شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حافظ وبشار... هكذا تاريخ يؤدي إلى هكذا نتيجة

حافظ وبشار... هكذا تاريخ يؤدي إلى هكذا نتيجة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الأحد 8 ديسمبر 202404:18 م

انتهى حكم آل الأسد في سوريا بعد ما يزيد على خمسة عقود من التحكم بمفاصل الدولة، وإدارة الصراعات مع الشعب ومع الخصوم السياسيين والمذهبيين ومع الجوار بكافة تعقيداته. لقد جاء هذا الحكم كآخر انقلاب عسكري في دولة وسمت حياتها السياسية الانقلابات المتتالية والسريعة بعد عصر استقلال الدول في المنطقة، مثبتاً بذلك حكماً طويلاً لحزب البعث العربي الاشتراكي تحت يافطة "الحركة التصحيحية". هذه الحركة التي استمر مفعول استخدامها صالحاً على مدار خمسة عقود من الصعود والهبوط، من السلم والحرب، من الاكتفاء الذاتي اقتصادياً ومن الفاقة وانقطاع الكهرباء وانهيار العملة الوطنية. 

نهاية التوأم البعثي 

لقد حارب آل الأسد تحت هذه اليافطة توأم حزب البعث في العراق على مدار سنوات طويلة، انتهت بانضوائهم العسكري الصريح تحت مظلة التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية ضد نظام صدام في حرب الخليج الأولى 1991، رغم كل الشعارات العروبية والوحدوية التي يتبناها الشق السوري من الحزب.

في لبنان غير النظام تحالفاته وأدواته منذ انخراطه الأول مع القوات المارونية اللبنانية ضد الوجود الفلسطيني مع بداية الحرب الأهلية عام 1976، واشتراكه "المزعوم" في مذبحة تل الزعتر، وقتله "المزعوم أيضاً" لقائد الحركة الوطنية اللبنانية، الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، إلى تصدره قوات الردع العربية و "احتلال" لبنان فيما بعد لمدة ثلاثين عاماً، تم خلالها تغيير الحلفاء والأدوات، تارة مع الحركة الوطنية وتارة ضد حركة أمل، مرة مع قائد الجيش ميشيل عون ومرة ضد الزعامة المسيحية .. وهكذا. 

لقد جاء هذا الحكم كآخر انقلاب عسكري في دولة وسمت حياتها السياسية الانقلابات المتتالية والسريعة بعد عصر استقلال الدول في المنطقة، مثبتاً بذلك حكماً طويلاً لحزب البعث العربي الاشتراكي تحت يافطة "الحركة التصحيحية". هذه الحركة التي استمر مفعول استخدامها صالحاً على مدار خمسة عقود من الصعود والهبوط، من السلم والحرب، من الاكتفاء الذاتي اقتصادياً ومن الفاقة وانقطاع الكهرباء وانهيار العملة الوطنية 

في فلسطين وحول فلسطين لم يكن الأمر مختلفاً بشكل جذري، ففي حين كانت اللغة تحمل في طياتها تضامناً صادقاً مع الشعب الفلسطيني وانحيازاً لا لُبس فيه إلى جانب الحق الفلسطيني وضد أعدائه من الاحتلال والحركة الصهيونية، إلا أن هذا النظام هو من أكثر من حاربوا وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لشعبها وقضيته. فمن استضافة، بل ورعاية تشكيل جبهة الرفض من فصائل منشقة أو مناوئة لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 إلى رعاية انعقاد المجلس الوطني في دمشق عام 1979، ومن رعاية الوحدة الفلسطينية، والوقوف مع حركة فتح وياسر عرفات بعد اتفاقيات كامب ديفيد، إلى محاربتها واعتبار عرفات خائناً ودعم المنشقين عن حركته بالسلاح والإعلام.  

هل كان وبالاً على جيرانه؟ 

مع الأردن لا يختلف الأمر كثيراً، مع وضد، ثم مع، ثم تجلى الأمر في السنوات الأخيرة عبر انتهاك منظم للحدود المشتركة من خلال تهريب السلاح والمخدرات. العلاقة مع الخليج شائكة وغير مفهومة هي أيضاً، ففي حين يقف نظام الأسد بشكل قاطع ومعلن ضد اتفاقيات أبراهام التطبيعية بين الإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل، إلا أن أول اتصال قام به بشار الأسد بعد بدء هجوم هيئة تحرير الشام على حلب كان مع رئيس الإمارات محمد بن زايد.

حتى مع إسرائيل فإن العلاقة يكتنفها غموض كبير وتحاط بسرية غير مفهومة، ففي حين تبدو الحدود الإسرائيلية السورية هي الأكثر أماناً وانضباطاً منذ حرب تشرين 1973، بحيث لم تُطلق رصاصة على الجولان السوري المحتل، إلا أن دعم النظام السوري لحزب الله، أمر مفروغ منه. وفي حين تطالب سوريا تحت حكم هذا النظام باسترجاع أرضها المحتلة، إلا أنها قامت بالتخلي العلني عن مزارع شبعا ورمتها في حضن حزب الله اللبناني بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في عام 2000، أي أنها تفضل المحاربة بالوكلاء وعلى أرض الوكلاء. وفي حين كان حافظ الأسد يكيل عبارات التخوين لنهج المفاوضات الذي اختاره عرفات والملك الأردني، إلا أنه أعطى لنفسه الحق بالتفاوض على ترتيبات أمنية بين البلدين، بما عرف بتفاهمات أمنون شاحاك وحكمت الشهابي، وأعطى لنفسه الحق أيضاً بالمطالبة لسنوات بتطبيق "وديعة رابين" ولم يعتبر ذلك تصرفاً خيانياً.  

علاقة النظام الأسدي مع إسرائيل يكتنفها الغموض، ففي حين تبدو الحدود الإسرائيلية السورية هي الأكثر أماناً وانضباطاً منذ حرب تشرين 1973، بحيث لم تُطلق رصاصة على الجولان السوري المحتل. 

لم هذا الاستعراض التاريخي مهم؟ لكي نفهم حجم البهجة التي تجاوزت حدود سوريا لدى فئات كثيرة في العالم العربي، ولكي نستوعب حجم الخيبة لدى فئات أخرى كثيرة هي أيضاً. أما الأهم من ذلك فهو تهيئة القارئ لما ستتكشف عنه الأيام القادمة من أسرار كانت في أدراج النظام الزائل، ولم يكن يعرفها أحد.

سنترك تحليل السرعة غير المألوفة في سقوط هذا النظام لمقالات قادمة، ولكن ما لا بد منه من أجل ذلك ومن أجل خلاصة هنا، هو ما فعله بشار الأسد نفسه خلال ثلاثة عشر سنة من مواجهته لثورة شعبه، أو ما يسميه آخرون، وهو منهم، العدوان الكوني على سوريا. فبصرف النظر عن الخلاف حول ما جرى في سوريا خلال هذه السنوات، إلا أن المؤكد هو تحويل سوريا لقاعدة إيرانية وقاعدة روسية. 

 الكوريدور الأوروبي الهندي 

لقد قامت إيران بموافقة هذا النظام بتحويل هذه القاعدة إلى جزء مما يمكنني تسميته "طريق الحرير والقنابل"، أي أن طريق الحرير القديم قد تم استخدامه لنقل السلاح من إيران عبر العراق ثم سوريا إلى لبنان. أقصد أن بشار الأسد حوّل بلده إلى ممر للسلاح والتهريب، وكان بإمكانه أن يخوض هو حربه الخاصة مع إسرائيل العدو لاسترجاع الجولان المحتل ومزارع شبعا، بدلا من حرب الوكالات التي ورثها واستكملها عن نظام أبيه.

ولأن هذا الطريق قد عفا عليه الزمن لصالح مستقبل طريق آخر هو الكوريدور الأوروبي الهندي، والذي يؤشر إلى عالم المستقبل، فكان لا بد من التخلص ممن يتمسكون بهذا الطريق ومن حلفائهم، إما بالإقناع كما يحدث مع العراق، وإما بالإسقاط كما حدث مع بشار. 

في لبنان غير النظام تحالفاته منذ انخراطه الأول مع القوات المارونية اللبنانية ضد الوجود الفلسطيني مع بداية الحرب الأهلية عام 1976، واشتراكه "المزعوم" في مذبحة تل الزعتر، وقتله "المزعوم أيضاً" لقائد الحركة الوطنية اللبنانية، الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، إلى تصدره قوات الردع العربية و "احتلال" لبنان فيما بعد لمدة ثلاثين عاماً 

خلاصة القول، لا يمكن ادعاء المفاجأة من الموقف المتجانس لكثير من الدول حول ما جرى وحول طريقة انتقال السلطة كما يرغبها العالم، ومن هذه الدول ما هو على خلاف كبير في قضايا أخرى سياسية أو أيديولوجية. أقصد أن التوافق الأردني السعودي التركي الإماراتي الأمريكي الروسي، وحتى أننا نشهد اتفاقاً بين قنوات الجزيرة والعربية وسكاي نيوز، مما يعني أن مصلحة التوافق في الموقف انطلاقاً من النظر إلى مشاريع المستقبل التنموية، أهم بكثير من الخلاف حول قضايا سياسية، وإن كانت في صميم السيادات الوطنية والمسلمات القومية. بالطبع لا يمكننا أن نتناسى دهاء الأمريكيين وخصوصاً الديمقراطيين منهم. وللحديث بقية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image