شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
سيسمح بتزويج الأطفال خارج المحكمة... الكارثة

سيسمح بتزويج الأطفال خارج المحكمة... الكارثة "المذهبية" في مشروع قانون الأحوال الشخصية العراقي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يثير سعي نواب الأحزاب الإسلامية في البرلمان العراقي إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، جدلاً واسعاً وسخطاً شعبياً كبيراً في الشارع العراقي، ويتسبب في حالة هلع لدى فئات كبيرة في البلاد، لأن ما يسعون إليه يُعدّ بمثابة "نكسة للقوانين المدنية"؛ كون مقترح التعديل جاء من منظور ديني بحت.

عند النظر في مقترح التعديل، يتبيّن أن المذهبية هي من ستحكم قانون الأحوال الشخصية، إذ إن أبرز ما في تعديل القانون، هو أن مسائل الأحوال الشخصية، لا سيما عقود الزواج والطلاق والميراث والنفقة وحضانة الأطفال، ستكون بناءً على أحكام المذاهب الشرعية، خاصةً المذهبَين الشيعي (الجعفري) والسنّي (الحنفي)، وتالياً فإن القضاة عليهم الرجوع في كل الأمور إلى مذهب الشخص عند إصدارهم أيّ حكم.

مسوّدة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي التي سُرّبت على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الإثنين 22 تموز/يوليو 2024، قبل يومين فقط من القراءة الأولى للقانون ضمن جدول أعمال جلسة البرلمان العراقي، في 24 تموز/يوليو 2024، أثارت غضباً واسعاً، لأن التعديل المقترح يتبنّى "الأحكام الشرعية" في تطبيق قضايا الأحوال الشخصية، وفق مدوّنتين للأحكام الشرعية من قبل الوقفين الشيعي والسنّي، يعتمد عليهما القاضي في تلك الأحكام، وهو ما دفع ناشطين وحقوقيين ومنظمات مجتمع مدني في الشارع العراقي إلى التنديد به، الأمر الذي أجبر مجلس النواب على رفع مقترح التعديل مؤقتاً من جدول جلسة البرلمان سابقة الذكر.

"ينسف كل الحقوق المدنية ويبيح كل محظور"

خطورة المقترح القانوني تكمن في أنه يهدر الكثير من حقوق المرأة وينسفها، ويثير مشكلات عائليةً لا حدود لها، ناهيك عن تأثيره على الأطفال وحتى على الآباء، فضلاً عن خلقه مخاوف كثيرةً من الزواج من مذاهب مختلفة.

عن مخاطر مقترح القانون، يتحدث إلى رصيف22، الخبير القانوني محمد جمعة، بشكل تفصيلي، قائلاً إن التعديل يُتيح للمقبل/ة على الزواج، اختيار مذهبه/ا الديني عند إبرام عقد الزواج، سواء كان شيعياً أو سنّياً، وفي حال عدم اتفاق الزوجين على مذهب محدد، تُطبَّق أحكام مذهب الزوج الشرعية. وحتى في أي خلاف يقع بين الزوج والزوجة، مثل مسألة التفريق والطلاق، فإن التعديل يعتمد على مذهب الزوج بشكل تعسفي. 

يثير سعي نواب الأحزاب الإسلامية في البرلمان العراقي إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية جدلاً واسعاً وحالة هلع، لأن ما يسعون إليه يُعدّ بمثابة "نكسة للقوانين المدنية"؛ كون مقترح التعديل جاء من منظور ديني بحت، فبحسب التعديل فالمذهبية هي من ستحكم، لا سيما في عقود الزواج والطلاق والميراث والنفقة وحضانة الأطفال

وبما أن مقترح التعديل يأتي بناءً على المذاهب الدينية، فإنه سيتيح وفق المذهب الشيعي (الجعفري)، إبرام عقد زواج الأنثى وهي في عمر التسع سنوات بدلاً من 18 سنةً، أي أنه يشرعن زواج الأطفال أو القصّر والقاصرات، كما أنه لا يمنح النفقة للزوجة الناشز، أو الصغيرة التي لا يمكن لزوجها التمتع بها، ولا للزوجة الكبيرة التي زوجها صغير ولا يستطيع التمتع بها، وكذلك للزوجة البالغة التي ترفض أن يتمتع بها زوجها، بحسب محمد جمعة.

ويشير القانوني جمعة، إلى أن المرأة في "المذهب الجعفري"، لا يمكنها طلب التفريق أبداً، حتى لو كان زوجها مريضاً أو هاجرها في الفراش، ويفرض العدّة على الطفلة التي لم تكمل التاسعة من العمر، وإن لم يدخل بها زوجها، ويحرم الزوجة من الإرث في العقارات من زوجها، كما أنه يبيح الزواج المؤقت أو المنقطع "المتعة".

ويضيف جمعة: "أما فيما يخص المذهب السنّي (الحنفي)، فإنه وفقاً لمدوّنة الأحكام الشرعية التي سيتم اعتمادها، سيصبح إبرام عقد زواج الأنثى شرعياً وهي في التاسعة من عمرها، فضلاً عن إباحة الزواج المؤقت "المسيار"، الذي يُعدّ و"زواج المتعة" جريمةً في القانون العراقي. كما أن النساء تأخذ نصف حصة الإرث فقط، والنصف الآخر للأقارب الرجال، وفي حال عدم وجود أقارب رجال، يذهب النصف الآخر من الإرث للدولة، بالإضافة إلى أن الزوجة لو ماتت، فإن حضانة الطفل لا تذهب للأب، بل تذهب لأم الزوجة أو للخالة أخت الأم، أي لكل نساء عائلة الزوجة المتوفاة، ويُمنع الأب من الحضانة".

ليس هذا فحسب، بل إن التعديل المقترح سيبيح الزواج خارج المحاكم عند رجال الدين والمأذونين، في وقت يُعدّ فيه كل زواج خارج المحكمة باطلاً وفق القانون العراقي الحالي، وسيجبر المحاكم على تصديق الزواج إن طلب الطرفان ذلك، على حد قول جمعة، الذي يلفت إلى أن التعديل سيسلب الأم حق الحضانة إذا تزوجت، ويتم تسليم أطفالها لجدّ الأب في حال لم يكن الأب راغباً في الحضانة.

لماذا جاء في مقترح التعديل القانوني تصديق الزواج خارج المحاكم؟ لأن ذلك سيبيح الزواج الثاني، أي سيسمح بتعدد الزواجات؛ لأن الأحكام الفقهية تسمح بتعدد الزواج، وعليه فإن المحكمة ستكون ملزمةً بتصديق الزيجات تلك دون الرجوع للزوجة الأولى، لأن قانون الأحوال الشخصية الحالي لا يسمح للزوج بالزواج مرةً ثانيةً إلا بعد أخذ موافقة الزوجة الأولى، وفق توضيح الخبير القانوني محمد جمعة.

كما جاء في مقترح القانون المقدّم، أن مدوّنة الأحكام الشرعية تعتمد على رأي المشهور من المراجع، أي الأكثر شهرةً، وهذا يعني أن الوقف الشيعي يعتمد في القانون على أحكام المرجع الديني الأعلى لدى الشيعة في العراق والعالم، آية الله علي السيستاني، أما الوقف السنّي، فسيعتمد على المذهب الحنفي في مدوّنة الأحكام الشرعية.

رفْع المقترح من جلسة البرلمان، لا يعني إلغاءه بشكل كلي، بل تأجيله إلى وقت آخر. وما يؤكد على ذلك، أن عدداً من نواب "الإطار التنسيقي" هدّدوا بمقاطعة جلسات البرلمان وتعليق عقد جلساته، ما لم تتم قراءة القانون والتصويت عليه، وساوَموا على ذلك بأنهم لن يسمحوا بتمرير قانون العفو العام، الذي يطالب به النوّاب السنّة، ما لم يتم تشريع قانون الأحوال الشخصية الذي يعتمد الأحكام الشرعية الدينية، أي أن تمرير القانونين لن يكون إلا ضمن "سلّة واحدة".

ما علاقة المرجعية الدينية بالقانون المقترح؟

تقديم المقترح جاء من قبل النائب رائد المالكي، ولا يحظى باتفاق غالبية المكونات، لا السنّية ولا الكردية ولا حتى بعض الأطراف الشيعية، أي أن القانون يأتي وفق رغبة "الإطار التنسيقي" فقط، و"الإطار" هو من يُحكم قبضته على المشهد السياسي والسلطة في العراق. ولأجل تمرير القانون، قام "الإطار" بخطوة تضليلية، عبر وضع جملة بخط اليد وباللون الأحمر في أعلى ورقتَي تعديل القانون مكتوباً فيها: "موصى به من المرجعية"، أي مرجعية النجف. 

 التعديل سيبيح الزواج خارج المحاكم عند رجال الدين والمأذونين، في وقت يُعدّ فيه كل زواج خارج المحكمة باطلاً وفق القانون العراقي الحالي، وسيجبر المحاكم على تصديق الزواج إن طلب الطرفان ذلك

لاحقاً، تبيّن زيف هذا الأمر، فبحسب تصريح لصاحب المقترح رائد المالكي، في لقاء متلفز، المرجعية الدينية لا علاقة لها بذلك، وأحد النواب هو من كتب هذه العبارة. وبحسب مصادر رصيف22 الخاصة، فإن المالكي هو نفسه من كتب هذه الجملة، كي يكسب ضغط الجمهور الشيعي الذي يُقلّد مرجعية السيستاني، لتأييد تمرير القانون وتشريعه، كما أن المرجعية أكدت أنها لم تلتقِ ولم تتواصل مع أي نائب أو سياسي طوال الفترة الماضية.

علّل رائد المالكي، في اللقاء المتلفز سابق الذكر عبر قناة "الرابعة"، سبب الإصرار على تعديل قانون الأحوال الشخصية، بقوله إن المراجع الشيعية تصلها الكثير من الشكاوى، حول أن الكثير من حالات الطلاق في المحاكم تحصل خلافاً للشرع ووفقاً للقوانين الوضعية، وإن التعديل سيوقف ذلك الأمر، ويجعل الطلاق شرعياً ومن ثم قانونياً.

في المقابل، وبحسب تصريح متلفز للنائبة في البرلمان العراقي سروة عبد الواحد، فإن المطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية، يأتي في إطار تنافس "الإطار" مع خصمه زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، أي أنه خطوة استباقية لتشريع القانون، وهو بذلك يسبق الصدر قبل أن يفكّر فيه ويطالب البرلمان بتشريعه، كما سبقهم الأخير بمطالبته بتشريع عطلة عيد الغدير، وتالياً يريدون كسب منجز سياسي يُحتسب لهم لا للصدر، قائلةً إن هذا ما تحدّث به بعض النواب بشكل غير مباشر.

مِن أفضل القوانين

قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959 الحالي، يُعدّ وفق الكثير من الخبراء، من أفضل القوانين، فهو يعتمد في مواده على كل التشريعات المذهبية في الإسلام، أي أنه يأخذ الأنسب من كل مذهب؛ ففي قضايا الميراث

، يعتمد على المذهب الجعفري. وفي قضايا الطلاق، يعتمد على المذهب الحنفي... وهكذا، أي أنه لم يأتِ بمواد بعيدة عن الدين، لكنه أخذ ما يناسب المجتمع عموماً من تلك المذاهب. 

المخاوف المجتمعية من التعديل القانوني المقترح كثيرة جداً. تقول الإعلامية العراقية حنين غانم: "أنا كامرأة، أو أي امرأة عاقلة تملك القليل من الوعي، ستفكر كثيراً قبل أن تُقدم على الزواج، والكثيرات سيفكّرن في عدم الإنجاب وعدم الزواج لو تم تمرير هذا التعديل، لأنه ينهي أي حقوق للمرأة، ويعيدنا إلى الأفكار الرجعية"، مبديةً استغرابها من "إصرار الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني والبرلمان الحالي، على تشريع قوانين لا تحترم إنسانية الفرد العراقي وتقمعه بكل الطرق".

غانم تذهب إلى أبعد من ذلك في حديثها إلى رصيف22، بقولها إن المقترح القانوني يخلق أزمات لم يفكر فيها النواب، منها مثلاً لو أراد الأشخاص من خارج العراق الاستثمار في داخل البلاد، وأحبّت امرأة غير عراقية -عربية أو أجنبية- فرداً عراقياً؛ كيف ستتزوج منه في ظل هذا القانون المزمع تشريعه؟ فهو لا يضمن لها أي حقوق مطلقاً، متسائلةً: "ألم يفكر النواب في هذا الأمر؟". 

وتضيف حنين، أن البرلمانيين غالباً ما يفكرون في تعديل قوانين لا وجود لخلافات عليها ولا تتسبب في أي مشكلات، فيما يتغاضون عن تشريع قوانين مهمة تتعلق بمكافحة الفساد، وحرية التعبير، وحق الحصول على المعلومة، ومناهضة العنف الأسري الذي يتفاقم بشكل كبير، قائلةً إن ما يفعلونه هو إرجاع البلاد إلى الوراء، في وقت كانت فيه معظم دول المنطقة ودول العالم الثالث تطمح للوصول إلى مثل قانون الأحوال الشخصية الحالي لعام 1959، نظراً إلى تطوره الكبير "برغم تحفّظي على بعض مواده".

أوجه القصور في القانون الحالي ومخاطر القانون المقترح على العوائل

واقعياً، هناك بعض أوجه القصور في قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، مثل المادة 57 منه التي تخصّ الحضانة، وهنا يمكن بحسب الناشطة الحقوقية طيبة الحميد، تطوير القانون الحالي، فهو يحتاج إلى تعديلات على نحو متقدّم وليس بحاجة إلى تعديلات رجعية أكثر مما نحن عليه الآن، قائلةً في حديث إلى رصيف22، إن استجابة "مجلس الشعب" أي البرلمان، للرجال دون النساء، دلالة على ذكوريته البحتة. 

سيتيح مشروع القانون وفق المذهب (الجعفري)، إبرام عقد زواج الأنثى وهي في عمر التسع سنوات بدلاً من 18 سنةً، كما أنه لا يمنح النفقة للزوجة الناشز، أو الصغيرة التي لا يمكن لزوجها التمتع بها، ولا للزوجة الكبيرة التي زوجها صغير ولا يستطيع التمتع بها، وكذلك للزوجة البالغة التي ترفض أن يتمتع بها زوجها

وبين الفينة والأخرى، يطالب برلمانيون بتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالحضانة، والتي تمنح حصانة الطفل للأم إلى حين وصوله إلى عمر 15 عاماً، ثم يقرر مع من يكون، والتعديل الذي حاولوا مراراً تمريره، هو منح الأب حق حضانة الطفل بعد بلوغه سن السابعة، وإذا كان الأب متوفياً أو مختفياً تُمنح الحضانة للجد من الأب على حساب الأم، وهذه حالة غير منطقية.

المادة 57 لا تحتاج إلى هذا الكم الهائل من التعديلات، هي فقط بحاجة إلى تعديل الجزء البسيط الخاص بالمشاهدة، إلا أن الطبقة السياسية مصرّة على سحب فتات الحقوق الخاصة بالنساء، حسب ما تقول طيبة الحميد، التي تضيف لرصيف22، أن قانون الأحوال الشخصية لا ينصف المرأة بالشكل المطلوب فهو يبيح للزوج تعنيفها والزواج عليها، وحقها في الحضانة فيه مجتزأ، إذ لا يسمح لها باصطحاب أطفالها عند السفر، بينما يسمح بذلك للأب.

في السياق، يؤكد المحامي والقانوني ليث التميمي، هذا القصور في قانون الأحوال الشخصية الحالي، ويرى في حديث إلى رصيف22، أن المعالجة يجب أن تكون وفق صيغة مدنية بحتة، لا دينية، وتكون بأن يتم السماح للأم باصطحاب ابنها عند السفر مثلما يتم السماح للأب بذلك، وأيضاً بشأن أحقية الحضانة. فوفق ما يرى، يجب أن تكون مشتركةً بين الأم والأب إن كانا متوافقين، وإن كانت خلافاتهما كبيرةً، فيتم اختيار الأكثر أهليةً للحضانة منهما، وذلك عبر جهات مختصة، مع عدم منع الطرف الآخر من حق المشاهدة بشكل مناسب، لا الاكتفاء بالمشاهدة 4 مرات في الشهر كما هو معمول الآن، مع إمكانية اصطحاب الطفل إلى البيت لوقت معيّن، وحين يصل إلى سنّ البلوغ، يقرر بنفسه مع من يريد أن يعيش.

التحرك المجتمعي الرافض للقانون لم يتوقف، وبحسب مصادر رصيف22، فإن منظمات حقوقية ستنظّم وقفةً احتجاجيةً في ساحة التحرير وسط بغداد، الأسبوع المقبل، لرفض المضيّ في تمرير القانون المقترح، كما أن "تجمّع نساء العراق"، أصدر بياناً رافضاً للقانون المقترح، جاء فيه: "إن التعديلات التي تعتزم بعض القوى السياسية إدخالها على نص قانون الأحوال الشخصية العراقي تهدد بشكل كبير حقوق الإنسان في العراق، عبر شرعنة الإساءة إلى المرأة، وحرمانها من حضانة أبنائها، وإيجاد المبررات للعنف الأسري، وتبرئة المتهمين بممارسته".

وأضاف البيان، أنه "من الغريب أن تسعى بعض القوى السياسية لتمرير ممارسات مخالفة للقانون؛ يمكن أن تهضم حقوق المواطنين وتضيّعها، مثل إلغاء تجريم الزواج خارج المحكمة، وزواج القاصرات بالإكراه، وتضييع حقوق النساء في المهر والبيت والمؤجل (...) القانون الجديد المقترح سيؤدي إلى تسليع المرأة، وتجريدها من حقوقها، وجعلها ضحيةً للعنف والإساءة والطرد والإهانة، بشكل يتنافى مع روح ومبادىء الشريعة الإسلامية التي يقوم عليها القانون الحالي". 

هذه ليست المحاولة الأولى لتعديل قانون الأحوال الشخصية، كانت هناك محاولات في عامي 2012 و2014، وقوبل الأمر برفض شعبي، ثم تكررت في 2017 وفي 2021، لتعود المحاولة اليوم مجدداً. 

وعن آثار القانون المقترح وتداعياته، يرى الناشط العراقي مسلم السليطي، أنه يتعارض أولاً مع مواثيق حقوق الإنسان والتزامات العراق بتلك المبادئ الدولية، لا سيما في ما يخص زواج الأطفال أو القصّر، ناهيك عن تعميقه للمشكلات الطائفية بين العوائل والمذاهب، كما يتسبب في تهديم النسيج المجتمعي، فالأحكام الفقهية قديمة ولا تصلح لهذا الزمان، بحسب تعبيره.

من المشكلات الأخرى التي سيوجدها القانون، أن العوائل ستتردد في تزويج بناتها من مذاهب أخرى، فالعائلة السنّية تتجنب تزويج ابنتها لعائلة شيعية والعكس صحيح؛ لأن من تتزوج وفق القانون المقترح من رجل شيعي لا يمكنها طلب التفريق منه ولا حضانة لها، ومن تتزوج من رجل سنّي لا تحصل على حقها في الميراث، وهنا فإن حل تلك المشكلات بين العوائل سيصبح عبر العشائر وبلغة الغاب واللجوء إلى التهديد خارج نطاق الدولة، وهذه هي الطامة الكبرى؛ لأن القانون لا يضمن حقوق المرأة، كما يوضح السليطي لرصيف22.

هذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها البرلمان العراقي، عبر الأحزاب الإسلامية "الشيعية" تحديداً، إلى تعديل وتشريع قانون جديد للأحوال الشخصية، إذ سبق أن سعى "حزب الفضيلة" في حقبة حكومة نوري المالكي، في عامي 2012 و2014، إلى تشريع قانون الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري، وقوبل الأمر بسخط ورفض شعبيين، ثم تكررت المحاولة في 2017 وفي 2021، وكذلك خرجت تظاهرات رافضة للأمر، لتعود المحاولة اليوم مجدداً، ولكن هذه المرة في ظلّ سيطرة "الإطار" على الحكومة والبرلمان برئاسة النائب الأول محسن المندلاوي، الذي يدير المجلس بالإنابة عقب إقالة محمد الحلبوسي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وعدم الاتفاق حتى الآن على اختيار رئيس جديد للبرلمان. لذا فإن الأحزاب الشيعية تحاول استغلال وجود المندلاوي في رئاسة البرلمان لتمرير القوانين التي تطمح إليها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard