماكن معيشته. تتاح للسياح الذين يأتون إلى منزله فرصة زيارة ورش العمل والمعارض، ويقوم عادل يزدي باستمرار بإنتاج أعمال وقصص جديدة لتوفير الطعام اليومي لهؤلاء السياح.

معرض "زقاق نارنجستان"

بعد مرور بعض الوقت، التقى عادل يزدي بعمدة مدينة شيراز صدفةً، وبدعم منه، تمكن عادل من جلب تصاميمه وقصصه إلى الشوارع. وفي الواقع، كانت نتيجة معرفته بالعمدة هي تلوين جدران معرض "زقاق نارنجستان"، الذي يحكي كلّ واحد منها قصة. يقول عادل إنه بعد أن أعطى رئيس البلدية، الذي كان صديقاً ورفيقاً له، مقعده لشخص آخر، انقطعت الميزانية المخصصة لتجميل هذا الحي، لكن عادل واصل العمل بنفقاته الشخصية.

عادل يزدي

وعن حصوله على القصص يقول: "أحصل عليها من الزقاق، أثناء الحديث مع الجيران، وبالطبع من الحكايات الشعبية الشيرازية". ثم يتحدث عن أهمية ثقافة الزقاق والحكايات التي كان يرويها له "مَش رحيم"، وهو حكواتي الحي، يجلس دائماً في الشارع، ويحكي القصص لعادل، فيطابق عادل القصص مع ما رآه وسمعه. يقول: "نُفّذت العديد من التصاميم بعد موافقة مَش رحيم؛ إحداها قصة زفاف شجرة البرتقال، وهي من أهم الحكايات الشعبية لشيراز. ولهذا السبب تكررت شجرة البرتقال في كثير من الأحيان في أعمالي".

القصة تروي سيرة شجرة البرتقال التي لا تثمر، فيذهب أهل البلدة إلى الشجرة بالمناجل والفؤوس ويهددونها. ثم يأتيهم أشخاص يقنعونهم بعدم قطع الشجرة، بحجة إقامة زواج للشجرة كي تثمر. وهكذا يقام حفل زفاف للشجرة، فينثرون عليها الحلوى، ويغنون لها، وفي العام التالي تثمر الشجرةُ البرتقالَ فعلاً!

غرفة الأربعة عشر ألف اصبع

هذه القصة والعديد من القصص الأخرى مثل قصة "سيافَش" الذي يعبر من النار، بالطبع بقراءة الفنان وبطريقته الفريدة، تنعكس على جدران الحي. كما أن العديد من الزخارف مأخوذة من المنطقة المحيطة؛ كما هو الحال في زخارف أتت من بيت "زينة المُلك" ومسجد "الوكيل" وبيت "ناصر الملك" وغيرها. وعن هذا، يقول: "درست أولاً الزخارف بعمق، ومن ثم قمت بتخصيصها. كما يتقبل أهل الحي هذه النقوش على جدران أزقتهم، لأنهم يعتبرونها مصدر قصصهم.  وكنت آخذ القصص منهم وأعيدها إليهم. بالإضافة إلى ذلك، جلبت اللوحات الموجودة على جدران للحي ودعيت السياح إلى الزقاق".

وفي النهاية يقول عادل: "القصص لا تنتهي أبداً. من قلب كل قصة، تظهر آلاف القصص الأخرى، وسيستمر هذا إلى الأبد".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image