هذا العنوان ليس عنواناً لرواية، إنما سطرٌ جديدٌ في كتاب المدينة التي لا تعرف سوى التعايش مع الألم، في دمشق اليوم، سقطت أرواحٌ بريئة تحت سقف الجامع الأمويّ. مكانٌ كان من المفترض أن يكون ملاذاً للمعرفة والحبّ والتسامح، تحوّل فجأةً إلى مسرحٍ لفاجعةٍ جديدة، وكأنّ الحياة في هذه المدينة تصرّ على إعادة صياغة معادلة مأساوية: كلما تجرأنا على الفرح، باغتنا الموت من حيث لا ندري.
وأشارت عدة مصادر أن الطاهي السوري مهند البغدادي والمعروف باسم "الشيف أبو عمر"، نظم وليمة خيرية في الجامع الأموي بدمشق، تخللها غياب التنسيق والتنظيم، مما أدى أدى إلى تدافع كبير بين الحاضرين مما تسبب في وقوع قتلى ومصابين.
وبحسب الدفاع المدني أدى التدافع إلى وفاة 4 نساء وإصابة 16 آخرين، بينهم أطفال، بكسور ورضوض شديدة، إلى جانب إغماءات.
الحادثة ليست مجرد خبرٍ عابر. هي حكاية تُختصر فيها مأساة وطن بأكمله، وطن يتعايش مع الموت كما يتعايش مع أنفاسه اليومية. كيف يتحوّل سقف الجامع إلى مكانٍ لآخر نبضة حياة؟ كيف نصل إلى نقطةٍ يصبح فيها الموت عنواناً موازياً لكل لحظةٍ من حياتنا؟
مشهد يُعيد صياغة المأساة
الجامع الأمويّ ليس مجرد صرح تاريخي، بل رمزٌ لطموحٍ يتحدى الخراب. تحت سقف هذا المكان العريق، كان من المفترض أن تنمو أحلام الشباب، لا أن تتلاشى أرواحهم فجأةً تحت الأنقاض. هذه الحادثة المأساوية أعادت طرح سؤالٍ مؤلم: هل فقدنا حقنا في الأمان حتى داخل أماكننا المقدسة؟
أشارت عدة مصادر أن الطاهي السوري مهند البغدادي والمعروف باسم "الشيف أبو عمر"، نظم وليمة خيرية في الجامع الأموي بدمشق، تخللها غياب التنسيق والتنظيم، مما أدى أدى إلى تدافع كبير بين الحاضرين مما تسبب في وقوع قتلى ومصابين
في لحظةٍ كان الوطن فيها يحتفل بتحرير أراضٍ جديدة، جاءت هذه الفاجعة لتذكّرنا بأنّ هذا الفرح مؤقت، وهشّ، ولا يخلو من شوائب الألم. كأنّ الموت بات شريكاً دائماً لنا في تفاصيل حياتنا كلها، يقتحم حتى أكثر اللحظات استحقاقاً للفرح.
من التحرير إلى الحزن
كيف نحتفل بتحرير أرضٍ بينما يُثقل الحزن أرواحنا؟ ما قيمة الفرح إن كان طريقه مفروشاً بجثث الأبرياء؟ هذه الحادثة ليست فقط مأساةً فرديةً لعائلات الضحايا، بل هي رسالة صادمة بأنّ تحرير الأرض لا يكتمل إلا بتحرير الأرواح من الخوف والموت.
ما حدث اليوم يعكس واقعاً قاسياً: لم تعد الفواجع توقف الزمن، أو تصدمنا كما يجب. أصبحنا نعيش في حالة تأقلم مخيفة مع الموت، وكأننا جميعاً سجناء مصيرٍ محتوم.
موت يتحوّل إلى "تراند"
في زمنٍ تحكمه السرعة والبحث عن "التراند"، باتت المآسي وقوداً للمشاهدات واللايكات. حادثة اليوم لن تكون استثناءً، فهي ستصبح مادةً دسمةً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتسابق البعض إلى نشر الصور والتعليقات، وحصد التعاطف الافتراضي، دون أن يسألوا أنفسهم: كيف نكرّم هذه الأرواح؟
تحوّل الموت إلى ظاهرة استعراضية تفقدنا جوهر المأساة. وكأننا نعيش حالةً جماعيةً من الرياء، حيث نذرف دموعاً رقميةً، ثم ننتقل إلى "التراند" التالي.
مائدة "التراند" الأخير
في عصرٍ بات فيه كل شيء قابلاً للاستهلاك الرقمي، حتى المآسي، تتحوّل الحوادث الإنسانية إلى "مائدة تراند" يُقبل عليها الجميع دون تردد. حادثة الجامع الأمويّة ليست استثناءً، فقد أصبحت خلال ساعات مادةً دسمةً تتناقلها الشاشات والهواتف، وكأنّ أرواح الضحايا مجرد تفاصيل تُضاف إلى سردية الرياء الرقمي.
هل ستقف هذه الحادثة كحدٍّ أخير لهذا السباق المحموم نحو جمع اللايكات والتعاطف الافتراضي؟ هل سنتوقف للحظة لنفكر في إنسانيتنا التي تُسحق مع كل مشاركة أو تعليق يزيد من بريق "التراند"؟ كيف يمكننا أن نستمر في تقاسم الحزن، وكأننا في وليمة رقمية تُدار على حساب كرامة البشر؟
في لحظةٍ كان الوطن فيها يحتفل بتحرير أراضٍ جديدة، جاءت هذه الفاجعة لتذكّرنا بأنّ هذا الفرح مؤقت، وهشّ، كأنّ الموت بات شريكاً دائماً لنا في تفاصيل حياتنا.
ربما حان الوقت لنتساءل بصدق: هل فقدنا البوصلة الأخلاقية؟ هل أصبحنا عاجزين عن التعامل مع الكوارث بغير لغة الاستهلاك والاستعراض؟ موتٌ تحت سقف الجامع اليوم، يفرض علينا وقفة تأمّل، ليس فقط في الحادثة ذاتها، بل في الطريقة التي نختار أن نروي بها قصص الألم، بعيداً عن الركض خلف "تراندات" تُسقط الإنسانية في سباقها.
سقف الوطن المهشّم
ما حدث تحت سقف الجامع الأموي اليوم، هو انعكاسٌ لحالة الوطن بأكمله. وطنٌ يبحث عن معنى للحياة وسط ركام الموت. سقف الجامع الذي كان شاهداً على التاريخ، أصبح شاهداً على هشاشتنا الحالية. وكأنّ هذه الفاجعة تقول لنا: لن يكتمل التحرير إلا بتحريرنا من هذا العبء الثقيل.
الواقع المعيشي الحالي
لا يمكن قراءة حادثة الجامع الأمويّ بمعزل عن الواقع المعيشي المتردّي الذي بات يخنق كل تفاصيل الحياة اليومية في دمشق. ففي مدينةٍ تُثقلها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، أصبح البحث عن لقمة العيش معركةً يوميةً يدفع ثمنها الجميع دون استثناء. الفقر المدقع، البطالة المرتفعة، والانهيار السابق للعملة الوطنية، جعلت من الحياة عبئاً لا يطاق، حيث باتت الكرامة تُباع على أرصفة الطوابير، والأحلام تُدفن تحت أقدام الحاجة.
هذا الواقع المتشظي يعيد صياغة علاقتنا بالأمان والكرامة. كل خطوةٍ نحو تحسين الحياة تبدو كأنها تسير على حافة الهاوية، وكل ابتسامةٍ تُشبه فعل مقاومةٍ في وجه انهيارٍ قادم. في ظلّ هذا المشهد، لا يُمكن استبعاد أن يكون الانهيار المعيشي هو الجذر العميق لكل مأساة تُصيبنا، تماماً كما حدث تحت سقف الجامع الأموي.
التدافع نحو الأكل: التمثيل الحيّ للّقمة المغموسة بالدم
حادثة الجامع الأموي هي انعكاس حرفي ومؤلم لفكرة التدافع، ليس فقط نحو الطعام، بل نحو البقاء ذاته. مشهد الأرواح التي أزهقتها هذه الحادثة يُظهر كيف أصبح التدافع من أجل أبسط مقومات الحياة ترجمةً حقيقيةً للواقع. الفقر، الذي كان لعقود قصةً هامشيةً في حياتنا، تحوّل اليوم إلى اللاعب الأساسي في تفاصيل المأساة اليومية، حيث يتقاتل الناس على كسرة خبز أو وجبة تسد الرمق.
في الجامع الأموي، وقف الناس في طابورٍ طويل لتلقّي "وجبة" من الأمل، لكن يبدو أنّهُ كُتبَ علينا أن نتناول اللقمة المغمسة بالدّم والتي تحولت من تعبير مجازي يستخدمه الشارع السوري للدلالة على صعوبة الوصول إلى مصادر الرزق التي نؤمّن منها قوت يومنا، إلى طبقٍ كبيرٍ من الدماء علينا الوقوع فيه حتى نتمكن من البقاء على قيد الحياة، وكأنّ السردية الحاضرة تقول: "لا حياة للسوريين دون موت، ولا موت إلا عن طريق مصادر الحياة".
فاليوم، بدلاً من أن تكون هذه الوجبة طبق احتفال ببدايةٍ جديدةٍ، أصبحت شاهدةً على جرحٍ جديد يُضاف إلى ذاكرةٍ مليئة بالألم. التدافع في الجامع ليس مجرد حركة عشوائية، بل صورة حيّة لما وصلنا إليه من انكسار، حيث لم يعد الموت في سبيل الأكل أمراً مستبعداً بل أصبح أمراً واقعاً.
في الجامع الأموي، وقف الناس في طابورٍ طويل لتلقّي "وجبة" من الأمل، لكن يبدو أنّهُ كُتبَ علينا أن نتناول اللقمة المغمسة بالدّم والتي تحولت من تعبير مجازي يستخدمه الشارع السوري للدلالة على صعوبة الوصول إلى مصادر الرزق إلى حقيقة
ما حدث تحت سقف الجامع الأموي يُلخّص واقعاً يتكرر يومياً على شكل طوابير أمام الأفران، ومحطات الوقود، أو حتى منافذ المساعدات. في كل تلك الطوابير، هناك تدافع صامت لا يُرى، لكنه يعكس المعادلة القاتلة نفسها: فقرٌ يدفع إلى الفوضى، وفوضى تلتهم الأرواح.
متى نعيش بلا موتٍ مفاجئ؟
بين الاحتفالات والتحرير، وبين الموت والفقد، يظلّ السؤال الذي يؤرقنا: متى نستطيع أن نفرح دون أن ينغّص الموت أفراحنا؟ متى يتحوّل سقف هذا الوطن إلى مظلّة أمان، لا إلى مقبرة للأحلام؟
حادثة اليوم هي دعوة للتأمل، وللتوقف عن التعايش مع الموت كأنه جزء طبيعي من حياتنا. ربما لن نتمكن من تغيير كل شيء، لكن على الأقل يجب أن نحفظ للأرواح حقها في أن تُحترم، وأن نتساءل: ما قيمة الحياة إذا ظلّ سقفها مهشّماً؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Sam Dany -
منذ يومينانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ يومينلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ 3 أياموحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ 4 أيامالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياماهلك ناس شجاعه رفضت نطاعه واستبداد الاغلبيه
رزان عبدالله -
منذ أسبوعمبدع