شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
يحدث في العراق... البرلمان يمرر ثلاثة قوانين جدلية دفعة واحدة وبدون تصويت

يحدث في العراق... البرلمان يمرر ثلاثة قوانين جدلية دفعة واحدة وبدون تصويت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

صوّت مجلس النواب العراقي، أمس الثلاثاء 21 كانون الثاني/ يناير 2025، على ثلاثة قوانين مهمة ومثيرة للجدل، هي قانون الأحوال الشخصية وقانون العقارات وقانون العفو العام، في جلسة واحدة، ومن دون تصويت النواب، ما أثار لغطاً واسعاً داخل البلاد ودهشةً في الأوساط المعنية بالعراق.

ووفق ما ذكرته الدائرة الإعلامية للمجلس، في بيان لها، فإنّ "المجلس صوّت على مقترح قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وصوّت على مشروع قانون إعادة العقارات الى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحلّ)، وصوّت على مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016".

جاء التصويت بعد أشهر من الجدل حول هذه القوانين وبعض البنود التي وُصفت بأنها ستكون لها تبعات خطيرة، بما في ذلك اعتراضات من قوى رئيسية في المجلس، ورفضٍ من قبل نواب مستقلين ومنظمات حقوقية محلية ودولية.

وقالت النائبة نور نافع الجليحاوي، عبر حسابها في إنستغرام: "بدون تصويت... مجلس النواب يمرّر قانونَي الأحوال الشخصية المعدّل والعفو العام. لم يرفع النواب الأيادي بالموافقة ومُرِّر التصويت. أعضاء في هيئة الرئاسة وأعضاء من المجلس غادرنا القاعة بسبب هذه المهازل". 

"قانونية" الجلسة

ونوقشت القوانين الثلاثة في المجلس مرات عدة، وانتهت الجلسات من دون التوصّل إلى قرار بسبب المشادات والخلافات وتبادل الاتهامات. وفي جلسة الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2024، صوّت المجلس على مواد القوانين وتأجّل التصويت على مشاريع القوانين إلى حين حسم الخلافات.

"غادرنا القاعة بسبب هذه المهازل"... مجلس النواب العراقي يمرّر ثلاثة قوانين مهمة ومثيرة للجدل في جلسة واحدة، ومن دون التصويت المتّبع من قبل النواب. شكوك في "قانونية" الجلسة، ومخاوف واسعة من "كارثة العفو العام"

وجاء التصويت على القوانين الثلاثة هذه المرة، بعد توجيه رئيس المجلس محمود المشهداني، بإلغاء جميع الإفادات للنواب، والعودة إلى العمل بالتصويت الإلكتروني على مشاريع القوانين ككل، من دون مناقشة أي تعديلات عليها.

ولفت عضو اللجنة القانونية النيابية رائد المالكي، بدوره، إلى "وجود شكوك في التصويت بالأغلبية على قانونَي العفو العام والعقارات"، مؤكداً "اختلال النصاب القانوني"، حسب ما نقلت وكالة الأنباء العراقية (واع).

وفي مؤتمر صحافي عقده عقب الجلسة، شدّد المالكي على أنّ "التصويت على القوانين بسلّة واحدة يُعدّ مخالفةً، ومن الضروري فصل القوانين من أجل إتاحة الحرية للنائب وعدم سلب إرادته"، مردفاً: "رئاسة مجلس النواب ارتكبت مخالفةً من خلال تجاوزها الفقرة الثانية من جدول الأعمال، التي تتعلّق بالتصويت على قانون الأحوال الشخصية، بعد التصويت بالأغلبية على الأسباب الموجبة". وختم: "نواب الوسط والجنوب متجهون إلى الطعن ببعض الفقرات في القوانين التي نعتقد أنها لم تحصل على التصويت".

وفي هذا الصدد، يقول الخبير القانوني د. إبراهيم السلطاني، لرصيف22، إنّ الجلسة "قانونية ودستورية"، وتمّت "علانيةً بظهورها في البثّ المرئي". ويصف السلطاني، تعليقات عدد من البرلمانيين بأنّ الجلسة غير قانونية وإعلانهم عزمهم الطعن، بأنها "مجرد مناكفات سياسية، من أجل كسب رضا مشاعر جماهير ناخبيهم".

"كارثة العفو العام"

ويلفت السلطاني، إلى أنّ قانون الأحوال الشخصية هو الأكثر جدلاً منذ دورات برلمانية عدة سابقة، وبعد التصويت سيكون أمام الفقه الإسلامي ورجال القانون ستة أشهر لتقديم مدوّنة الأحكام الشرعية وفق المذهبَين الشيعي والسنّي، وستكون أيضاً خاضعةً للتصويت، عادّاً أنّ الوقت يداهم أعضاء البرلمان الذين لا يملكون وقتاً للتصويت، وقد يؤجل التصويت النهائي على القانون المعدّل إلى الدورة الجديد، مشدّداً على أنّ "التغيّرات واردة باحتمالية كبيرة".

"السياسيون كان هدفهم واضحاً؛ شغلوا الشارع العراقي بالجدل حول التصويت على قانون الأحوال الشخصية المعدّل، ودسّوا بجانبه هذه الكارثة (قانون العفو العام) التي تحوّل المجتمع العراقي إلى مجتمع عشائري، وهذه كارثة لأنّ هذا القانون سيجعل الجريمة مباحةً"

إلى ذلك، يرى السلطاني، أنّ الخطورة الكبرى تتجسّد في تمرير قانون العفو العام بصيغته الحالية التي تتضمّن "تنازل الدولة عن الحق العام في حين يبقى الحق الخاص معلّقاً على تنازل ذوي المجني عليه/ ا بما يُسمّى بـ'المضبطة العشائرية'". يضيف الخبير القانوني، أنّ "هذه الفقرة في قانون العفو العام تم التصويت عليها، وهي تتنافى مع الدستور العراق ومبادىء الديمقراطية"، ويرى فيها "دعوةً إلى القبلية والتخلّف والرجعية".

من جهته، يعلّق قانوني عراقي آخر، طلب إخفاء هويته خوفاً من التبعات القانونياً التي تلاحق أصحاب الرأي في البلاد في الآونة الأخيرة: "السياسيون كان هدفهم واضحاً؛ شغلوا الشارع العراقي بالجدل حول التصويت على قانون الأحوال الشخصية المعدّل، ودسّوا بجانبه هذه الكارثة (قانون العفو العام) التي تحوّل المجتمع العراقي إلى مجتمع عشائري، وهذه كارثة لأنّ هذا القانون سيجعل الجريمة مباحةً"، على حد قوله لرصيف22.

أما السلطاني، فيضيف شارحاً: "إن كانت الدولة قد تنازلت فيه عن الحق العام، فكان يجب أن تترك الحرية في الحق الخاص دون تدخّل العشيرة في هذا الجانب". ويضرب هذا المثال: "إن تعرّض أخي للقتل وحُكم على القاتل بالسجن 15 عاماً، فإن عائلة الضحية كانت هي وحدها من تقرر التنازل عن الحق الخاص من عدمه. أما التعديل الأخير، فهو يسمح لشيخ العشيرة بالتنازل عن دم القتيل، وهذا تعدٍّ واضح على الحريات والحقوق".

كما يتساءل السلطاني: "من يكون شيخ العشيرة أمام القانون ليُمنَح هذه الصلاحيات؟".

ويثير هذا البند مخاوف واسعةً لا سيّما في جرائم قتل النساء التي يتم التعتيم عليها عادةً، وقد يُسهم مثل هذا البند في مزيد من التواطؤ العشائري على دماء النساء، إذ يحقّ للعشيرة إسقاط الحق الخاص، وإن كانت عائلة الضحية ترفض ذلك. 

من جهتها، ترى القانونية رنا الجنابي، أنّ "قانون العفو العام سابقاً كان في صف شريحة كبيرة من الشعب العراقي اعتُقلت ظلماً بسبب معلومات كاذبة أو كيدية بسبب 'المخبر السرّي'"، مردفةً أنّ "العفو العام" في القانون الأخير، اتسع ليشمل قضايا عدة منها "المخدرات"، فقد منحت المادة 4 مرونةً للمتاجرة بالمخدرات حتّى 50 غراماً، بعد أن كان حاملو تلك الكميات مشمولين بعقوبات الاتّجار، لكنها الآن كمية سوف تتحوّل إلى توصيف التعاطي، وتالياً يمكن الإفراج عنهم.

وأعرب نواب في البرلمان العراقي عن رفضهم القانون، لافتين إلى أنه يُسهم في إفلات القتلة وسارقي المال العام من العقاب. 

وسبق لمجلس النواب العراقي أن صوّت في 15 آب/ أغسطس 2016، على قانون العفو العام الذي سمح في حينه للسجناء والمحكومين بتقديم طلبات بإعادة محاكمتهم، مع اشتراط موافقة لجنة خاصة من مجلس القضاء على إعادة المحاكمة. في حين سمح التعديل الجديد بإعادة المحاكمة بعد تقديم طلب من المحكومين، دون حاجة إلى موافقة اللجنة.

على الرغم من الضجة والغضب على صعيدَي الشعب وبعض القوى السياسية، هنّأ رئيس مجلس النواب، العراقيين بمناسبة إقرار قانون الأحوال الشخصية وقانون العقارات، عادّاً تلك الخطوة "خطوةً مهمةً ضمن مسيرة تعزيز العدالة وتنظيم الحياة اليومية للمواطنين"

"منجزات تشريعية"

على الجانب الآخر، هنّأ رئيس مجلس النواب، المشهداني، الشعب العراقي بمناسبة إقرار التعديل على قانون الأحوال الشخصية وقانون العقارات، عادّاً تلك الخطوة "خطوةً مهمةً ضمن مسيرة تعزيز العدالة وتنظيم الحياة اليومية للمواطنين"، لافتاً إلى أنّ ذلك "يعكس حرص المجلس على تلبية احتياجات الشعب وتطوير التشريعات بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الحالية".

واعتبر المشهداني أنّ "قانون الأحوال الشخصية يهدف إلى تحسين حياة الأسرة العراقية، في معاملاتها الشخصية المختلفة درءاً للإشكاليات السابقة في القانون قبل تعديله، بينما يسهم إقرار قانون العقارات في معالجة قضايا حيوية تتعلق بملكية الأراضي والعقارات وتنظيمها".

وبينما وصف تمرير القانونين بأنه من "المنجزات التشريعية"، تعهّد بـ"مسار طويل من الإصلاحات القانونية البرلمانية التشريعية"، مع "إعطاء الأولوية للقوانين التي تُسهم في تحسين حياة المواطن وتعزّز استقرار البلاد".


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image