قبل أيام قليلة كنت أنتظر دوري في صالون التجميل، وكانت تجلس بجواري امرأة حديثة الزواج أو كما نسميها "عروسة جديدة". النساء اللواتي كن في الصالون شرعن في تقديم سلسلة من النصائح اللا متناهية لها، والتي تدور كلها حول ضرورة الاحتفاظ بالعديد من الأمور وإخفائها عن الزوج تماماً، فنصحتها إحداهنّ بأن تخفي عن زوجها أي شيء يخص عائلتها وألا تقحمه في "فضائح عائلية" كما أسمتها، بينما نصحتها أخرى بأن تخفي عن شريكها الأزمات التي تواجهها في أثناء عملها حتى يراها دائماً ناجحةً ولامعةً. أما النصيحة الثالثة فكانت بأن تخفي عنه حقيقة راتبها وحسابها المصرفي حتى لا يطمع فيها.
في الحقيقة لم أستطع الصمت أكثر من ذلك أمام كل هذه النصائح التي سمعتها، فشعرت بأنني سوف أصاب بضيق التنفس إذا لم ينطق لساني بالسؤال الذي دار في عقلي وقتها: "كيف يمكن لامرأة أن تعيش تحت سقف واحد مع رجل وتشاركه سريراً واحداً وتخفي في داخلها كل هذه الأسرار عنه؟".
سيظل يعايرني بأهلي؟
في حديثها إلى رصيف22، قالت سمر (اسم مستعار)، وهي متزوجة منذ 6 أعوام: "منذ أن أخبرت والدتي بأن هناك علاقة حب تجمعني بزميلي في العمل وهي توصيني دوماً بألا يعرف شيء عن طبيعة حياتنا، خاصةً أن والدتي ووالدي منفصلان منذ طفولتي. وحين تقدّم لخطبتي كانت والدتي حريصةً كل الحرص على ألا يشعر هو أو أهله بشيء وكانت تطلب من والدي ألا يخبرهم عن طبيعة علاقتهما بل طلبت منه أن يقوم بردّها صورياً، وذات يوم قبل زفافي بأسبوع واحد أخبرت والدتي بأنني قصصت على خطيبي ظروف عائلتنا، فنهرتني واتهمتني بالغباء وأخبرتني بأن زوجي سيظل يعايرني طوال حياتنا وسوف يكرر ما فعله أبي بها".
"كيف يمكن لامرأة أن تعيش تحت سقف واحد مع رجل وتشاركه سريراً واحداً وتخفي في داخلها كل هذه الأسرار عنه؟"
وأضافت سمر: "وقتها شعرت بالخوف الشديد وظللت أتلعثم أمام خطيبي حتى أصحح له الصورة مرةً أخرى، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أبدو أمامه بصورة مثالية في كل شيء".
وعمّا إذا كانت علاقتها الجنسية بزوجها تحمل كل هذا الكمّ من التحفظ والأسرار، أجابت: "لا، بل على النقيض تماماً أشعر بكل الحرية والصراحة حين أمارس العلاقة الجنسية معه، فهي اللحظة الوحيدة التي أكون فيها بلا حسابات أو رسميات".
صورة المرأة الضعيفة
من جهتها، كشفت عبير (اسم مستعار)، وهي متزوجة منذ 36 عاماً، أنها تحب زوجها كثيراً ولكنها ترى أن لمعظم الرجال أسلوباً خاصاً في المعاملة: "أُصبت بمرض السكر بعد زواجنا بعشرة أعوام، ولكنني لم أخبر زوجي مطلقاً ولم أطلب منه ولو لمرة واحدة أن يذهب معي إلى الطبيب الذي يتابع حالتي... لا أحد يعلم بإصابتي بالسكر سوى إبنتي فقط"، مشيرةً إلى أن السبب في ذلك هو عدم رغبتها في أن يخبر زوجها عائلته حتى لا تبدو أمام أحد بصورة المرأة المريضة والضعيفة".
وأضافت لرصيف22: "حبي لزوجي ليست له علاقة بأنني أحتفظ بذلك السرّ لنفسي، فقد قيل في المثل 'جوزك يحبك عفية'، مما يعني أن الرجل يحب أن يرى زوجته دائماً في مظهر القوة".
"أشعر بكل الحرية والصراحة حين أمارس العلاقة الجنسية معه، فهي اللحظة الوحيدة التي أكون فيها بلا حسابات أو رسميات"
أما ياسمين (اسم مستعار)، فقد كشفت لرصيف22 أن شريكها في أثناء العلاقة الجنسية، يتحول من زوج إلى عشيق، منوهةً بأنها لا تشعر بالصراحة والحرية مع زوجها إلا في أثناء علاقتهما الجنسية.
وأوضحت ياسمين المتزوجة منذ 20 عاماً، أنها تخفي عن شريكها مسألة انقطاع دورتها الشهرية حتى لا يعايرها بأنها أصبحت "كبيرةً في السن" على حدّ تعبيرها: "في أثناء انقطاع دورتي الشهرية كنت أمرّ بفترة صعبة بسبب تغيّر الهرمونات، فكنت عصبيةً وأحياناً أفتقد الرغبة الجنسية ولكنني كنت أتحجج لزوجي بأنني في فترة الحيض وذلك حتى لا يطلب ممارسة الجنس معي وأنا في حالة نفسية وجسدية سيئة، ولكنني حتى الآن لم أخبره بانقطاع دورتي الشهرية، وحين يسألني عن عدم انقطاعها حتى الآن أخبره بأن هرمونات الأنوثة لدي مرتفعة وهذا يشعره بأنني ما زالت في عزّ شبابي".
من جهتها، تؤكد زينة (اسم مستعار)، أنها متزوجة حديثاً وتشعر بالخجل من زوجها في معظم الأمور وأبرزها الكشف له عن حبها الكبير للطعام: "أحاول أن أتناول كميات قليلةً من الطعام حيث أشعر بالخجل من تناول كميات كبيرة أو حتى عادية كي لا يراني شرهةً"، وعليه، بدأت تأكل في السرّ، وفق قولها: "أتناول الطعام براحتي طوال فترة عدم وجوده في المنزل".
أما عن علاقتها الجنسية، فتكشف هذه الشابة أنها كانت تشعر بالخجل في الأيام الأولى من زواجهما فقط، واستدركت بالقول: "لكن الآن لا أشعر بالخجل مطلقاً بل أكون حريصةً على أن أشعر بالمتعة معه وأشعره بها أيضاً".
"العلاقة الجنسية تكون هي اللحظة الوحيدة التي تحمل مكاشفةً وصراحةً في التعبير عن الرغبات أو بالأحرى الفيتشات الجنسية"
في حديثها إلى رصيف22، ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في كلية التربية في جامعة عين شمس، أن بعض الأفلام أو البرامج أو حتى الأغاني تحضّ على الكراهية وعدم الثقة بين الجنسين، مما يجعل بعض الفتيات المقبلات على الزواج يدخلن الزواج، و"كأنهنّ على أهبة الاستعداد لخوض الحرب في أي وقت، مما يعزز شعورهنّ بأن الزوج شخص غريب"، على حدّ قولها.
وأشارت خضر إلى أن تأثير السوشال ميديا أصبح أيضاً بمثابة كارثة حقيقية: "أصبحت كل مشكلة شخصية على المشاع، وكأنها قضية رأي عام، وهو ما يجعل الحالة العامة بين النساء والرجال عبارةً عن حالة من فقدان الثقة والأمان، وبناءً على ذلك قد تخفي المرأة عن زوجها الأمور الحياتية الطبيعية خوفاً من إبراز أي جانب سلبي والعكس صحيح".
وبحسب الدكتورة سامية، فإن الأمر لا يؤثر على النساء حديثات الزواج فحسب، ولكنه يؤثر على زوجات مرت على زواجهنّ أعوام عديدة، مشيرةً إلى أن بعض الأمهات لديهنّ دور مؤثر على بناتهنّ: "في بعض الحالات، نجد أن المرأة التي مرت بتجربة زواج سيئة تنقل تلك الخبرة إلى ابنتها المقبلة على الزواج، وتزرع في عقلها أن جميع الرجال سيئون بلا استثناء وهو أمر في غاية في الخطورة ويهدم العديد من الأسر".
في السياق نفسه، كشفت دنيا طارق، وهي أخصائية نفسية ومتخصصة في مجال الاستشارات الزوجية، أن الكثير من السيدات يترددن على عيادتها، وهن يخفين عن أزواجهنّ أموراً كثيرةً مثل وصولهنّ إلى مرحلة انقطاع الدورة الشهرية، عادّةً أن السبب الرئيسي في ذلك هو فقدان الثقة بين الزوجين وزعزعة الشعور بالأمان أيضاً وهو شعور عادةً ما يحدث قبل الطلاق النفسي.
وشرحت دنيا لرصيف22، أن الطلاق النفسي يعني تحول الزواج إلى روتين وواجبات دون وجود أي مشاركة إيجابية، مما يجعل الزواج شكلياً فحسب.
ماذا عن العلاقة الجنسية؟ أجابت دنيا: "في مثل هذه الحالة، العلاقة الجنسية تكون هي اللحظة الوحيدة التي تحمل مكاشفةً وصراحةً في التعبير عن الرغبات أو بالأحرى الفيتشات الجنسية، حيث أن طبيعتنا البشرية تجعلنا في احتياج دائم إلى الجنس وفي أثناء ممارسة الجنس يكون الطرفان على كامل طبيعتهما دون التفكير والتدقيق في أي حسابات أخرى".
وختمت دنيا طارق حديثها قائلةً: "من المؤسف أن بعض الأزواج الذين يعيشون تحت سقف واحد لا تجمعهم أي مشاركة حياتية سوى العلاقة الزوجية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...