تندرج هذه المادة ضمن ملف الطريق إلى إيران، في رصيف22.
كان واضحاً للمجتمع الإيراني أن الانتخابات الرئاسية في سنة 2009، ستكون مختلفة تماماً عما سبقتها طيلة 3 عقود من نظام الجمهورية الإسلامية، فبعد ما حكم الإصلاحيون ثماني سنوات في عهد الرئيس محمد خاتمي، وشهدت البلاد انفتاحاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودولياً، فاز المحافظ والشعبوي محمود أحمدي نجاد في انتخابات سنة 2005.
قام المحافظون من جديد بتضييق الخناق على المجتمع، وسعوا إلى حذف الطبقة الوسطى منه، واتخذوا سياسة تصادمية مع الغرب في الملف النووي، وأكدوا على تصدير سياسة الثورة الإسلامية، وثمة أمور أخرى استاء منها الشارع بعد أن تعود على نمطٍ أكثر انفتاحاً في عهد الإصلاحيين. وحين جاء أحمدي نجاد لتجديد ولاية ثانية في سنة 2009، مدعوماً من المرشد الأعلى علي خامئني، نافسته شخصيات سياسية لها ثقلها في النظام.
مير حسين موسوي
الأول كان المهندس مير حسين موسوي القادم من اليسار الثوري، الذي كان رئيساً للوزراء قبل إلغاء المنصب عام 1988. طرح الرجل فكرة التغيير داخلياً وخارجياً، وطالب بإعادة تقييم أفعال الجمهورية الإسلامية خارج حدودها. كذلك بيّن موسوي أنه عائد من زمن الحوادث الكبرى ومرحلة تأسيس النظام، ودعَم الرئيس السابق خاتمي والكثير من النخب السياسية والفكرية والاجتماعية، إضافة إلى معظم المشاهير الإيرانيين.
تعتبر الحركة الخضراء في تاريخ الجمهورية الإسلامية أول حركة مدنية شعبية معارضة لسياسات النظام قد انشقت من صفوفه، حيث تمتلك قيادة علنية ذات شعبية كبيرة ومدعومة من كبار المسؤولين، وتتبنى سياسات واضحة لحصول تغيير في النظام
المنافس الثاني كان الشيخ مهدي كروبي القادم من صفوف اليسار الإسلامي، والذي كان رئيساً سابقاً للبرلمان الإيراني. أما الثالث فكان الجنرال محسن رضائي القادم من التيار اليميني المحافظ، الذي سبق وتقلد منصب القائد العام للحرس الثوري أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
مهدي كروبي
وبعد مناظرات حادة، حولها الرئيس أحمدي نجاد إلى صراع شخصي وعائلي مع منافسيه ومن يدعمهم، عبر توجيه اتهامات فساد مالي وتزوير شهادات جامعية ودعمهم للأغنياء على حساب الفقراء وإلخ، بدأ التنافس الانتخابي في 12 من حزيران/يونيو 2009 ليتم الإعلان عن تجديد ولاية ثانية لأحمدي نجاد بنسبة تصويت 62%.
احتج المرشحون الثلاثة الخاسرون على إعلان الفوز، واتهموا لجنة الانتخابات بالتلاعب والتزوير في التصويت حتى طرحوا شكواهم، ليخرج نحو 5 ملايين متظاهر من أنصار ميرْحسين موسوي ومهدي كروبي في شوارع طهران، في أكبر تظاهرة شعبية غير حكومية شهدتها البلاد بعد استقرار نظام الجمهورية الإسلامية.
"أين صوتي؟"
رفع المتظاهرون "الشعارات الخضراء" نسبة للون حملة مير حسين الانتخابية، وهتفوا بشعار "أين صوتي؟"، حتى تحولت المظاهرات إلى حركة لإحداث تغيير في الفكر السياسي في إيران بزعامة موسوي وكروبي ومدعومة من قبل خاتمي ورفسنجاني.
وكان قد رفع المقر الانتخابي لمير حسين موسوي، تقريراً تفصيلياً للجنة الأمنية قبل يوم من التصويت، يشرح فيه أهم البراهين لوقوع الاحتيال في الانتخابات وهي: "دعاية غير مشروعة باستخدام الموارد والمرافق الحكومية والعامة"، و"شراء الأصوات والرشوة"، و"انتهاكات أحمدي نجاد الشخصية وأعماله الإجرامية"، "التنظيم المتكامل والمغلق للوزارة الداخلية ومقر الانتخابات والمجالس التنفيذية في البلاد"، و"انتهاك حياد مجلس صيانة الدستور وهيئة الرقابة والمراقبين"، و"تدخل القوات الأمنية في الانتخابات"، و"التزوير في التعريفات والأصوات"، و"الأختام الإضافية".
كما دعم مجلس صيانة الدستور بصفته أهم هيئة قانونية لمراقبة الانتخابات، المرشحَ أحمدي نجاد، إذ نشر بيانات وشارك أعضاؤه في حملاته الانتخابية. كذلك تحدث الكثير في ما بعد عن رغبة المرشد علي خامنئي لتجديد ولاية ثانية لأحمدي نجاد.
ادعاءات التزوير
بعد الانتخابات قدم المرشحون الثلاثة، عشراتِ الأدلة والادعاءات حول وقوع التزوير، منها أن الصناديق لم تكن مختومة قبل التصويت، وحدوث مخالفات في صناديق الاقتراع المتنقلة، وعدم توزيع أوراق تصويت كافية، كما تعتبر سرعة فرز الأصوات من أهم الأدلة على احتمال حدوث تزوير في هذا المجال.
قام الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين والخبراء في مجال الانتخابات محلياً ودولياً بتحليل الانتخابات الإيرانية حتى تحول الموضوع إلى حديث الساعة في الكثير من محطات الإعلام الغربي في ذلك العام.
ردت لجنة الانتخابات ومجلس صيانة الدستور في تقارير عديدة على الأدلة ورفضا وقوع أي تزوير، كذلك ردت القوات الأمنية على مطالب المتظاهرين والمرشحين بـ"إعادة الانتخابات"، بالقمع وإغلاق مقر الحملة الانتخابية لموسوي وكروبي، والاعتقالات العشوائية التي طالت الآلاف، منهم وزراء ونواب سابقون.
فيديو احتضار فتاة يجلب انتباه العالم
وفي خضم الاحتجاجات، قُتلت الشابة ندا آقا سلطان (26 عاماً) في إحدى شوارع طهران إثر إصابتها بعيار ناري في الصدر، أطلقه ضابط أمن بلباس مدني.
ونفت الحكومة آنذاك اغتيال ندا، واتهمت المخابرات الأمريكية ومنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة بقتلها، بيد أن المتظاهرين كانوا قد ألقوا القبض على القاتل، وجردوه من سلاحه، وتمّ تصويره وأخذ مستمسكاته قبل إطلاق سراحه.
كان مقطع فيديو احتضار ندا الذي صوّره أحد المارة ونشر على يوتيوب وسط مشاهدات مليونية في أولى لحظات رفعه، من أكثر المقاطع تأثيراً لاحتضار إنسان على مدى التاريخ، حيث يبدأ المقطع بلحظة سقوط الفتاة على الأرض وهي لا تزال بوعيها وسط بركة من الدماء عند قدميها، وبقربها رجلان يحاولان إنقاذها بوضع أيديهم على أعلى صدرها لوقف النزيف من مكان دخول الرصاصة التي أصابتها. تظهر ندا وهي تحرك عينيها، ثم تبدأ بالنزيف بغزارة من فمها وأنفها وسط صراخ المتظاهرين.
موت ندا كان صدمة إنسانية في عموم العالم، وجعل منها رمزاً عالمياً للحركة الخضراء، وكبْتِ الأصوات التي تطالب بالتعبير عن الحق. كما أنها أصبحت أيقونة المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية والمناوئين للنظام الإسلامي في إيران، وقد لقبها المتظاهرون بـ"ملاك إيران" و"صوت إيران" نظراً لمعاني اسمها بالعربية والفارسية.
اغتصاب في السجون وتصعيد في الشوارع
وقد انتشرت أخبار التعذيب واغتصاب المعتقلين/ات بالسجون خاصة سجن كهريزك، المليء بالمعارضين/ات، كما تم إغلاق صحف المعارضة ومراقبة شديدة لمواقع إلكترونية وحظر الفيسبوك وتويتر.
كل ذلك لم يثنِ المتظاهرين من المطالبة بإعادة الانتخابات عبر سياسة البقاء في الشوارع حتى تحقيق ذلك. ورفعوا من حدة الهتافات: "من سرق صوتي أيها الديكتاتور؟"، "لا غزة، لا لبنان، روحي فداء إيران"، إشارة منهم إلى دعم النظام الإيراني للقوات الموالية له في كل من فلطسين ولبنان.
وسط ذلك كله تم حفل تنصيب الرئيس أحمدي نجاد لولاية ثانية بمباركة المرشد الأعلى والمؤسسات الدستورية والعسكرية، ولكن دون حضور بعض رموز النظام الهامة كـ: هاشمي رفسنجاني الذي كان يتربع على منصبين هامين: رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية. كما لم يحضر حسن خميني حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، وكذلك الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وناطق نوري رئيس البرلمان الأسبق.
تراجع المرشح المحافظ محسن رضائي من تقديمه الشكاوى حول التزوير، ولم يتراجع موسوي وكروبي، بل خطا موسوي خطوات واسعة، حين وقف ولو جزئياً بوجه المرشد الأعلى مطالباً بتقليص صلاحياته، وإعادة النظر في نظرية ولاية الفقيه كنظرية حكم وحيدة في إيران.
وطالما تحدثت النخب السياسية والفكرية أنها تقف خلف جمهور من المتظاهرين والمحتجين، كما أن مير حسين موسوي وجد نفسه أمام مطالب شعبية رفعت السقف عالياً، واعتبر نفسه من أتباع الحركة الخضراء وليس زعيمها.
إخماد الفتنة
وبعد أشهر من الاحتجاجات التي سادت في مدن كبرى كالعاصمة طهران وأصفهان وتبريز، وزاهدان، ومشهد وشيراز والأهواز، وقمعها بشدة، ما تحول إلى أعمال عنف في بعض الأحيان، وصف المرشد الحركةَ الخضراء بأنها "فتنة"، وطالب الجميع بإعلان موقفه الحقيقي والتبرؤ من موسوي وأفكاره، بعد أن كان يقف الكثير من الساسة ورجال الدين والجنرالات في حياد أو صمت إزاء ما يجري في البلاد.
وصرح مساعد الشؤون السياسية في الحرس الثوري الإيراني العميد يد الله جواني بأن البلاد "دخلت فعلاً ساحة الحرب الناعمة"، مشيراً لما وصفه بـ"الدعم الأمريكي والإسرائيلي السافر لموسوي" بعد الانتخابات.
وبعد نشر التلفزيون الحكومي، اعترافاتٍ قسرية لقيادات الصف الثاني للحركة وجلسات محكمتهم بتهمة التآمر على النظام، كذلك ممارسة أشد أنواع التعامل الأمني من قبل قوات حماية الثورة "البسيج"، ومقتل نحو 70 متظاهراً، ونزول أنصار خامنئي للشوارع، وهروب بعض الشخصيات الفاعلة للحركة إلى الخارج إثر ضغوط أمنية كبيرة، نجح النظام في إخماد الحركة.
تضامن دولي وإقامة جبرية
دعمت حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الاحتجاجات، وكذلك فعلت الدول الأوروبية، وأعلنت ألمانيا عن قرارها باستقبال 50 معارضاً ناشطاً في الحركة الخضراء، وفاءً بتعهداتها بعدم التخلي عن هذه الحركة التي تعرض أنصارها للقمع لاتهامهم طهران بتزوير الانتخابات الرئاسية.
وبعد الإقامة الجبرية التي فرضت في شباط/فبراير سنة 2012، على زعماء الحركة قد اضمحلت الحركة وبدأت تتلاشى. دخل مهدي كروبي وميرحسين موسوي وزوجته زهراء رَهنَورد، التي أدت دوراً فاعلاً في تلك الآونة، في عزلة تامة وسط تغييب رسمي لهم دون اعتقالهم أو محاكمتهم رسمياً، أو حتى توجيه تهم واضحة. كما خضع الرئيس الأسبق خاتمي إلى قيود كبيرة في نشاطه اليومي، وتم تهميش هاشمي رفسنجاني إعلامياً برغم مكانته في أروقة السياسة.
تعتبر الحركة الخضراء في تاريخ الجمهورية الإسلامية أول حركة مدنية شعبية معارضة لسياسات النظام، قد انشقت من صفوفه، إذ تمتلك قيادة علنية ذات شعبية كبيرة ومدعومة من كبار المسؤولين، وتتبنى سياسات واضحة لحصول تغيير في النظام.
ومع نهاية الولاية الثانية للرئيس أحمدي نجاد ودخول البلاد في عزلة دولية وأزمة سياسية واقتصادية داخلية إثر اختيار سياسة تصادمية مع الغرب حول البرنامج النووي والدعم العسكري للرئيس السوري بشار الأسد، أطلق خامنئي سياسة "ليونة بطولية"، ليفوز المعتدل حسن روحاني برئاسة الجمهورية عام 2013، بدعم صريح من التيار الإصلاحي الذي رأى فيه متنفساً لحياته السياسية.
حصار أقل تشدداً وبيانات تنديد مستمرة
وعد حسن روحاني بأن ينهي الإقامة الجبرية، كما التقى بالرئيس الأسبق خاتمي كي يعود به إلى الأنظار من جديد. وطرح خامنئي شروطاً على إصرار حكومة روحاني لإنهاء حجز ميرحسين وزوجته ومهدي كروبي، تتمثل بـ"التراجع عن الافتراءات التي وجهوها ضد النظام، وضرورة التمييز بين العدو والصديق، وتعويض الأضرار التي لحقت بالبلاد في تلك الآونة، واستعدادهم للمحاكمة حول الجرائم التي ارتكبوها" حسب قول أحد النواب البرلمانيين.
طرح خامنئي شروطاً على إصرار حكومة روحاني لإنهاء حجز ميرْحسين وزوجته ومهدي كرّوبي، تتمثل بـ"التراجع عن الافتراءات التي وجهوها ضد النظام، وضرورة التمييز بين العدو والصديق، وتعويض الأضرار التي لحقت بالبلاد في تلك الآونة، واستعدادهم للمحاكمة حول الجرائم التي ارتكبوها"
رفض ذلك مير حسين موسوي ومهدي كروبي باعتبارهما زعيمين دفعا ولا يزالان يدفعان فاتورة الوقوف في وجه النظام. وفي سنة 2017 أعلن أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أنهما لم يخضعا للإقامة الجبرية منذ وقت طويل، ليخرج أبناء موسوي وكروبي لنفي هذه الأخبار.
شيئاً فشيئاً تم تخفيف القيود الصارمة التي مارستها السلطات الأمنية في منزلي الزعيمين حتى وصلت إلى زيارات ولقاءات الأقارب المحدودة. كما استمر موسوي وكروبي بنشر بيانات منفصلة بين حين وآخر للتأكيد على تمسكهما بمبادئ الحركة الخضراء ونقد المرشد خامنئي، كما وحذرا من وراثة منصب الولي الفقية ومرشد النظام عبر نفوذ مجتبى، ابن خامنئي، في أروقة النظام.
ودعما الزعيمان، الاحتجاجات في الآونة الأخيرة بعد وفاة مهسا أميني. "لا القتل بالرصاص ولا المشانق ستوقف الانتفاضة الشعبية من أجل الحق والحرية. عليكم إنهاء عمليات الإعدام المسيسة التي تتم خلف الكواليس. احترموا الشعب وتوقفوا عن إذلال المواطنين والشباب. كان واجبكم حماية أرواح الناس وليس إزهاق أرواحهم"؛ هكذا كتب مير حسين موسوي في آخر بيان صادر عنه بعد تنفيذ أول حكم إعدام بحق متظاهر في الاحتجاجات الأخيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.