شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بعد اليوم... ظهور المحامين في الإعلام بإذن النقابة فقط في العراق

بعد اليوم... ظهور المحامين في الإعلام بإذن النقابة فقط في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن وحرية التعبير

الاثنين 21 أكتوبر 202404:02 م

هل هي مصادفة؟

في الوقت الذي ظهر فيه إعلاميون ومحامون وخبراء قانونيون على الإعلام محذرين من أخطار تعديل قانون الأحوال الشخصية، خرجت قرارات تقيّد الظهور الإعلامي من قبل المؤسسات التي ينتمي إليها ناشطون ضد التعديل. بل وفُرضت عقوبات تستهدف الأصوات الرافضة للتعديل بشكلٍ مباشر، من قبل مؤسسات يفترض أن تكون حيادية في سياساتها وقراراتها.

يُطرح هذا الاستفهام في ظل سياق أوسع تنتهج فيه شخصيات سياسية ودينية مقربة من السلطة ومؤثرة في الرأي السياسي، نهجاً عقابياً يتمثل بالتحريض، والإقصاء والإسكات تجاه من قرروا مناهضة التعديل.

نقابة المحامين تمارس دوراً سلطوياً

في بداية آب/ أغسطس الماضي، أرسلت نقابة المحامين العراقية كتاباً لهيئة الإعلام والاتصالات تطلب فيه من الأخيرة اتّخاذ الإجراءات القانونية بحق القنوات التي تستضيف محامين ظهروا في وسائل الإعلام بدون موافقة النقابة، وفي الكتاب ذاته توعدت النقابة باتَّخاذ إجراءات قانونية وصفتها بـ"التأديبية" بشأن المحامين الذين ظهروا على الشاشات من دون موافقتها.

وبناءً على هذا القرار، الذي دخل حيز التنفيذ منذ إصداره، أي بعد أيام قليلة من بدء الجدال المجتمعي والإعلامي حول التعديل، يُمنع أي محامٍ من المشاركة في مقابلة، أو ظهور إعلامي، أو التصريح وإبداء الرأي القانوني دون حصوله على إذن مسبق من نقيبة المحامين أحلام اللامي. 

في الوقت الذي ظهر فيه إعلاميون ومحامون في الإعلام ضد قانون الأحوال الشخصية، خرجت قرارات ظهورهم الإعلامي، بل وفُرضت عقوبات تستهدف الأصوات الرافضة للتعديل بشكل مباشر من قبل نقابة المحاميين العراقيين

لم يضع القرار الصادر من النقابة، المحامين فقط تحت مقصلة الرقابة، بل شملت الرقابة وسائل الإعلام التي باتت مجبرة على اختيار شخوص يتم انتقاؤهم والموافقة عليهم مسبقاً للتحدّث على منصاتها، إذ نشرت هيئة الاعلام والاتصالات رداً على كتاب النقابة، في منتصف أيلول/ سبتمبر كتاباً موجهاً إلى المؤسسات الإعلامية كافة، مرفقاً بقائمة تضم 19 اسماً لمحامين سمحت النقابة لهم بالظهور الإعلامي، في الوقت نفسه الذي أصدرت فيه النقابة عقوبات تأديبية بحق قانونيين آخرين.

وحول مدى قانونية قرار كهذا يصدر من مؤسسة كانت فيما ما مضى صوتاً سانداً للمحامين وداعمة للحقوق والاحتجاجات، يقول المحامي والخبير القانوني محمد جمعة وهو أحد المحامين الذين أحيلوا إلى مجالس تأديبية بعد صدور القرار، في حديثه لرصيف22: "القرار غير قانوني ويخالف مواد صريحة بالدستور العراقي ذات صلة بحرية التعبير عن الرأي والمشاركة العامة، إذ لا يمكن فرض أي قيد على الحريات الواردة في الدستور لا من قبل النقابة ولا من أي جهة أخرى، ما دمنا نحن لا نتحدث باسمها"، مشيراً إلى كون قانون المحاماة لا يحوي مادة واحدة تمنح النقابة حق منع المحامين من الظهور الإعلامي.

وقد لوحظ من القائمة التي نُشرت واحتوت على أسماء محامين بأن أغلبهم مؤيد للتعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية، بينما لم يحصل آخرون على إذن الظهور الإعلامي على الرغم من تقديمهم على الرابط الإلكتروني الذي خصصته النقابة لهذا الغرض. 

مجالس تأديبية 

وبعد فترة وجيزة من إصدار القرار، أحيل عدد من المحامين الذين ظهروا على قنوات تلفزيونية وعارضوا التعديل وفقرات القانون المقترح لمجالس تحقيق.

تقول المحامية زينب جواد وهي واحدة من أبرز المحاميات المعارضات للتعديل.: "تلقيت خبراً من زملائي في النقابة بإحالتي إلى سبعة مجالس تحقيقية بعد أحد اللقاءات التي ظهرت فيها بدون معرفة الأسباب"، وتضيف: "بعد ظهوري على إحدى القنوات، تحدثت عن المجالس التحقيقية التي أُحِلت إليها ظلماً ففوجئت بإلغائها وإحالتي إلى مجلس تحقيقي جديد بسبب الظهور الإعلامي بدون إذن من النقابة، وفاجأني الأمر لأنه سبق أن قدمت على الرابط الذي خصصته النقابة لأذونات الخروج بالإعلام ما قبل إجرائي للقاء المعني". 

شملت الرقابة أيضاً أساتذة الجامعات، ووسائل الإعلام التي باتت مجبرة على أخذ الموافقة على  الشخوص الذين يتم اختيارهم للتحدّث على منصاتها. 

على الرغم من تقديم المحامين على الرابط الذي خصصته النقابة لمنح الأذونات، إلا أنَّهم لم يحصلوا عليها، وهو ما يتعارض مع البيان التوضيحي الذي أصدرته النقابة بعد رفعها لأسماء الـ19 محامياً ومحامية، إلى هيئة الإعلام والاتصالات، وجاء فيه: "بعد أن أعلنت نقابة المحامين العراقيين في وقت سابق فتح باب التسجيل لأسماء الراغبين بالظهور الإعلامي، عن طريق هيئات الانتداب، لم يبادر المحامون بتسجيل أسمائهم، سواء بوساطة الهيئات أو بالتواصل المباشر مع المكتب الإعلامي، ولضرورة إجابة كتاب هيئة الإعلام والاتصالات، وتقديم بعض أسماء المحامين لتغطية برامج المحطات الإعلاميّة، فقد أرسلت النقابة كتاباً يحتوي عدداً من الأسماء التي قدمت طلباتها بشكل مباشر إلى المكتب الإعلامي في النقابة، علماً أن القائمة ليست نهائية، بل سترسل بعد ذلك ملاحق من الأسماء، لأجل تعميمها، فعلى المحامين الراغبين، تسجيل أسماءهم ومعلوماتهم عبر الرابط".

تتضمن الإحالة إلى المجالس التأديبية إيقاف المحامي/ة عن العمل لحين البت بنتائج التحقيق من قبل اللجنة المختصة، وهو ما قد يمتد لأسابيع أو أشهر، وفي حال ثبوت التهم الموجهة يترتب على المحامي عقوبات قد تصل إلى منعه من مزاولة المهنة لمدة سنة.

وبالإضافة للأبعاد القسري بسبب تهديدات بالتصفية تلقتها وعائلتها أجبرتها على ترك بغداد، أُوقفت جواد عن العمل منذ شهر أغسطس/آب الماضي بانتظار نتائج التحقيق التي تتم المماطلة بإصدارها أسبوعياً. فهل ساهمت النقابة بزيادة التحريض وتوسيع رقعة الخطر حول المحامين بسبب مواقفهم بعدما ما فشلت سابقاً وفي العديد من الأوقات بحمايتهم

"وجهة نظر المحامين المحالين إلى لجان التأديب مخالفة لوجهة نظر السلطة التشريعية والتوجه العام للسلطة التي تريد المضي بتشريع القانون وتبحث عن مؤيدين، والأسماء التي اختيرت ورشحت للظهور الإعلامي خضعت كُلياً لوجهة نظر النقابة، وهو ما استبعد اسماء لأشخاص عرفوا بمواقفهم الواضحة الرافضة للتعديل، مثل محمد جمعة وزينب جواد". يقول لرصيف22 الحقوقي ورئيس جمعية المواطنة لحقوق الإنسان محمد السلامي.

ويضيف: "السيدة النقيبة أحلام اللامي على ما يبدو أصبحت ضمن هذه السلطة، فهي تريد تقليص الأصوات المعارضة، وما يؤيد ذلك أنه على الرغم من أن مشروع التعديل جوبه بمعارضة شديدة من حقوقيين وقضاة، سمعناهم في الندوات والحوارات التي أقيمت لمناقشة المشروع، إلا أنه في الوقت نفسه كانت تصدر مجالس تأديبية بحق المعارضين واختيرت أسماء معينة فقط للتحدث والظهور الإعلامي". 

في حال مخالفة قرار نقابة المحامين بأخذ الموافقة المسبقة للظهور الإعلامي، تتضمن الإحالة إلى المجالس التأديبية إيقاف المحامي/ة عن العمل لحين البت بنتائج التحقيق من قبل اللجنة المختصة، وهو ما قد يمتد لأسابيع أو أشهر، وفي حال ثبوت التهم المنع من مزاولة المهنة لمدة سنة

الإبلاغ بالإحالة إلى مجلس تأديبي تلقاه المحامي والخبير القانوني محمد جمعة أيضاً بعد تهمة الإساءة للمهنة، التي وجهت إليه عقب تصريح له في أحد اللقاءات التلفزيونية، انتقد فيه بعض الأحكام الفقهية الواردة في أحد الكتب الدينية التي سيستند إليها التعديل، وهو ما عدّته النقابة إساءة لإحدى الطوائف الإسلامية.

في حديثه لرصيف22 يقول جمعة: "السبب الحقيقي وراء إحالتي للمجلس التأديبي هو مواقفي الرافضة للتعديل، وما يؤكد هذا الأمر هو إحالة جميع الأصوات العالية المعارضة للتعديل تقريباً لمجالس تأديبية، بينما لم يُحل أحد من مؤيدي التعديل لها".

شعبة الرصد التابعة للمكتب الإعلامي للنقابة هي المسؤولة عن مراقبة لقاءات المحامين وتسجيل تصريحاتهم، بحسب ما هو مكتوب في القضية المقامة بحق جمعة "لا أعرف ما هي المصلحة من مشاهدة النقابة للقاء كامل لي يمتد لساعة وتسجيل ملاحظات، لكن يبدو أن هذه الشعبة استحدثت لرصد ما يريدون رصده"، يقول جمعة.

ويرجح أن هذه الشعبة استحدثت بالفترة الاخيرة، إذ برغم كونه يملك تاريخاً طويلاً بالنقابة يمتد لسبعة عشر عاماً، إلا أنَّه لم يعرف بوجودها.

وزارة التعليم العالي على نفس النهج 

نهج تكميم الأفواه المعارضة لرغبات السلطة التشريعية امتد لوزارة التعليم العالي التي تشنّ منذ أكثر من عامين هجمة غير مسبوقة على الحرّيات، إذ أصدرت مؤخراً تعميماً منعت بموجبه الأساتذة في الكليات الحكومية والأهلية المختصين في القانون من المشاركة في اللقاءات التلفزيونية بدون إذن من الكلية التي يعملون فيها. ويحال الأستاذ المخالف للتحقيق الإداري، وفقًا لكتاب الوزارة.

عند الإمعان بالكتاب المنشور، والذي أثار ضجة بين ناشطين ومدونين على منصات التواصل الاجتماعي، يتبيّن أن الكتاب جاء بناءً على توصيات مجلس الدولة وهو جهة معنية بالقضاء الإداري وتفسير القوانين لمكتب رئيس مجلس الوزراء.

بموجب القرار يُمنع الأساتذة من المشاركة في اللقاءات التلفزيونية، ومن إبداء أي رأي قانوني وإن كانت آراء شخصية ولا تمثل وجهات نظر الكلية التي يعملون فيها.

لا تبدو سرعة تنفيذ القرارات مستغربة من قبل وزارة التعليم العالي، بعد سلسلة القرارات القمعية التي اتخذتها الوزارة في السنتين الأخيرتين، خاصة بعد تسلم نعيم العبودي لها، وهو الذي ينتمي لأحد الأحزاب الداعمة لتعديل قانون الاحوال الشخصية.

لكن المستغرب هو صدور القرار من مجلس الدولة وهو الجهة المسؤولة عن مراقبة إساءة استعمال السلطة من أي جهة من جهات الإدارة وليس مراقبة سلوك الموظفين. 

يرى محامون وأكاديميون أن القرار جاء لمنع المعارضين لمقترح قانون الأحوال الشخصية من إبداء آرائهم بمسألة توضيح الإشكالات الواردة فيه، والآثار السلبية التي ستنتج عند تطبيقه. 

"القيد الأساسي في القرار هو منع التكلم خارج نطاق الاختصاص، وأن تكون هناك مصلحة من الظهور الإعلامي، هذان القيدان غير مبررين، لأن الشخص المختص في مجال القانون يؤهل للعمل منذ حصوله على شهادة البكالوريوس، وبالتالي فالحامل لشهادة عليا هو عالم في مجال تخصصه وعارف في التخصصات القانونية الأخرى"، بحسب رأي الناشط السياسي وأستاذ القانون الدولي الدكتور وائل منذر.

ويضيف لرصيف22: "اشتراط المصلحة في الظهور هو مصطلح مطاط، الوزارة أو الكلية ستحدد ما إذا كان خروج الشخص على التلفاز يحمل مصلحة أو لا، وهو أمر غير منطقي، وحتى لو امتلك الشخص إذناً مسبقاً فسيحتاج إما أن يجدد الإذن في كل مرة يخرج فيها للإعلام أو يتعرض لعقوبة في حال أعلمته الكلية أن ظهوره في لقاء معين لا يوفر المصلحة المرجوة، فالمصلحة تقدّر من قبل الشخص نفسه لأنها جزء من حق المشاركة في الشؤون العامة المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور".

أما عن الأسباب فيرى منذر "أنها لمنع المعارضين لمقترح القانون من إبداء آرائهم بمسألة توضيح الإشكالات الواردة في المقترح، وتوضيح الآثار السلبية التي ستنتج عند تطبيقه، وتوضيح الثغرات الموجودة في المقترح المقدم لمجلس النواب خاصة، وهو يحتوي على صياغات معيبة بعد الطريقة المفاجئة التي طرح بها مجلس النواب المقترح وعدم مناقشته بشكل واضح بسبب عدم طرح مدونة له".

ووفقًا لمنذر، فإمكانية الطعن في القرار تكون فقط أمام مجلس الدولة نفسه، وبالتالي عملية الطعن عند الجهة نفسها التي أصدرت القرار، لذا فإن فرصة الشخص في الحصول على قرار قضائي جداً ضعيفة في حال رفضت الإدارة إذن ظهور أحد الأساتذة، وهو ما سيحرم الكثير من الأساتذة من الظهور الاعلامي.

يعتبر هذا القرار سابقة في العراق، إذ لم يسبق أن صدر قرار يقيد القانونيين والمحامين من الظهور كونه يعتبر مساهمة في الفضاء العام.

"اعتقاد مجلس الدولة أن هناك إساءة من بعض الأساتذة أدّى لتعميم هذه المسألة على الجميع، وهو ما يلغي فكرة شخصية العقوبة من حيث الأصل ويخالف فكرة أصل التقارير التي ترفع لمجلس الوزراء من قبل مجلس الدولة وهي عن تعسف الإدارات، لكن هذا التقرير رُفع على أساس وجود تصرفات خاطئة من بعض الأساتذة، وبالتالي يفتقر للسند القانوني" بحسب منذر.

من الطعن والتخوين والتهديد وصولاً للعقوبات الإدارية والإبعاد عن الوظيفة، تحمل هذه الإجراءات دلالة واضحة لسعي السلطة لتهيئة الأجواء السياسية مع اقتراب الانتخابات لإضعاف المعارضين لها، وإخفات أصواتهم، واستمراراً لاستخدام منهجي التجهيل وتكميم الأفواه المستمرين منذ سنوات، لإلغاء أي شكل من أشكال النقاش المجتمعي الفعّال الذي قد يصل لفضح فشل الدولة أمام الرأي العام، خاصة أن الانتخابات تأتي بأجواء أدركت فيها السلطة فشلها بإيجاد حلول لأي من المشكلات القائمة مع تنامي الصراعات والفضائح المالية من جهة، وعجز القضاء عن محاكمة المتورطين في صفقة القرن من جهة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image