تُعدّ مدينة شيراز مركز محافظة فارس الواقعة جنوب إيران من أقدم المواطن في هذا البلد، إذ تقع بالقرب من بقايا المدينة الأثرية الملكية بَاساركَاد (Pasargad). ذكر المؤرخ والجغرافي حمد الله مستوفي (1340-1281م)، أن أوثق رواية حول تاريخ مدينة شيراز، هي تلك التي تؤكد إعادة بنائها على يد محمد، شقيق الحاكم الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي.
اختارت دولة آل بويه الشيعية في القرنين الـ11 والـ12، شيراز عاصمةً لدار خلافتها، وبذلك شهدت المدينة نمواً ملحوظاً بعد أسلمتها. كما احتضنت في هذه الحقبة الزمنية، اثنين من أعظم شعراء إيران: سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي.
وتحولت شيراز في القرن الثالث عشر الميلادي إلى مركز للعلم والثقافة والفن، إذ اهتم بها الحكام وقطنها العلماء والفنانون حتى لقّبها الجغرافيون بـ"دار العلم".
عُرفت بمدينة الشعر والأدب ومدينة الحدائق كذلك، إذ كثيراً ما تغنّى الشعراء الإيرانيون من أمثال حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي، بحدائقها الضاربة في الجمال، ومعروف حبُّ حافظ لمدينته إلى درجة أنه لم يكن يستطيع مغادرتها والسفر.
وصفها الدبلوماسي البرتغالي أنطونيو تينريرو (Antonio tenreiro)، في العقد الثاني من القرن السادس عشر: "شيراز، مدينة كبيرة وقديمة ولها سور صخري، تهدّم الكثير منه. في هذه المدينة المكتظة هناك منازل فاخرة تمتلك نوافذ من زجاج... وقيل إن القاهرة أمام شيراز وتجارتها المزدهرة، قرية لا أكثر"
سنلقي هنا نظرةً على ما كتبه الرحالة الأجانب والدبلوماسيون والجغرافيون الذين زاروا شيراز وشرحوها في مذكراتهم وكتبهم التي بقيت وثائق مهمةً في صفحات التاريخ.
كان أول الأوصاف حول شيراز، من نصيب جوزيف باربارو (giosafat barbaro)، سفير جمهورية البندقية لدى دولة قره قويونلو التركمانية، التي اختارت شيراز عاصمةً لها لفترة معيّنة في عهد الملك أوزون حسن، إذ كتب في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي: "إنها مدينة كبيرة تكتظ بالناس، وفيها الكثير من التجار حيث يقصدها أصحاب الأعمال والتجارة من شتى بقاع إيران".
في مطلع القرن السادس عشر، استولت الدولة الصفوية، بقيادة مؤسسها الشاه إسماعيل، على مدينة شيراز، وقد قمع وقتل علماءها من أهل السنّة والجماعة، في سبيل تغيير المذهب في المدينة، ثم أسس فيها قصراً ومدرسةً، وسوراً من حولها، ولكن لم تكن عاصمته.
وصفها الدبلوماسي البرتغالي أنطونيو تينريرو (Antonio tenreiro)، في العقد الثاني من القرن السادس عشر: "شيراز، مدينة كبيرة وقديمة ولها سور صخري، تهدّم الكثير منه. في هذه المدينة المكتظة هناك منازل فاخرة تمتلك نوافذ من زجاج... وقيل إن القاهرة أمام شيراز وتجارتها المزدهرة، قرية لا أكثر".
مدينة الشراب
مع وصول خامس ملوك السلالة الشاه عباس الصفوي (1571-1629م)، شهدت البلاد موجة إعمار واسعةً كما تحسنت العلاقات الدولية، فحل فيها السفير الهولندي جان سميث (jan smidt)، وأورد في مذكراته: "شيراز تحاط بالجبال التي تضم أوديةً خضراء ورائعةً، وفيها أشجار عنب ذات جودة عالية، إذ يُصنع منها نبيذ راقٍ".
كانت شيراز مهداً لصناعة الخمور، واشتهرت ببعض أنواعه، فيما تشبّع الأدب الفارسي بأسماء الخمر والخمّارات، حتى بات يُعرف الشاعر حافظ الشيرازي، بشاعر الشراب. يحتفظ اليهود في مدينة الشعر هذه بأفضل طريقة لتخمير النبيذ، فقد تناقلوها شفهياً عن أجدادهم، وعلى الرغم من تشابه طريقة التخمير مع نبيذ الأرمن في منطقة جلفا أصفهان، إلا أن لا شيء يرتقي إلى مستوى الخمر الشيرازي، كما يقول المختصون.
حينما هاجم الأفغانيون إيران، وأطاحوا بالصفويين، حاصروا مدينة شيراز، وبعد مجاعة راحت ضحيتها مئة ألف نسمة، دخل الغزاة المدينة بعد تسعة أشهر في سنة 1723م، حتى حررها نادر شاه أفشار، بعد 6 سنوات وعمل على إعادة بنائها.
ثم أخذ كريم خان زند، بزمام الأمور، وأعلن إنشاء الحكومة الزندية (1742-1779)، واختار شيراز عاصمةً لها لفترة من الفترات. ومن جديد علا شأنها ومقامها واتجهت الأنظار صوبها حتى رجعت الكثافة السكانية فيها كما كانت.
بَنَت الحكومة الجديدة خندقاً حول المدينة عمل فيه 12 ألف عامل، ويصفها الباحث الألماني كارستن نيبور (carsten Niebuhr)، بقوله: "تقع مدينة شيراز في سهل خصب كبير، وحولها سور وخندق... يثابر كريم خان زند، لكي يعيد عظمتها من جديد، ولم يكتفِ ببناء قصر وبستان جميل، بل أجبر كبار القوم في المدن الأخرى أن يسكنوا فيها".
فقدت السياسة واحتفظت بالتجارة والثقافة
جاء دور السلالة القاجارية (1789-1925م)، وانتقلت عاصمة الإيرانيين إلى مدينة طهران. وبرغم تقليل دورها السياسي، إلا أن مدينة الحدائق احتفظت بدورها التجاري والثقافي، كونها تقع على طريق الموانئ الإيرانية على الخليج، وكذلك تحمل معلماً كبيراً لإمبراطورية الفرس ما قبل الميلاد، بالإضافة إلى مقبرتي الشاعرين الشهرين حافظ وسعدي اللذين تُرجمت أعمالهما إلى اللغات الأجنبية.
وبذلك لم يفوّت السياح زيارتها، وفي سنة 1811، كتب عنها المبشّر المسيحي هنري مارتين (henry martin): "حالياً أنا في أثينا إيران، مهد الحضارة الفارسية، تحت ترابها تضمّ حافظ وسعدي، وفوق ترابها تحتضن البساتين المليئة بالأشجار والأزهار وصفير البلابل".
وجاء في مذكرات الباحث البريطاني سكوت وارنج (scott waring): "سوق الوكيل من أرقى وأجمل الأماكن، فإذا ما حلّ الظلام واشتغلت المصابيح يزداد جماله، تُباع كل بضاعة في جناح خاص من السوق، وهذا من عادات الشرقيين. حافظية هي حديقة تضمّ قبر الشاعر حافظ، حيث يحتفظون بقبره جيداً".
بعد سبعين عاماً، جاء الضابط البريطاني بريتل بنك (brittle bank)، ليوثق سوق وكيل شيراز، وهو السوق الذي أسسه كريم خان زند، الذي يلقَّب بوكيل الرعايا: "السوق يشبه الأسواق التي رأيتها في إنكلترا، مع اختلاف في السقف حيث له سقف مقوّس، أما طول السوق النحيف، فهو رُبع مائل".
تل الله أكبر
في مطلع القرن العشرين، زار العسكري البريطاني ويليامز جاكسون (williams Jackson)، المدينة، ووقف على تلّها العظيم الذي يشرف على المدينة برمتها، وقال: "فجأةً ترى المدينة من خلال شقّ كبير من الجبل، شيراز تظهر بكل جلالها وجمالها، وكأنها جزيرة تظهر من وسط بحر زمردي. تلوين أحياء المدينة مختلف ومتناسق مع بعضه البعض، والشيرازيون فخورون بتل الله أكبر، حيث يصدح كل من رأى شيراز من هذا المنظر بقول الله أكبر".
وقياساً بمدينة أصفهان التراثية، التي كانت عاصمة الصفويين، شرح المؤرخ الألماني والتر هينز (hinz (walther، في سنة 1939: "مدينة أصفهان دون نظير، ولكن شيراز هادئة وحلوة، وكلتاهما تهبان مصطلح المدينة الإيرانية معنى ومفهوماً".
بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، ومع زيادة عوائد البلاد من بيع البترول، تطورت مدينة الشعر والأدب وتحولت إلى مدينة حديثة، وفي سبعينيات القرن الماضي، حلّت بعد طهران وتبريز وأصفهان ومشهد، في المرتبة الخامسة بين المدن الإيرانية الكبيرة
تأسست بلدية شيراز في سنة 1911، لكن مدينة الحدائق لم تكن محظوظةً في عهد الدولة الإيرانية الحديثة، حيث رضا شاه ومشروع تحديث البلاد، وكتب عنها الأمريكي هيرمان نوردن ) Hermann Norden): "مضطر إلى أن أعترف أن اليأس أصابني من خلال نظرتي الأولى إلى المدينة ومظهرها، لأن ما جاء في وصفها يبدو مبالغاً فيه، إذ لم أرَ الزهور ولا العصافير".
وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، ومع زيادة عوائد البلاد من بيع البترول، تطورت مدينة الشعر والأدب وتحولت إلى مدينة حديثة، وفي سبعينيات القرن الماضي، حلّت بعد طهران وتبريز وأصفهان ومشهد، في المرتبة الخامسة بين المدن الإيرانية الكبيرة. أما اليوم، فشيراز من أهم المدن الإيرانية استقطاباً للسياح الأجانب، لما تمتلكه من مخزون تاريخي وثقافي وعلمي وفني عريق.
وفي إحدى الأوصاف الأخيرة التي شرحها ماري تيريز (marie therese)، في سنة 1948، وما زال شرحه ساري المفعول حتى اليوم، حيث اندماج الحداثة والتراث في مساحة جغرافية واحدة تبهر زوارها، كتب السائح البريطاني:
"من على مدرجات مقبرة حافظ، شاهدنا شيراز، تتلألأ قبب الجوامع في ضحى الصباح، ويغطي الغبار الخفيف مظهر المدينة... في مدخل شيراز الذي يجب أن يكون رمز الشعر والحدائق، تلوح مخازن النفط العظيمة، والتي سعينا إلى ألا نراها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع