كما أن طبيعة كل إنسان تختلف عن الآخر، فإن الرغبات الجنسية تختلف بدورها من إنسان إلى آخر، وبما أن العديد من المجتمعات، وبخاصة المجتمعات العربية، تعتبر الحديث عن الرغبات الجنسية أمراً محظوراً، أو بالأحرى خطاً أحمر لا يمكن المساس به، فهناك العديد من الأزواج الذين يدفنون رغباتهم الجنسية، ما يشكل خللاً في علاقتهم مع الشريك/ة.
كشفت دراسة أمريكية أجريت على 50 زوجاً وزوجة يسعون إلى الطلاق، مقارنة بـ 30 زوجاً وزوجة متكيّفين جيداً في حياتهم الزوجية، أن المشاكل الجنسية كانت مرتبطة بشكل رئيسي بطلب الطلاق، وشدّدت الدراسة على أهمية المصارحة الجنسية لحل بعض الخلافات الزوجية.
العلاقة الزوجية... واجب
"حين أخبرت أمي أنني لا أشعر مع زوجي بالمتعة، صرخت في وجهي ونعتتني بالفجور"، بهذه الكلمات تبدأ منى حديثها لرصيف22.
وتضيف الشابة البالغة من العمر 36 عاماً: "في منتصف العشرينيات من عمري كانت تربطني علاقة حب بشاب، وكنا على توافق كبير وأفكارنا تسير في مسار واحد، ولكن العلاقة لم تكلل بالزواج، وبقيت لأعوام لا أشعر بالانجذاب لأي رجل بعده، وفي عمر الثلاثينيات بدأت الضغوط تحيطني كي أوافق على الزواج من أي رجل يتقدم لخطبتي، ولكنني كنت أقاوم وأرفض، حتى استسلمت ذات مرة وقابلت عريس بشكل تقليدي للغاية، ولن أنكر أنني أعجبت بمظهره ووظيفته المرموقة، وبالفعل بدأنا التعارف وتحدثنا في كل شيء يخصّ الزواج من توافق مادي، اجتماعي، أسري".
"أصبحت العلاقة الزوجية كأنها مجرد واجب أقوم به، ومع الوقت بدأت أكره تلك العلاقة وأتحجّج بأعذار واهية، فبدأ ينفر مني وباتت علاقتنا باردة للغاية حتى قرّرنا الانفصال"
وتكمل منى: "رغم ذلك كنت دائماً أشعر بأن هناك حاجزاً بيننا، وكنت أفكر آلاف المرات عمّا إذا كان من الممكن أن أسأله عن رغباته أثناء ممارسة العلاقة الجنسية بعد الزواج، غير أنني فضلت الصمت خوفاً من ردة فعله، خاصة أنه شخص محافظ، وحين تزوجنا أدركت أنه بالفعل شخص تقليدي في كل شيء، حتى أثناء العلاقة الزوجية، لدرجة قاتلة للمشاعر والشغف، وحينها بدأت أحدثه عن ضرورة أن يسعى كل واحد منا لإرضاء الآخر، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل، حتى أصبحت العلاقة الزوجية كأنها مجرد واجب أقوم به، ومع الوقت بدأت أكره تلك العلاقة وأتحجّج بأعذار واهية فبدأ ينفر مني، وباتت علاقتنا باردة للغاية حتى قرّرنا الانفصال".
وتختم حديثها بالقول: "للأسف أخطأت التقدير حين تحدثت مع والدتي بأريحية عن أسباب الانفصال وبأننا أصبحنا لا نشعر بالمتعة الزوجية معاً، فنهرتني واتهمتني بالفجور، وأن هذه الأسباب ليست كافية أو منطقية لخراب البيت، على حد قولها".
في السياق نفسه، يتحدث رامي (42 عاماً) عن تجربته الزوجية ومسألة المصارحة، فيقول: "تزوجت بعد قصة حب استمرت عامين قبل الزواج، ورغم أننا اعتدنا مصارحة بعض بكل شيء، إلا أنني كنت أخشى دوماً أن أحدثها عن رغباتي الجنسية بعد الزواج، وأنني أفضل ممارسة العلاقة الزوجية بطرق تخصني، خوفاً من أن تراني شخصاً غريباً، ففضلت ألا أتحدث عن تلك الأمور إلا بعد الزواج، وللأسف كنت على خطأ كبير، فبعد الزواج لم أتمكن من ممارسة العلاقة الزوجية بالشكل الذي يرضيني، وبالتالي اتسمت العلاقة بيننا بالفتور والملل".
وبالرغم من أنه قرّر عدم الانفصال عن زوجته بسبب الأولاد، غير أنه يندم على عدم مصارحة شريكته برغباته الجنسية قبل الزواج: "أنصح الجميع بمصارحة بعضهم في بداية الزواج حتى لا تحدث فجوة بين الطرفين".
في المقابل، تكشف رنا عز الدين (36 عاماً) أنها تحدثت بكل شفافية عن رغباتها الجنسية قبل الزواج، فتقول لرصيف22: "في بداية تعارفي على شريكي، وقبل أن نتزوج، صارحني بكل رغباته الجنسية، وتحدث معي بكل صراحة حتى عن الفيتشات التي يحبها، وأخبرته أيضاً عن رغباتي، وبدأنا نشعر بأن هناك تقارباً بيننا على المستوى الفكري، وكل منا تقبل واحترم رغبات الآخر، وما ساعد على ذلك هو طبيعة تفكير زوجي التي تتسم بالعقلانية، وهو الأمر الذي شجعني لأن أتحدث معه دون الخوف من أن يصنفني أو يحكم علي، خاصة أن معظم الرجال في الشرق يصنفون المرأة التي تتحدث عن الرغبات الجنسية بأنها تفتقر إلى الاحترام والأخلاق، وهو أمر خاطىء".
وتضيف رنا: "لن أنكر أن تلك المصارحة قصرت بيننا مسافات طويلة، فأصبحت أعلم جميع رغباته وفيتشاته وهو كذلك، وبعد الزواج باتت الحياة بيننا ألطف بمعزل عن الأحكام والتصنيفات، وبتنا معتادين على الحديث والنقاش حول أي شيء وكل شيء يخطر بأذهاننا دون خوف أو قلق".
"كوارث بعد الزواج"
في حديثها مع رصيف22، توضّح الأخصائية النفسية والمتخصصة في الارشاد الأسري والعلاج الشعوري، آية الجمال، أن الغالبية العظمى من المتزوجين في الوطن العربي لا يفصحون عن رغباتهم الجنسية: "ينتهجون نهج الاخفاء عن بعضهما البعض خوفاً من الأحكام أو من تنظير كل منهما على الآخر، ما يؤدي إلى كوارث بعد الزواج، ومنها عدم الشعور بالمتعة بين الطرفين".
"كنت دائماً أشعر بأن هناك حاجزاً بيننا، وكنت أفكر آلاف المرات عمّا إذا كان من الممكن أن أسأله عن رغباته أثناء ممارسة العلاقة الجنسية بعد الزواج، غير أنني فضلت الصمت خوفاً من ردة فعله، خاصة أنه شخص محافظ"
من هنا، تشدّد آية على أهمية المصارحة والوعي الجنسي: "هناك دورات يتم إقامتها الآن في الأزهر ودار الإفتاء، يحضرها الأزواج، وهذه الدورات يديرها شيوخ وأطباء نفسيون وتشمل أيضاً التوعية الجنسية، ما يعني أن الأمر هام وله أبعاد وتأثير على الحياة الزوجية ككل".
وتنصح آية الثنائي بالصراحة والوضوح عند الحديث عن الرغبات الجنسية: "العلاقة الجنسية هي أساس الزواج الناجح ولها الكثير من الفوائد على المستوى النفسي والجسدي، لذا يجب التحدث بصراحة بما يتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا"، هذا وتنصح بتأجيل الإنجاب قليلاً لحين يتعرف كلا الزوجين على جسد الآخر، ويشعران بالاستقرار الجنسي والنفسي.
باختصار، بالرغم من التابوهات التي لا تزال تحيط مسألة الكشف عن الرغبات الجنسية، إلا أن المصارحة والتحدث بشفافية عن الرغبات هي مسألة لا بد منها، لضمان حياة زوجية مستقرة بعيدة عن الملل والفتور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يومl
Frances Putter -
منذ يومyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ يومينأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 3 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 3 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ 6 أياميقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..